أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم المحبشي - الفلسفة من حب الحكمة إلى حكمة الحب.















المزيد.....



الفلسفة من حب الحكمة إلى حكمة الحب.


قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)


الحوار المتمدن-العدد: 6460 - 2020 / 1 / 9 - 23:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الفلسفة واحدة من الكلمات القليلة التي تعرضت عبر تاريخها الطويل لسوء فهم لا حدود له وتم نعتها بصفات وتصورات ليست من طبيعتها في شيء؛  كالسفسطة والهراء والتعقيد والغموض والزندقة والهرطقة وغير ذلك من الأحكام والنعوت السلبية التي نالت من سمعة«أم العلوم » وملكة الحكمة وأميرة المعارف وشوهت صورتها في تاريخ الفكر العربي الإسلامي القديم والحديث والمعاصر ، في مختلف الدوائر الثقافية والتعليمية والإعلامية وفي الرأي العام، فإذا ما تحدث شخصا ما باسهاب سرعان مايرد عليه بالقول المكرور "بلاش فلسفة" وإذا ما أراد المرء أن يحلل ظاهرة أو مشكلة اجتماعية معقدة باسلوب التفكير النظري يتهم بالتعقيد والتفلسف.فاجع ذلك المصير الذي آل إليه حال أم العلوم وربيبة الدهشة في هذه الاصقاع المسممة بالبؤس والجهل والتخلف، فالعداء مصوب إليها من كل حدب وصوب من السلطان ومن العوام من اللاهوت ومن الأساطير والخرافات ،من العلم المتخصص والايديولوجيات الدوغماتية ، ثمة خصومة شاملة وحرب غير مقدسة ضد من اسماها خطيب اليونان العظيم شيشرون«أشرف العلوم» بقوله: كيف كانت ستغدو الحياة بدونك أيتها الفلسفة ياأشرف العلوم؟ كتب إبراهيم طلبه " ات الضارية التى وجهت إليها من قبل عامة الناس، ورجال الدين، ورجال العلم، ورجال السياسة .. الخ، وقد استشهد كثير من الفلاسفة فى سبيل ما صنعوا من فلسفات. لذلك يرى برديائف أن الفلاسفة كانوا دائما جماعة ضئيلة من الأشخاص بين مجموعة البشر، ورغم ذلك فقد تحالف ضدهم رجال الدين واللاهوت والكنيسة، والمؤمنون، والعلماء، ورجال الدولة من محافظين وثوريين والمهندسون والفنيون والفنانون وأخيرا جمهرة البشر . وهكذا يبدو وكأن الفلاسفة هم أوفر أعضاء الدولة نصيبا من الإهمال، أى هؤلاء الذين لا يؤدون وظيفة هامة سواء فى الحياة السياسية أو الاقتصادية، وعلى الرغم من ذلك فإن الطبقات الحاكمة وهؤلاء الذين يقومون بدور هام فى حياة الدولة أو المجتمع يضمرون العداء للفلسفة لأنها لا تخدم أهدافهم فيؤكدون أن الفلسفة عمل لا مبرر له وعبث لا طائل من ورائه"( ينظر، إبراهيم طلبه سلكها، أهمية الفلسفة، جوجل، 23 سبتمبر 2019) ولسنا بحاجة إلى ايراد المزيد من الشواهد عن الحرب غير المقدسة التي شنت من جبهات مختلف ضد الفلسفة منذ محاكمة سقراط 427 في أثينا الوثنية مرور باغتيال الفيلسوفة المصرية هيباتيا في الاسكندرية المسيحية، واحراق كتب فيلسوف قرطبة ابن رشد 1127م بتحالف السلطان مع وعاظ السلاطين لكن كان مصير ابن رشد أفضل حظاً من غيره لأنه لم يحرق حياً، بل اكتفي بنفيه إلى (الليسانة) ليقضي فيها ما تبقى من أيام شيخوخته، لأنه ألقي هناك معزولاً منبوذاً مدحوراً وهو في السبعين من عمره، ولم يعش بعدها إلا سنوات قليلة.nbsp 
كان ذلك التاريخ المشئوم عام 591 هـ الموافق 1194 م، حيث مات المفكر المبدع بعدها في عام 1198م، مع خاتمة القرن الثاني عشر الميلادي ونهاية القرن السادس الهجري. وربما كانت ماساة المعرفة الفلسفية في الثقافة العربية الإسلامية تختلف عن غيرها من الفلسفات الإنسانية. فإذا ما حولنا رصد نقاط الاختلاف بين الفلسفة العربية والفلسفة اليونانية فيمكن القول: فيمكن رصدها في عدد من النقاط. 1- في سياق context  نشاتها المكان والزمان والعوامل. ومصادرها الفلسفة اليونانية اعتمدت على الفكر الشرقي القديم والتأمل المباشر في الكون بينما الفلسفة العربية استندت الى القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه والتصوف وعلم الكلام والترجمة translation وعوامل ازدهارها و وفِي طريقة توظيفها: انشغلت الفلسفة اليونانية في البحث عن أصل الكون وتأمل وجود الوجود واصله وعناصره وحركته والعقل ومنطقه كله طاليس وانكسمندر وهيرقلطيس ودمقريطس واباذقليس وفيثاغوس.