|
حوار في موسكو
عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري
الحوار المتمدن-العدد: 6481 - 2020 / 2 / 3 - 17:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على هامش صفحات كتاب الأزمة السورية الجذور والآفاق، حوار في موسكو مع الدكتور قدري جميل
في الأمثال: من غربل الناس نخلوه. والناس في العموم تريد من السياسي أن يتحدث بلسانها-عن تلك التفاصيل الصغيرة التي تًنغص عيشها- لا بلسان حال جريدته أو حزبه أو أيدولوجية وخاصة في فترة الشدائد والمحن، بمعنى أن تكون إنساناً تشاركها شظف العيش وفقدان الأمن والأمان. لا يهمها كثيراً ماذا تطبخ أنتَ في قدورك، الأهم ماذا تأكل هي في صحونها. من المعروف أن "الجماهير العريضة" تأكل في الأحلام ما تشاء، أما في الواقع فتأكل مما طبخته في قدورها، فأنت لن تأكل سمكاً مشوياً من قدرك التي وضعت فيها بيضاً مسلوقاً. وكذلك في المثل "تحصد ما تزرع" فأنت لن تحصد قمحاً إذا زرعت شعيراً. ولن تحصد سلاماً إذا زرعت ارهاباً.
أنتَ تخاطب الناس، كل الناس، الكبير والصغير والمقمط في السرير، المرأة والرجل، المتعلم والأمي، الجاهل والعالم، دكتور الجامعة ورجل الشارع. وعليك أن تُصغي لما يقوله رجل الشارع ودكتور الجامعة عن "مطبخك السياسي" وعمَّا تطبخ، على حدِّ سواء.
رجل الشارع يُعبِّر بلسان فضّاح جارح، ساخراً تارة، معلّقاً تارة، شاتماً تارة أخرى. وقد شهدت أحدهم في الشارع العام في مدينة إدلب لقبه "سيتير" بمعنى صهريج، والصورة لا تشبه اللقب، فقد كان نحيفاً مقرقمراً-وقد سئل أعرابي ما لي أراك ضعيفاً نحيفاً؟ قال قرقمني العز- عمل كل حياته "عتالاً" يشيل النحاتة "مطحون الأحجار الكلسية البيضاء" المشهورة في إدلب، أو رمل البناء، في زنبيل على كتفه ويصعد الدرج إلى طوابق البنايات. قال مرة في جدال أمام بقالية أبي: أنا أفهم في السياسة أكثر من ديغول. وعلى فكرة قد يكون صادقاً-وعلينا أن نستمع إليه- فقد عاصر الكبار، يوسف ستالين، ديغول، نهرو، تيتو، جمال عبد الناصر، فيدل كاسترو، خالد بكداش، نيكيتا خروتشوف، ريتشارد نيكسون.
أقول هذا بمناسبة نشر الدكتور قدري جميل كتاباً في شكل حوار أجراه رفيقه في حزب الإرادة الشعبية الشاب مهند دليقان. طُبع الكتاب في دار الفارابي-لبنان- بيروت-الطبعة الأولى آذار 2019. جاء الكتاب في حوالي 280 صفحة من القطع المتوسط، مقسمة على ثلاثة فصول هي (الجذور، الانفجار، الآفاق)، إضافة إلى قسم للملحقات يحتوي عدة وثائق أصدرتها "اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين" خلال العقد الأول من القرن الحالي، والتي تحولت لاحقاً إلى حزب الإرادة الشعبية، إضافة إلى مقتطفات من وثائق تاريخية أقدم، بينها مقال خالد بكداش "سورية على الطريق الجديدة" المنشور عام 1965 في مجلة قضايا السلم والاشتراكية. ومقتطف من خطاب يوسف ستالين في مؤتمر الحزب الشيوعي السوفييتي التاسع عشر عام 1952.
