زينب محمد عبد الرحيم
كاتبة وباحثة
(Zeinab Mohamed Abdelreheem)
الحوار المتمدن-العدد: 6464 - 2020 / 1 / 14 - 04:14
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تعتبر الحضارة المصرية القديمة من أهم وأقدم حضارات وادى النيل وبعد أن قرر المصرى ان يستقر على ضفاف النيل وتكون الزراعة هى سبيله لذلك نشأت العلوم وأستطاع المصرى القديم أن يؤسس لبناء حضارة وتاريخ يتحديان الزمن وذلك منذ النشئة الأولى منذ العصر الحجرى و ماقبل الأسرات وفى هذه الحقب التاريخية ظهرت العديد من الملامح التى تدل على عبقرية عقلية المصري القديم و فى تلك المراحل جميعاً نجد أن الفن يلازم كل هذه الأزمنه والمراحل ويوثقها منذ البدايات الأولى وصولاً إلى أزهى مراحل التطور و الذى تركها المصرى القديم شاهداً مادياً على إبداعاته فى شتى العلوم والفنون , استطاع الفنان المصرى القديم أن يصور لنا الحياة التى كان يعيشها الملوك والملكات والموظفون والعمال وعامة الشعب وأظهر لنا الكثير عن ملامح الأزياء البسيط منها وبالغ الثراء , صور لنا أيضا مناظر الحلى والشعر المستعار وأيضاً مكملات الزى والأناقة , استطعنا من خلال التماثيل ونقوش الجدران و التوابيت ان نتعرف ونفهم كيف كانت الأزياء فى مصر القديمة؟ وللإجابة عن هذا التساؤل الذى ربما يظن البعض أنه تمت الإجابة عنه مراراً وتكراراً لكن الواقع المادى و الشواهد الآثرية المتجددة مع كل إكتشافاً جديد من المؤكد ان تكون لها رأى آخر وهو أننا لازلنا لا ندرك إلا القليل وربما القليل جداً عن أزياء المصرى القديم وذلك على مستوى كافة الطبقات الاجتماعية فى تلك العصور بالغة القدم , فنجد ان الملابس أحتلت جانب شديد الأهمية و شديد الخصوصية ايضاً وذلك لأن كل حواس ووجدان المصرى القديم تأثرت بالطبيعة وكل مكوناتها بداية من الأرض التى كان يحيا ويتغذى من خيراتها وصولاً إلى السماء وأسرارها الفلكية كل هذه المفرادات استطاعت أن تكون الذوق العام لدى المصريين القدماء
فتخبرنا أهم الشواهد الآثرية على واحدة من أكثر الاكتشافات إثارة للدهشة و هو العثور على قميص مصنوع من الكتان له أكمام طويله تصميمه يشبة إلى حد كبير التصميمات المعاصره تسمى هذه القطعه ( رداء طرخان) نسبةً إلى المنطقه التى عُثر علية موجوداً فيها ومقابر طرخان توجد فى جنوب مصر وهذا الرداء مكون من ثلاثة قطع من الكتان المنسوج يدوياً وعند الكشف الكربونى عن عمر هذا القميص تبين ان عمره 5500 عام! حيث يعتبر هذا القميص المصرى أقدم قطعة نسيج على وجه الأرض وحفظت هذه القطعه فى متحف بترى للآثار المصرية بجامعة كوليدج.
فالمصرى القديم عرف النسيج مستخدماً خامة الكتان وذلك منذ عصورما قبل الأسرات , وعندما قام الملك مينا بتوحيد القطريين وبدأ عصر الأسرات بداية من الدولة القديمة ومن أكثر الفترات إزدهاراً فى تلك الحقبة سنجد الأسرات من الثالثة إلى السادسة وهى تلك الفترة التى عرفت بعصر بناة الأهرامات , ونجد أن أبرز مايميز أزياء الرجال (النقبة) وهى قطعة قماش أبيض صُنعت من خامة الكتان مستطيلة يلفها الرجل حول خصره وتربط من الأمام , ولكن النقبة رغم ان استخدمها جميع المصريين إلا اننا نجد بعض الأختلافات أساسها الطبقة الاجتماعيه التى ينتمى لها من يرتدى النقبة سواء كان من العمال او الموظفون او الملوك .
فنجد طبقة الموظفون او الكتبة شكل النقبة أطول حيث تتعدى الركبة
اما عن الملوك فنجده أرتدى النقبة ايضاً ولكنها مصنوعه من أجود أنواع الكتان وبأيادى حرفيين مخصصين للبلاط الملكى , فكانت النقبه طويلة و متعددة الطبقات والحزام الأمامى لها به زخارف و علامات تدل على شارات واسماء الملك
ارتدى الملوك أيضاً (النِمس) وهو عبارة عن قطعة من القماش يضعها الملوك على الرأس وتتدلى من خلف الأذن ونجد ان تماثيل الملوك التى شكلت على هيئة أبو الهول كذلك نحتها الفنان مرتدية النمس ونجد التمثال الشهير للملك خفرع يرتدى الِنمس وخلف رأسه حورس ,ويعتبر هذا التمثال من عجائب الفن المصرى القديم .
