إبراهيم الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 1572 - 2006 / 6 / 5 - 06:17
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
تتسرب أنباء عن خطط أعدتها الإدارة الأمريكية لتوجيه ضربة عسكرية بقنابل نووية تكتيكية , إلي إيران علي خلفية البرنامج النووي الإيراني , بشراكة بريطانية , وهذه المرة دون العراق , بدعم أوربي وأطلنطي , وبالأساس فرنسي ألماني , ويعتقد بعض المحللين , أن أمريكا لن تجرؤ علي شن هذه الحرب , وأن إيران في وضع استراتيجي قوي , وأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تغامر بالغوص في مستنقع جديد , وهي مرتبكة وغائصة في مستنقع العراق , وأن إيران لديها أوراق تمكنها من المناورة لتمرير مشروعها النووي , مقدمين مجموعة من الأفكار , في تقديري متناقضة ومتهافتة , وتعكس إن عكست رغبة ذاتية , تفتقد الموضوعية العلمية , ويجدر بنا في هذا المقال مناقشة تلك الأفكار , التي تقود إلي أوضاع كارثية , وهذه الأفكار بالترتيب هي :
أولا : الحق الإيراني في برنامج نووي سلمي .
ثانيا : أن إيران دولة ليست ضعيفة عسكريا , وربما تمتلك أسلحة يمكن أن تشكل خطرا علي الأساطيل العسكرية الأمريكية .
ثالثا : ولاء الشيعة العراقيين لإيران , تستطيع تحريكهم وإلحاقهم بالمقاومة العراقية , فيحيلوا حياة القوى الأمريكية في العراق إلي جحيم , بمعنى أدق تصوير القوى الأمريكية في العراق رهينة لدى إيران !!
رابعا : أن إيران يمكن أن تهدد طريق الملاحة وناقلات البترول في مضيق هرمز .
خامسا : أن إيران يمكن أن توقف ضخ البترول الإيراني في السوق العالمي , بما يرفع من أسعاره , ويعاظم الحاجة إليه , ويدفع المواطنين في أوربا وقوى دولية للضغط علي الإدارة الأمريكية تشل قدرتها علي توجيه مثل هذه الضربة .
سادسا : أن حلفاء إيران وبالتحديد روسيا والصين لن يسمحا بمجرد توقيع عقوبات اقتصادية , فما بالنا بشن ضربة عسكرية .
سابعا : أن إيران تمتلك نفوذا إقليميا في المنطقة , وبالتحديد النظام السوري وحزب الله في لبنان وربما حماس في الأراضي الفلسطينية المحتلة , وأخيرا الجماهير العربية والإسلامية .
وقبل أن نبدأ في مناقشة عوامل ما يعتقده البعض قوة لدي إيران , علينا تحديد الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة والكوكب , ووسائل هذه الإستراتيجية , والقوى الاجتماعية التي تقف وراء هذه الإستراتيجية في المبنى والمعنى , والمكاسب والغنائم التي تجنيها هذه القوى من هذا المشروع , والخسائر التي يمكن أن تلحق بها , من هذه النزعة العدوانية .
هذا من ناحية , ومن ناحية أخري , طبيعة الصراعات الكامنة في المنطقة , وردها إلي جذورها التاريخية , بين العرب والفرس , والسنة والشيعة , وتجلياتها في العصر الحديث , والدور الإيراني في تسهيل احتلال أفغانستان والعراق .
