|
أغــانـي الـمـهـرجــانــات في مـصـر .. قضايا مـلـتبـسـة
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 6502 - 2020 / 2 / 29 - 17:53
المحور:
الادب والفن
مازالت أغاني المهرجانات – وهو الاسم الذي يطلق على أغاني الحفلات الشعبية بمصر - موضوعا لنقاش ساخن اختلطت فيه أوراق كثيرة من قضايا متشابكة. كانت ثورة الغالبية العظمى على الأغاني بسبب كلماتها ومدى ما انحدرت إليه من إسفاف، وطالب الكثيرون بمنعها وحظرها حتى أن نقيب الموسيقيين هاني شاكر وجه خطابا إلى كل أماكن العروض الموسيقية لوقف التعامل مع مطربي المهرجانات. وكان اعتراض أولئك في الأساس من وجهة نظر أخلاقية، انطلاقا من معيار أن " هذا عيب" وما شابه. وهنا لابد من القول إن للفن معايير أخرى عند نقده وتقويمه غير المعيار الأخلاقي، كما أن المفاهيم والمعايير الأخلاقية ذاتها تتغير من زمن لآخر. أيضا ناصر البعض خطوة هاني شاكر في محاولته منع تلك الأغاني، وهنا أيضا يجب القول إن التصدي بالطرق الإدارية للظواهر الفنية أو حتى المتشحة بثوب الفن لم يؤد إلي أي نتائج عملية عبر التاريخ ومن باب أولى لن يؤدي لنتيجة في زمن الانترنت. أما الذين دافعوا عن أغاني المهرجانات فقد استندوا إلى أن تاريخ الأغاني لم يكن خاليا قط من الكلمات الخليعة، و" الإباحية" المرتبطة بالموضوع الجنسي، وأن الاباحية ترافقت مع تاريخ الفن وشكلت دوما رافدا تحتيا من روافده. لكن أولئك المدافعين يتناسون أولا أن كلمات الأغاني التي يشيرون إليها كانت " صريحة" وليست بذيئة، وهناك فارق كبير. ثانيا أن السؤال هنا هو: هل كانت هذه الاباحية جزءا من تكوين فني؟ أم مجرد إباحية عارية من أي فن؟، ذلك أنه لا يمكن تمجيد " الإباحية " بحد ذاتها، ولا قبولها إلا إن كانت جزءا من تكوين فني، فإذا سقط ذلك التكوين – كما في حالة أغاني المهرجانات- فإن تلك الأغنيات تغدو مجرد إسفاف، وبذاءة، لا يشفع لها شيء. ليس ثمت جديد في الحان تلك الأغنيات، هي ذاتها الألحان التي تعتمد على إيقاع راقص صاخب، ولا شيء أكثر من ذلك، هذا بينما تقوم الأغنية على أضلاع ثلاثة مترابطة : المؤدي، واللحن، والكلمات، فإذا سقط ضلع منها تهاوى العمل كله، ومع كلمات كتلك التي سمعناها تسقط تلك الأغاني بعيدا عن نطاق الفن، لأن الفن ينفر بجوهره من المباشرة والفجاجة ويعتمد على الايحاء أكثر من التصريح. في الدفاع عن تلك الأغاني قال البعض إنها تنتمي إلى الفنون الشعبية، فلا يجوز منعها. وهنا يجب القول إن للفنون الشعبية تعريفا محددا وينابيع محددة، قد يستلهم الفنان مادته منها كما فعل ابو بكر خيرت في متتالياته الشعبية، أو ينشر تلك الفنون مؤديا مثلما فعل فيما مضى محمد طه وخضرة محمد خضر، وأبو دراع، وسيد درويش الطنطاوي، وغيرهم ممن تخصصوا في فن الموال، وأيضا منشدو السير الشعبية أدهم الشرقاوي، وشفيقة ومتولي، وغيرها من النصوص المتوارثة التي نقحها الابداع الشعبي المتصل على مدى عقود طويلة. أما أغاني المهرجان فلا علاقة لها بالفن الشعبي، لا من حيث المفهوم ولا من حيث التوارث ولا من حيث الأداء. أيضا يدافع البعض عن الأغاني