بينما انشغلت الفلسفة العربية بمشكلات الخالق أو الصانع بمشكلة الواحد والكثير والثابت والمتحرك وواجب الوجود بذاته وممكن الوجود بغيره وواجب الوجود بغيره والتوفيق بين الحكمة والشريعة بين النقل والعقل وجود الله وصفاته ووجد العالم قديم أو محدث ومشكلة النفس والخلود كما أن الفلسفة اليونانية جاءت نتائج التفكير والتأمل التلقائي في الكون ومطاهره بعكس الفلسفة العربية التي جاءت بقرار فوقي في زمن الخليفة العباسي المأمون ت 833م ومن أوجه الافتراق بالإضافة الى اختلاف السياق أن الفلاسفة اليونان دخلوا الفلسفة من بوابة العلوم إذ كتب أفلاطون على باب الأكاديمية من لا يعرف الرياضيات والهندسة لا يدخل علينا الفلك والطبيعة والهندسة والرياضيات والاحياء والنفس بينما فلاسفة العرب دخلوها من بوابة الفقه والتصوف والطب والقضاء وعلم الكلام وكان لحركة الترجمة التي بدأت من صدر الإسلام مع الخليفة مروان ابن الحكم ت 685 والخليفة خالد بن يزيد بن معاوية ت 704 أثر واضح في النسق الفلسفي العربي الإسلامي. إذ ترجم العرب معظم الاعمال الفلسفية والعلمية اليونانية وتلقفوها عبر الأفلاطونية المحدثة: المقولات. البرهان، المغالطات، الجدل والسماء والعالم وكتاب الأخلاق وقد بدأت حركت الترجمة من العهد الأموي التاسوعات والربوبيات وطماس الأخلاق الى خيماخوس وجمهورية أفلاطون ومنطق ارسطو حتى حكاية موت الإسكندر المقدوني في رسالة الاحزان للكندي وغير ذلك من علوم الأولين ويعد حنين بن إسحاق ت910 م أشهر المترجمين وابنه اسحق بن حنين وثابت بن قرة وهذا يعني أن أوجه التأثر والتأثير كثيرة وواسعة للفلسفة اليونانية في الفلسفة العربية في مختلف انساقها الميتافيزيقية الإلهيات والطبيعيات والفلك والرياضيات وفِي النفس والخلود والأخلاق والبلاغة والمنطق الارسطي. وكما استلهم الكندي فلسفة أفلاطون المتسقة مع العقيدة الإسلامي كذلك استلهم الفاربي فلسفة أفلوطين في نظرية فيض الإلهي العقول ولم يخفي شقفه بأرسطو المعلم الأول لهذا سمي بالمعلم الثاني. كما استلهم جمهورية أفلاطون في كتابه آراء أهل المدينة الفاضلة وستبدل الملك الفيلسوف بالرسول الكريم.كما أنه حاول الجمع بين الحكيمين أفلاطون وأرسطو. والجمع بين الحكمة والشريعة.في الفلسفة كتاب «الجمع بين رأي الحكيمين» كتاب «الخرافة الكبير» كتاب «الواحد والوحدة» كتاب «الجوهر» كتاب «الزمان» كتاب «المكان» كتاب «الخلاء» كتاب «العقل والمعقول» كتاب «التوطئة في المنطق» كتاب «منطق الفارابي» في الموسيقى كتاب «صناعة علم الموسيقى» كتاب «الموسيقى الكبير» في المنطق كتاب «الأخلاق إلى نيقوماخوس» كتاب «العلم الطبيعي» كتاب «الآثار العلوية» رسالة «النفس والعالم» في السياسة والاجتماع «آراء أهل المدينة الفاضلة»كتاب «السياسات المدنية» كتاب «جوامع السياسة»في العلوم إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها في التصنيف كتاب «المقولات» (قاطيغورياس) كتاب «القول الشارح» (القضايا والتعريف) كتاب «أنا لوطيقا الأولى والثانية» (تأليف القياس المنطقي) كتاب «طوبيقا» (الجدل) كتاب «سفسطيا» (السفسطة) كتاب «ريطوريقا» (الخطابة) كتاب «بوطيقا» (أي الشعر) إيمانه بوحدة الحقيقة”واجب الوجود عقل محض، يعقل ذاته بذاته، فهو عاقل ومعقول في آن واحد.“ وفي ذات السياق جات فلسفة الطبيب الفيلسوف بن سيناء ت 1037 فلسفته مزيج من الفلاطونية المحدثة والنزعة الغنوصية الإشراقية ففي كتابه الإشارات والتنبيهات ترجم كتاب المنطق الارسطي وكتاب الشفاء ومقال في النفس وكتاب الحكمة العروضية. وكتاب القانون في الطب. وربما كان ابو حامد الغزالي ت 1111 هو الناقد الكبير للفلسفة اليونانية في صيغتها العربية في كتابه تهافت الفلاسفة. وفِي المظنون به على غير أهله كما أن الفلسفة في المغرب العربي وفلاسفتها ابن باجةت 1138 في تدبير المتوحد وابن طفيل ت1185 والشارح الكبير ابن رشد الذي كتب • بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه. وكتاب مناهج الأدلة، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية في الأصول. وكتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية. وكتاب تهافت التهافت الذي كان رد ابن رشد على الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة وكتاب الكليات. وقد امتد الأثر اليوناني الى الفقه والكلام والنحو والتاريخ والأدب لكن هذا لا يعني باي حال من الأحوال أن الجهد الفلسفي العربي الإسلامي لم يكن بأكثر من مجرد رجع الصدى للفلسفة اليونانية. بل يمكن القول أن أهم مؤثر في الفلسفة الإسلامية هو :القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه وعلم الكلام والتأويل وأهل الحديث وأهل الرأي والإجتهاد ثم الدفعة من ترجمة التراث اليوناني: المنطق والطبيعيات والالهيات والأخلاق والسياسة والرياضيات والفلك والطب والهندسة ففي الفلسفة الاخلاقية العربية برز يحيى بن عدي إلتكريتي في كتابه تهذيب الأخلاق والغزالي ميزان العمل وأبو حسن الماوري أدب الوزير وأحمد بن مسكونة وكتابه الأخلاق والأمم وأبوبكر الرازي في الطب الروحاني تاثير الفلسفة الإسلامية في الفكر الأوربي وبن حزم الأندلسي في كتاب الأخلاق والسير وطوق الحمامة وشرح منطق أرسطو كما تأثرت الفلسفة الإسلامية بالفلسفة اليونانية كذلك أثرت الفلسفة العربية بالفلسفة الغربية من ذلك الفارابي كان له آثر كبير في فلسفة العصور الوسطي: ترجم كتاب «إحصاء العلوم»إلي اللغة اللاتينية، و أصبح في المدارس المسيحية كما كان في المدارس الإسلامية من المؤلفات التي لا يستغني عنها. و قد أفاد منه«روجر بيكون» استقر عند الإفرنج علي اختيار فلسفة ابن سينا ممثلة«للفلسفة الإسلامية» فقد ترجم«جنديسالينوس»كتاب«الشفاء»إلي اللاتينية، و ترجم«جيراردي كريمونا» كتاب«القانون في الطب»، فأصبح كتابامدرسيا، يعول عليه في مختلف الكليات الأوروبية من القرن الثالث عشر حتي القرن السابع عشر. و بهذا الكتاب ارتفع شأن ابن سينا في الغرب، و اتسع نطاق نفوذه؛حتي جعله الشاعر«دانتي»في منزلة بين «أبقراط» و«جالينوس» ويرى بعض الدارسين أن رواية روبوسون كروزو لدانيال دوفو هي مستلهمة من كتاب حي بن يقظان لابن طفيل فإذا ما انتقلنا إلي ابن رشد وجدنا أن الإعجاب بشروحه لفلسفة أرسطو كان عظيما في أوروبا حتي سماه«دانتي»، «الشارح الأكبر». و من المشهور أن مدرسة«بادوا»بإيطاليا كانت تنتمي إلي مذهب ابن رشد، و أن«سيجر دوبرابان»كان زعيم المدرسة الرشدية في فرنسا إبان القرن الثالث عشر. ولقد ظل المذهب الذي نسب إلي ابن رشد مدروسًا عند الأوروبيين في الكتب و في الجامعات، من منتصف القرن الثالث عشر حتي أوائل القرن السابع عشر،ولا يخفى أثر الغزالي في الفلسفة المسحية الوسطية وربما اثر في ديكارت  وكان ابن خلدون هو الطائر الأخير الذي أثر في الفكر الأوروبي الحديث على نحو ليس له نظير في تاريخ الفكر البشري ابن خلدون أعظم فيلسوف و مؤرخ انجبه الإسلام. وأحد اعظم الفلاسفة و المؤرخين في كل العصور، ويرى فيليب حتي مقدمة ابن خلدون هي أحد أكثر المؤلفات حضورًا وأكثرها أهمية من بين المؤلفات التي أنتجها العقل البشري. وكتب مارسيه؛ لقد تصور ابن خلدون و صاغ فلسفة هي بلا شك أعظم نتاج أبدعه أي ذهن في أي عصر و في أي بلد. وكتب جورج لابيكا قائلا: استأثرت آراء ابن خلدون في التاريخ والاقتصاد والفلسفة الاجيماعية باهتمام الباحثين . وهي الآراء التي تبقى بلا شك إسهامه الأساسي في إرث البشرية الفكري.لقد جمع مؤرخوا العرب المادة التاريخية وابن خلدون وحده من استخدمها. بيد أن مايدعو إلى الأسف المرير أن تنتهك كرامة الحكمة ويباح شرفها في بلد قيل عنه بأنه بلد الحكمة والإيمان بلسان خاتم الأنبياء صلعم في حديثه الشريف )الإيمان يمان والحكمة يماني) اليست مفارقة مخجلة أن يطيب لنا التفاخر بطريقة غنائية واحتفالية ساذجة بأننا أصحاب الحكمة في حين أن الفلسفة التي هي محبة الحكمة غدت اليوم موضوعاً للتندر والسخرية والهراء إلى درجة أن المتخصص بالفلسفة يحمر وجهه خجلاً إذا ماسئل عن موضوع تخصصه ذلك لأنه يعلم مسبقاً قبح الصورة التي طبعت في أذهان الناس من الفلسفة ومعناها من قبل«أنها مجرد كلام فارغ» أو«ماتؤكلش عيش»أو «راح زمانها» أو«ليس لها سوق».. إلخ. وهذا التكريس السيء الصيت لتلك الصورة المشوهة عن الفلسفة أفضى إلى نفور الطلاب من الالتحاق بأقسام العلوم الاجتماعية والإنسانية في الجامعات اليمنية التي أصبحت اليوم تعيش سقماً وفقراً شديدين ،وبات ينظر إليها كأقسام هامشية بل ورائدة عن اللزوم وهذا مايعزز الرغبة عند البعض من الحاقدين على الفلسفة في الدعوة الآثمة والخطيرة إلى إغلاق أقسامها والتشفي بمتسبيها.
