|
التعميم مظهر من مظاهر التفاهة: جريدة -الأخبار- نموذجا
محمد إنفي
الحوار المتمدن-العدد: 6488 - 2020 / 2 / 10 - 15:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التفاهة ليست ماركة مغربية مسجلة؛ بل هي ظاهرة كونية. وقد اجتاحت كل الميادين، بما فيها السياسية والثقافية والفنية والاجتماعية والإعلامية... وحتى الفكرية؛ مما أضحى يحير المثقف والمفكر، ويقلق المناضل والمهتم بالشأن العام... والأخطر ما في الأمر، هو أن موجة التفاهة هذه، قد تجرف معها الكثير من هؤلاء وتستهويهم بفعل الجاذبية التي امتلكتها؛ وذلك لعوامل وأسباب عدة، يطول الحديث عنها. ومن تجليات هذه التفاهة انتشار الخطاب الشعبوي والسطحية في التفكير وإصدار الأحكام المسبقة وتغييب القيم الإنسانية والأخلاقية، وغير ذلك من السلوكات التي يمجها الذوق السليم والمنطق القويم. ويكفي المرء أن ينظر إلى ما يحدث في العالم ليدرك أن التافهين قد بسطوا نفوذهم في العديد من الدول باسم الديمقراطية، بعد أن وظفوا خطابا إيديولوجيا سطحيا يمتح إما من الدين أو من الوطنية الضيقة (le nationalisme) أو من القومية أو من العنصرية...أو من كل هذه الإيديولوجيات التسطيحية. ومما يدل على كونية الظاهرة (ظاهرة التفاهة) وعلى انتشارها، إقدام الفيلسوف الكندي "ألان دونو" على تخصيص كتاب لها بعنوان "نظام التفاهة" (la médiocratie). ونصيب بلادنا من هذه الظاهرة ليس لا ضئيلا ولا محدود الأثر؛ خاصة مع تطور الإعلام الرقمي وانتشار المواقع الاجتماعية. ورغم أن هذه المواقع لا تنشر فقط ما هو تافه؛ بل نجد فيها الغث والسميين معا؛ إلا أن الغث (أو التافه) غالبا ما يهيمن في بعضها. ولنا في "فايسبوك" و"يُتوبْ" أسطع مثال، حيث تلقى فيهما التفاهة استحسانا كبيرا وتحظى من خلالهما برواج واسع؛ وذلك باسم ما يطلق عليه "التوندانس" (tendance). وتعتبر ثقافة التعميم مظهرا من مظاهر التفاهة، لكونها "تتميز بالسطحية وترتكز أساسا على أحكام القيمة التي تبقى بعيدة عن معيار الموضوعية والنزاهة الفكرية. ثم إن هذه الثقافة غالبا ما تركز على ما هو سلبي؛ وهو ما يدعو، من جهة، إلى التساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذا النزوع إلى السلبية؛ ومن جهة أخرى، التساؤل عن الدوافع الحقيقية لهذا النزوع" (أنظر "المغربي وثقافة التعميم"، محمد إنفي، "لكم 2"، بتاريخ 22 سبتمبر 2017). وقد ذهبت، في المقال المشار إليه في الفقرة أعلاه، إلى القول بأن المجال السياسي، وبالتحديد المجال الحزبي، يحظى "بحصة الأسد من (...) التعميم (السلبي، طبعا). فيكفي أن تثير موضوع الأحزاب مع بعض الأوساط الغير مهتمة بالحياة السياسية أو بعض الفئات الناقمة عن الدولة والمجتمع، لتسمع كلشي بحال بحال ؛ كلهم شفارة ، الخ؛ ناهيك عن الترويج المُتعمَّد لمقولة أولاد عبد الواحد كلهم واحد حول الأحزاب من قبل جهات تعمل على تمييع العمل السياسي وتبخيس دور الأحزاب". ويحتل "نيني" وجريدته ("الأخبار") الصدارة في هذا التبخيس من خلال اعتماده على