|
الوقفات الاحتجاجية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6484 - 2020 / 2 / 6 - 22:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل تُعدُّ الوقفات الاحتجاجية سبيلا ، وطريقا للاحتجاج على هضم حق ، او هضم حقوق ، او إظهار الغضب بسبب اعتداء من طرف النظام ، او من طرف الخواص ، او مساندة احد المناضلين في محنته امام جبروت السلطة ، والبوليس ، او احياء ذكرى من الذكريات التي لها ارتباط بحادث ، او بتاريخ ، خاصة في ميدان حقوق الانسان ، كالإعلان العالمي لحقوق الانسان ، وذكرى الثامن من مارس وهكذا واليك . وهل الوقفات الاحتجاجية ، تمثل وسائل نضال جذرية ، في مواجهة تغول الدولة ، وتغول أجهزتها من سلطة ، وبوليس ، ودرك ، وما يجري من ممارسات مشينة غير مقبولة بمختلف السجون ، وإنّها تفي بالمطلوب ، بالحد من ممارسة الاعتداءات ، وممارسة الشطط ، وتمثل ممارسة منددة وفاضحة ، بالخروقات المختلفة التي تمارسها الدولة القمعية ، والجبرية ، والقهرية في حق معارضيها . لفهم ما إذا كانت الوقفات الاحتجاجية تمثل قيمة مضافة للنضال الذي يخوضه شعب ، او تخوضه قوة سياسية ، ينبغي معالجة الوقفات الاحتجاجية من خلال مرحلتين مختلفتين . المرحلة الأولى ، وهي دور الوقفات الاحتجاجية أيام حكم الحسن الثاني ، والمرحلة الثانية هي دور الوقفات الاحتجاجية في عهد محمد السادس . المرحلة الأولى : بالرجوع الى تاريخ الصراع الذي عرفه المغرب ، بين النظام ، وبين المعارضة بمختلف مشاربها الأيديولوجية والسياسية ، سنجد ان تنظيم الوقفات الاحتجاجية بالساحات العمومية ، كان يحرج كثيرا النظام ، الذي لم يكن يتسامح مع اية وقفة امام البرلمان ، او بالساحات العمومية بالعمالات والاقاليم ، او امام أبواب مرافق الدولة المختلفة ، كالمحاكم ، وادارات البوليس ، او امام أبواب السجون ، او حتى الوقفات امام المستشفيات احتجاجا على غياب أطباء ، او اطر طبية ، او حصول خطأ طبي تسبب في وفاة ... لخ ، فالنظام المغربي كان شديد الحساسية إزاء الوقفات ، وإزاء الاحتجاجات ، لأنه كان يعتبرها موجهة الى وجوده ، لا الى غيره . هكذا كان مجرد التفكير في تنظيم وقفة احتجاجية ، حلم صعب المنال ، وقد يعرض أصحابه الى المسائلة البوليسية ، رغم انه لا يوجد نص في القانون يمنع تنظيم الوقفات بالساحات العمومية ، او بغيرها ، بخلاف المسيرات الجماهيرية ، او القطاعية كالنقابات ، او السياسية كالأحزاب ، هي وحدها تتطلب الحصول على ترخيص ، وهنا يجب ان نفرق بين المسيرة المنظمة التي تخضع للترخيص ، وبين المظاهرة التي تحصل بغتة ، والتي لا تحصل على ترخيص ، فالدولة البوليسية تتشدد في المظاهرات الشعبية ، او الطلابية ، خاصة عندما ترفع شعارات مناوئة للنظام ، وتدعو الى قلبه ، والى تجاوزه ، وهنا نذكر بمظاهرات 23 مارس 1965 ، وبمظاهرات الدارالبيضاء في 9 يونيو 1981 ، ومظاهرات يناير 1984 بالشمال وبمراكش ، ثم مظاهرات 1990 بفاس . اما مسيرات حركة 20 فبراير ، فرغم