ومع أننا نعرف الأسباب التي افضت إلى هذه النتيجة الفاجعة التي بلغتها الفلسفة وعلومها في بلادنا العربية عامة لاسيما في بعض دول الخليج والسعودية وفي الجامعة اليمنية على وجه الخصوص ،تلك الأسباب التي تتمتع بجذورها العميقة في البنية الذهنية للانسان العربي إذ أكد ابن خلدون «بأن الحكمة ليست من طبيعة العرب لأن سجيتهم التوحش» أنا وإن كنا لانتفق مع ابن خلدون في تعميم هذا الحكم القاسي على العرب نجد انفسنا في موقف يصعب الدفاع عنه بازاء رأي المستشرقين أمثال الألماني تنيمان المتوفي سنة1819 أحد رواد تاريخ الفلسفة الحديثة والذي ذهب إلى أن عجز العرب عن التفلسف يعود إلى "أنهم لم يلبثوا أن جعلوا للمنطق الصوري سلطاناً مستبداً على عقولهم فضلا عن مافي طبيعتهم القومية من ميل إلى التأثير بالأوهام» وفي هذا السياق يأتي المستشرق الفرنسي ارنست رينان ت 1892م ليقرر بأن العرب بما هم جنش سامي عاجزين عن ممارسة التفكير الفلسفي الأصيل لأنهم منساقون بفطرتهم الحسية البسيطة التي لاتقوى على التحليل والتنظير وابداع المفاهيم» ويصعب الاتفاق مع تينمان لمافي القرآن الكريم من حث على طلب التفكير والتأمل والتدبر.. وإذا كنا لانتفق مع التفسير الذي يعيد سبب غياب الفلسفة في الفكر العربي الاسلامي إلى أسباب بيولوجية طبيعية فإننا نعتقد أن ضغط العوامل السياسية والتاريخية في الماضي كان السبب الرئيسي في تهميش الدرس الفلسفي والنظر إليه بمنظار برجماتي ضيق في حدود الأهداف والغايات الأيديولوجية لهذا الحاكم أوذلك.وفي ضوء القاعدة التي تقول أن لاسلطة إلا بوظيفة ،نرى أنه لم يكن للفيلسوف العربي المسلم وظيفة تبرر الفلسفة أي مباشر التفكير الفلسفي بالاسلوب الذي اتبعه اليونان فيبرر قيام الحوار الفلسفي بين جمهور المسلمين سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً وتربوياً كما كان الأمر في اثينا سقراط وافلاطون وارسطو أو كما صار الأمر في أوروبا بيكون وديكارت وهيوم وهيجل وراسل وهيدجر وفوكو وسارتر وبارت وجاك دريد ولايزال إلى اليوم. وأنه لأمر ذو دلالة خطيرة أن يرتبط دخول الفكر الفلسفي إلى حقل الثقافة العربية الإسلامية بحلم الخليفة المأمون ،ويؤرخ لخروجها أي الفلسفة بحلم أوغضب الخليفة الموحدي ابن عبدالمؤمن الملقب بالمنصور أمير قرطبة الذي غضب على ابن رشد بسبب الوشاة وأحرق كتبه ونفاه إلى جزيرة «اليسانه ». وقد كان ابن رشد بمثابة الوهج الذي يشتعل قبيل انطفاء الشمعة بالنسبة للعقل العربي الفلسفي ،وربما كان العلامة ابن خلدون الحضرمي هو القبس الأخير في العقل الذي انطفئ سراجه قرابة ستة قرون من الزمن.وعلى الرغم من مرور قرابة قرنين من الزمن على بداية يقظة العقل العربي الحديث والمعاصر اليقظة التي تعني فيما تعنيه «عودة العرب إلى الفلسفة وعودة الفلسفة إلى العرب» كما عبر المفكر العربي أحمد برقاوي في احد كتبه الحديثة.نقول على الرغم من ذلك إلا أننا في هذا الصقع المنسي من الجنوب العربي لا نزال نقف من الدرس الفلسفي ذات الموقف الذي ساد في عهد الظلام والانحطاط قبل ستة قرون. وربما وجدنا مايفسر هذا الموقف السلبي في التفكير النظري في تأخر يقظتنا الثقافية في اليمن التي لم تبدأ إلا في منتصف القرن الماضي قبل سبعة عقود من الزمن. كما أن ضعف الخبرة وقصر الفترة التي عرفنا بها الفلسفة بما هي تخصص علمي أساسي في العلوم الانسانية في جامعتي صنعاء وعدن وماأصاب هذا التخصص من تشوهات واضرار بسبب التوظيف الايديولوجي الدغمائي لانساق المعرفة الفلسفية وإذا كان من غير الجائز أن نرد للاسلام أونحكم عليه من خلال هذه أوتلك الصور المتطرفة التي تدعيه اليوم فم الخطأ أيضاً أن نرجع إلى احدى الصور المتطرفة الدغمائية التي تحاول الظهور بها: كالاشتراكية أوالماركسية أوالنيتسوية النازية أوالوجودية الفرنسية أو البنيوية أوالبراجماتية.. إلخ.ذلك لأن الفلسفة حوار مفتوح ،حوار بين الأفكار والآراء حوار بين الذات والآخرين ،حوار بين الشعوب والثقافات ،حوار خصب غايته البحث عن الحقيقة والمعنى في عالم يكتنفه الغموض والفوضى واللامعنى أنها حكمة الشعوب التي تروي ملحمة المغامرة الانسانية وصيروتها على هذه الارض.