لم يعد خافيا علي أحد الآن أن الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة , تنهض علي تفكيك وتفتيت الأبنية والهياكل القائمة , ليس بما فيها فحسب , بل في مقدمتها , هياكل الدولة القومية , ثم إعادة تركيبها وبنائها , منسجما مع آليات العولمة الرأسمالية المتوحشة , وطريقها في ذلك هو الفوضى المنظمة , وهو ما نبهنا إليه بداية تسعينيات القرن الماضي , و ما أعلنته رايس أخيرا دون مواربة , حول مفهوم الفوضى الخلاقة , وأن هذه الآلية إحدى أهم آليات التوسع الرأسمالي , وما يجري في العراق من فوضى عارمة وصراعات عرقية وقبلية ودينية , ليس مستنقعا كما يروج البعض , هو بروفة لما تعد له المنطقة , ولم يكن اختيار العراق للأسباب التي قالت بها الإدارة الأمريكية , العراق نموذج مثالي للتعددية العرقية والدينية , شيعة وسنة من جانب , عرب وأكراد , هذا دون الطوائف الأخرى الصغيرة , ويعتقد كاتب المقال أن إيران لا تختلف كثيرا عن العراق , فرس وأكراد وعرب الأهواز من جانب , وشيعة وسنة الأهواز , وسنة علي تخومها , يرون أن التهديد الإيراني أشد خطرا علي مصالحهم ونفوذهم , وهم علي علاقات وروابط عضوية مع دوائر المال والاحتكارات في المراكز الرأسمالية , أمريكا أوربا اليابان .
سو ف نبدأ بفحص وتدقيق الأسباب التي يسوقها البعض حول عدم قدرة أو عجز الإدارة الأمريكية أو ترددها في شن حرب علي إيران , وسوف نرجأ النقطة الأولى لنهاية المقال , لأنها في تقديري لن تدخل في حسابات مخططي الإدارة الأمريكية , فالولايات المتحدة ليست منوطة بإحقاق الحقوق , هي تقود الرأسمالية العالمية في مرحلة الإمبريالية العليا , إلي توحيد الكوكب والهيمنة عليه , وجعله موضوعا للنهب والاستغلال .
لا يساور أحد شك أن إيران قوى إقليمية في المنطقة , ولا يساور أحد شك أن إيران ليست قوى عالمية , والتحدي المطروح علي إيران الآن , تحدي مع قوى الثروة والقوة والسلطة العالمية , هنا تكون حسابات القوى نسبية , إيران قوية بالنسبة لمن , للعراق , لتركيا , لمصر, إن حسابات القوى ليست هذرا , هي حقائق موضوعية , فالولايات المتحدة الأمريكية تقود حلف الأطلنطي , وتمتلك أقوى ترسانة عسكرية فضائية وتكنولوجية ونووية , وتحيط الكرة الأرضية بشبكة من القواعد والأحلاف الاجتماعية والعسكرية , وميزانيتها العسكرية هي الأعلى في العالم , والمجمع الصناعي الأمريكي أكبر تاجر ومورد للسلاح , يجني من الحروب وسياسة القتل وسفك الدماء أرباحه ويعاظم نفوذه , لا أحد الآن يناهض الولايات المتحدة من حيث القوة , بانهيار الاتحاد السوفيتي لم يعد أحد يناطحها فحسب , بل حصدت الرأسمالية العالمية , وفي القلب منها الولايات المتحدة , التراكم التاريخي الاقتصادي والاجتماعي للبيروقراطية السوفيتية وحركات التحرر الوطني , وما المماحكات الروسية إلا لتحسين حصتها من السياسة الاستعمارية التي عادت بأساطيلها وبوارجها , فالرهان علي موسكو أو بكين غير صائب , وهم , فخ , وقع فيه من قبل صدام حسين , والتباين بين الرأسماليات القومية تم تجاوزه وضبطه وتوزيع حصصه من نهاية الحرب العالمية الثانية , والصين التي يحكمها الحزب الشيوعي تنهج نهجا رأسماليا انعزاليا , يعضد العلاقات , ويعمق الروابط , مع المراكز الرأسمالية , وفي مقدمتها الولايات المتحدة , وأقصى ما يمكن أن تقدمه روسيا أو الصين الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن , فهما لن يغامرا بتهديد مصالحهما مع الرأسمالية العالمية , والحرب اليوغوسلافية ليست بعيدة عن الأذهان , والعراقية لم تجف دماؤها بعد .