وهناك نموذج غاية فى الجمال والروعة يُعرفنا على أزياء المرأة فى الدولة القديمة
وهو تمثال نفرحتب الجالسة بجوار زوجها رع حتب من الاسرة الرابعة عثر على هذا التمثال المزدوج فى مقبرة رع حتب فى ميديوم (بنى سويف) بواسطة العالم الفرنسي أوجست مارييت , تمثال نفر حتب صُنع من الحجر الجيرى الملون وترتدى عباءه بيضاء حابكه طويلة ضيقة ومفتوحه عند منطقة الصدر و تحت الفستان / العباءه نرى و كأنها تردى حمالات عريضه بيضاء على الصدر وحول رقبتها عقد عريض ملون تتدلى منه حليات صغيره
وتميزت أزياء النساء كونها حابكه طويله وهناك ايضا نماذج لفساتين تم صنعها من الخرز لتشبه الشبكه وعند العنق صممت صدريه عريضه تشبه إلى حد كبير العقد وربما كانت ترتدى المرأه المصريه الفستان هكذا او كمكمل لأناقتها وزينتها فوق الملابس الكتانيه البيضاء .
وفى الأسرة الخامسة نأخذ نموذج من أحد مقابر سقارة مقبرة إيروكا-بتاح وهو من الوجهاء وشغل منصباً حيوياً فى البلاط الملكى كرئيس جزارى القصر حيث ترتبط مشاهد مقبرته بمناظر الجزاره وذبج الثور الكبير وكان له لقب آخر وهو
(كاهن واب الملك) أى المطهر الذى يضمن طهارة القرابين , فنجد عدة تماثيل من له من الحجر الجيرى وقد صور وهو يرتدى نقبه تصل إلى الركبة مربوطه بحزام يتدلى منه حليات ودلايات ربما صنعت من الأحجار الكريمة وذلك تعبيراً عن غرضين , الأول رمزيه على إنه من طبقة اجتماعية عالية , والغرض الثاني إضفاء شكل جمالى على النقبه التقليدية .
ومن الاسرة الخامسة تمثال خشبي للمدعو ميتجدجى عثر على تمثاله فى سقاره غرب هرم زوسر ,حيث ارتدى نقبة طويله منتفخه بها كسرات فى احد الجوانب وإرتدى حول عنقه قلادة ملونه يتدلى منها طرفين يصلان إلى الصدر بشكل مميز
الدولة الوسطى :
ظلت الأزياء المصرية محافظة على شكلها التقليدى ولكن زاد الأهتمام بورش ومصانع الغزل والنسيج و ايضاً المصابغ و توجد العديد من المناظر التى توضح لنا عملية النسيج كاملة من حيث الألياف المستخدمه و النول والادوات الخاصة بصناعة النسيج وتوجد تلك المناظر فى مقبرة (خنوم حتب) من الأسرة 11 فى بنى حسن , ومقبرة جحوتى فى البرشا ومقبرة المدعو دجا فى طيبة.
نماذج من أزياء الدولة الحديثة :
عُرف عصر الدولة الحديثة بعصر الأمبراطورية المصرية حيث أستطاعت مصر فى تلك الفتره ان تمد توسعاتها , ظهر التطور و الازدهار وعلامات الثراء فى العديد من جوانب الحياة وتجلت الإبداعات فى النسيج و الحلى وكذلك تعدد الألوان وظهور الزخارف التى زينت ملابس المصرى القديم فى تلك الفترة فأعتمد على صبغ أقمشة الكتان وإعطائها ألوان غير الأبيض و كانت الألوان الاساسيه التى استخدمها المصرى خمسة ألوان الأبيض ,الأصفر , الأحمر , الأزرق , الأخضر
تظهر لنا مقابر وادى الملوك والملكات ومقابر النبلاء بالبر الغربي أزدهار الألوان والزخارف رائعة الجمال ذلك العصر
وسنلقى الضوء على نماذج لأزياء المرأه فى الدولة الحديثة ومن أهم النماذج وأشهرها الملكة نفرتيتى من الأسرة 18 تميزت بأرتدائها غطاء رأس يشبة القبعة مرتفع إلى أعلى وله نهاية دائرية وفى المقدمه تزينه الكوبرا الكامية وعثر على رأس تمثالها فى الورشه الفنيه للنحات تحتمس فى تل العمارنه ,وتظهر نفرتيتى على نفس هيئتها فى العديد من المناظر وهى ترتدى هذا التاج الأزرق المميز اما عن ازيائها فكانت ترتدى العباء البيضاء الطويلة الشفافه الواسعة ذات الطبقات المتعددة (البليسيه) وكانت ترتدى الصندل فى قدميها وصورت وهى تجلس مع زوجها اخناتون وبناتهما وهى على هذه الهيئة الملكية المعتادة وذلك بأضافات الحلى للصدر وللأذرع و الأيدى .