انها لم تكن تحصل على تراخيص ، فالدولة تعاملت معها باحترافية عالية ، حتى نجحت في افراغها من مطالبها ، وحولتها الى جماعات غير مؤثرة تتحرك هنا وهناك ، الى ان تم اقبارها نهائيا . وإذا كانت الدولة اكتفت بمراقبة الحركة ، والتحكم فيها ، ولم تتدخل في قمعها حين هجّنتها ، فإنها لم تنسى رموزها الذين سيؤدون ثمن انتفاضتهم على الدولة ، حين ادخلتهم السجون بتهم مفبركة ومصنوعة بإتقان . عندما المّ مرض L’emphysème بالملك الحسن الثاني ، وأصبحت حياته معدودة ، سيحصل تطور إيجابي نحو ممارسات الحقوق السياسية والنقابية ، ونحو الانفتاح إزاء المعارضة ، بحيث أصبحت الوقفات الاحتجاجية تنظم امام البرلمان ، وتصدح حناجر الواقفين بشعارات راديكالية ، لم يكن من المسموح ترديدها قبل ان يداهم المرض الخطير الملك ، وكانت الوقفات تنظم بالعشرات والعشرات من المحتجين ، وفي بعض الحالات تصل الوقفات الى مائة محتج واقف امام البرلمان . ورغم ان وقوف مائة شخص ، وترديدهم لشعارات اعتبرت في حينها بمثابة تحد كبير ، لما ساد سابقا العلاقة بين النظام والمعارضة ، فان الوقفات لم تكن تربك الدولة ، فأحرى ان تهددها في وجودها ، ولأول مرة ستتدخل السلطات بليونة للتحاور مع الواقفين المحتجين ، وسيصبح يسود العلاقة بينهما ، الحوار المسؤول ، بدل حوار الطرشان في السابق . هكذا كان السلطات تنزل بثقلها لا لقمع المحتجين ، بل كانت تنزل للإنصات اليهم ، ومحاورتهم ، واقناعهم بحلولها المقترحة ، دون ان تجبرهم على قبولها ، وهنا وبهذا التغيير في أسلوب الاحتكاك ، خاصة مع المعطلين حملة الشواهد ، والمنادين بالقصاص من المسؤولين عن خروقات حقوق الانسان المختلفة ، طيلة العهد الذي كان يشرف على نهايته بنهاية صاحبه ، نجحت السلطة في النفاد الى قلب المحتجين ، كما نجحت في استقطاب العديد منهم ، و وظفتهم كعيون لها بداخلهم ، وبما ان المرحلة التي يوجد فيها وعليها المغرب ، كانت تعتبر انتقالية ، لان ما كان يؤرق النظام هو التفكير في كيفية تدبير فترة الانتقال بين نظامين ، وبين ملكين ، سيما العمل ما امكن لتمليك ( ملك ) محمد السادس ، دون حصول اضطرابات ، او فوضى ، او انتفاضة ، فكان ان استفادت الوقفات من هذا الجو المخيم على المغرب ، لضمان انتقال الحكم من ملك الى ملك في هدوء . المرحلة الثانية : وهي مرحلة الملك محمد السادس . عندما جاء محمد السادس الى الملك ، وجد الساحة مهيئة لتوليه الحكم ، دون الخوف من حصول كل ما من شأنه ان يخلق لحكمه ، مشاكل عويصة . فالسياسة التي سار عليها النظام ، كانت جد ذكية ، وجعلت الملك يحظى بتأييد جماهيري وصل الى تسعين في المائة من الشعب ، لان الجميع انطلت عليه الشعارات الجديدة كملك الفقراء ، والمفهوم الجديد للسلطة ، وربط المسؤولية بالمحاسبة ، كما كانت هناك إشارات من الملك ، حين كان يزور شخصيا خيام المعطلين المعتصمين امام البرلمان ، واصبح الناس يتكلمون على انضباط الملك عندما يقف بسيارته في الضوء الأحمر ....