أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيمون خوري - مزمار القرية...















المزيد.....

مزمار القرية...


سيمون خوري

الحوار المتمدن-العدد: 6461 - 2020 / 1 / 10 - 16:29
المحور: الادب والفن
    


سيمون خوري :
مزمار القرية ...
دقائق فاصلة بين زمنين .. وأنا المرسل والمستقبل معاً ، قارئ وحيد لصمت أمتد على مساحة صغيرة ، مفتوحة النوافذ على أخر حدود الزمان والمكان . فقد صمت كل الراحلين من اصحابي ، و كنت أنتظر صمتي معهم . بيد أن الحظ رافقني مرة أخرى. وبعد ستة أشهر طولاً وعرضاً من الإقامة في المستشفى، ضاعت تذكرة السفر .ولا زلت أثرثر باحثاً عن عالم يخلو من تلك العقائد القطعية والحتمية . ..لا شئ جامد ، ولا شئ أبدي .
وهكذا، كشحاذ عتيق وعلى ابواب عام جديد ، بدأت مرحلة تسول جديدة لزمن اخر. أفتش في ثنايا ذاكرتي مثل " عسس شرق أوسطي " عن تلك الكلمات القديمة التي سبق واستخدمتها في مناسبات الأحزان والأفراح .
البقاء لله أو لروحه الراحة والسلام ، أو سنة سعيدة ، لا فرق ..؟ ماذا تغير..؟ لا شئ .. الزمن هو ذاته ، والأبنية الرمادية المتلاصقة خوفا من الانهيار، أو الفضيحة هي ذاتها ، ومن بداخلها تجثم فوق صدورهم هموم الايام القادمة. شجرة الميلاد ورأس السنة هي ذاتها ، الأضواء الصاخبة في الشوارع تدعوك للتسوق، فقد تحول كل شئ الى سلعة . حتى الضحكات والفرح أصبحت بثمن.. وعلى الأرصفة المبعثرة قرب المحلات الكبيرة، تحول الرصيف الى مآوى لكل المشردين .. وكل عام وهذا العالم الإستهلاكي الشجع بخير .. رغم أنه لا يبدو كذلك.
فقد تحولنا الى مشاهدين ، نشاهد كرة القدم ، ونستمع الى ضجيج السياسيين وثرثرة رجال الكهنوت، والمسلسلات التلفزيونية السخيفة . أصبحنا ننظر للعالم من الخارج . حروب بالوكالة، ومرتزقة للإيجار ، وحرائق وفيضانات بالجملة . فيما يتعاظم قلقنا اليومي ومخاوفنا وبؤسنا الفردي . فمن أجل السوق تجري عملية التضحية بالبشرية . وتبرير أسوء الجرائم ، وعقلنة أكبر الحماقات في التاريخ. فالدولة – الشركات العابرة للقارات ،هي " الإله " الحاضر الغائب.
ومع هذا المزيج السوداوي ، قررنا مع جزء من العائلة وبعض الأصحاب المعترين ، إنتظار
العام الجديد في مطعم يوناني .
الزمن داخل المكان، يسير على عكازين، بطيئاً لا يود الرحيل . والفرقة الموسيقية تعزف ألحان زمن مضى . تختلط مع أنخاب الحاضرين ووقع أقدامهم . فالموسيقى تحرك اقدام حتى من لا يجيد الرقص . وبجانب الباب الرئيسي ، كمسمار حلزوني كان صاحب المطعم ينظر نحوي بعين واحدة ؟؟ كان أشبه بمزمار القرية التي لا تصدر صوتاً إلا اذا إمتلئ أحشائها بالهواء، وربما بشئ أخر. منظره كان اقرب الى " بنكوين " في فيلم الرجل العنكبوت " سبيدر مان ". شخصياً لا أحمل مشاعر مسبقة معادية لأحد ما . لكن طريقة تصرفه مع عماله أزعجتني جداً .
للحقيقة شتمته همساً بيني وبين ذاتي . نعم " شتمته " فالطعام كان من النوع السئ .. لم أستطع كتم مشاعري نحوه . لكن الكلمة سقطت سهواً على الأرض ، إنحنيت لكي ألتقط الكلمة كيلا تضيع بين الأرجل، بيد أني تكورت في جوفي ،ونسيت صاحب المطعم . وغاصت ذاكرتي في تلافيف قديمة، أتأمل مرة أخرى حصاد السنين .ثلاث وسبعون عاماً وتسعة أشهر في بطنها . عدت أبحث عن صرختي الأولى . ماذا صرخت في حينها ..؟ كان الوقت فجرا مع خيوط الشمس الأولى " واو ...واو أو آه ..أه أو ربما تفوهت بشتيمة بدائية لا أحد فهمها بإستثاء أمي" ما هذا العالم الجديد؟؟! على كلا الحالات ، المهم أني شتمت ، وعبرت عن رأي مسبقاً بهذا الكون المليئ ظلماً . أعتقد أنني من أطفال الفقراء المحظوظين ، الذين لم تختلط أنويتهم مع المياة الآسنة . أو كان مصيرها العيش مع الذباب والبعوض في سروال أبي على حبل الغسيل. رغم أن مصيرنا ونحن أطفالاً .. كان الرصيف .. والشمس . على الأقل على الرصيف، أنت صاحب قرارك الذاتي ، أن تغفو قرب قبر مفتوح، أو على شجرة في برية ، أو على رصيف جميل ونظيف .
