صابر عصام
أستاذ باحث
(Aissame Sabir)
الحوار المتمدن-العدد: 6505 - 2020 / 3 / 3 - 03:45
المحور:
الادب والفن
البنية التكوينية في قصة "الشاعرة فيرجينيا"
لعبد العزيز بنار.
بداية القراءة في العنوان:
يرى جيرار جينيت إن العنوان عتبة نصية لامناص للقارئ من عبورها, اذ يقوم بوظيفة اشهارية وتوجيهية وتحريضية, فهو نص صغير يكثف معاني النص قبل الولوج إلى عوالمه, ولعل الوظيفة الوصفية التي حددها جيرار جينيت في الإيحــــاء. لأن التقابل الموجود بين النمطين الموضوعاتي والخبري لايحددان لنا التقابل موازيا بين وظيفتين, الأولى: موضوعاتية والثانية: خبرية, إلا أن التنافس القائم بين هذين النمطين واختلافهما يتبادلان الوظيفة وهي وصف النص بأحد مميزاته إما موضوعاتية كـــــ دلالة العنوان على أنه يفضح أغوار النص قبل الولوج إلى عوالمه وفتح أعطافه, وإما خبرية بمعنى تحيلنا على وصف العنوان لذا فعنوان : الجارة فرجينيا’ جاء من الناحية التركيبية في صيغة المركب الوصفي أما من الناحية الدلالية فربما يحيل عن شاعرة عاشت طرائف حياتها الشخصية والمهنية يصورها لنا الكاتب وفقا لضرورة الحكـــــــي.
الفهم:
بعد دراسة في العنوان وبا القاء نظرة أولية على هذا النص السردي يتضح لنا جليا من خلال شكله الطباعي وما يحتجنه من تكثيف للمعاني وايجاز واختصار للأحداث وحتى حذف في بعض المواقف’ إنه يتعلق بقصة قصيرة, عنوانها كما سبق وأشرنا إليه ’الجار فيرجنيا’ بعد هذه النظرة البانورامية على شكل النص وتحديد نوعيته, حق لنا أن نتبحر في أعماق معانيه وبين أمواج جمله
وكلماته, لكن قبل ذلك من البذهي أن نرسم خارطة طريق تيسر لنا فهم النص وتفسيره وتثبيت أساسا في وضع فرضيات محورية, فسعيا وراء ذلك يتضح بعد ربط وتكثيف معنى بداية ونهاية النص القصصي أن أحداث هذه القصة تدور حول شخصية محورية هي: فيرجينيا
التحليـــــــل:
قبل الشروع في روز مبادئ غولدمان على النص القصصي قيد الدراسة من الضروري وضع القارئ أمام الأسس السنة المشكلة للأنموذج الغولدماني.
ولعل من أشهرها الثنائية التي تحدث عنها غولدمان في البنية التكوينية, أو كما يحلوا للبعض تسميته ’سوسيولوجيا الأدب’ هي ثنائية الوعي القائم والوعي الممكن, فما تصريف الوعي؟ والقائم منه والممكن؟
ان مصطلح الوعي راجع إلى الطابع الانعكاسي للسلوك البشري الذي يستتبع تقسيم العمل.
الوعي القائم يدعى الحقيقي و الواقعي الذي يمكن شرح بنيته و مضمونه بعدد كبير من عوامل ذات طبيعة متنوعة.
أما الوعي الممكن فهو مرتبط بالأول وهو مجموعة من التغيرات والتحولات التي تترتب عن وقائع النموذج الأول.
في القصة القصيرة "الجارة فيرجينيا" تتحدد عناصر الوعي الحقيقي فيها بعدد من المعطيات التي تتعلق ليس فقط بــفرجينيا في حياتها اليومية وإنما تتعداها إلى الواقع العربي المنهار والذي تمثل في الربيع العربي ومحاولته تغيير ما يمكن تغييره.
لقد حاول القاص "بنار" آن يسقط ملامح واقعه على الحياة اليومية للبطلة التي تعيش نوعا من التناقضات’ إذ بكتاباتها الشعرية حاولت التعبير عن ما يخالجها إلا أن هذه الإبداعات خلقت لها جارا في مقر عملها وعاشقا صامتا لها ولأعمالها كما لا يفوتنا أن نشير إلى أنها عاشت حياة حب قاسية لا تتذكر منها إلا النزر اليسير وهو المتمثل أساسا في الرسائل الغرامية التي تحملها معها أينما حلت وارتحلت .
هذه المعطيات وغيرها من شانها أن تكون تصورا ذهنيا جرائه يمكن تغير ووضع حلول ناجعة لهذا الواقع المزري فالربيع أعطى لشعبه رؤيا واضحة وأمال صافية في عيش حياة هادئة أما على مستوى القصة فإن فرجينيا عبر تبادلها نظرات ذات دلالات عميقة يمكن أن يكون هي الخلاص في جعلها تعيش حياة حب كما كانت تتمنى وتعبر عنه في أشعارها
الرؤيا للعالم.