تتوقع مني أن أخوض في غمار الكتاب، لا يا سيدي لن أفعل، بحثتُ في الإنترنيت عمَّن ناقش مضمون الكتاب أو كتب مراجعة له فلم أجد أحداً بعد أكثر من عشرة أشهر على صدوره. استغربت الأمر واستهجنته، وجدتً تعريفاً بسيطاً عن الكتاب في جريدة "قاسيون" السورية الذي يُصدرها حزب الإرادة الشعبية، ورابط تحميل الكتاب الكترونياً. حمَّلت الكاتب وبدأتُ ارساله عبر البريد الالكتروني وخدمة الدردشة والرسائل في الفيسبوك إلى رفاقي وأصدقائي في مختلف بقاع الأرض من مونتريال في كندا إلى سيدني في استراليا. كان الجواب لا نريد الحوار مع قدري جميل "حل عن سمانا" فكِّر فقط بما فعله مع رفيقه النبيل "جهاد أسعد محمد" سكرتير تحرير جريدة قاسيون لتدرك جيداً لماذا لا نريد مناقشة كتابه.
ستجد أن الدكتور قدري جميل أمين حزب الإرادة الشعبية له مَجمعه الخاص من الأفكار والطروحات ووجهات النظر والمعادلات الاقتصادية والفلسفية في الحياة من خلال تشبهه بالماركسية-اللينينية-إن التشبه بالكرام حميد- التي يعتنقها مذهباً وقدوة في العمل على حدِّ زعمه. وقد تجسد ذلك واضحاً صريحاً في حزب الإرادة الشعبية الذي يقوده. تكررت الاستشهادات من لينين في حواره فهو في موسكو على كل حال. وهذا ليس جديداً فقد كان بليخانوف ولينين وتروتسكي وستالين وخروتشوف وخالد بكداش وميخائيل غورباتشوف و فيدل كاسترو وماو تسي تونغ وكيم إيل سونغ وهو شي منه وأرنستو تشي جيفارا وكيم جون أون، كل منهم له وجهة نظر خاصة وزاوية رؤية سار على هديها لذلك اختلفت دروبهم، والدروب في العادة تصنعها الأقدام، لذلك اختلفت دروب البشر. ولك كل الحرية في أن تختار درب حياتك ولكن عندما تتقاطع الدروب عليك أن تذهب إلى فولتير في قوله: "قد أختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد لأدافع حتى الموت عن حقك في التعبير عن رأيك". وأكيد الدكتور قدري جميل له دربه الخاص الذي سار عليه في حياته فأوصله إلى موسكو ومن حقه الدفاع عن "مخرجات" هذا الدرب.
بعد تصفُّح الكتاب، ومن ثمَّ القراءة المتأنية لفصوله ستجد أن مجمل الفقرات والجُّمل التي تؤلف أفكار الكتاب تحتاج إلى شروحات وتفاسير كثيرة على متن النص وهذا يحتاج إلى وقت طويل وصفحات كثيرة في تقريظ كتاب الحوار في موسكو، ولكنني سأكتفي بتعليقات على هوامش صفحاته.
