محمد القصبي
الحوار المتمدن-العدد: 6467 - 2020 / 1 / 17 - 19:39
المحور:
الادب والفن
تلك كانت المرة الأولى التي التقينا فيها ..كان ذلك منذ 20 عاماً في مدينة مسقط بمنزل استشاري العظام الدكتور هاني كامل زوج ابنتها السيدة هويدا ..خلال تلك الأمسية لاحظت أنها ذاتها الأخت والأم والجدة الحنون التي تظهر في المسسلات التليفزيونية ..دفق عاطفي تسبح فيه كلماتها ..لتغمرنا بدفء انساني ممتع.
..كان هذا هو الواقع المعاش للفنانة الجميلة نادية رفيق ..وما شعرتُ أبداً أنه يختلف عن واقعها الفني والذي يلفحنا بأحاسيس أسرية جميلة عبر الشاشة الصغيرة .
امتد حديثي في تلك الليلة مع الفنانة نادية رفيق حتى الساعات الأولى من الصباح ..وكانت محطة الوداع قبيل الفجر مثيرة للدهشة ..بل للذهول ..الشاعر الكبير ابراهيم ناجي ورائعته " الأطلال "
.. كان ثمة رأي توحدنا حوله نحن الخمسة ..أنا وهي وابنتها وزوج ابنتها وزوجتي السيدة.. أن الأطلال هي أعظم ما قيل في الحب خلال زمننا العربي الحديث شعرا.
..فإن كانت ثمة منافسة ..فمن رائعة أبي القاسم الشابي " صلوات في هيكل الحب ".. إنها جديرة بأن تطاول "أطلال" ناجي ..من منظور البعض ..
لكنني سألت نادية رفيق في تعجب :
ـ هل يمكن لقصيدة مثل تلك أن تكون ملهمتها الممثلة المصرية الراحلة زوزو حمدي الحكيم ..؟!
وفهمتْ ما أرمي اليه ..أن الحبيبة التي رسمها ناجي في أبيات القصيدة المئة والثلاثين تتمتع بجمال فائق للعادة ..مادته الخام منبتها السماء وليس أديم الأرض ..وهو ما لايتوافر في زوزو حمدي الحكيم!
لم تجبني ..لكنني فوجئت بحناجرنا نحن الخمسة تتوحد لنشدو معاً :
أَيْنَ مِنْ عَيْني حَبِيبٌ سَاحِرٌ... فِيْهِ نُبْلٌ وَجَلاَلٌ وَحَيَاءْ
وَاثِقُ الخُطْوَةِ يَمْشي مَلِكاً... ظَالِمُ الحُسْنِ شَهِيُّ الكِبْرِيَاءْ
عَبِقُ السِّحْرِ كَأَنْفَاسِ الرُّبَى... سَاهِمُ الطَّرْفِ كَأَحْلاَمِ المَسَاءْ مُشْرِقُ الطَّلْعَةِ في مَنْطِقِهِ... لُغَةُ النُّورِوَتَعْبِيْرُالسَّمَاءْ
حين انتهينا ..تطلعت الفنانة نادية رفيق إليَّ في صمت للحظات لتفاجئني :
ـ هل تعرف من هي الملهمة الحقيقية للأطلال ؟
سألتُ في دهشة :أهناك أخرى غير زوزو حمدي الحكيم !! البعض يقول أيضا أنها الفنانة زوزو ماضي !..
قالت الفنانة القديرة بهدوء وهي ترتشف فنجان القهوة :
ـ أنا ..!
مفاجأة من العيار الثقيل ألجمتْ لساني عن التعليق ..واكتفيت بالبحلقة في وجه محدثتي ..نعم ..رغم تجاعيد الشيوخة ..إلا أنه من السهل استشفاف نهر من الجمال الأنثوي شديد الجاذبية كان يتدفق.. و مازال الوجه يترقرق بشيء منه ...
تتطلع إليّ في ترقب لرد فعلي :
ـ تبدومستغربا ..!
قلت ضاحكا.. ربما من نشوة ما أسمع:
ـ هذا أكثر مصداقية من القول أنها زوزو حمدي الحكيم!!
.......
صباح اليوم الجمعة لفحتني ذكرى تلك السهرة الجميلة حين داهمتني المواقع الإخبارية.. بخبر رحيل نادية رفيق..الفنانة الرائعة التي ألهمت ابراهيم ناجي أجمل قصائده ..أجمل ما قرأنا ..أجمل ما استمعنا..
" الأطلال ".
#محمد_القصبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