بقولهم إن مطربي تلك الأغاني يمثلون البيئة التي خرجوا منها، كأنما ليس ثمة طريقة لتمثيل البيئة إلا على هذا النحو! فالسؤال هنا هو: ألم يكن ممكنا لاولئك المطربين أن يمثلوا الشريحة التي ينتمون إليها بطريقة أخرى، وبموقف وبحالة فنية أخرى غير البذاءة ؟! ألم يخرج طه حسين من بطن القرى المظلمة والجهل والجوع ثم عبر عن كل ذلك بطريقة أخرى لا تتطابق مع سطح الواقع الذي خرج منه بل مع جوهر ذلك الواقع؟ إذن لا يمكن القول بأن الحالة الاجتماعية المتردية لن تجد تعبيرا عنها إلا بوسائل فنية متردية. أخيرا يقول البعض إن تلك الأغاني تعكس صورة المجتمع ولهذا شعر الكثيرون بالفزع من الحقيقة، لكن ذلك أيضا غير صحيح، لأن المجتمع الذي يفترض أن أغنيات حمو بيكا تعكس صورته يشتمل أيضا على وجه دكتور مجدي يعقوب ودكتور محمد غنيم وغيرهما مما لا تعكسه تلك الأغاني، فهي إذن لا " تعكس صورة المجتمع"، إنما صور من شريحة أو فئة لا أكثر. وهنا يشير دكتور محمد عمران أستاذ الفولكلور بأكاديمية الفنون إلى الجانب الأهم حين يقول إن من الضروري تحليل تلك الظاهرة اجتماعيا، لأن هذه الأغاني وجمهورها ينتمي الى طبقة من قاع المجتمع تسكن العشوائيات لم يتلق أبناؤها تعليما جيدا ولاعلاجا طبيًا ولا وجدوا رعاية ثقافية كافية، فالمشكلة في أسباب الظاهرة وليست في الألفاظ النابية". ودكتور عمران مصيب مئة في المئة، فقط تتبقى إضافة صغيرة أن تحليل الظاهرة لا يعني أن نضفي عليها صفة فنية، مثلما نقوم بالتحليلات لمعرفة سبب مرض ما من غير أن ندعي أن ذلك المرض" نوع من الجمال"! أو" نوع من الفن". وفي النهاية لن تنفعنا هنا النظرة الاخلاقية ولا القرارات الادارية ولا المحاكم ولا حتى السجون، لن ينفعنا سوى تمكين الفن الحقيقي، وغرسه والرجوع إلى حصص الموسيقا في المدارس، وأكشاك الموسيقا في الحدائق، وتوسيع نطاق حضور الفنون في الجامعات، وتشجيع الفنانين الشباب، وهي مهمة مشتركة لأكثر من وزارة. ويبقى أن الطريق الوحيد لمكافحة التردي هو التقدم إلى الأمام.
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اكتشافات فنية مدهشة جدا
-
الـــحـــب الأول
-
غريبان . قصة قصيرة . أحمد الخميسي
-
القاهرة تحتفل بمئوية الشاعر المصري الراحل عبد الرحمن الخميسي
-
ضوء أبيض . قصة قصيرة
-
العراق .. رمح الله في الأرض
-
الرواية - لايت - .. لا صلصة ولا ثوم !
-
إبراهيم فتحي .. الاخلاص للحقيقة وحدها .
-
الـثـقـافـة في مـواجـهـة الـعـربـدة الـتـركـيـة
-
2020 عام جديد مع الأمل
-
صلاح عيسى .. بهجة الأمل في الزنازين
-
لماذا يقال ل - إسماعيل - يا أبو السباع ؟
-
الست موزة .. نظام عالمي
-
مهلن .. ولا كن .. إلى متأ ؟
-
وزيرة الثقافة .. نوم العوافي في الشأن الثقافي
-
كل هذا المرار .. في بني مزار
-
الشيف - شارب - .. طريقة اعداد الثورة
-
اسمع مني الكلام .. يا مستر .. يا مـدام
-
اللغة لا تعرف الحياد
-
هيئة الأمر بالملبوس والذوق العام
المزيد.....
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
-
إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|