أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاضل الخطيب - الداروينية البعثية















المزيد.....

الداروينية البعثية


فاضل الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 1568 - 2006 / 6 / 1 - 11:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الداروينية البعثية!
ما شئت لا ما شاءت الأقدار!
أحكم فأنت الواحد القهّار!

من حزب وطني بكل معنى الكلمة إلى فرد ميكافيلي بكل معنى الكلمة!
هذا هو البعث خلال أقل من نصف قرن.

التحول الأخلاقي والروحي الذي حصل في المجتمع السوري خلال العقود الأخيرة وما وصل إليه الآن يعتبر أحد أهم مفرزات النظام الشمولي الديكتاتوري, وخاصة منذ انقلاب الأسد على رفاقه وعلى حزبه!
وإذا رجعنا للوراء قليلاً وحتى الستينيات من القرن الماضي كان المجتمع السوري يحمل الكثير من القيم الأخلاقية والإنسانية التي يفتخر فيها.

قبل انقلاب البعث في 8/3/1963, والذي أوصله للسلطة, وفي فترة الخمسينات من القرن الماضي كان البعث من الأحزاب الوطنية الهامة في ذلك الوقت, وكانت صحفه ومواقفه تؤكد على حرية الكلمة والمعتقد وعلى التعددية السياسية وسيادة القانون... وكانت له تحالفات سياسية وطنية ودور وطني يفتخر فيه البعثيين... أي أنه كان حزب بكل معنى الكلمة, وكان يضع المهام الوطنية والقومية في موضع عمله ونضاله السياسي بكل صدق!

وبعد انقلاب الضباط واستلام البعث السلطة في سوريا, نسي أكثر الطروحات والمواقف التي كان يناضل من أجلها, واحتكر السلطة وتحول من حزب يؤمن بحرية الكلمة له ولغيره ويؤمن بالتعددية واحترام القانون, تحول إلى حزب فردي يتحكم بمصير البلاد والعباد!
وبقي يطرح شعارات تحرير فلسطين وباقي الأراضي العربية المحتلة في كيليكيا(جنوب تركيا), وعربستان, وسبتة ومليلة في المغرب... أي أنه كان يطرح الوحدة الجغرافية للوطن العربي.
ورغم كل هذه المواقف بقي للحزب وجوده ونفوذه بين أبناء الشعب الذين أسكرتهم الشعارات القومية, وكان في داخل البعث تيارات ومواقف وتباينات في تقييم هذه أو تلك القضية, وهذه قضية طبيعية في الأحزاب ـأي أنه لم يكن هناك زعيم فرد يمتلك القرار وحده وكلمته هي القانون ـ

وجاء التحول الثاني للحزب في 23/2/1963 حيث تم إقصاء جناح من أجنحة الحزب وانفرد جناح آخر كان حافظ الأسد أحد رموزه وحينها استلم الأسد وزارة الدفاع! وحتى تلك المرحلة كان حزب البعث هو الذي يحكم ويتحكم بالبلد وسكان البلد!
وحين قام حافظ الأسد بانقلابه على رفاقه في عام 1970 واستلم السلطة ووزع المناصب الحساسة على أقربائه, بدأ نفوذ الحزب كحزب حاكم يأخذ طابعاً شكلياً, ليحل محله إسم حافظ الأسد, وصار الأسد هو الحزب والدستور والحاكم المطلق, ولم يعطي مجالاً لأي فرد آخر بالبروز والنفوذ!
وكانت كل الرموز التي انتقاها تعمل وفق تعليماته وإرشاداته, ومن أكبر كبائره أنه سمح لكل رجاله الانغماس بالفساد وجعل لكل منهم ملف خاص به يذّكره فيه إذا فكّر أحدهم بالتمرد ولو قليلاً!

هذا التحول ألغى دور الحزب نهائياً في عملية المراقبة وفي عملية الإدارة والحكم وصار الحزب شكلاً لا قيمة له, وقامت محل الحزب أجهزة متعددة للأمن ولأجهزة عسكرية لا تخضع لقيادة الجيش مثل سرايا الدفاع التي كان يقودها أخوه رفعت الأسد, وكان عمل هذه الأجهزة هو حماية نظام الأسد وتضاعف عدد أجهزة الأمن مرات عديدة حتى زاد عددها عن الخمسة عشر فرعاً!

