|
الثار والانتقام ( تأملات وتساؤلات)
خالد صبيح
الحوار المتمدن-العدد: 6502 - 2020 / 2 / 29 - 23:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بأي شيء يمكن تفسير حس الانتقام والثأر عند البشر، هل هو غريزة، يشترك فيها مع الحيوان، أم أنه نتاج ثقافة وطباع بشرية؟
هناك وقائع عديدة في الحياة والتاريخ كان الثأر حافزها أو أحد محركاتها.
في المانيا تصاعدت حظوظ هتلر والنازية في الثلاثينات ونالت حروبهما تأييدا واسعا من عامة الناس بسبب شعور ممض كانوا قد عانوه من هزيمتهم بالحرب الأولى، وكان حس الثأر والانتقام أحد دوافعهم، النفسية والعاطفية على الأقل، لإشعال الحرب الثانية.
ولم ينس الجنرال الفرنسي (هنري غورو )، هزيمة جيوش الصليبيين قبل ثمانية قرون من دخوله دمشق غازيا عام 1920، فقصد قبر صلاح الدين الايوبي في المسجد الاموي ليقول قوله الشهير:
"ها قد عدنا ياصلاح الدين"
كانت تلك رغبة بالانتقام معتقة.
وقيل أن بوش الابن حين غزت جيوشه العراق عام 2003 كان يريد الانتقام لأبيه بعدما أشيع آنذاك أن هناك خطة وضعها نظام صدام حسين لاغتياله عند زيارته الكويت بعد حرب الخليج الثانية.
طبعا هذا لن يكون سببا حقيقيا كافيا لشن الحرب على العراق، لأن القوى الكبرى تحركها أشياء أكثر جذرية وسعة من النزعات الفردية، لكنه ربما كان دافعا رابضا في مخيلة الابن.
و أكاد أجزم أن أحد الموانع العديدة المؤثرة لامتناع المصريين (الشعب وليس النظام) عن التطبيع مع (اسرائيل) هو الرغبة التي يضمرونها في الثأر لشهدائهم الذين سقطوا في الحروب ضدها، خصوصا حرب عام 1967، وأيضا لانتهاك الكرامة الذي عانوه جراء ذلك.
ومسالة الثأر معروفة في المجتمع المصري، بل هي واحدة من مشاكله المربكة التي كثيرا ما عالجتها السينما المصرية بأساليب مختلفة.
هناك تمثيلية تلفزيونية قديمة لفاتن حمامة تحكي عن أم قتلت ابنها الوحيد بسبب امتناعه عن الثأر لأبيه الذي كانت تحرضه بإلحاح عليه.
ومن منّا لم يسمع أو يشهد، في أي مجتمع يحيا فيه، حكايات وحوادث عن الثأر والانتقام بمختلف المستويات والدوافع.
هناك حكاية في المجتمع العراقي (تصلح أن تكون ثيمة جيدة لعمل روائي) عن عملية ثأر أُعد لها بتصميم وإصرار ومتابعة حثيثة خلال ثلاثين عاما.
عني شخصيا أقول حين وقع اعتداء سبتمبر 2001 في نيويورك ربما كان ماثلا في ذهني منظر الآليات والمعدات العسكرية والمدنية العراقية المدمرة والجثث المتفحمة على طريق المطلاع، طريق انسحاب الجيش العراقي من الكويت عام1991 ، لهذا لم أتأسى كثيرا لواقعة برج التجارة مع أن منظر المدنيين (وهم أبرياء مثل مدنيينا) وهم يلقون بأنفسهم من البنايات العالية هربا من النار كان مؤلما للغاية.
ألا يكون عدم الاكتراث أو التشفي في هذه الحالة هو رغبة خفية بالانتقام والثأر أيضا؟
بعض النساء في مجتمعات عديدة، في اوربا خصوصا، يضمرن حس بالانتقام من جنس الرجال كله عند فشل تجربة عاطفية لهن، ويثأرن منهم بممارسات سلوكية مختلفة، وينعتنهم غالبا بالحمقى والتافهين ( واظن انهن محقات في هذا بعض الاحيان). وكذلك يفعل بعض الرجال، ويبادلونهن الانتقام بانتقام وينعتوهن بالـ (عاهرات).