خذ مثلاً الكلمات الأولى التي جاءت في صدر الكتاب، ولا نعلم من قالها، محرر الكتاب أم الدكتور قدري جميل:
(لا توجد حقيقية بسيطة، الحقيقة دائماً مركبة، وبلوغها نضال شاق ومستمر. لكنها الطريقة الوحيدة لتغير الواقع تغيراً جذرياً، لأنه "ينتصر في نهاية المطاف، من ينتصر معرفياً". في هذا الكتاب لن يجد القارئ الصورة النمطية للنظام السوري، ولا الصورة النمطية للمعارضة السورية، ولا أياً من الاصطفافات الدولية والإقليمية. بكلمة واحدة: لن يجد قارئ الكتاب أياً من الحقائق البسيطة، لأن لا وجود لحقائق بسيطة)
تعليق بسيط:
قوله: "الحقيقة مركبة وبلوغها نضال شاق ومستمر لكنها الطريقة الوحيدة لتغير الواقع تغيراً جذرياً" يوناني فلا يًقرأ، رحم الله عميد الأدب العربي طه حسين صاحب هذا التعبير والذي وضعه عنواناً لإحدى مقالاته في ستينات القرن العشرين. ماذا نفهم من فاتحة الكتاب؟ أعربيٌّ هذا الكلام أم سرياني؟ أيمكن أن يقرأه الرجل المثقف ذو الثقافة العميقة الرفيعة، أو ذو الثقافة المتوسطة القريبة، فيخرج منه بطائل ويحصِّل منه شيئاً يمكن الاكتفاء به للوقوف عنده للتأمل والمناقشة؟
إحدى عشرة جملة من فاتحة الكتاب تحتاج منا جهداً جهيداً لفهمها، تستعصي على الفهم، هذا إن فُهمت. أعد قراءة النص من جديد. أعدتُ، لم أفهم، أين العلّة؟ العلَّة في الفكرة. ماذا تريد أن تقول؟ ها هي اللغة العربية أمامك وسيلة ممتازة لعرض أفكارك تستطيع تحميل ما تشاء من أفكار على ظهر اللغة العربية. ولكن هذا الكلام الذي تعرضه في فاتحة الكتاب ترجمة لفكر أجنبي يقود الناس نحو آمال كاذبة. ما العلاقة بين الحقيقة البسيطة والحقيقية المركبة وبين الانتصار المعرفي في "الأزمة" السورية. نعم أن تصل إلى حقيقة ما يجرى في الواقع السوري يحتاج الأمر إلى عمل شاق وجهد حثيث وتحتاج إلى تلك الجدلية المعقدة بين الفكر والواقع المعاش والوجدان.
بدون وجدان لا تستطيع قراءة ما يجري في الواقع لأن الإشكالية الحقيقية هي النمط النظري الذي تُطرح من خلاله مشكلة واقعية، وليست المشكلة الواقعية نفسها. أو بالأحرى وبشكل أدق هي الطريقة التي يحول فيها الفكر الواقع الاجتماعي إلى مشكلات، أي قضايا يمكن تحديدها وتقديم إجابات وحلول لها. لا عيب في الحقيقية البسيطة أو في الحقيقة المركبة واعتقد من وجهة نظر شخصية ان الحقيقة البسيطة هي ما يفهمه الجمهور لماذا نثقل عليه بتركيب معقد؟ لماذا لا نختار أيسر السبل وسيفهم الجمهور بكل تأكيد. لماذا نختار المسالك الوعرة لنصل إلى الهدف، وبالتالي يضيع القارئ في شعاب لا تصل على حقيقة مرضية. والحكاية قديمة:
يُروى أن أبا سعيد المكفوف مؤدب ولد عبد الله بن طاهر قال: يا حبيب لم لا تقول من الشعر ما يُفهم؟ فأجاب حبيب: وأنت يا أبا سعيد لم لا تفهم من الشعر ما يقال؟ فعُدَّ ذلك من محاسن أجوبة حبيب بن أوس الطائي المُكنى بأبي تمام.
كلنا يعلم أن الحقائق فيها البسيط وفيها المركب-بديهة علمية لا تحتاج إلى برهان- وعندما نقول لا توجد حقيقة بسيطة في "الأزمة" السورية، فهل هذه حقيقة بسيطة أم حقيقة مركبة؟ ألا يمكن أن تكون الحقيقة المركبة هي مجموع حقائق بسيطة، كما ترى يوجد حقيقة بسيطة، ونفيها لا يفيدنا. ويمكن للإنسان تأليف كتاب فلسفة في وجود الحقيقة البسيطة أو عدم وجودها. لو قلنا مثلاً: إن زرعت إرهاباً لن تحصد سلاماً، ستحصد إرهاباً بالتأكيد. هل هذه حقيقة بسيطة أم حقيقة مركبة؟ الدكتور قدري جميل في حواره في موسكو ينضح من إناء المفهومات البسيطة والمفهومات المركبة. لذلك من أصعب الأمور الجدل معه حول ما يطرح من وجهات نظر من موسكو، فهو يعود إلى خالد بكداش ويوسف ستالين ويحاول دمجهما في الواقع المعاش اليوم، لماذا الآن؟ لم أفهم قصده. المثل يقول: "بعيد عن العين بعيد عن القلب" وعلى ما أظن فإن الحوار مع الدكتور قدري جميل في موسكو يسيل في هذا المجرى.
