|
المجتمع الاسباني والعنصرية / La société espagnole et le racisme
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6466 - 2020 / 1 / 16 - 17:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل تفشت العنصرية في المجتمع الاسباني ، ام ان المرض في بدايته ، ولم يصل الى مستوى ينذر بالخطر ، كما هو الحال بالعديد من الدول الاوربية ؟ وهل سبب تحول بعض قطاعات الشعب الاسباني الى ( عنصريين ) ، مرده الايمان بتفوق العرق ، ام انه راجع الى أسباب اقتصادية ، ووضعية اجتماعية متأزمة ، بخلاف العنصرية المُسْتشرية في البلاد الاوربية ، التي ترجع في جزء كبير منها ، الى الايمان بسمو العرق على الأعراق الغير الاوربية ؟ وهنا نطرح السؤال . إذا كان قسم من الاوربيين يتفوق ، وينتصر فقط الى الجنس الأوربي ، لماذا لا تسود نفس النظرة اليبانيين ، والصينيين ، والكوريين الجنوبيين ، ولماذا تسود نظرة الاحتقار الكوريين الشماليين ، والتيلانديين ، والباكستانيين ، وبالنغاليين ، والهنود المسلمين .... الخ ؟ هل السبب يكمن في التقدم الاقتصادي ، وفي الثروة ، وفي ملكات التقنية والمعلوميات ، ام ان السبب سببه الأنظمة السياسية الحاكمة ، وغياب الديمقراطية ..؟ ثم لماذا التصنيف حتى بالنسبة لغير الاوربيين ، كتفضيل الافارقة المسيحيين ، على الافارقة المسلمين ، وتفضيل الافارقة المسلمين على العرب ؟ ان مناسبة طرح هذا التساؤل بالنسية لإسبانيا ، هو التقدم الملاحظ الذي حققه الحزب القومي اليميني « Vox » ، في الانتخابات التشريعية الأخيرة ،حيث هناك من ذهب الى اقراع جرس الخطر بالنسبة للتحول الذي قد يعرفه المجتمع الاسباني ، بتبني قيم عنصرية غريبة عن الاسبانيين ، ولم يكونوا متعودين عليها من قبل . إذا كان العنصريون الاوربيين ، منهم من يصوت لصاح أحزاب اليمين المتطرف بدواعي عرقية ، وجزء منهم يصوت لصالح أحزاب اليمين المتطرف لأسباب اقتصادية واجتماعية ، فان تصويت جزء من الاسبانيين لصالح حزب « Vox » القومي اليميني ، لم يكن في جانب منه بسبب دافع العرق ، ولم يكن في جزء كبير منه بسبب اقتصادي واجتماعي ، بل كان بسبب قومي همه هو الحفاظ على وحدة الدولة الاسبانية ، ووحدة الامة الاسبانية التي تتمتع ضمنها كل شعوب الاتحاد ، بنفس الحقوق ، وبنفس الامتيازات التي يحددها دستور الاتحاد الاسباني . لقد حاولت جميع الأحزاب التي شاركت في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، دغدغة مشاعر الاسبان بالتركيز على البرنامج الاقتصادي ، والاجتماعي ، اعتقادا منها ان الوضع العام الذي أصبحت عليه اسبانيا ، بفعل الانكماش الاقتصادي الذي يضرب اغلبية الدول الاوربية ، قادرة على جلب أصوات الناخبين لصالحها ، وكانت نتيجة الانتخابات بالرغم من انها حافظت نوعا ما على مقاعدها ، فإنها لم تعط للأحزاب الفائزة الأغلبية المطلقة ، فكان ان عرفت الانتخابات توزيع الأصوات بشكل شبه مبعثر ، خاصة بالنسبة للحزب الشعبي التقليدي « PP » ، و الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني « PSOE » ، والأحزاب الانفصالية الكتالونية ، وأحزاب الباسك . وبخلاف كل هذه الأحزاب التقليدية ، فان حزب « VOX » القومي اليميني ، لم يركز في حملته الانتخابية ، على المجال الاقتصادي والاجتماعي ، بل رأى ان قوة اسبانيا الاقتصادية ، والاجتماعية ، تكمن في التركيز على وحدة الامة الاسبانية العظيمة ، التي تنصهر فيها كل الشعوب الاسبانية ، وعلى وحدة الاتحاد الذي يعني وحدة الأرض ، ووحدة التراب ، وان لا مجال للانفصال ، او تقسيم الدولة الاسبانية . هكذا سيلعب شعار الوحدة ، ورفض الانفصال ، دورا أساسيا مكّن حزب « VOX » القومي اليميني ، من الحصول على نتائج انتخابية جيدة ، جعلته يتبوأ مكانة مهمة في خريطة الأحزاب السياسية الاسبانية ، فما حققه حزب « VOX » ، هو قفزة نوعية ، ستعمل مستقبلا على تغيير اللاّعبين السياسيين الذين استأثروا بالشأن العام السياسي الاسباني ، منذ وفاة الجنرال فرانكو ، ودخول اسبانيا عصر الديمقراطية الحقيقية على غرار ديمقراطية الدول الاوربية . فالمواطن ، والناخب الاسباني ، حين صوت لصاح حزب « VOX » ، فهو صوت لصالح وحدة الامة الاسبانية العظيمة ، التي في وحدتها تكمن أوتوماتيكيا ، قوتها الاقتصادية ، وصلابتها الاجتماعية ، ولم يصوت لصالح شعارات عنصرية عرقية ، كما هو شأن الأحزاب اليمينية المتطرفة في الدول الاوربية . لكن هذا لا يعني ان المجتمع الاسباني لا تنتابه نوبات عنصرية ، بل هي غير مؤثرة ، وغير طاغية ، ولن تشكل خطرا على النسيج الاجتماعي الاسباني ، بقدر ما تكون ردود فعل طائشة ، نتيجة عمل متهور قام به احد المغربيين ، او الافارقة ، او الأسيويين في حق القوانين الاسبانية . لقد عرفت اسبانيا منذ دخولها العهد الديمقراطي من بابه الواسع ، تجاذبات ، وتحولات سياسية ، لم تكن تزيغ عن ارتسامات العهد الجديد ، بفضل مشروع مارشال اوربي ، جعل من اسبانيا اعظم الدول الديمقراطية التي طلقت الدكتاتورية ، وبنت كل مدارسها السياسية على الديمقراطية الكونية ، بفضل الدستور الاتحادي الديمقراطي ، الذي أسس للدولة الديمقراطية . فحين تصبح الدولة ديمقراطية ، وتنعم فيها كل شعوب الامة ، كالأمة الاسبانية ، بنفس الحقوق وبنفس الواجبات ، أكيد ان الهم الكبير للمواطن يكون ، هو الحفاظ على الوحدة التي تجسد قوة الدولة ، وقوة الامة ، وقوة الشعوب التي تعيش ضمن الامة . لهذا فحين صوت الناخب الاسباني على البرنامج الانتخابي لحزب « VOX » القومي واليميني ، فهو صوت لصالح الوحدة ، وصوت ضد التجزئة ، وضد الانفصال المضر بوحدة الامة ، والمضر بالقوة الاقتصادية ، وبالصلابة الاجتماعية . ففرق كبير حين يرفع حزب قومي يميني في برنامجه الانتخابي ، شعار استراتيجي ، هو وحدة اسبانيا ، « Espana una , arriba Espana » ، وبين ان يركز في حملته الانتخابية فقط ، على الطابع العنصري الذي بدأ بالتراجع لدا أحزاب اليمين بالدول الاوربية . ولو رفضت أحزاب الائتلاف في الحكم ، « PSOE » و « PODEMOS » ، الانفصال في كتالونية ، وتمسكا بوحدة الامة الاسبانية ، عوض التركيز على البرنامج الاقتصادي ، والاجتماعي في الحملة الانتخابية ، لكانا قد حققا نتائج انتخابية بالأغلبية المطلقة ، ولكانا قد كونا حكومة لا تبالي بالمعارضة في البرلمان ، أي ستحكم مريحة . نستخلص من هذا التحليل ، ان الامة الاسبانية بعيدة كل البعد ، عن مرض العنصرية المقيت ، الذي يهدد الكيان العام للدولة ، وللامة .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سنة وثلاثين سنة مرت على انتفاضة يناير 1984
-
قطر / اسرائيل ضالعتان في اغتيال الجنرال قاسم سليمان
-
كلمة أمازيغ
-
نفس المسرح // Le même théâtre
-
المغرب -- اسبانيا // Maroc -- Espagne
-
الحكومة الاسبانية
-
ايران - امريكا // Iran - SA
-
تعطيل تنفيذ احكام ( القضاء ) في حق الاملاك العامة للدولة
-
قصيدة شعرية / المغرب المنسي .
-
الرئيس دونالد ترامب
-
فخ المشكل الليبي : هل ستسقط فيه تركيا ، ام هو فخ منصوب لمصر
...
-
هل ستندلع حرب نظامية بين امريكا وايران ؟
-
كيف استطاعت الولايات المتحدة الامريكية من الوصول الى قاسم سل
...
-
الجنرال قاسم سليمان
-
الحوار المتمدن // Ahewar.org
-
مقاومة / معارضة // Résistance / opposition
-
إنتقاد الملك // Le critique du Roi
-
القادم أخطر و أصعب .
-
الإنتفاضة الشعبية
-
نفس المحاربين // Les mêmes gladiateurs // Le polisario
المزيد.....
-
مصر تحظر الهواتف غير المطابقة للمواصفات.. ومسؤول: -مُقلدة وت
...
-
غارات أمريكية في الصومال.. ترامب يعلن استهداف أحد كبار تنظيم
...
-
كيف تجيب عن أسئلة طفلك -المحرجة- عن الجنس؟
-
الشرع: الرياض ستدعم سوريا لبناء مستقبلها
-
الاتحاد الأوروبي والرد على واشنطن
-
واشنطن تجمد ملياري دولار من أموال روسيا المخصصة لمحطة -أكويو
...
-
- الجدعان الرجالة-.. مشهد بطولي لشباب ينقذون أطفالا بشجاعة م
...
-
مفاجأة غير سارة تنتظر أوكرانيا من أحد حلفائها
-
زيلينسكي لا يعرف أين ذهبت الـ200 مليار دولار التي خصصتها أمر
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في ثماني مقاطعات أوكرانية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|