هكذا، انتقام يستدعي انتقام، في دائرة مغلقة، وبلا نهاية.
وأحسب أن هناك بعض المواقف والتصورات المتطرفة داخل الحركة النسوية (الفيمنيست)، ربما تشكل اتجاها فيه، نابعة من خلفية عقدة العداء والتخاصم هذه، تجرّم الرجل على طول الخط، فقط لأنه رجل؛ وأحسب كذلك أن بعض حالات المثلية بين النساء مبنية على كراهية الرجل وخيبة الأمل العاطفية في الحب الطبيعي اكثر منه ميلا غريزيا (هرمونيا؟)، بمعنى أنها رغبة وسلوك بدوافع ثقافية واجتماعية ونفسية، وليس حاجة جسدية وعاطفية، الى حد تغدو فيه، بعض الأحيان، (موضة).
معروف أن فكرة الانتقام يؤخذ بها في التنظيم الاجتماعي الواسع؛ الدولة أو أي تنظيم اجتماعي آخر، من خلال العقاب بالقانون، والدافع في هذه الحالة هو تحقيق العدالة وحماية المجموع من نزعات العنف والجريمة التي يمكن ان تهدد السلام المجتمعي، وهو انتقام يقوم في جوهره على اسس عقلانية باردة وليس كما هو في الحالة الفردية التي تؤججها العاطفة ويحفزها الحقد. وهنا أتساءل:
هل الانتقام نابع من مشاعر الحقد لدى الأفراد أم أنه نتاج توجه واع عندهم، بمعنى أنه مطلب عقلاني وخصلة اجتماعية تلعب دورا في تنظيم العلاقات الاجتماعية وليس سلوكا انفعاليا؟
دائما هناك من يريد أن ينتقم ويثار لشيء ما؛ لعبة او مباراة خسرها، كلمة جرحته، تصرف أساء اليه. وأظن أن الرغبة بالانتقام لدى عموم المجتمعات هي أكبر من رغبة التسامح فيها. ومن يتسامح غالبا يفعل ذلك لأنه عاجز عن أن يثار لنفسه فيريحها بالتسامح أو ادعاء ذلك.
ربما سيعثر من يتتبع فاعلية هذا العامل في دوافع الناس السلوكية على أثر له في كل تصرفاتهم. لكن لا أحد يمكنه الجزم ما إذا كان لهذا الدافع نفع عام يخدم تطور البشرية مثل الدوافع الأخرى التي لعبت أدوارا في تغيير الحياة والمجتمعات، أم أنه حالة فردية سلوكية معزولة ومحدودة التاثير خارج هذا الاطار ؟
والسؤال الاهم: هل يعكس حس الانتقام والثأر حالة (سوية)، بمعنى حالة طبيعية، لدى الانسان والمجتمع، طالما أنها تمارس في السلوك البشري بكثافة، أم أنها حالة مرضية شاذة ينبغي التخلص منها؟ وهل لمتغيرات التطور الحضاري دور في موضعتها اجتماعيا وثقافيا ونفسيا؟
أحسب أن هكذا تساؤلات تصعب الاجابة عليها بدرجة من اليقين مادام موضوعها هو الانسان، الانسان ذلك الكائن المركب والغني الذي لا يمكن حصر كيانه في أطر وأنساق ثابتة ومحددة.
#خالد_صبيح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(كاتمين على انفاسنا)
-
أحصنة طروادة
-
عوامل نجاح واخفاق انتفاضة تشرين
-
نبوءة النحس في فارنا
-
أهل الخارج
-
هويات الارهاب المتعددة
-
زيت وماء
-
العنف في السياسة 22
-
العنف في السياسة 1-2
-
لمحة سريعة عن الازمة الوزارية في السويد
-
التحولات السياسية في الانتخابات السويدية
-
حجج لا تشيخ
-
وماذا بعد؟
-
حراس العقيدة
-
في حتمية زوال (اسرائيل)
-
من شّب على شيء شاب عليه
-
طفح الكيل في السليمانية
-
أولوية الأولويات
-
ممكنات التغيير في العراق
-
لمحة عن الصراع في الحركة القومية الكردية
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|