الملكة نفرتارى من الأسرة التاسعة عشر
تميزت مقبرة نفرتارى بجمالها وسحرها الذى أظهر الفنان المصرى القديم إبداعه الفنى وبراعته من خلال الرسومات والألوان على جدران المقبرة , فكانت الملكة نفرتارى ترتدى عباءة تشبة إلى حد كبير ما أرتدته نفرتيتى وأحمس نفرتارى العباءة البيضاء الواسعه ذات الكسرات المتعدده والأكمام تدلى على الكتف والاذرع ويربطها حزام ملون أعلى الخصر وفى بعض المشاهد نرى ان فستانها احياناً يشف جسدها و فى مناظر آخرى وكأن الملكة أرتدت ملابس آخرى أسفل فستانها فلا تشف جسدها .
اما عن أزياء الملوك فى الدولة الحديثة فقد بلغت قمة الجمال والأناقة من حيث التصميمات والألوان , ارتدى الملوك والنبلاء العباءات البيضاء الواسعه ولها كسرات أكمام وتوجد الكثير من المناظر و الشواهد خاصة فى وادى الملوك والملكات توضح ان زى الرجال قد بلغ درجة عالية من الثراء وقد فاق فى جماله وكثرة زينته أزياء النساء ونجد ذلك فى مقبرة رمسيس الثانى وكم الألوان التى زينت النقبه الخاصة بالملك والأحزمة التى زخرفت على هيئة ريش حورس وذلك بالأضافه إلى بعض الأربطه والحليات الملونه التى أرتداها الملك على النصف العلوى من جسده
وكذلك النقبة ولكنها أتخذت الواناً متعددة ولم تقتصر على اللون الأبيض فقط , أحزمة النقبة كانت لها ألوان متعدده وكانت مليئه بالزخارف و الدلايات وكان يتدلى من حزام النقبه حليه عريضه زخرفت بأشكال الكوبرا الحامية وعدة أربطه طويله متعددة الالوان.
ولكن تظل ملابس وأزياء الملك الشاب توت عنخ آمون الأروع على الأطلاق وذلك لأنها موجودة ومتاحة كشواهد مادية سوف تعرض جميعها فى المتحف المصرى الكبير وتظهر عباءات وقمصان الملك توت غنخ آمون وقد صُنعت بحرفية ودقة عالية وزين قميصه الأبيض المصنوع من الكتان بقطع تشبه الأباليك حول العنق وعلى الأطراف لتعطى شكل مميز لثوب الملك ويوجد العديد من الملابس الملكيه الخاصة به وقد نسجت بشكل بالغ الدقه و تعددت الالوان و الزخاف و ذلك بالأضافه إلى بعض الملابس وقد زينت بشبكة من الخرز وذلك بالأضافه إلى الملابس الداخليه الخاصه به مصنوعه من اجود انواع الكتان ايضاً .
وعند الحديث عن النبلاء نذكر على سبيل المثال سن نفر ومقبرته المميزه التى زين سقف جدرانها على هيئة تكعيبة عنب ظهر سن تفر وهو فى كامل أناقته حيث أرتدى نقبه بيضاء طويلة و أسفلها نقبة آخرى أقصر منها وفى النصف العلوى من جسده أرتدى قميص ملون بنصف كُم والصدريه العريضه الملونه و أرتدى سن نفر الأقراط فى أذنيه والأساور على الأذرع ومعصم الايدى.
ملابس الكهنة فى مصر القديمة : تميز الكهنه منذ بداية الأسرات بأرتداء جلد الفهد وذلك أثناء طقوس فتح الفم و التطهير بالماء المقدس حيث يرمز الفهد للسماء ويسمى الكاهن الذى يرتدى جلد الفهد بكاهن (سم)
تنظيف الملابس :
أهتم المصرى القديم بنظافتة الشخصيه وايضاً ملابسه , وكان هناك وظيفة مخصصة لغسل وتنظيف الملابس, وقيل فى هذه المهنة المحاطة بالمخاطر
( يغسل عامل الغسيل وهوعلى ضفاف النيل وبجواره التمساح)
وتلك إشارة لمدى الخطر الذى يتعرض له عامل الغسيل من قبل حيوانات النهر المفترسة .
اما عن ملابس العمال و الخدم من الرجال والنساء فقد أتسمت بالبساطة فأعتمد الرجال النقبه وبعض الملابس الخفيفه على الجزء العلوى وذلك فى فصل الشتاء.
اما عن النساء فلا نجد ما يعبر عن ملابسهن أجمل من تمثال حاملة القرابين وفستانها الحابك الطويل الذى صمم على هيئة شبكة مصنوعه من الخرز الملون
ونرى نماذج للخادمات وقد تحررن من الثيات اما بشكل كلى او بشكل جزئ وذلك لعدة عوامل منها إذا كانت تقوم بعمل يتطلب حرية فى الحركة , أو عامل المناخ الحار ويتمثل ذلك النموذج فى تمثال الخادمة صانعة النبيذ.
#زينب_محمد_عبد_الرحيم (هاشتاغ)
Zeinab_Mohamed_Abdelreheem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