|
هم ونحن في الانتظار الجميل كميل أبو حنيش
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6505 - 2020 / 3 / 3 - 18:54
المحور:
الادب والفن
هم ونحن في الانتظار الجميل كميل أبو حنيش يستمر الأسير كميل أبو حنيش في ارسال رسائله، بلغة جميلة وناعمة رغم الألم والوجع الكامن فيها، وكأنه من خلال جمالية اللغة يحاول أن يخفف علينا شيئا من تلك الآلام والقسوة، ولا ابالغ أن قلت كلما اشتدت قسوة الرسائل كلما تألق اللغة، وهذا الأمر لا يأتي من حالة الوعي عند المرسل، بل يأتي من خلال العقل الباطن، الذي يوجهه إلى مواطن الألم، فيخلق مخففات ومسكنات لهذا الألم والقسوة. واللافت في هذه الرسالة أنه وجه خطابه لنا مباشرة، في اكثر من موضع، كما أننا نجد الزمن الدائري، اللولبي: "فلولا هذا السراب لما كانت علينا مواصلة شيء دائري"، والأبواب الزرقاء "، وخلف الأبواب الزرقاء الموصدة لم نعد نشعر بالزمن"، ونجد صورة الشمس باهته: "وتتسلل الآمال كأشعة الشمس إلى عتمات زنازيننا الضيقة" فالشرح الطويل يعكس المعاناة التي يمر بها الأسير ورفاقه الأسرى. ويكشف أثر الجداران عليه والعزلة التي فرضتها المحتل، بحيث أمسى لا يهتم بالألقاب والمسميات: "سيقال عمن يتخطى عتبة الربع قرن في الانتظار (جنرالات الصبر)، ونحن نتساءل بدون أي جدوى كانت كلامية ما هو الصبر؟ نحن لم نعد نعرف له أي معنى، لم تعد لهذه المفردة أيّة دلالة أو قيمة في هذا المكان، وفي هذا الزمان الذي لا يحدّه أي حد... ففي هذه الصحراء الشاسعة من المؤبد الرمادي يتعين عليك أن تخطو" فهو يخاطبنا نحن، وكأنه يدعونا لنتحرك باتجاهه، فلم تعد الكلمات الكبيرة التي نطلقها عليهم، والتي نريد بها أن نقنع أنفسنا بأننا قمنا بواجبنا تجاه الأسرى، فقد جعلناهم قادة وجنرالات، فماذا يريدون أكثر من هذا؟، لكنهم في حقيقة الأمر يبقوا بشر، يشعرون ويتألمون، ويريدون الحياة السوية و(العادية)، لهذا لم تعد الألقاب ذات أثر عليه ولا على رفاقه. وإذا ما توقفنا عند الألفاظ المستخدمة سنجدها قاسة ومؤلمة، وهذا أيضا يشير إلى الواقع الصعب الذي يمر به الأسرى. ويتقدم أكثر في توضيح الواقع الذي يمر به: "لسنا جنرالات وليس الصبر طريق لهذا الانتظار الطويل" وهو هنا يرد علينا الألقاب، فلا يريد كلام، بل شيء ملموس يسهم في تحريره وتحرير رفاقه، وحتى أنه يرد علينا عجزنا حينما نقول: "الصبر مفتاح الفرج"، والذي به نحاول أن نبرر عجزنا وعدم فاعليتنا تجاه الاسرى، فنحن عندما نقول للأسرى: "الصبر" لا نريدهم أن يصبروا، فهم بالأساس مجبرين ومكرهين على الصبر، لكننا نريد به أن نبرر لأنفسنا، عجزنا وتقاعسنا تجاه الاسرى، فقد قدمنا لهم (كلمة بوزن جبل). ويتقدم أكثر في تبيان عورتنا نحن (الأحرار): "ونحن أيضاً بتنا متشابهين من الداخل والخارج، في الظاهر والباطن، أحلامنا وآمالنا متشابهة. نحتسي الآمال المعبقة" فنحن واياه مكبلين بالأصفاد، وبما أنه هو في الواقع أسير، فلا عيب أو ضرر عليه، بينما نحن (الأحرار) والذين ندعي أننا معهم ونعمل لأجعلهم، نتساوى معهم في الدوران. بعد أن اكشف المرسل عورتنا أمام أنفسنا وأمام الأسرى، يعمل على اعطائنا جرعة من الأمل، فقد علمنا وعرفنا مشكلتنا: "أحلامنا متحفزة بالانطلاق من مراقدها حينما تصير لها أجنحة.... فهنا كبرت أجسادنا ولكن لم تشخ أرواحنا ونحن نحيا حالة الانتظار الجميلة والجليلة" فلا يريدنا أن نقنط، لهذا يرفع من معنوياتنا ويمدنا بالطاقة من خلال الحلم، الأمل، وكأنه يقول إذا كنا نحن الأسرى في السجون منذ اكثر من ربع قرن متمسكين بالحلم والأمل، فما بالكم أنتم؟