الفلسفة والإنسان:
ألا يكفي الفلسفة فخراً وسمواً أن معناها الحرفي هو«محبة الحكمة» «فيلو» حب «وسوفيا» الحكمة وهي إذ جمعت في بنيتها العميقة بين الحب والحكمة فإنها حميمية الصلة بالانسان أنها وليدة اقتران القلب والعقل ثمرة الزواج المقدس بين أقوى وأنبل عاطفة انسانية «الحب» وأسمى وأجل مزية تميز بها الانسان عن الحيوان العقل «الحكمة» وفعل «أحب» اليوناني يعني وافق وانسجم أو تكلم بلغة العقل إلى الحكمة فمن ذا الذي يكره الحكمة قال تعالى«وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم» البقرة الاية«216» وقال عزوجل«ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً» البقرة الآية«269».
على أي حال فمهما كانت مواقفنا من الفلسفة فهذا لاينقص من أهميتها وضرورة استيعابها أن اردنا أن نفهم مايدور في عصرنا.إن علاقة الفلسفة بالانسان هي علاقة حميمية لازبة ،إذ هي موقف الانسان الكلي ازاء الكون والحياة والتاريخ وهي نظرة عامة إلى العالم ،هي تجاوز الانسان الدائم لذاته وأني لأرى أن الحقل الفلسفي هو الانسان بما هو علاقة متعددة الابعاد والعناصر وإن كل مشكلة لايمكن تصورها إلى نسبة إلى الانسان وكل مايتصل بالعالم فلسفياً هو العالم الذي فيه الانسان أنها معرفة الانسان بذاته ولذاته.. هي تساؤل الانسان الدائم عن الحقيقة المتخفية وراء مظاهر الاشياء هي سؤال عن المعنى معنى الوجود معنى الحياة ،الزمان والمصير ، والخير والشر ،والعدل ،والحق هي تحليل نقدي للحياة بما هي وجود ومعرفة وسلوك ماذا أكون؟ ماذا أعرف؟ ماذا أفعل؟.الفلسفة تساؤل مستمر وتاريخها هو تاريخ السؤال الفلسفي لكن سؤال الفلسفة ليس سؤالاً محايداً ذلك لأن واضع السؤال أي الانسان متضمن وعالق فيه ،وهذا هو سر الدهشة والقلق الملتهب الذي عده أفلاطون أهل كل تفلسف ،ولأن الفلسفة تساؤل والتساؤل يقوي الفكر حسب «هيدجر» فمن السذاجة التبشير بأفول نجم الفلسفة ،فمادام بقي الانسان حياً يرزق وقادراً على مباشرة التأمل والتفكير والتساؤل والاندهاش فالفلسفة في ازدهار ذلك لأنها صبوة الانسان وشغفه المتعطش باستمرار للمعرفة.بيد أن سؤال الفلسفة ليس سؤالاً أبديا مغلقاً طرح مرة واحدة وإلى الأبد بل هو سؤال مفتوح متغير متجدد متجاوز لذاته باستمرار ،ناف لصيغه ومشكلاته القديمة بصيغ ومشكلات جديدة بقدر مايقرر التطور التاريخي من مشكلات ومهمات جديدة وتحديات مستفزة للعقل والروح.
وإذا ماأردنا أن نعرف الفلسفة تعريفاً عاماً لقلنا إن الفلسفة محاولة منهجية نقدية للتوصل إلى فهم أعمق وشامل بقدر الامكان للعالم والإنسان والأشياء ، إذا لايكتف هذا الفهم بالاجوبة السريعة والجاهزة ،وإنما يستعين بالنقد والتحليل للوصول إلى مفاهيم عامة وأفكار شاملة وغاية الفلسفة الفهم بالدرجة الأولى، الفهم والتعقل ويتصف هذا الفهم بالشمولية والعمق وموضوع الفلسفة هو الحقيقة ،ليس بمعناها الغامض واللامحدود ، وإنما بمعنى كل مايتعلق بما يوجد ويدور حولنا من موضوعات واحداث وعلاقات ويتميز البحث الفلسفي الجيد بالشمولية والتعميم والاتساق المنطقي والواقعية. والفلسفة في الأساس هي نشاط أكثر منها معرفة ،إنها طريقة في ممارسة التفكير تتميز عن انماط التفكير الأخرى العلمية وغير العلمية بقدرتها على الاتصال والانفصال ،وموقفها النقدي من كل ماتفكر فيه ،أنها نقد شامل وجذري للواقع والذات والدواء والتصورات والأفكار والأوهام إنها الفكر الذي يفكر ،بمعنى أنها كما يذهب جيل دلوز.. ليست تفكيراً فحسب بل هي الفكر الذي يبدع المفاهيم وهي تفكير بواسطة المفاهيم.