من الحقائق البسيطة أنني رأيت الدكتور قدري جميل مرة واحدة أوائل تسعينات القرن العشرين في مدينة إدلب أثناء التحضير لانعقاد المؤتمر السابع للحزب الشيوعي السوري، جاء إلينا من دمشق وكان عضواً او مرشحاً في المكتب السياسي وفي لجنة الرقابة الحزبية على ما أذكر.
انعقد المؤتمر المنطقي في إدلب لانتخاب مندوبين، تخلل ذلك حوارات هادئة إلى أن تدخلت "وكهربتُ الأجواء" وكان هذا ديدني في الاجتماعات الحزبية، متهماً اللجنة المنطقية بالتقصير في عملها. قامت القيامة وفار التنور. كيف أتجرأ على عمل اللجنة المنطقية وسكرتيرها في حضور أحد أعضاء المكتب السياسي والرقابة الحزبية؟
انتقادي كان وجهاً لوجه، فاحمرت وجوه واخضرت وجوه، والدكتور قدري جميل يُراقب المشهد صامتاً. فحوى الانتقاد أنه كانت عندنا في مدينة إدلب نشرة محلية اسمها "التقدم" تصدر كل حين ومين عن اللجنة المنطقية للحزب ببضع صفحات لا تعرف لها "راس من أساس" مشحورة بالحبر الأسود، مجلغمة لا تُقرأ معظم كلماتها.
نكاية باللجنة المنطقية أحضرت معي إلى الكونفرانس الحزبي ثلاثة أعداد عملتها على شكل جريدة واسميتها "التقدم" كتبت كل ما فيها من الافتتاحية في الصفحة الأولى إلى رسم الكاريكاتير في الصفحة الأخيرة. التقط سكرتير اللجنة المنطقية الأعداد من يدي مزمجراً ناظراً في وجه هذا الرفيق الذي: كَناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً ليِوُهِنَها/فَلَمْ يَضِرّْها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ. هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي أرى فيها الدكتور قدري جميل وجهاً لوجه. بدا لي تلك الأيام صارم القسمات، حائر النظرات، قليل الكلمات. قصدي من هذا الكلام أن أقول بأنني من "أهل الحزب" وأعرف مطبخه جيداً، وما يُطبخ في قدوره. وقد عشت في هذا المطبخ أمداً بعيداً وهُنا تجيء الملاحظة الأولى:
افتقد الكتاب تعريفاً ولو مختصراً عن سيرة حياة الدكتور قدري جميل وكان هذا -في ظني- من الضرورة بمكان، لماذا؟ أقول لك: كي لا يذهب القارئ إلى "منصات" التواصل الاجتماعي ومحركات البحث-كما فعلت أنا- ليجد تشكيلة من المعلومات جمعها من "هب ودب" ولا تطمئن للكثير من محتوياتها، فتجد أن الدكتور قدري جميل يملك الملايين من الدولارات التي حصل عليها من تجارة السلاح في الأزمة السورية التي يتحدث عنها وهو الذي حرض الروس ليتدخلوا عسكرياً في سورية وصاحب مؤسسات تجارية ضخمة مع الروس يدفع منها رواتب موظفيه في جريدة قاسيون وفي حزب الإرادة الشعبية. وله علاقات واسعة مع الأجهزة الأمنية الروسية والمخابرات السورية ويعزم في سهراته في القصر الذي يقيم فيه في موسكو كبار المسؤولين والضباط الروس بمن فيهم وزير الدفاع الروسي.