التعميم. فكلما تحدث عن الأحزاب، إلا ويتعمد التعميم لدرجة يمكن معها القول بأن تبخيس دور الأحزاب يشكل خطا تحريريا لدى طاقم جريدة الأخبار لمالكها "رشيد نيني". أنا أتحدث هنا عن الجريدة وطاقمها الصحافي، ولا أتحدث عما ينشره بعض كتاب الرأي المحترمين في هذه الجريدة. وعداوة "نيني" للأحزاب السياسية ليست وليدة اليوم؛ بل هي مستحكمة فيه بشكل يكاد يكون مرضيا؛ ما لم يتعلق الأمر بتعاقد على خدمة يقدمها (بمقابل؟ مجانا؟...) للجهات المعادية للأحزاب السياسية؛ وبالتالي للديمقراطية؛ لأنه، كما يعرف الجميع، لا ديمقراطية (الديمقراطية التمثيلية، أقصد) بدون أحزاب سياسية قوية. وعداوة "نيني" للأحزاب عبرت عن نفسها منذ أن امتهن الصحافة. إنني لا زلت أتذكر محتوى ما كتبه في عموده اليومي بإحدى الصحف المغربية التي اشتغل فيها قبل أن يملك صحيفته الخاصة، بأسلوب يطفح منه الغرور والسذاجة لكونه اعتبر دوره كصحافي قادرا على إحداث التغيير الذي فشلت فيه الأحزاب. وللتدليل على كون التعميم يشكل خطا تحريريا لجريدة "الأخبار" في تعاملها مع الأحزاب، أكتفي بتقديم مثالين راهنين، ولهما أهمية خاصة في السياق الوطني الذي نتحدث فيه. المثال الأول يتعلق بلجنة النموذج التنموي الجديد. فقد نسبت الجريدة إلى لجنة السيد " شكيب بنموسى" القول بأن الأحزاب (كل الأحزاب) لم تقدم أي شيء مكتوب يوضح رؤيتها للنموذج التنموي المأمول؛ بل اكتفت فقط بالكلام. وهذا الكلام لا ينطبق، على الأقل، على حزب الاتحاد الاشتراكي. فالإعلاميون المهنيون المهتمون بالشأن الحزبي- ليس لتبخيس دوره كما يفعل "نيني"، وإنما لتقييم ما تنجزه بعض الأحزاب من خلال إبراز ما هو إيجابي وانتقاد ما هو سلبي في عملها- يعلمون أن هذا الحزب قد نظم يوما دراسيا بمدينة الصخيرات حول النموذج التنموي الجديد. ولم يكتف الاتحاد بخبرائه ومثقفيه؛ بل استدعى خبراء وممارسين أجانب، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإسباني الأسبق السيد "خوصي لويس ثاباتيرو". ولا أعتقد أن "نيني" وطاقم جريدته يجهلون أن الاتحاد الاشتراكي قد قدم مذكرته حول النموذج التنموي الجديد إلى الديوان الملكي. ومن المؤكد أن الاتحاد ليس وحده من فعل ذلك. لكن ذلك لا يهم "نيني" الذي يتعمد الإساءة إلى كل الأحزاب، وبالأخص الوطنية منها. أما المثال الثاني فيخص تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تدقيق الحسابات السنوية للأحزاب السياسية. فإلى جانب عمود "في سياق الحدث" الذي خُصِّص لهذا الموضوع وبأسلوب التعميم المعتاد لدى الجريدة، فقد أفردت "الأخبار" مقالا صحفيا بعنوان، على الصفة الأولى وبالبنط العريض، "المجلس الأعلى للحسابات ينشر غسيل الأحزاب السياسية"(كذا). وحين تنتقل إلى الصفحة الرابعة للاطلاع على ما جاء في ذاك المقال، تطالعك صور ستة قادة أحزاب سياسية؛ وهم على التوالي: سعد الدين العثماني، محند العنصر، إدريس لشكر، نبيل بنعبد الله، نزار بركة ومحمد ساجد. شخصيا، فاجأني وجود صورة الأستاذ إدريس لشكر مع