الجارة فرجينيا هي محاولة من محاولات القاص تأويل الواقع في نسيج خيالي رامز يحقق كينونته من التفاعل مع تفاصيل الحياة و شذرات الهموم الإنسانية المشتركة عبر حياة بطلة تقمصت الدور الرئيسي المعبر عنه بضمير السرد في القصة الذي يتماهى مع الإنسان المعاصر المنهك بهمومه والمثخن بأوجاعه والمأسور بآلامه وأماله وهذه القصة تغوص في تصوير صراع الإنسان على مشاق الحياة طارحة أسئلة فلسفية ووجودية تعبر عن وعي القاص بوعيه الكائن وبذاكرته الجماعية غير مهمل للوعي الممكن عبر استشرافه للتفاؤل في المستقبل المعبر عنه في العنوان "جنائن معلقة " فرغم أنه يوحي غلى الاستعصاء فإنه يوحي إلى التفاؤل أيضا فالبطلة فرجينيا تتحدى صعاب الحياة ببسمة متفائلة حين عقد رفقة فرجينيا حبا أبديا كما هو واضح بين أعقاب القصة حتى وإن بعض المتتاليات الحديثة الأولى غائرة في عمق فنجد أخريات صيغت بشكل مباشر لكن إحالة عن المعنى حيث نجدها تدخل إلى قسمها فيه مكتب لا يليق بجمال شاعرة تشبهها فالمقصود ربما أن مأواها يعيش نوعا من الخراب في ظروف يطبعها الفقر والجوع وقلة العمل إن لم نقل منعدم لتنكب عليها القلوب العاطفة التي تراقب أوضاعها من بعيد ويتعاون معها بما استطاعت النفس عليه ماديا أما معنويا معبرا عنها القاص بعبارة جميلة " مسحها الصغار بعيون يتخاصم فيها الفرح والعطش والإعجاب والجوع ..." وهذه الأيدي القصيرة تطبع مساعدتها في ظلال الظلام وعلى نقش الكتب الأخروية.
وفي ظل تلك الجسور الواقفة أمام وجه فرجينيا لكي تحطمها للوصول إلى سقف القمر أي تتسلق سلم الطبقات الاجتماعية كما وصل إليها رواد الغرب ها هي تنشد وتعيد الكرة مرة ومرات لكن دون جدوى بيد أن هناك من كان ينتظر منها البقاء على عزف طرب الشعر هو رجل سقط في حبها الحب الذي جعله يراقب السيدة من خلف الحجرة وينتظر قطيرات من السماء تهب له بمعجزة لربط العلاقة بينهما فلكل كلمة باحت بها فرجينيا كلما اخترق صوتها باب غرفته وزاده وجعا من نار الشوق . فرجينيا تعي أنه تحبه أيضا وتنشد كلمات في قلبه على رسائل الانزياح تأما أن يمد يده لها فإذا به يفهم ويركض لملاقاتها لكنه تأخر ووجد الفجر قد انبلج والنجمة قد اختفت . بكى وهمس في صوت خافت راجيا منها العودة فأجابه الطيف بأن السيدة هنا في الغرفة تنشد قصائدها ظل يسمع لها وواثق من مجاورتها دوما إلا أن للسيدة إحساس أخر بعدما تتأكد من غياب الرجل ترحل رحيلا أبديا يقابله انتظار أبدي هو الأخر . هكذا تطغى فكرة تشبث بالآمال في ذهن القاص في ذهن القاص والتعبير عنها في سطور الأوراق منتظرا أن رغم صعوبة الحياة إلا أن هناك أشياء أخرى ترغم البعض على البقاء حتى لو تعلق الأ/ر على فقدان الروح على وده .
التماثل:
إذا كان جورج لوكاتش قد حدد الأدب مرآة تعكس المجتمع في مختلف البني [اقتصادية اجتماعية سياسية] فإن غولدمان قد خلخل هذه الأسس وأرسى بدلك جديدة هو: سوسيولوجيا-الأدب الذي يحدد الإبداع الأدبي في البني الذهنية في قصة "الجارة فيرجينيا" تجسد الواقع بشكل مركب من خلال البلاغة الأسلوبية المعبر بها عن ذلك.
فالقصة تمثلها شخصيتين يحاولان تجسيد هذا الواقع المتسم بشقائه وصعوبته والذي حاولت فيه فيرجينيا التغلب والتخلص من هذه المعانات عن طريق ربط العلاقة العاطفية والعبير عنها بالنظر خير من الجلوس وانتظار معجزة من السماء تعج بهذه النزلة البئيسة من خلال تيمة على شكل حوارات داخلية تتعايش فيها معاني موحدة بين الفقر والتحدي وحب الناس والنفور منهم والعلق بالمكان والاغتراب داخله والتماهي مع الواقع ورفضه , وهذه التيمة تتخلف من وعي القاص بحقيقة هذا العالم المتناقض والمتنوع
والذي لا يكاد يثبت على حال.