هذا ما وجدته في المقالات المكتوبة عن الدكتور قدري جميل والمنشورة في مختلف الصحف والمواقع الالكترونية. هل هذه حقيقية فعلاً أم هذا تلفيق من مبغضيه في الأساس. كانت سيرة مختصرة حقيقية عن حياته وثروته مرفقة بالكتاب كفيلة بتجنب ذلك كله. هل يخجل الدكتور قدري جميل من عرض سيرته الذاتية فيمعن في تعميتها أو هو مع المثل القائل: الكلاب تنبح والقافلة تسير. ولكن في هذا الفضاء المفتوح لا تستطع إخفاء ما تريد وتظهر ما تريد. انتهى الزمن الذي كان فيه السياسي ثعلباً، ينفخ بطنه في وسط الطريق حتى يظهر ميتاً فتنجح حيلته تلك فيفلت من الأعداء ويقتنص الطريدة. هذه حيلة قديمة من أيام "كليلة ودمنة" لا تنفع اليوم. لذلك لا بد من العودة إلى فكرة غسان كنفاني: كل الحقيقة للجماهير. وهذه حقيقة بسيطة مش مركبة. ولا يمكننا حجب الشمس بغربال.
الملاحظة الثانية:
لفت نظري كسوري عاش ويعيش الأحداث التي دار حوار الدكتور قدري جميل حولها في موسكو حيث راوغها مرة وحاول اقتحامها مرة ثانية. والسؤال الأصعب هل كان الدكتور قدري جميل صادقاً في فيما يقوله من وجهة نظر في تشخيص "الأزمة" السورية ومجرياتها؟ بمعنى هل نثق بكلامه الذي اعتمد فيه على الماركسية-اللينينية في تحليل "الأزمة" السورية كما يقول؟ أم أنه ككل سياسي يُراوغ و"يلف ويدور" من أجل مصالح سياسية واقتصادية وأيدولوجية وحزبية وشخصية فيختلط الحصيد على البيدر ولا تعرف القمح من الزيوان؟
قد يرتاح بعضهم لطرح الدكتور قدري جميل في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد يجد من يشاطره هذه الأفكار. أنا على العموم لا أرتاح للمعادلات التي يطرحها الدكتور قدري جميل من خلال ما يُنشر في جريدة قاسيون-وقد كنت من كتابها فترة لا بأس بها- ومن خلال بيانات حزب "الإرادة الشعبية" لقضايانا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحلية والعربية والعالمية. هو يرى نفسه أفهم في السياسة والاقتصاد من ديغول وهذا شأنه "يصطفل" ولكن أرى أنها جعجعة رحى تدور فارغة من الحب، وقد انفض الكثير من الرفاق من حوله وذهبوا في اتجاهات مختلفة وبقي الدكتور قدري جميل صامداً في معركته التي يقودها من موسكو.
أعتقد أننا لن نحصل على طحين نعجنه بالملح والماء ثمَّ نوقد التنور ونُقدم خبزاً للمواطن السوري التعبان ليأكل. أليست بعيدة عن أفواه السوريين تلك القدور والطناجر التي يطبخ فيها الدكتور قدري جميل في موسكو؟ هل هي متاجرة رابحة هذه التي يُمعن فيها خطاب الدكتور قدري جميل من موسكو للمواجع التي لا تنتهي ولعذابات المسحوقين التي تتنامى، رغم "ثورة" أو "أزمة" على حد تعبيره، انتظم الوطن فيها وما رأيت ولا قرأت ولا سمعت لها مثيلاً في تاريخ الشعوب والأمم. ثورة وحدت عذابات الجميع وتم تهميشها واتهامها بالإرهاب من أجل مصالح حفنة من المنتفعين.