، وأهمية الرسالة أنها تبين عيوبنا/مشاكلنا وفي ذات الوقت تقدم الحل، فالمرسل صحاب رسالة سامية، لهذا هو لا يريد أن (يفش غله) بل يريد أن يقدمنا من المسار الصحيح. "هنا تستيقظ أحلامنا في النهار وتعود في الليل إلى طفولتها البريئة، فنحن لم نكبر، لازلنا أطفالكم ولم تصدقوا بأننا نغدو أطفالاً كلما كبرنا، تقصر أعمارنا لأن عالمنا صغير، وحتى مرحلة الطفولة نشرع في رحلة على أجنحة الخيال لكي نوسع آفاقنا، فالخيال الواسع هو زادنا وعتادنا لكي نحلق من خلاله بعيداً عن عالمنا الضيق والصغير" يعلم المرسل أننا محبطين وحتى مستسلمين لواقعنا، لهذا يتقدم أكثر في اعطائنا مزيد من الطاقة، واعتقد عندما ذكر "أطفالا" أردا به مدنا بمزيد من الأمل/الأحلام. "كميل أبو حنيش" يسهب أكثر رسم الأمل، الأمل المبني على أسس صحيحة وليس على أوهام: "لأن الترقب شكل من أشكال الابتذال. أما الانتظار فإنه حالة من حالات العشق المكتسي بالأحلام الجميلة بإشراقة شمس الحرية في أرواحنا الحالمة. وهنا نحجم عن مواصلة الانتظار، ولن نكف عن الحلم على الإطلاق حلم الحرية، ولن نسمح لشكوك أن تساورنا في جدوى النضال،" فهو يدعونا ـ بطريقة غير مباشرة ـ للعمل والنضال لتحرير الاسرى، فهم ما زالوا ينتظرونا لنفتح لهم الأبواب، وينظروا الحرية. "ولكم أن تطمئنوا نحن لم نتكلس بعد، بعضنا شارف على اتمام 4 عقود في الأسر ولم يتكلس حلمه وإيمانه العميق بمعنى الحياة، وما برحت تنمو في أعماقنا غابات السنديان "وهذا تـأكيد على إيمانهم بحتمية قدومنا إليهم وفتح الأبواب الزرقاء لهم، فهم ما زالوا بخير وعافية، ليست العافية الجسدية فحسب، بل الروحية والمعنوية كذلك، وما علنا إلا التقدم باتجاههم. "ولن تتجهم أرواحنا يوماً لأن الزمن سيبتسم لنا ويخبئ لنا في غيبه أجمل اللحظات" بهذا الخطاب نكون أمام الحقيقة التالية: الأسرى (ينتظرونا) بشوق، وما زالوا متمسكين بقدومنا إليهم، قدومنا كمحررين ومخلصين/ فمتى نحقق حلمهم؟. "تستقبلوننا حينما يأتي موعدنا مع الحرية كبشر عاديين" يستمر المرسل في تقديم المزيد من الطاقة لنا نحن (البائسين)، فعندما استخدم الفعل المضارع "تستقبلوننا" أراد به أن يحفزنا أكثر على العمل، على افتراض انه قد انتهي من تعبئتنا بالمعنوية والارادة والفكر. "ونحن وإياكم في أوج الفرح والحرية... انتظرونا ونحن ننتظر معكم انتظار جميل سيتكلل بالنهايات السعيدة، فنحن حتماً عائدون." يختم الاسير رسالته بهذا الكلام، مؤكدا على أنه ما زال عاقد الأمل علينا، وللافت في خاتمة الرسالة أن المرسل بعد أن أنبأنا وكشف عيوبنا حينما قال: "بتنا متشابهين من الداخل والخارج" ها هو يزرع فينا الأمل والقدرة على العمل، جامع بيننا من جديد، هم الأسرى في الداخل، ونحن الاحرار في الخارج، لكنه هذه المرة جمع إيجابي. الرسالة منشورة على صفحة شقيق الأسير كمال أبو حنيش
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مناقشة «كتاب الوجه – هكذا تكلم ريشهديشت»
-
وجه في ظل غيمة أمين خالد دراوشة
-
أثر السجن في قصيدة -في السجن- منذر خلف مفلح
-
حبيبتي السلحفاة محمود عيسى موسى القسم الثالث
-
القسم الثاني حبيبتي السلحفاة محمود عيسى موسى
-
حبيبتي السلحفاة محمود عيسى موسى
-
عديقي اليهودي، القسم الثالث محمود شاهين
-
الشعر في -كتاب الوجه- هكذا تكلم ريشهديشت- للشاعر محمد حلمي ا
...
-
بناء القصيدة عند سمير التميمي -رأيت الحقيقة
-
اللغة والألم في -القرص المربع- كميل أبو حنيش
-
حلم فلسطين
-
مناقشة مجموعة قصصية بعنوان رقصة الشحرور
-
عديقي اليهودي، القسم الثاني محمود شاهين
-
عبود الجابري تكرار
-
رقصة الشحرور مصطفى عبد الفتاح
-
عديقي اليهودي رواية فكرية تاريخية سياسية محمود شاهين
-
محمد داود -عيد الحب-
-
كبوة القراءة والكتابة
-
سوريانا وسهى وأنا -على وهج الذاكرة- عيسى ضيف الله حداد
-
نبوءة الشاعر في ديوان -عيون الكلاب الميتة- عبد الوهاب البيات
...
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|