لخ ان هذا التحول المصطنع ، والذي كان يهدف السباق للسيطرة على الحكم ، والتحكم في كل مفاصله ، سيجعل النظام ينفتح بطريقة مكيافيلية على الشعب ، وادى هذا التبادل في الفهم ، بين النظام الذي أراد الظهور بمظهر النظام الديمقراطي ، وبين الشعب الذي ارتبط بشخص الملك اكثر من ارتباطه بنظامه ، انْ كثرت الوقفات الاحتجاجية بساحة البرلمان ، وبالساحات العمومية بالعمالات ، والاقاليم ، وتنوعت الوقفات بتنوع أسبابها امام مختلف الإدارات ، والمصالح ، من امنية ، واجتماعية ، واقتصادية ، وبفعل الزمن ستتطور الوقفات الى مسيرات لسكان قرى ، وسكان مدن نحو العاصمة الرباط ، لتقديم المطالب الاقتصادية والاجتماعية المختلفة ، وبدأ نوع من التجاوز يحصل للسلطات لصالح العلاقة المباشرة بين القصر / الملك ، وبين الشعب ، وهو ما كان يخلق مشاكل للمحيطين والمقربين من الملك ، فبدأ التفكير في آلية لضبط الوضع الذي كانوا يعتقدون انه بدأ يخرج عن السيطرة ، وان شعارات ملك الفقراء ، والمفهوم الجديد للسلطة ، وكل الشعارات التي تم الترويج لها في الساحة ، وكانت تهدد مواقع مختلفة ، بدأت تخلق مشاكل لهيبة الدولة ، واستمرار الوضع على هذه الشاكلة ، سينتهي امّا الى سقوط النظام لصالح نظام آخر ، وقد يؤدي الى سقوط الدولة لصالح دولة اسلاموية ، على راسها الإسلام السياسي بمنظماته المختلفة ، وعلى راسها جماعة العدل والإحسان ، وسيتأكد هذا في الشعارات التي رفعتها الجماعة الى جانب حزب النهج الديمقراطي ، وفصائل اليسار المتطرف خلال مسيرات عشرين فبراير . إذن كل المؤشرات السياسية بدأت تصب في التخويف ، وتدعو الى التحرك قبل فوات الأوان ، لان مصالح اللوبي السلطوي التي أضحت مهددة ، تقتضي السرعة لا البطيء . هنا ، وبعد ان كان النظام يسمح بتنظيم الوقفات الاحتجاجية بكل الأماكن العامة ، وامام مختلف المرافق ، سيصبح يتشدد في تنظيم هذه الوقفات ، ويمنع المسيرات عند نقطة انطلاقها ، او عند بلوغها منتصف الطريق ، كما اصبح اللوبي السلطوي البوليسي النافد ، يلفق التهم ، ويطبخ المحاضر البوليسية المزورة للمعارضين ، ولفاضحي الفساد ، واصبح الاحرار والشرفاء نزيلي فنادق الملك ( السجون ) ، وبرمشة عين تم الرجوع بالمغرب الى وضع مزري في حقوق الانسان ، اكثر بشاعة عما كان عليه الحال أيام الحسن الثاني ، وعوض الانفراج الذي ساد بعض السنوات القليلة من حكم الملك محمد السادس ، تم الرجوع الى قبضة الدولة البوليسية التي تتفنن في خنق الانفاس ، وليِّ الأقلام ، وقطع الالسن ، ورفض المعارضة حتى ولو كانت معارضة سلمية ، لا معارضة عنف . ان هذا الوضع الذي تأزم بسرقة البوليس للدولة ، والتحكم فيها ، و مصادرتها ، وفي السيطرة على الشعب الذي زاد فقرا في فقر ، في حين اثرى دهاقنة الدولة البوليسية ومن يدور في فلكهم ، الثراء الفاحش ، سيتعمق اكثر بتفجيرات 16 مايو 2003 التي كانت بحق انقلابا مكن دهاقنة البوليس ، من القضاء الكلي على ما تبقى من شعارات ، كملك الفقراء ، والمفهوم