ومن أكبر الجرائم الأخلاقية التي ارتكبها الأسد وأسرته بحق الشعب والوطن هي باعتقادي ترسيخ الفساد كنهج مقبول ومستساغ من قبل غالبية أبناء المجتمع وخلق ووطدّ غريزة القطيع!! وصار الذل والخنوع ميّزة لملايين من أبناء الوطن, ولا يستثنى منها أكبر الرموز والموظفين الحزبيين! ويكفي التذكير بأحد أعضاء مجلس "الشعب" والذي خاطب الأسد الأب مستشهداً ببيت شعر بدوي قيل قبل أكثر من ألف عام وهي تمثل حكم الرفيق الأمين العام:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار ...... أحكم فأنت الواحد القهّار!

فبينما كان قديماً يحتقر إجتماعياً من يحاول طلب رشوة, وهي كانت نادرة جداً _خصوصاً على مستوى دوائر الدولة ومؤسساتها_, صارت في عهد الأسد أمراً طبيعياً وإلزامياً لكل عمل أو معاملة رسمية, وصار الفساد القاسم المشترك لنشاط وعمل كل الأجهزة السياسية والاقتصادية والإداراية والعسكرية والقضائية...
لم يبق جزء أو قطاع في البلد بعيداً عن هذا الوباء, فهو يبدأ عند أصغر مختار قرية أو مستخدم مدرسة حتى يصل رئيس الوزراء والرئيس شخصياً!
هذا التشويه للقيم وللعلاقات الاجتماعية سيظل وربما لعشرات السنين موجود بعد سقوط النظام! وسيحتاج الكثير لإعادة تأهيل وتربية الإنسان على عزة النفس والكرامة الشخصية والعمل الخلاق الشريف!

وأقول للجيل الذي ولد وتربى في ظلال حكم الأسد أنه لم يكن لهذه القيم وجود يذكر ولم تكن الجرأة عند الغالبية الساحقة من الناس لتقديم الرشوة, ولم تكن عزة النفس والكرامة تسمح بقبول الرشوة, لأنها إهانة ما بعدها إهانة, أي أن الشواذ كان من يقدّم الرشوة ومن يقبل الرشوة! وكان هذا الشواذ موضع احتقار وذمّ من المجتمع, أما اليوم فانقلبت القيم وصار النفاق والرياء والفساد هي القواسم المشتركة لتربية الأسد ونظامه وأسرته!
لم يعد استهجان رشوة هذا أو ذاك, وحتى من كان عنيداً "وكبير رأس" ولا يريد تقديم رشوة فالموظف يطلبها بكل وقاحة وكأنها حق مكتسب!
لا أريد الدخول ببعض مبررات ظاهرة الفساد مثل الرواتب والغلاء ومستلزمات العيش... التي يحلو للبعض ترديدها لكن الشيء الأكيد أن الفساد دخل في رؤوس الملايين وكأنه قدر لا مردّ له!
إن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وزبانيته في حق المجتمع والوطن امتدت وتمتد إلى كل صغيرة وكبيرة في حياة كل أفراد المجتمع.
إن الإنسان _سواء كان ضابطاً أو موظفاً أو ..._ والذي تشتريه بالليرات دون شعور بالذنب, هذا الفرد قادر على بيع الوطن بالدولارات دون شعور بالذنب أيضاً!
الفساد المستشري في كل القطاعات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والقضائية والدينية و... هو الطاعون الأسدي.
إن القضاء على النظام أسهل بكثير من القضاء على مخلفاته وعقليته التي تجذرت في النفوس!

أما الفساد العسكري فقد يكون أفسدها ويكفي التذكير بفساد الضباط _وخصوصاً الكبار منهم_في لبنان إبّان المساعدة الأخوية للأشقاء من خلال عمل قوات الردع أو "النتع"!
كم نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل الإنسان في وطننا كي يرجع إنسان ذو كرامة وعزة نفس وبلا غريزة القطيع الأسدية!

وتحول آخر مرت فيه سوريا منذ اغتصاب البعث للسلطة عام 1963 وحتى وفاة الأب هو أن النظام كان يعتبر نفسه علمانياً وكان يتحول من حليف قوي للسوفييت إلى مغازلة الأمريكان, وتقاطعت كثيراً مصالح النظام مع مصالح أمريكا في المنطقة وخاصة في لبنان_قتل الفلسطينيين واليساريين...._

كان الأسد الأب ونظامه أشبه بالحرباء التي تغير لون جلدها ملائمة للظروف التي تعيشها, واستطاع استغلال الحرب الباردة والتي حققت له استقراراً في الحكم من خلال رضاء القوى الكبرى المتحكمة بأمور السياسة الدولية _أي أن المنفعة متبادلة بين نظام الأسد الأب ومصالح الدول الكبرى_ بغض النظر عن التصريحات الحربجية السياسية والعداء للامبريالية الامريكية والصهيونية.. فهي كانت للاستهلاك فقط! وحتى حرب تشرين/اوكتوبر 1973 لم تكن سوى حرب ضمنت بقاء النظام, ولو أرادت اسرائيل تغيير النظام الأسدي لفعلت ذلك, لكنه خدمها بسياسته وممارساته.

