|
حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 1
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6494 - 2020 / 2 / 19 - 19:47
المحور:
الادب والفن
خريفُ العام التالي لخروج الأتراك من الشام، قدمَ مع غيوم وردية، كأنما مضاءة ليسَ بأشعة الشمس المتوارية، إنما ببريق النار والبارود. نذرٌ مشئومة، كانت تتناثر أيضاً في سماء المدينة، التي بالكاد تمكنت من لملمة جراح سنوات الحرب والمجاعة والأوبئة. النذر، توافقت مع علاماتٍ مرسومة على الواقع الجديد، المراد له أن يكون طارئاً وعارضاً. إنهم دول الحلفاء، مَن أسهموا في التشويش على نتائج المؤتمر السوري، وكان قد أنهى أعماله في بداية الصيف مع مشاركة كثيفة من المسلمين السنّة ومقاطعة ملحوظة من قبل الأقليات؛ وبالأخص النصارى. قرارات المؤتمر، المصاغة من لدُن نواب كانوا سابقاً يمثلون مقاطعاتهم في مجلس المبعوثان العثماني، شددت على وحدة التراب السوري تحت سلطة ملكية عربية. دول الحلفاء، من جانبها، أرادت إفهام المؤتمرين أنهم يجهدون أنفسهم في الوقت الضائع طالما أن مشرق ما بعد الحرب تمت مَفْصَلته وفق إرادة المنتصرين. معلّم موسي، عمر آغا شمدين، استُبعدَ من حضور المؤتمر وربما لكون أسرته معروفة بولائها الشديد للعثمانيين منذ زمن مؤسسها. لم يبلغه أحدٌ بهكذا تبرير، بل توصل إليه بنفسه. قرر عند ذلك التحرك لوحده، بأن يحاول جمع أولئك الأعيان الدمشقيين، المتضررين من انقطاع الصلة مع الآستانة. لكنه فكّرَ أولاً بالوصول إلى الأمير العربيّ عن طريق زعيم عشيرة الرولة، " الشعلان "، وكانت تربطه به صداقة قديمة. هذا الزعيم، كان فتىً بعدُ حينَ رافق والده شيخ العشيرة إلى الحي الكرديّ مع موكب عرس مزدوج: ذلك كان، لما اختطف حمّاد ابنة محمد آغا ديركي وعقد قرانه عليها في مضارب أهله. بغيَة إنجاح سعي حمّوكي للتوفيق بين الآغا والخاطف، حصلَ كهدية على الشقيقة الصغرى لهذا الأخير. كلاهما، مثلما علمنا، دفع حياته في إحدى جبهات الحرب دونَ أن تُعاد جثته لأهله. آخر مرة اتصل الشعلان بعمر آغا، قبل بضعة أشهر، وكان ذلك في سبيل حثه على معرفة مصير جثة حمّاد؛ كون العرب تعتبر عدم دفن الميت من الكبائر، الملوثة شرف العشيرة.
*** في بداية الصيف، المضطرم بنبأ عقد المؤتمر السوري، كان الوضعُ أكثر هدوءً ودعة في منزل الزعيم. ذكريات الزبداني، في المقابل، كانت قد ألحت على سارة بنفس قوة الشمس والتي كأنما تلحظها لأول مرة بعد خمسة أعوام من عهد الحرب والمجاعة والوباء. نقلت إلحاح فكرتها إلى الحاج حسن، قائلة أنه أفضل وقت لزيارة البلدة والاطمئنان هنالك على استقرار والدتها. كردة فعل أولى، وافق الحاج مبدئياً على الرحلة. بعد أيام اعتذر بتراكم أعماله، مقترحاً على امرأته أن تمضي برفقة ابنتهما عيشو. " لكننا بحاجة لرجل في رفقتنا، أليسَ كذلك؟ "، تساءلت سارة. طرحَ عندئذٍ الحاجُ اسمَ صهرهما، خلّو، بيد أنه عادَ واستدرك: " لا، وجوده ضروريّ في المناوبات الليلية بسبب كثرة أعمال السطو على أرزاق المزارعين الصوالحة ". ثم فكّرَ لحظةً، قبل أن يقول: " سأكلم موسي كي يرافقكما، كون معلّمه كما سمعتُ في ضيافة كبير شيوخ قبائل البادية ". هذه الدعوة إلى بلدة الجدة، تبيّنَ أنها جاءت على هوى موسي، فرحب بها حالاً. كان يود الراحة بضعة أيام بعيداً عن نكد امرأته، التي تفاقمت حالة صحتها العصبية بحيث أنه سمع أكثر من مرة لمزاً عنها بصفة المجنونة. أدركت سارة مشاعرَ ابنها البكر، وكان وضعه العائليّ يؤلمها بشدة. قالت بنبرة مرحة، مثيرةً اهتمامه: " صالح هوَ من سيأخذنا بسيارته، وما عليك إلا الاتفاق معه اليومَ على موعد مناسب للانطلاق ".