ـ الفلسفة والعقل:
بما أن الفلسفة مشروع انساني فهي شديدة الاتصال بالعقل الذي يعد السمة الجوهرية التي ميز الله سبحانه وتعالى بها الانسان عن سائر مخلوقاته والعقل هو القدرة على التمييز والفهم والحكم ،ومن الاخطاء الشائعة الاعتقاد بأن العقل هو عضو من اعضاء الجسم إذ يتم المطابقة عند البعض بين العقل والمخ أوالدماغ بمعنى واحد وهذا غير صحيح. وليس ثمة شيء ملموس محسوس اسمه العقل ،بل هناك مفهوم مجرد يطلق على ممارسة أونشاط يباشره الانسان في أثناء ممارسته لحياته اليومية ،ومع ذلك يظل مفهوم العقل أهم وأخطر المفاهيم التي مارست تأثير ساحق على حياة المجتمع الانسان ،ويتجدد نظام كل ثقافة أوحضارة من المعنى التي تمنحه للعقل والموقف التي تتخذه منه. وقد كان العقل يعد المفهوم المركزي في حقل الثقافة اليونانية ،فهو عند الفيلسوف هيرقليطس«اللوغوس» أو«العقل الكوني» بمعنى النظام أو القانوني الكلي وهو عند أنا لساجوراس«النوس» «العقل الكلي» أي القانون والنظام مقابل الكؤوس» أو الفوضى وهو عند سقراط القاسم المشترك بين الناس وهو عند ارسطو«الذي نظم كل شيء وهو العلة لجميع الأشياء. وقد جرى المطابقة في الثقافة اليونانية بين العقل والنظام والطبيعة واستخدم بمعنى العقل أوالنظام الكوني أوالله ،العقل يحكم العالم ،والفعل العقلي الجديد بهذا الاسم هو ادراك النظام والترتيب بين الأشياء. وقد ساد هذا التصور للعقل والنظام الطبيعي تاريخ الفكر الأوروبي الحديث والمعاصر وهذا هو معنى قول فرانسيس بيكون«أن اردنا أن نعرف الطبيعة علينا الانصات إلى قوانينها» ويرى محمد عابد الجابري«أن المطابقة بين العقل ونظام الطبيعة والقول بأن العقل يكتشف نفسه في الطبيعة ومن خلال التعامل معها ثابتين أساسيين في بنية الفكر الغربي اليوناني الأوروبي. لكن ماذا عن العقل في الفكر العربي الاسلامي؟ جاء في لسان العرب العقل ،الحجر ،النهى ،ضد الحمق والعاقل هو الجامح لأمره وهو،مأخوذ من عقلت البعير إذ جمحت قوائمه» وأيضاً: «العاقل من يحبس نفسه ويردها عن هواها ،أخذ من قولهم اعتقل لسانه إذا حس ومنع الكلام.. وسمي العقل عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك أي يحبسه. واضح هنا أن المعنى المراد من العقل هو معنى قيمي وأخلاقي وليس معرفياً أوفكرياً ،كما أنه لايشير إلى نظام الطبيعة وقوانين الكون ،وإذا وجدنا في دلالات العقل العربي معنى للنظام والتنظيم فإنما في المجال التداولي والمتجه دوماً إلى السلوك البشري لا إلى الطبيعة وظواهرها.لاريب أن أحد المصادر الكبرى لقدرات الانسان العقلية والطبيعية ذاتها هي المذاهب الدينية والقانونية في حضارة من الحضارات وأهم هذه المصادر الصورة الميتافيزيقية الأوسع التي تجرى ضمنها أنماط الخطاب وتشكيل في فضائها أهم المفاهيم التي تشكل تصورات الانسان عن نفسه تشكيلاً عميقاً ،فأما أنها تدعم قواه العقلية أوتضيق عليها وقد ضيق مهندسو الفكر العربي الاسلامي الاطر العقلية للانسان ومن ثم رفضوا قدرة الانسان على معرفة أسرار الطبيعة وفك مغاليقها ،واثارة الشكوك حول قدرات الانسان العقلية ووضعوا العراقيل حول امكانية التفكير العقلاني بآيات الله الذي دمر البشر بالتفكير فيها في قول تعالى: «أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وماخلق الله من شيء»الاعراف الاية 185 وقوله تعالى:«ويتفكرون في خلق السموات والأرض«آل عمران الآية «191» وقوله تعالى «فاعتبروا ياأولي الأبصار"لقد كرم الله سبحانه وتعالى الانسان وجعله خليفته في الأرض بعد أن نفخ فيه من روحه وأمر الملائكة السجود له تعظيماً لمكانته وللأمانة التي حملها إلا أن مهندسي الشريعة ورجال اللاهوت دأبوا على التقليل من قيمة الانسان واضعافه والتنقيص من أهميته وتذكيره ليل نهار بضعفه وعجزه وفساد مساعيه ،والتشكيك بقواه العقلية وقدراته المعرفية على الفهم والمعرفة والتفكير في ملكوت السموات والأرض ،وهذا ماأفضى إلى مانحن فيه من ضياع وتخلف وانهزام في حين أن الآخرين بلغوا باحترام الانسان وعقله وحريته عنان السماء واستطاعوا بسلطان العلم أن ينفذوا بين السموات والأرض. لكن مالم نعرفه أن هذا العلم الذي ازدهر في ديار غيرنا لم يكن له أن يزدهر أويصل إلى ماوصل إليه ألا يفسح المجال للتفكير الفلسفي الحر واعلاء شأن العقل ومنح الثقة للانسان الذي أمره الله بتعمير الأرض وسبر اغوارها.