هكذا تفنن المبدع "بنار" في تصوير واقعه الممكن ورسم ملامح رؤياه في صورة مركبة يجتمع فيها الواقعي لتعلقها بالسيد الذي طال يراقبها من بعيد وكذا المشاكل التي تعاني منها والتعبير عنها بطريقة لا مباشرة والمتخيل الطاغي عن إحداث القصة كما نجد ذلك في مستهل القصة "جاءت صباحا كانت ذ
قد تركت كل شيء معلقا فوق الوسائد وكان يلزمها أن تترك قبلة دافئة أو قبلتين أو أكثر وكل هذا يعتبر قوالب القصة القصيرة إلى جانب الأساليب التحريضية واللغوية يغري بتتبع الأحداث والغوص في ثنايا المحكي قراءة وتأويـــــــــلا.
البطل الإشكـــــــالي:
الشخصية التي أثبتت فضاء القصة لن تأخذ غمار المسؤولية على عاتقها بشكل رئيس إنما هي شخصية ورقية يستعملها الراوي لإيصال الرسالة إلى المتلقي متنصلا عن ذلك وفقا لضرورة السرد , فالجارة فيرجينيا وحبيبها في قصتهما لالتقاط ذلك الزمن المفقود أو الفردوس المفقود ومنذور لالتقاط لحظات مرت في الزمن الماضي على الخصوص ولإبراز العلاقة الذاتية في القصة او المجموعة القصصية ككل ولعل القصة هاته يترضخ فيها علاقة الذات بالذات ويتجلى ذلك من خلال الصراعات النفسية والحوارات الداخلية المهيمنة على القصة وعلاقة الذات بسياقات مختلفة وفقا لتعدد الشخوص .
فالأحداث التي تستوحيها قصة الجارة فيرجينيا هي مجموعة من الرغبات والأحلام التي تطمح إليها فيرجينيا وحبيبها ستظل معلقة او مؤجلة في خواطر الشخصيتين بالرغم ان هذا الحلم يلمح له في معظم القصص في المجموعة وهو التغيير الذي يعتبر الخيط الناظم بين قصص المجموعة .
ناهيك عن مجموعة من الجماليات التي تمهزلت في الواقع الربيع العربي وما تركه من خسائر ثقافية وبشرية ترجمتها أقلام بمداد أحمر فرجينيا الشاعرة المثقفة التي عرفت تدهورا على جانبي الحياة المهنية والشخصية هي تريد أن توفر لها الظروف الاشتغال مع تلامذتها الهادئ لكن يبدو أن العنوان فضح أغوار القصة قبل أن نلج إلى عواملها واتضح أن أمال فرجينيا في ذلك بدت معلقة في الأحلام ومحاولاتها الجادة في لقاء السيد لكن دون جدوى إلى أن تفقد الأمل في كل شئ وتخلد في غيابها إلى أن يظل كل شئ معلق
الزمن في القصة :
إذا كان تدوروف حدد الزمن هو الخيط الناظم بين المتتاليات الحديثة في القصة فإن الزمن هنا في قصة الجارة فرجينيا لعب دورا أساسيا سواء في متن القصة المجازي أو المراد به الحقيقي بحيث إن الواقع وقع في الماضي ولازال على قيد الحاضر ولن نعرف مصيره في المستقبل إلى أي حد دلالي يحيط ومما لاشك فيه أن الزمن هنا في القصة وعلى الخصوص الزمن الفلكي فهو زمن استقيناه من المعنى المصوب له صباح مساء وهو الزمن الذي يدل على أحداث الربيع العربي وما وقع في تلك الساحة من صراعات عرقية وجديد طرأ حتى الآن غير التدني في المجتمعات في مختلف البني وزمن الأفعال في حين الفضاء المكاني التي دارت فيه القصة فتوزع من حين إلى أخر تارة في المنزل وتارة أخرى في الحجرة وذلك راجع إلى كون الشاعر تزاوج بين الحياتين المهنية والشخصية وإذا عدنا إلى مقصديه الكاتب فإن تعدد الأمكنة راجع إلى العراك الذي وقع في مختلف بلدان العالم العربي إذا إذا كان الزمكان في القصة القصيرة قد أخد طابعا دلالي معين فهو لايخلو من الإنزياح المعبر عنها دلاليا ليظل الزمن قائما ومفتوحا على جميع الأزمنة
#صابر_عصام (هاشتاغ)
Aissame_Sabir#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