لي ملحوظة بسيطة حول شعار "كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار" والذي يستعمله الدكتور قدري جميل كثيراً في مختلف المناسبات. كيف يتجسد ذلك وقد تُرك جهاد أسعد محمد الذي عمل سكرتير تحرير جريدة قاسيون مدة خمس سنوات في السجون السورية يتعرض للتعذيب من يوم اعتقاله في ١٠ آب ٢٠١٣، هذا إن كان جهاد أسعد محمد على قيد الحياة اليوم. هل هذه حقيقة مركبة؟ تقول زوجته "أمل السلامات" وهي ناشطة في مجال العمل المدني والإنساني:
يختصر جهاد سبب حالته تلك بكلمة واحدة "الخذلان". الخذلان تحديداً من تياره السياسي "حزب الإرادة الشعبية" الممثل بقدري جميل وبعض الرفاق الحزبيين، فهم اصطفوا جميعاً في خندق واحد، ضد آلاف الجموع في التظاهرات التي انطلقت في ساحات وشوارع المدن السورية، والتي التحق بها جهاد، متهمين سلوكهم وسلوكه بالعشوائي المجرد من التفكير السياسي، وحين أصر وأمعن جهاد في وقوفه مع جماهير الشعب المنتفضة، اتهموه بـالطائفي، بالعائد لا شعورياً إلى "سنيته".
مشدوهاً أخبرني بالتهمة العجيبة. صمت طويلاً وكعادته يتخذ قراراته المصيرية كلها حين يصمت، وسألني: هل تقبلين بأن يكون راتبك هو دخلنا الوحيد؟ ماذا تقصد؟ سأترك العمل في جريدة قاسيون. هل ستكون أفضل حالاً؟ نعم. فليكن إذاً. تسع سنوات أمضاها جهاد في مكاتب جريدة قاسيون الناطق الإعلامي لحزب الإرادة الشعبية، قاضياً فيها وقتاً أكثر من ذلك الذي أمضاه في بيت أهله حين كان عازباً، وحين تزوج. من محرر بسيط في الجريدة، إلى مدير تحريرها، ثم ليفترق عنها في أذار 2012 بصفته رئيساً للتحرير، بعد أن يئس من إقناع كادرها بأن ما يحصل في سورية ضرورة حتمية وتاريخية. على مفترق طرق كان يقف، حسم أمره، تحرّر من الخذلان، من اليأس، وارتحل سالكاً طريق الثورة. وأنا على يقين أن جهاد أسعد محمد كان صادقاً في تطلعاته تلك. يا ليتني كنتُ أعرف جهاد أسعد محمد، فانا لم التق به في حياتي تعرفت على حكايته بعد أن صار سجيناً، فكَّ الله أسره وأسرنا جميعاً.
رابط تحميل كتاب "الأزمة السورية الجذور والآفاق" الدكتور قدري جميل: http://kassioun.org/…/d…/52_7752c51d9a04eaadc05c92547e35a112
#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شجار في صحيفة الأخبار
-
ثلاثون عاماً على كتاب الرأسمالية تجدد نفسها
-
يعجبني ماركس أكثر من سواه
-
من يملك الدَّين الأمريكي؟
-
قرية سورية منحوتة في الصخر
-
حدثنا عن العدالة يا أردَشير
-
صورة الشاعر إيمي سيزار
-
جهاد محمد...والرقص مع الذئاب
-
ماذا سيحدث غداً يا تولستوي؟
-
تجدُّد ماركس
-
كيف تكون شيوعياً جيداً؟
-
على عتبة المؤتمر
-
في الحيلة لدفع الأحزان
-
منصور الأتاسي وداعاً
-
غزة في الوجدان
-
براميل متفجرة وطناجر مطبخ
-
دقيقتان مع ونستون تشرشل
-
مات طباخ الرئيس
-
عبدالله حنا يكتب عن خالد بكداش
-
امرأة شجاعة من أهل البادية السورية
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|