إن غياب مفاهيم الطبيعة والقانون الطبيعي ،والانسان والضمير والعقل وحرية التفكير من آفق الثقافة الاسلامية أفضى بالمحصلة الأخيرة إلى العجز الكلي عن انجاز الطفرة العلمية الحديثة التي انحصرت في أوروبا الغربية واخفقت في حضارتنا العربية الإسلامية.ويفسر توبي أ. هف في كتابه فجر العلم الحديث الاسلام ـ الصين ـ الغرب اسباب الطفرة العلمية في الغرب واخفاقها في بلاد الإسلام بقوله:" "علينا في حالة العلم أن ألا ننسى النظرة العلمية الحديثة للعلم هي بنية ميتافيزيقية فريدة وهذا يعني أن هذه النظرة تقوم على فرضيات عن انتظام العالم الطبيعي وخضوعه لقوانين معينة ،وعلى الاقرار بقدرة الانسان على فهم هذه البنية الكامنة وفرضية أن الانسان قادر على فهم القوانين التي تتحكم في الانسان وسلوكه واستيعابها.
بينما كانت بنية الفكر والعواطف في الاسلام في القرون الوسطى بشكل عام ذات طبيعة جعلت طلب العلوم العقلية وعلوم الأولين امراً يثير الشكوك.
وخلاصة القول إن الأوروبيين القروسطين وضعوا تصوراً للانسان كان فيه من العقل والعقلانية ماجعل النظرات الفلسفية واللاهوتية مجالات البحث التي كانت نتائجها لاهي بالمتوقعة ولابالتقليدية.
ويضيف «كان العرب قد وصلوا إلى حافة أعظم ثورة فكرية حدثت في التاريخ ، ولكنهم رفضوا الانتقال «من العالم المغلق إلى الكون اللانهائي.إن الهدف من هذه الاستطردات هو كيان تلك العلاقة المتواشجة بين الفكر الفلسفي والعقل الانساني وبين الثقافة الانسانية بكل مقوماتها ،فحيثما تزدهر الثقافة وحينما يكبت التساؤل الفلسفي والتفكير الحر تجف منابع الابداع الانساني العلمي والأدبي والفني أدى ازدهار الفلسفة اليونانية إلى ازدهار العلم والثقافة.
كما أفضى الهامش البسيط من الحرية التي منحت للعقل العربي في زمن الدولة العباسية إلى نتائج مذهلة على مختلف الصعد الثقافية الأخرى وحينما هُمش الفكر الفلسفي في العهد المسيحي وهيمن اللاهوت الكنسي على كل منافذ الفكر ساد عصر الظلام الأوروبي ،وحينما نهضت أوروبا في القرن الرابع عشر الميلادي أخذت الفلسفة تستعيد مكانتها ومهدت الطريق لازدهار العلم الحديث ، ولم تكن الحداثة الغربية التي تهيم على العالم اليوم إلا مشروعاً فلسفياً أخذ ينمو ويتبلور منذ فجر النهضة على يد الفلاسفة الانسانيين امثال بورون ودافنشي والفلاسفة الطبيعيين أمثال جاليلو وكبلد وكوبرنيك ومن ثم بكون ورينيه ديكارت الذين ابدعوا تصورات جديدة عن الكون والحياة والانسان إذ كانت تعني ولادة شيء جديدة لم يحدث أن تصوره أو صممه انسان في الزمن الماضي ،في كل مكان أخذت تشيع نظرة جديدة للحياة والعالم والذات تغيرت نظرة الانسان إلى ذاته إلى العالم وإلى الحياة والزمان والتاريخ الفاعلية هي الشعار الجديد ، الإنسان الجديد يعمل ويربح وهو في كل هذه العملية يصنع التاريخ وينصع ذاته وبهذا المعنى نفهم تعريف «الان تورين» للحداثة بقوله: إن الحداثة في شكلها الأعظم طموحاً كانت تأكيداً أن الانسان هو مايصنعه» ويرى ماكس فيبر أن الحداثة تعني العقلية بما هي مشروع انساني لبناء المجتمع في كل جوانبه على أسس عقلانية». مع النهضة انحسرت «فلسفة البعث والنشور» التي كانت تصور الانسان مكبلاً بالاثم ملوثاً بالخطيئة ،عاجزاً جائعاً ضعيفاً ذليلاً لاحول له ولاقوة لتحل محلها فلسفة الحياة والنمو التقدم والازدهار فلسفة جعلت من الانسان عقله وارادته حريته وكرامته غاية كل فكر وسلوك ،وبدلاً من الاحساس بالاثم حل الفرح وبدلاً من الخوف حل الأمل وبدلاً من الخنوع والعجز حلت الحرية في توجيه العقل وآخذ البحث الفكري يحل مكان التبلد والعقم والكسل ،وبدلاً من تفسير الكتاب المقدس آخذ العلماء يوجهون اهتمامهم بتفسير كتاب الطبيعية وبدلاً من منطق ارسطو العقيم حل الارجانون الجديد ومنطق التجربة وبدلاً من القبول والتعليم حل الشك والنقد طريقاً للوصول إلى اليقين.غير ان علاقة الفلسفة بالعقل لم تكتسب مساراً خطياً دائما بمعنى انها أي الفلسفة لم تمنح ثقتها بالعقل على الدوام، بل ظلت تثير الشكوك بقدرات العقل وتنبهه إلى مخاطر الثقة المطلقة باحكامه، وتحذره من مايمكن ان يصيبه من أوهام واوثان اذا مافقد الحذر وأسلم نفسه للراحة والنوم، وكما يقول سقراط ان الفلسفة هي التي تعلمنا جهلنا، انها تطهر العقل من كل الاحكام اللانقدية، ان وظيفة الفلسفة هي النقد هي التفكير الذي لايستثني العقل.. انها تفكير بالعقل وبالعقل ..انها مدعوة إلى كشف الاوثان التي يشيدها العقل وهدفها كأية أوثان تتحول إلى اداة استلاب للانسان هذه هي مهمة التكفير الفلسفي الذي لايتخصب ولايغتني وتسري الدماء بشرايينه الا بمقدار انفتاحه على ذلك «الجهل السقراطي» واللغز الابدي الذي يلف الشرط الانساني والذي مافتئت ترنو إليه كبار العقول التي لاتستسلم، بسهولة، امام اغواءات الطموحات الذهنية.