الجديد للسلطة ، فانتقل الملك من جهة الشعب ، الى جهة دهاقنة البوليس الذين اختطفوه في النهار قبل الليل ، واصبح الشعب بمثابة فوبيا لذا الملك ، فتم صدور قانون الإرهاب المسلط كسيف دمقليس ، على كل معارض حر وشريف . هكذا سينقلب كل شيء رأسا على عقب ، فعوض الانفراج ساد الخنق والتضييق ، وعوض الديمقراطية ، سادت الدولة البتريمونيالية / الكمبرادورية / الأوليغارشية / البطريركية / الثيوقراطية / الاثوقراطية / القروسطوية / الاستبدادية / الطاغية / الحگارة / المعتدية / و اخطرهم البوليسية الفاشية .. لقد اهدر انقلابيو البوليس الذين سرقوا الدولة ، فرصة لا تعوض ، حين اضاعوا احسن موعد مع التاريخ ، كان سيؤسس لنظام ديمقراطي مبني على المؤسسات ، ومسلح بالقانون ، والعدل ، وبربط المسؤولية بالمحاسبة ، لكن هيهات على نفسها جنت براقيش ، لان القادم ، ومع ما يحضر للمنطقة خارجيا ، سيكون اخطرا واصعبا ، وسيجر بالمسؤولين عنه الى المسائلة عن كل ما حصل . فبالتمعن اكثر في المرحلتين ، مرحلة الملك الحسن الثاني ، ومرحلة الملك محمد السادس ، نستطيع القول : ان النظام يغير المكانزمات ، وأدوات الاشتغال ، لكنه نظام لا يتبدل .. ولوْ طارتْ معْزَ .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اعتراف امريكا بمغربية الصحراء ، مقابل تطبيع النظام المغربي ا
...
-
هل يخضع نزاع الصحراء الغربية لصفقة قرن فرنسية .
-
الظواهر
-
الدكتور هشام بن عبدالله العلوي
-
صفقة القرن
-
المحكمة الإيطالية
-
قضية الصحراء الغربية ، قضية نظام جزائري
-
مغرب محمد السادس ، حصيلة عشرين سنة من الحكم
-
الاضراب // La gréve
-
هل النظام المغربي معزول ؟
-
جريمة / Crime
-
المجتمع الاسباني والعنصرية / La société espagnole et le raci
...
-
سنة وثلاثين سنة مرت على انتفاضة يناير 1984
-
قطر / اسرائيل ضالعتان في اغتيال الجنرال قاسم سليمان
-
كلمة أمازيغ
-
نفس المسرح // Le même théâtre
-
المغرب -- اسبانيا // Maroc -- Espagne
-
الحكومة الاسبانية
-
ايران - امريكا // Iran - SA
-
تعطيل تنفيذ احكام ( القضاء ) في حق الاملاك العامة للدولة
المزيد.....
-
على ارتفاع 90 مترًا.. عُماني يغسل سيارته مجانًا أسفل شلال -ا
...
-
في إسطنبول نوعان من القاطنين: القطط والبشر في علاقة حب تاريخ
...
-
بينها مرسيدس تُقدّر بـ70 مليون دولار.. سيارات سباق أسطورية ل
...
-
هل فقد الشباب في الصين الرغبة بدفع ضريبة الحب؟
-
مصدر دبلوماسي لـCNN: حماس لن تحضر محادثات الدوحة حول غزة الخ
...
-
مقاتلتان من طراز -رافال- تصطدمان في أجواء فرنسا
-
حافلة تقتحم منزلا في بيتسبرغ الأمريكية
-
دبابات ومروحيات أمريكية وكورية جنوبية تجري تدريبات مشتركة با
...
-
كاميرا ترصد الاعتداء على ضابط شرطة أثناء المظاهرات في فيرجسو
...
-
طلاب بنغلاديش من المظاهرات إلى تنظيم حركة السير فإدارة الوزا
...
المزيد.....
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
المزيد.....
|