*** عقدٌ من الأعوام، مرَّ على آخر مرةٍ زار فيها موسي منزلَ الحبيبة الراحلة، نازو. آنذاك كان في سنّ الخامسة والعشرين، وقد ذهبَ إلى والدها علّ هذا يرى بعينيه مقدارَ الفرق بينه وبين ذلك الشاب الرقيع والأفّاق، شيخي، الذي قال أنه أعطاه كلمة شرف بشأنها. المعنيون الثلاثة، رحلوا عن الدنيا الواحد بأثر الآخر، لكن جرح موسي ما ينفك يؤلمه مع كل نسمة ذكرى تهب من ذلك المنزل. وهوَ ذا في طريقه إليه مساءً، تلبية لطلب الأم بخصوص رحلة الزبداني. تنهد بارتياح حينَ لحظ وجود سيارة صالح على ناصية المنزل، وما لبثَ أن قرع باب البيت. عليه كان بعدئذٍ أن يتنفسَ ببعض التوتر، لما ظهرت سلطانة وراء الباب الموارب: بفضل المصباح الكهربائي، بان جانبٌ من هيئتها المستمدة قليلاً من حُسن الأم. كونه يُعد من أبناء العمومة، تركت الفتاة نفسها على سجيتها وهيَ تتقدمه بقامتها القصيرة إلى غرفة الضيوف. ثم قالت له هنالك: " أخي ما زال في قيلولته، استعداداً لعلمه الليلي، وسأوقظه في الحال ". في صباح اليوم التالي، توقفت سيارة صالح في المكان الفاصل بين باب مضافة الزعيم وباب منزله. كون السيارات نادرة جداً في ذلك الزمن، لم يكن غريباً احتشاد الصبيَة حولها بعدما لحق بها بعضهم اعتباراً من مدخل الزقاق. خرجَ الحاج حسن من مكان عمله، بينما صاحبُ السيارة يبعد أولئك الأولاد. باعتبار اليوم جمعة، كانت المضافة تستقبل عدداً من رجال الحارة. وكان بين الحضور، " حوطيش "، جار الزعيم؛ وهوَ رجل طريف الطبع، يعمل في مركز المدينة كسقّاء قهوة مرة. ظهرَ هذا أيضاً، صارخاً بالصبيَة برغم أنهم صاروا بمنأى عن العربة العجيبة. لم يكن صالح لوحده، وذلك ما ستلحظه كل من سارة وعيشو عندما همتا بالركوب. قال لهما صالح بنبرة المعتذر: " ألحت على السيدة الوالدة كي ترافقني خلال الطريق " " بل ستبقى معنا في الزبداني، ونتسلى معاً هناك "، أوقفت سارة كلامه ثم حيت شقيقته وقبلتها. بعد دقائق حضر موسي، لينضم إلى الركب. تبسّم راضياً في داخله، لما انتبه لوجود سلطانة في مقعد السيارة الخلفيّ. * مستهل الفصل الثامن/ الكتاب الرابع، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مزحة، جريمة مزدوجة ومتورطون ثلاثة
-
نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن/ 2
-
نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن
-
عصير الحصرم 77
-
المنزل المنحوس
-
حديث عن عائشة: الفصل السابع
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس
-
حديث عن عائشة: مستهل الفصل السادس
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل الخامس
-
حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 2
-
حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 1
-
حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 5
-
حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 4
-
حديث عن عائشة: مستهل الفصل الرابع
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث
-
حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثالث
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني
-
حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل الأول
-
حديث عن عائشة: مستهل الفصل الأول
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|