عدت الى جلستي الطبيعية ، قرب رفيقة العمر، فقد وجدت الكلمة التي سقطت مني سهوأ . ورميتها مرة أخرى نحوه بقوة " مالاكا " . فيما كانت صفوف النمل تجري بدأب عجيب مثل موظفي البنوك توزع ما تبقى من " المينو " التعيس . على زبائن المطعم .. الأفواه مفتوحة على مصراعيها . بإمكانك تعداد اسنان كل منهم .لكن من لايملك اسنان قاطعة كحالتي ، يفضل الحساء " الشوربة " وكفانا شر اللحم .
ماذا .. ستيك ؟؟ أم شريحة من لحم البقر غير المعدل وراثياً .. من فضلك زجاجة أخرى من هذا النبيذ " ال .." هكذا إحدى ميزات الأنسان أنه بإمكانه أن يفكر ويشتم بصمت .
في المرحلة الإبتدائية ،عاقبني المدرس يوماً لأنني شتمت بصوت عال .. " كش ...خ " كان مدرساً غليظاً جداً. بيد أن هذه الشتيمة الشوارعية، بقيت ملازمة لي خاصة حين يدور الحديث حول السياسة، وأولئك الذين يعتبرون أنفسهم " رسل السماء " الى الأرض.ولأن النقد كان غائبا من الحياة العربية وغير مرحب به وليس ضمن شروط المستقبل.فتحول نظامنا التربوي الى مصنع إستنساخ لأشكال بشرية مقيدة وتحت السيطرة تجتر نصوصها القديمة .ما أن تحاور احدهم سرعان ما يلجأ الى الإستعانة بجملة غير مفيدة سواء من نصوص دينية أو عقائدية . ويعيد تكرار ذات الكذبة التي تتسع لكل العالم. لا أود محاورة نصوص مات أصحابها منذ مئات أو ألاف السنين..فالإنسان يصل الى الحقيقة عبر معرفة ذاته، وليس عبر الإيمان برموز من عصور سابقة. أوأؤلئك الذين يثرثرون عن " الإله ". ويدعون وصله هم المسئولين عن كافة الكوارث والمجازر البشرية عبر التاريخ .
ماذا لو ان حيوانات الشرق الأوسط البائس مثل " الحمار " مثلاً تمتلك القدرة على الشتيمة فما هي الشتيمة المناسبة ..لا أدري ؟ربما من حقها طلب تداول السلطة مع القائمين عليها الأن
هكذا كانت الحالة ولا زالت النقد غائب والحرية مشروطة .
المهم شخصياً لم أستمتع بذاك الطعام ، وفكرت جدياً بإهداءه كتاب فن الطبخ . بيد أننا قررنا مغادرة المكان .. بعد صمت العام الفائت .وهكذا تركنا ضجيج كافة الأقنعة خلفنا . تتزاحم وتنزلق وتتمايل . ويكتشف احدهم الأخر . فمن لا يشرب الخمر لا يدخل الجنة.
وعدت أحرس الصمت ، فلا شئ يغريني على الكلام ... وسنة سعيدة .


سيمون خوري - أثينا 7-1-20



#سيمون_خوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يبتسم المطر في وجهك ؟
- المرض ... يقزم رغبات الإنسان .
- كل الأنهار ...تصب في عينيك .
- إنتظرنا - ذوبان السكر - ؟؟
- من وعد بلفور..الى وعد ترامب .
- لموتي القادم ..أغني ..؟
- أثينا ..فجأة ابتلع الشتاء الصيف ..!؟
- لصوص الزمن ..
- أهلاً .. يا ضناي .
- هل انتهى الفرح من العالم
- إنه ..القطار ..؟
- الربيع ...ومواسم أخرى
- سفر التكوين السوري
- عام أخر من القلق / والخوف والمرض والغرق
- بعد عشرين عاماً ..؟
- انتصار لليونان ..ورسالة للإتحاد الاوربي .
- أثينا ..صداع أوربي مزمن ؟!
- أنكرني الصباح ..؟
- معطفي الأزرق .
- صقيع ..وصمت .


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيمون خوري - مزمار القرية...