|
سَلَفِيَّةٌ في الحب عشوائيات في الحب - العشوائية 21
سمير محمد ايوب
الحوار المتمدن-العدد: 6499 - 2020 / 2 / 26 - 23:43
المحور:
الادب والفن
سَلَفِيَّةٌ في الحب عشوائيات في الحب - العشوائية 21 كانت حياتي معاناةً لا تنتهي ، فقد تأزّمت أحلامي ، ووصلت إلى طريقٍ مسدودٍ غيرَ نافِذٍ . كنتُ أظنها لا تستحقُّ العيشَ ، حتى زُرْتُ المقابرَ ذاتَ مساءٍ . تجوَّلَ عَجَبٌ في عينيَّ التي كانت ترقُبُ نوارسَ البَحر ، من حيثُ كُنَّا نجلسُ عصراً ، في مقهى على شاطئ البحر بالقرب من مطار لارنكا في قبرص . وبانَ جليَّا على صفحاتِ وجهيَ ، حينَ أدَرْتَهُ باتجاه محدِّثَتي المُهندسة الجميلة . قبلَ أنْ أنبسَ ببنتِ شَفَةٍ ، عاجَلَتْني زائرتي قائلةً : في مقابِري ينامُ مَنْ هو أحبُّ أليَّ مِنْ ألفِ حَيٍّ . فيها مِنْ كُنتُ لأربعينَ عاماً ، ثالثَ الإثنين الذين جاءا به إلى الحياة . فيها مَنْ كنتُ وطَنَه ودَرْبَهُ وسَكَنَه . مَنْ كنتُ كتُبه وورقه وشِعره . مَنْ كان يُنصِتُ لِغواياتِ عَيَنَيَّ ، ولا يَحارُ بين كلماتي وشفتيَّ . عندما كانت تغتربُ بي أفراحيَ ، كنتُ أُغْمِضُ عَيْنيَّ فأصِلَهُ ، وأُنيخَ رأسيَ على صدره أو على زِنْده . كنتُ كلَّما مسَّنيَ ضُرٌّ ، أجِدْهُ أماميَ شامِخاً كالطود . يَلْتَقِفُ خَدَّايَّ بينَ كفَّيهِ . يُعانِقُني بكلماتٍ أيْديها حنونة . تُحرِّكُ الطينَ في دواخِلِنا . معها احترَفْنا الحبَّ ، ولم نخْشَ جموحَ خَيْلِه ، كُنَّا مُبكراً قد تمرسنا في ترويضِ العَنودِ مِنها . أكملَتْ وهي تُشعل لُفافَتَها الأولى : قبلَ أن أستنفذَ كلَّ الدهشةِ وقهوتي معه ، خذَلَنا موتٌ اغتالَ بَسماتي . لَمْلم أفراحيَ في حقائبهِ ورَحل . لم يَرْحل صُدفةً بَلْ كُرْهاً على كُرْهٍ . إنْتَقاهُ أخبثُ الأمراض وألعنُها . لَمْ يُمْهِله فأطاع . رحلَ حبيبي مع الموت إلى هناك ، ومعهُ كلُّ تفاصيلي التي حفظها ونسَّقَها ببراعةِ نَحَّالٍ ، حتى أسْلَسَتْ له قِيادَها ، وباتَت عتباتَ تفهُّمِه لي ، دونَ توغُّلٍ في الشرح . ما أن انتهت مراسمُ العزاء ، تَشظيتُ إلى خلايا . مع كل خلية نبتَتْ امراةٌ جامحةٌ . ظنَّتْ أنَّ الحبَّ الجميلَ مِنْ بعدِهِ مُستحيل . أخذَ الموتُ إلى هناك قليلَه ، عينيه وشعره ومبسمه ، أخذَ قامَتَه . وأبقى ليَ كثيرَه . أبقى الذكرياتَ في أعماقيَ ، تَتحكَّمُ في مسيرة حياتي . لَمْ أفْلِحْ في إخفائها . ولَمْ أتَمَكَّن مِنْ تَرويضِها . أدخَلَتْني في تحالفاتٍ معَ عقلي ، وفي معاركَ مع قلبي ، ما كنتُ أريد التورَّطَ فيها كُلِّها . عوَّدتُ نفسيَ على الفراغ . طَويتُ كلَّ لغاتِ آهاتي . أسكتَ الصمتُ لِسانيَ . وانكفأ بعضي على ما تبقى مِنْ بعضي ، مُزاحِماً ما يُدثِّرُني من وجعِ التَّوَهان . امتلأ قلبي بالخيبة . وأتَت على قلبيَ لحظاتٌ أثقل من الجبال . حشرجتُ ،تأتأتُ ، واعتذرت لروحي وقلبي وجسدي . ومن ثم سجدت لله وحدي واقتربت . وبالدمع المنهمر ناجَيْتَه . شَهقتُ مُطوَّلا ، قبلَ أنْ أفيقَ وسكينةٌ ملتبسةٌ تغمُرُني ، وتُربِّتُ على قلبي . تلبَّدَتْ سمائيَ برجالٍ مِنْ كلِّ صِنف . إزدَحَمَت بملامحَ مُتشابهة . استمعت منْ بعدِه ، لحكايات مكرورة مُملة . أغراضها زادت من خيباتي وعَمَّقَتها . بعضُ من رأيت أرخص مما يقول ، وبعضهم طفلٌ شقيٌّ يبحث عن ام ، واحيانا عن جدَّة . وبعضهم ظنني طفلته . بالتأكيد آذاني بعضهم ، وبعضهم أحياني . ذاتَ ليلةٍ ، نَسِيَتْ نفسيَ اعتقال وجعها المفترس ، فَشردْتُ وضاقَتْ بِيَ السُّبُلُ . فالْتَقَيْتُ أرْواحِيَ السبعة ، تفتَّحَت ثقوبُ القلب ، ونَبتَ فيها الفُ حَزَنٍ ، وأدركتُ أنَّ بعضَ لغاتِ صمتيَ مسعورةً ، وبعضها كاذبا ، ففقدتُ السيطرةَ عليها . وارتَفعتْ هَيْبَةُ الفقدِ . وداهمني نبضُ الحنين إلى شريك . وحينَ بلغَ الشوقُ نِصابَه ، باتت الحدودُ بين قلبي وعقلي باهِتَةً . مثقلةً بحلمٍ هاربٍ وحَزَنٍ ساهرٍ ، داهَمتُ أزقةَ الفيس بوك ، وتجولتُ في حواريه . إرتطمتُ بأحدهم هناك . واكتشفتُ أنَّ في القلب متسعا ، لم يَضِقْ به واقعي . لَمْ أُخْفِ جُنونيَ بابتساماته المتزاحمة . أصابتني عيناه بالدَّهشةِ . والتقط قلبي عطرَ كلماته . فلم أجرؤ إلا أن ألاقيه . فَرشتُ له أحمرَ السجاد . خفيفَ الظلِّ جاء . رشيقَ الخُطى تسلَّلَ إلى حياتي ، بلا فترةِ انتظار . وصلَ بحفاوةٍ ةاكتفيت . عاشقةً معشوقةً خلعتُ نِعالَ تردُّدي ، تجاهلتُ ضغوطَ عقليَ وتساؤلاتَه ومعاييرَه . وفي لحظةٍ كنتُ أختنقُ فيها بدموعي ، تدخل القدر فأعَدتُ الاعتبارَ لقلبي . إنطلقتُ وأنا أسألُ أين كان . إنطلقتُ وأنا لا أدري إلى أين ! كانت تتحدثُ وهي مختنقةً بدموعٍ داكنةٍ تأبى مُغادرةَ عينيها . وما أن أنهت اعترافَها ، سالت دموعٌ صامتةٌ مِنْ عينيها . هدأت قليلا قبل أن تقول : أفتني يا شيخي ، جِئتُكَ طالبةً مشورتك . قلتُ مُحاولا تدعيمَ تباشيرَ هدوئها : أتدرينَ ما الجحيمُ يا سيدتي ؟ قالت بشيءٍ من الحيرة : لا بالطبع . قلتُ وظلُّ ابتسامةٍ يلوحُ على وجهيَ : الجحيمُ هو العجزُ عن الحب . كل الخسائر في الحياة قابلةٌ للتعويض ، إلا خسارةُ السنينَ الباحثةَ عن حبٍّ مُتخفٍّ . لم يمت أحدٌ حتى الآن بجرعةٍ مُفرِطةٍ مِنَ الحب ، غير أنَّ الذين نفَذَتْ ذخيرتُهم مِنه ، ماتوا وهم أحياء عندَ ربِّهم يرزقون . أتدرينَ أنَّ الفشلَ في العثورِ على شريكٍ ، وعدمِ القدرةِ على الدخول في علاقةٍ عاطفية ، قد صنَّفته منظمةُ الصحة العالمية رسميا إعاقة ، على صاحبها الخضوعَ لإعادة تأهيل عاجل ؟! إعلمي يا سيدتي ، أنَّ الحب لغزٌ كبير ، لنْ يسلمَ مِنْ تجاربه أحدٌ . ولنْ يفلحَ أحدٌ في حلِّ أُحجِياتِه أيضا . واعلمي أنَّ جُلَّ الطرُقِ غيرَ آمنةٍ ، بغيرِ يدِ شريك . تماما كما أعلمُ أنا ، أنَّ للفقدِ أوجاعٌ لا يعلمُ بها إلا مَنْ عاشَها . من الصحيحِ أن تَحْذَري صَمْتَ القلوب . ولكن دعيني أذكرُكِ هُنا ، بِأنَّ بيادرَ الحبِّ أوسعَ وأرحبَ من شريك . وأنْ أُنَبِّهَك بأنَّ قليلَ الحبِّ شيئاً خطيرا . فإما أنْ تشربي منه بعمقٍ لِترتوي ، وإما لا تقربيه من الأصل . تَهْربين منْ لُغزِ الحب ، فتُلاقيكِ ذكرياتُه . وتقتربينَ مِنْ أحْلامِه فلا تأتي . ليبقى السؤال : مَنْ يَسبقُ مَنْ في الحب ؟ الحُلُمُ أمِ الذكريات !!! فهنا ، مَربَطُ الجَدَلِ فيما نَسعى إليه ، وفيما هو مُتاح لنا !! الاردن – 24/2/2020
#سمير_محمد_ايوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وكما انت تعال ... عشوائيات في الحب – العشوائية العشرون
-
إبْحَثْ عنِ امرأة عشوائيات في الحب - العشوائية 19
-
حكاية بِرٍّ
-
وحْدَها تَعْرِفُ ... ! عشوائيات في الحب – العشوائية 17
-
إنها صَفعةُ القرن ، يا أمة تضحك من جهلها الأمم
-
نَحْلُ الحب وذُبابه عشوائيات في الحب - العشوائية 17
-
لا عزاء لأغبياء الامة ولا لحمقاها يا امة تضحك من جهلها كل ا
...
المزيد.....
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
-
-يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم
...
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|