وبعد مجيء الإبن _الوريث_ وتغير الظروف الدولية ومع ضعف شخصية الحاكم الجديد والديكتاتورية الحمقاء التي صارت معروفة بدأ التحول الجديد في سلوك النظام, حيث صار الديكتاتور يهتم بالأمور الدينية وبدأ الغزل مع العديد من الرموز الدينية وصار السماح والتشجيع لنشاطات دينية كانت قديماً ممنوعة ومحاربة, وبهذا يحاول امتصاص نقمة الشارع وإظهار شخصه وسلطته وتحالفاته الدينية الجديدة داخلياً وخارجياً بأنه يملك مبررات لوجوده وضمانة لمستقبله!

ومختصراً: بدأ التحول السوري للبعث من الارتداد عن الديمقراطية وحرية الكلمة التي كانوا يطرحونها قبل اغتصابهم السلطة إلى الانفراد بالحكم وسيطرة الحزب الواحد, ثم التحول من الحزب الحاكم إلى القائد الحاكم. وكل هذا برقص يميني ويساري, سوفييتي_أمريكي_ نصف إسرائيلي, حتى جاء التحول الأخير نحو الشيخ البوطي والنساء القبيسيات وملالي طهران ولبنان.

وقريباً قد يصبح الأسد طالبان وقد يسموه الرفيق الشيخ الأمين العام!
لكن لا هذه ولا تلك لن تنفع, وسيحصد الأسد ما زرع!
اعتقال ممثلي الثقافة والوطنية يفضح ضآلتكم! لقد فسدت من زمان بضاعتكم! وشعب بلادي ينهض قبل نهوض سيادتكم! وخير الخير لو حزّمتم حقائبكم ورحلتم! وعجلة التاريخ أقوى من أسلاك مزرعتكم! في تاريخ بلادي أسوأ تحوّل كان تحوّل بعثكم, سيادة / جلالة الرئيس إنزلوا عن ظهرنا من فضلكم!
بودابست, 31 / 5 / 2006, د. فاضل الخطيب



#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصوات... صامتة
- الحركة الوطنية السورية, تبعثر أم تعثّر
- الأسد الورقي
- ربيع المعتقلات السوري
- السياسة في سورية
- لقاء بودابست, خطوة للأمام أم مراوحة في المكان
- العمال, أمس اليوم غداً
- الانتخابات البرلمانية الهنغارية
- محبة الأسدان وعَرَق الريّان!
- التاريخ يصنع مرة, ويكتب أكثر من مرة
- الأوكسيجين السوري
- الراية والنجوم
- ديالكتيك المذكر والمؤنث بين الثور والثورة!
- نوروز, عيد الكرد, عيد الربيع, نوروز عيد الجميع!
- الشيخ حسن نصر الله: ثورية غيفارا أو ملالي عاشورا!
- تحية إلى حبات البذار أمام القصر العدلي
- وزيرة سورية ضد تحرر النساء
- إله الزمان, اترك النسوان
- فحولة فتاة من بلدي
- يا نساء بلادي اتحدوا


المزيد.....




- مصر والصومال.. اتفاق للدفاع المشترك
- ترامب يحذر من عواقب فوز هاريس في الانتخابات الرئاسية
- أربعة أسئلة حول مفاوضات الخميس لوقف إطلاق النار في غزة
- بايدن وهاريس يتلقيان إحاطة بشأن التطورات في الشرق الأوسط
- عزيز الشافعي يدعم شيرين ويوضح موقفه من إصدار أغنيتها الجديدت ...
- أمريكا تجدد دعوتها لسوريا للإفراج عن الصحفي -المختطف- أوستن ...
- قصف مدفعي إسرائيلي من العيار الثقيل يستهدف مجرى نهر الليطاني ...
- متهم بالعمالة للحكومة المصرية يتوصل لصفقة مع السلطات الأميرك ...
- في ختام اليوم 313 للحرب على غزة.. آحدث تفاصيل الوضع الميداني ...
- مصراتة الليبية تعلن إعادة تفعيل المجلس العسكري ردا على نقل ص ...


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاضل الخطيب - الداروينية البعثية