القادة الآخرين لكون حسابات الاتحاد الاشتراكي معروف عنها التزامها بالدقة واحترام المعايير والقانون. وبعد قراءتي للمقال المذكور، وبالاهتمام المطلوب، لم أعثر على أية إشارة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؛ مما يعني، من جهة، أن الاتحاد غير معني بملاحظات مجلس الأعلى للحسابات؛ ومن جهة أخرى، يؤكد سوء نية الجريدة في إقحامها لصورة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي في موضوع لا يعنيه. إنني لا ألوم الجريدة على انتقاد الأحزاب؛ فهذا من حقها؛ بل ومن واجبها. لكنني لا أفهم هذا الإصرار على وضع كل الأحزاب في سلة واحدة؛ لا فرق بين الأحزاب الوطنية والأحزاب الإدارية، ولا فرق بين الأحزاب التقدمية والأحزاب الرجعية أو الليبيرالية. شخصيا، لا أجد لهذا الأمر إلا تفسيرا واحدا؛ هو الرغبة في تبخيس العمل السياسي من أجل التنفير منه. ومن هذا المنظور، فإن جريدة "نيني" تلعب دورا خطيرا لا يخدم إلا مصلحة أعداء الديمقراطية. فبدل أن تساهم هذه الجريدة في التنشئة السياسية الواعية، القائمة على الاهتمام بالشأن العام والمصلحة الوطنية، نجدها تعمل على التنفير من السياسة والتشجيع على العزوف السياسي من خلال زرع عدم الثقة، خاصة لدى الشباب، بأسلوب التعميم الذي لا يميز بين الصالح والطالح؛ بل يجعل الكل طالحا، وكأن لا أحد في هذه البلاد يحمل همها إلا "نيني". وهنا، قمة التفاهة !!!.
#محمد_إنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة مفتوحة من مواطن مغربي إلى الرئيس الجزائري الجديد: أليس
...
-
في التبادل الحر، مصلحة من الأولى بالدفاع، مصلحة الدولة الوطن
...
-
هل تمتلك مكناس مقومات المدينة الحديثة؟
-
المصالحة الاتحادية، نجحت؟ أم فشلت؟
-
المصالحة الاتحادية بين الإرادة السياسية وشرط التقييم والنقد
...
-
الكفاءات الاتحادية بين ضعف الحضور التمثيلي وقوة الحضور -الكا
...
-
الاتحاد الاشتراكي وخطاب الأمل بعمق فكري وأفق وطني: قراءة سري
...
-
أَسْحَتَ بنكيران وفَجَر ! اللهم إن هذا لمنكر !!!
-
في انتظار التعديل الحكومي، هل سيكون العثماني في الموعد؟
-
رجاءا، احترموا ذكاء المغاربة وكُفُّوا عن التحدث باسم الشعب !
...
-
على هامش المطالبة بمراجعة الدستور: فمال هؤلاء القوم يحسبون ك
...
-
بنكيران وجريمة اغتيال عمر بنجلون: دعوة إلى فتح تحقيق قضائي ف
...
-
حين يصبح العمل الخيري قناعا للفساد
-
من دروس الانتخابات الإسبانية: فعالية المشاركة في مواجهة الشع
...
-
في المسألة التعليمية، ازدواجية المواقف تشكك في هوية ووطنية أ
...
-
في الفرق بين الدفاع عن المنهجية الديمقراطية والاستقواء بالأص
...
-
المسألة اللغوية في المغرب بين خطاب الخداع وخطاب الإقناع
-
الحسابات الضيقة لأصحب القرار كلفتها ثقيلة على المستقبل
-
صدى نداء الوحدة الاتحادية في افتتاحية -الأخبار- المغربية: غل
...
-
رسالة مفتوحة إلى كل من يخاصم صناديق الاقتراع: هذا رأيي في ال
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|