|
مسرحية شجر وحجر إبراهيم خلالية
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6506 - 2020 / 3 / 4 - 22:04
المحور:
الادب والفن
من المفترض أن نحكم على المسرحية من خلال عرضها، حيث هناك دور لأداء الممثلين وللإضاءة والصوت والديكور، فالمسرح عالم قائم بذاته، ولكن بما أننا أمام نص أدبي مكتوب ومنشور ورقيا، فلا بأس من تناوله كنص أدبي، المسرحية تتكون من شخصيات ايجابية: أبو فتحي وجميلة وفتحي وحسن الذي يقول بدور البهلول، الشخص العارف والعالم بالحقيقة، والتي يتحدث مرة بإيحاء، وأحيانا برمزية، وأيضا بواقعية، وأبو صلاح الذي نسمع عنه وعن تمسكه بزيتونته ووقوفه أمام رئيس البلدية ونعيم اللذان يحاولنا قلع زيتونته وزرعها في حديقة(بارك) الاستقلال، أما الشخصيات السلبية، نعيم الصهيوني مسؤول الأملاك المتروكة، أو ما يعرف بأملاك الغائبين، ورئيس البلدية الذي يمثل دولة الاحتلال، وأبو طالب الفلسطيني الذي يمهد ويسهل اعمل نعيم، وهيام الصحفية، والتي تبيض وتُجمل أعمل نعيم ورئيس البلدية، من خلال التقاط الصور وتقديم التقارير الصحفية، ونسمع عن "طالب" دون أن يتحدث مباشرة كحال أبو صالح. مكان الحدث "تل الفخار" وهو قرية فلسطينية مهجرة، يسعى نعيم لتحويلها إلى حديقة، "بارك الاستقلال"، لكن هناك حجر أسود وقف عائقا أمام تنفيذ المشروع حسب مخطط نعيم، لها يُجبر أن يبقيه في مكانه. سنتناول الشخصيات بإيجاز، شخصية أبو طالب الذي يقوم بدور العراب لنعيم: "ولك نعيم كان ضابط بالجيش.. وغصب عن الدولة عينه مسؤول عن الأحراش والأموال المتروكة.. هو الدولة .. فش حدا بيسترجي يحكي معاه أو يوقف بطريقه... إذا بتزودها الأرض الي أنت استوليت عليها .. وعمرت بيتك عليها .. بشلحك إياها وبوخذها منك" ص38، التهريب والترغيب وسيلة أبو طالب لجعل "أبو فتحي" طيعا ومنفذا لأوامر نعيم. وحتى عندما يحاول حسن أن يثبت اسم تل الفخار على الحديقة يرد عليه أبو طالب "بلا فخار بلا حجار.. خلينا نسميه "بارك الغابات" ص47. وعندما تقر جميلة خلع الاشجار التي زرعت، يقول أبو طالب: "ما حدا يتحرك.. خلو كل شي محله.. أنا رايح أنادي على الخواجا نعيم ورئيس البلدية" ص72، فهو شخصية منسجمة مع سلبيتها، وتعمل بجهد وانتماء لخدمة نعيم ورئيس البلدية. أما شخصية نعيم فهو أحيانا يكون دبلوماسي، وأحيانا يتعامل بجفاء كأي صاحب عمل يهمه انتزاع جهد العمال بأبخس الأثمان، حسب الموقف، لكن مهمته الاساسية العمل على تغريب/تهويد تل الفخار وتحويله إلى "بارك الاستقلال": شوفوا يا رجال! .. .اليوم بدي هاي الحجارة تكوموها هناك...منبني فيها مقاعد وديكورات حلوة... أما قطع الفخار بتجمعوها هون... ما تكسروهن ولا تكبوهن" ص35، وعندما قرر أبو فتحي أن يضرب عن العمل، يخاطبه: "خبروني شو صار بالتل؟.. إحكو لي شو صار؟ إضراب! .. شو الإضراب؟.. أبو فتحي إنزل روح ع بيتك بسرعة" ص72، فهو منسجم مع ذاته مع الدور الذي يقوم به، السيطرة على الأرض وتعريبها وتغير معالمها، وأيضا الاستيلاء على الآثار الموجود فيها وداخلها. ورئيس البلدية مسجم مع دوره في تأكيد يهودية الأرض والمكان: "...من الصبح وإحنا نتحايل على أبو صلاح نقلع شجرة الزيتون .. رايحين نقلعها... سمعت إنه أبو فتحي عامل إضراب! شو مطالبك يا أبو فتحي؟ وللا مطالب مجهولة؟ يا جماعة! تهكلوش هم .. إحنا في البلدية شكلنا طاقم لإنهاء مشروع البارك بالموعد" ص73. أما شخصية هيام الصحفية، فكل ما يهمها التقاط الصور وجعل نعيم ورئيس البلدية راضين عنها: " وسع .. وسع .. إبعد هناك.. إتفضل يا رئيس" ص72، وعندما تتحدث جميلة عن حالة أبو فتحي الصعبة، ترد عليها هيام: "سكري نيعك ولي! وبدون لماظة!.. وتحكيش على اللي أحسن منك" ص74. أما الشخصيات الايجابة فهي أبو فتحي الذي يجبر على العمل في الاحراش بعد أن ترك العمل في الكسارات والمحاجر: وهي شخصية تتقلب أحيانا، لكنها سرعان ما تعود لأصلها الطيب، يقوم بإعطاء صندوق أم فتحي لأبو طالب والذي بدوره يعطيه لنعيم، ـ الصندوق أحد الرموز في المسرحية ـ وكلما حاول أبو فتحي أن يتحدث مع نعيم مباشرة، يتدخل أبو طالب ويميع الموضوع: " يا خواجا!.. أنا .. غي موضوع .. قصدي .. موضوع الصندوق بعده ما خلص .. يعني .. يا أبو طالب أحكي .. قل له بدي حقي .." ص61، وبعدها يصعد أبو فتحي بحيث يقرر الإضراب عن العمل إلا إذا أعاد له الصندوق: " مش رايح أشتغل إلا ما تجيب الصندوق.. صار لك شهرين بتقول لي بكرا وبكرا.. واستنى شوي.." ص61، وعندما يعرض عليه مبلغ مالي عوضا عن الصندوق يقول: "بديش مصاري .. أنا بدي الصندوق" ص61، بعدها يقرر الاضراب عن العمل. أما شخصية "جميلة" فهي تمثل الفتاة المتمردة على السلطة، السلطة الأبوية/العائلة وسلطة الدولة، تختار فتحي حبيبها وتفضله على طالب، رغم التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بينهما: "طالب كل يوم يبعثلي حدا.. يوم أمه .. يوم أخته وأمي موافقة وبتقولي طالب أحسنلك من ابن اللاجئ" ص22، ونجدها تحسن المواجهة والتصدي لنعيم ورئيس البلدية: "حسن الجؤيشي ابن خالتي قال أنه في مؤامرة بدها تصير ع التل وأبو طالب ونعيم ورئيس البلدية وراء الموضوع وما صدقت، .. كيف انت راضي؟؟ حاسس بشيء مؤامرة؟ ولا ساكت حضرتك على شان اشتعلت؟" ص42، هذا الخطاب موجه لأبو فتحي، فهي لا توفر أحد، وتخاطب الجميع حسب الموقف وبصراحة، وعندما يقوم أبو فتحي بالإضراب تخاطبه: "لا يا أبو فتحي!.. خليك واقف .. وأنا معك" ص72، ونجدها تكرر هذا الخطاب في آخر المسرحية: " خليك محلك.. خليك صامد.. أنا معاك ..أنا معاك" ص75. أما الشخصية المحركة للمسرحية فهي شخصية حسن، وهو يتماثل مع دور البهلول الذي يعرف ويكشف الأحداث بطريقة ساخرة، وأحيانا بالتلميح والرمز، وأحيانا بشكل مباشر وواقعي، عندما يقول له فتحي اذهب إلى اليونان التي يعشقها يريد عليه: "يا فتحي! أبوك صار له عايش عشرين سنة في هالبلد وبعده بقول عن حاله لاجئ، وحضرتك خلقت هون وبرضه بقولولك إنت لاجئ ابن لاجئ، أيش يعني بدك إياني أصير لاجئ في اليونان؟!" ص ص27، وعندما يحدثه فتحي عن المستقبل والتغيير، يرد عليه بحكمة: ".. إذا الحياة بترجع زي ما كانت هاي مهزلة.. والطبيعة لا تقبل المهازل.. عشان هيك اللاجئين راحين يرجعوا .. بس رايحين يظلوا لاجئين .ز فاهم علي؟ إشرب ...أنا بفهمك .. شايف هاي القنينة؟ بيرة .. قل شوي كانت قنينة بيرة مليانة .. وإسا صارت قنينة بيرة نص مليانة.. فهل ممكن ترجع قنينة بيرة مليانية؟، ممكن. إذا عبيناها كمان مرة! بس بتبطل قنينة بيرة اللي كانت أول مرة .. لأنه نصغها من جوا ونصها من برا" ص28، من اجمل المشاهد في المسرحية والذي يشير إلى عودة اللاجئين، وكأنه يقول حتى لو عادوا سيبقوا لاجئين، فالتغييرات كثيرة، ليس على الأرض المكان فحسب، بل على اللاجئين أيضا. وعندما يخاطب أبو طالب بخصوص الاحتفال بالحديثة يقول : "...شو قلتلي إسمه؟ .. الاستقلال؟؟! بس أنا مش عاجبني الإسم. .. لازم يظل أسمه تل الفخار" ص63، وعندما يعجزون عن خلع الحجر الأسود: يقول: " هذا الحجر شكله راسه يابس.. يا عمي قلنا لكم سيبوه ع التل" ص66، " أنا شايف إنه فش إشي عم يتحرك من محله.. لا الزيتون ولا الحجر" ص67، وعندما (يتخشب) أبو فتحي بجانب الحجر الأسود يقول: " أبو فتحي! مبسوط هيك؟ صرت جزء من معالم التل" ص70. في المسرحية أكثر من رمز، صندوق أم فتحي: "هذا صندوق الخطبة، وفيه كل الأوراق.. جبته لأم فتحي وهي معتزة فيه كثير.. الصندوق هو البلد بالنسبة إلها" ص63، الحجر الأسود: "هذا الحجر لا بتحرك ولا بتزحزح" ص60 شجرة أبو صلاح" عمال البلدية صارلهم يومين بحالوا يقلعوا شجرة أبو صلاح ومش قادرين" ص67، وهذا ما أضفى عليها لمسة جمالية، فالرمز عندما يتم استخدامه بشكل لائق، يترك أثر إيجابي على المتلقي. لكن هناك ملاحظات على المسرحية، بداية المؤلف جعل العنوان "شجر وحجر" حيث قدم الشجر على الحجر، علما بأن مضمون وفكرة المسرحية تركز على "الحجر الأسود" الذي يمثل الأصل/الأساس/الرمز، فكان أولى أن يجعل العنوان الحجر والشجر، كما نجد تحول سلبي في شخصية حسن، علما بأنه كان يمثل الشيفرة الحل للمسرحية، ويضفي لمسة جمالية عليها، فكيف أنطلقه بهذا القول: "... وانتم البلدية روحوا إقلعوا شجرة أبو صلاح.. وازرعوها بساحة البلدية .. يلا روحوا.. كل واحد يشوف شغله.. وخلوني هون أشرب لي قنينة بيرة" ص74، فحسن هنا يتساوى مع رئيس البلدية ونعيم وأبو طالب. وبعد أن يتخشب أبو فتحي يقول في آخر المسرحية : يا جماعة الأمور متأزمة .. أحسن إشي نغني ونرقص" ص75، وهذا القول كان قبل الفقرة الأخيرة التي تحدثت بها جميلة، من هنا نقول أن شخصية "حسن" فقد المؤلف السيطرة عليها، بحيث خرجت عن مسارها وطبيعتها، فشوهت وحرفت. وكما نجد هفوة وقع فيها المؤلف عندما جعل رئيس البلدية يتكلم بلغة الرئيس ياسر عرفات: "مشروع البارك قائم رغم التضحيات .. شاء من شاء وأبى من أبي!" ص74، وهذا أيضا أحدث خلل في الفكرة التي أراد المؤلف تقديمها. وهناك ملاحظة على اسماء الشخصيات، فلو أنه غير اسماء الشخصيات الصهيونية إلى اسماء غير عربية لكن افضل وأكثر انسجاما مع الفكرة التي تحملها مسرحية (حجر وشجر). المسرحية من منشورات الرعاة للدراسات والنشر، رام الله، فلسطين، وجسور للنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة الأولى 2020.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هم ونحن في الانتظار الجميل كميل أبو حنيش
-
مناقشة «كتاب الوجه – هكذا تكلم ريشهديشت»
-
وجه في ظل غيمة أمين خالد دراوشة
-
أثر السجن في قصيدة -في السجن- منذر خلف مفلح
-
حبيبتي السلحفاة محمود عيسى موسى القسم الثالث
-
القسم الثاني حبيبتي السلحفاة محمود عيسى موسى
-
حبيبتي السلحفاة محمود عيسى موسى
-
عديقي اليهودي، القسم الثالث محمود شاهين
-
الشعر في -كتاب الوجه- هكذا تكلم ريشهديشت- للشاعر محمد حلمي ا
...
-
بناء القصيدة عند سمير التميمي -رأيت الحقيقة
-
اللغة والألم في -القرص المربع- كميل أبو حنيش
-
حلم فلسطين
-
مناقشة مجموعة قصصية بعنوان رقصة الشحرور
-
عديقي اليهودي، القسم الثاني محمود شاهين
-
عبود الجابري تكرار
-
رقصة الشحرور مصطفى عبد الفتاح
-
عديقي اليهودي رواية فكرية تاريخية سياسية محمود شاهين
-
محمد داود -عيد الحب-
-
كبوة القراءة والكتابة
-
سوريانا وسهى وأنا -على وهج الذاكرة- عيسى ضيف الله حداد
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|