من الأسى أن يعتقد البعض أو يصور وجود القوات الأمريكية في العراق رهينة لدى إيران , باعتبار الشيعة العراقيين خط دفاع أول لإيران ,
لعدة أسباب : ثمة تناقض تاريخي بين الشيعة العراقيون – العرب – والشيعة الإيرانيون – الفرس- حول أحقية أيهما بالإمامة , هذا أولا , وثانيا : الشيعة العراقيون حصلوا علي مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق ما كانت تخطر علي بالهم منذ قيام الخلافة الأموية , الشيعة العراقيون لم يقاوموا الاحتلال الأمريكي للعراق , فهل يقاوموا من أجل إيران !! الشيعة العراقيون انخرطوا ضد الشيعة الإيرانيين في الحرب العراقية الإيرانية , ثماني سنوات متصلة , من أين اليقين الذي يروجه البعض عن الشيعة العراقيين الذين ينتظرون الإشارة من المرجعية الإيرانية .
الاعتقاد أن القوات الأمريكية في العراق رهينة لدى إيران الذي يجري ترويجه , قائم علي الأماني وحوار الذات وتصورات تخيلية , ويجافي حقائق القوة والتفكير العلمي , الولايات المتحدة الأمريكية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي امتدت بجيوشها ونفوذها وترسانتها العسكرية التدميرية في بعض الجمهوريات السوفيتية السابقة , المتاخمة لإيران , وتخلت عن نظرية الحروب بالوكالة , وشنت الحرب الأفغانية واحتلتها , والحرب العراقية واحتلتها , وأصبحت إيران في مرمى نيران قواتها البرية , بين كسارة البندق العراق وأفغانستان , الولايات المتحدة الأمريكية لن تتورع عن استخدام أشد القوى فتكا وتدميرا , من الجو والبحر والبر , لن تتورع عن قتل المدنيين , عنصر الابادة مكون رئيسي في الثقافة الأمريكية , ومشروع التوسع الرأسمالي في ظل العولمة الرأسمالية لا يخفي رغبته في ابادة أكثر من 75 في المئة من سكان الأرض .
وقف الملاحة في مضيق هرمز , ووقف ضخ البترول الإيراني , كلاهما متلازمان , في إطار الضغوط الاقتصادية التي يمكن أن تمارسها إيران , بالنسبة للأولى بالإضافة إلي أنه سوف يستخدم لتصوير إيران خارجة علي الشرعية والاتفاقات الدولية , يعتقد كاتب المقال أن هذا الأمر ليس في مقدور إيران , فالمياه الدولية تحت سيطرة الإدارة والعسكرية الأمريكية وحلف الأطلنطي , رغم مزاعم إيران امتلاكها صواريخ وغواصات لا يمكن رصدها من قبل الردارات , فالفجوة التكنولوجية هائلة , ولو كانت الإدارة الإيرانية تستطيع السيطرة علي مضيق هرمز ما انتظرت , و لتجلت هذه السيطرة في الحرب العراقية الإيرانية , عندما رفعت ناقلات البترول الخليجية علم الولايات المتحدة الأمريكية , وابتلعت إيران تهديدتها حينذاك , والتطور العسكري الذي ألحقته إيران بمؤسساتها العسكرية من صواريخ وطوربيدات لم يتم في فضاء كوني , فالمؤسسة العسكرية الأمريكية والغربية لم تكف عن تطوير ترسانتها العسكرية. تلوح إيران بوقف ضخ البترول , في حالة قيام الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي بشن عدوان عسكري عليها , حسنا , سوف تشن الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي العدوان , ولترتفع مبيعات احتكارات السلاح , ولتتعاظم أرباح احتكارات البترول , ويبقى لدينا التوقف بدقة أمام طبيعة القوى الاجتماعية الحاكمة والمهيمنة في إيران , وإلي أي مدى تقف هذه القوى بعيدا عن مشروع العولمة الرأسمالية المتوحشة , ويعتقد كاتب المقال , أن برجوازيو العالم الثالث يرتبطون بروابط جذرية وعميقة مع المراكز الرأسمالية , وان تناقضهم يأتي في المرتبة الأدنى بعد تناقضهم مع القوى الاجتماعية الدنيا التي تقع فريسة ليمين مدني مدجج بقوى تكنولوجية عسكرية تدميرية , ويمين ديني مدجج بمنظومة قيمية بدائية متخلفة أشد افتراسا
#إبراهيم_الحسيني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