إن الفلسفة بماهي حارسة العقل وصمام امانه مدعوة إلى ان تسعيد وتعيد إلى الانسان فضائلها الأولى وسوف تجعل من اهدافها تلك التي كان البادئون الكبار الفلاسفة الرواد بعبارة هوسرل، قد وضعوها دائماً نصب اعينهم.
- الجهل المكابر : الجهل الذي يجهل جهله ويدعي معرفة التمرس على ممارسة الاستئناس اي الدخول الدائم إلى بداية كل بداية. التواضع الفكري والشك المعرفي قيمة معرفية لايعلى عليها
فماذا نعني بالعقل؟ إنه "قدرة الفكر البشري على ملاحظة ومعرفة الأحداث بشرية كانت أو طبيعية في ماضيها أو حاضرها والقدرة، بعد ذلك، على التنبؤ بـها". إذا كان يلاحظ ليعرف ويعرف لكي يكون قادرا على التنبؤ، فمعنى هذا أنه ينطلق، منذ البدء، من الجهل. ولأن العقل يبحث عن الحقيقة انطلاقا من إقرار مسبق بالجهل كقاعدة عامة فإنه لا يتبنى ولا يزكي الأجوبة المعطاة، الجاهزة وهو ما يعني أن طريق العقل، على الأقل ضمن صيرورته الغربية، كانت طريقا لا دينية ذلك لأن اللاهوت يقفل ملف الحقيقة هذا بتنبيه لـ "حقائق منـزلة". إلا أننا سوف نرى أن ما كان عناصر مميزة للعقل سوف تنتهي له، بدوره، إلى نوع من اللاهوت.فاعتماده، في العصر الإغريقي ، على مقولات المبادئ والعلل والماهية، سوف يجعله يعتقد، واهما، أنه بصدد إرساء أسس علم للفهم الخالص سوف يعمد، بعد ذلك بمصطلح النظرية. إن المقولات التي اعتمدها العقل، في بداياته، هي ذات طبيعة جوانية، بمعنى أنـها تتموقع، على الطرف الآخر، لما هو اختباري، باعتبارها "معرفة أسمى" الـهية الطابع واعتبار ما هو "اختباري" معرفة أقل سموا أي بشرية أساسا. نحن، إذن، في كل الفلسفة الإغريقية، بصدد لاهوت متخف.إذا كان العقل قد سيّج نفسه داخل مقولات جوانية حولته إخراجا مختلفا فقط للاهوت متأصل في الممارسة العقلية للإنسان، فهلاّ وجدناه مطلق السّراح في موضع آخر، ولم لا يكون هذا الموضع هو التفكير؟ لكن ماذا نعني به؟ إنه "قدرة الفكر على المزاوجة بين ملاحظة سلوكاته الذاتية" وسلوكات" الموضوعات الخارجية" السلوكات الذاتية للعقل هي عاداته وأعرافه أي، بكلمة، آليات اشتغاله. لكن لمعرفة هذه السلوكات لا بد من الإحاطة علما بصيرورة تطورها ، وهو ما دفع إلى نشوء الجينيالوجيا (علم نسابة الفكر البشري). الوصول إلى هذه المرحلة من تملي العقل لنفسه مشروط بشرطين :- أحدهما ديكارتي : القدرة على إصدار " أحكام جازمة" بعد تطهر العقل من كل معايير التحقق من الحقيقي السابقة، في وجودها، على ممارسة الذات للكوجيطو.وثانيهما كانطي : تطهر العقل من كل الأحكام اللانقدية حتى يكون أهلا لولوج "مصدر العقل" نفسه.وإذا كان هذا هكذا، فليس بوسع الفكر الديني، مثلا، الذي هو "أسير مقولاته اللاهوتية" أن ينتج عقلا يتوفر فيه هذان الشرطان، بل ولن يكون بوسع الفلسفة التي لم تتخلص بعد من " إيمانها العقلاني" أن تقوم بذات الشيء. غالبا وعندما يتساءل العقل عن مصدره، فإنه يتمثل جوابين: جواب فطري : العقل من الفطرة أو هو الفطرة ذاتـها" ( ينظر، مانويل دوديكيز، العقل واوثانه، نقد فلسفي للعقل، جوجل) وفي حوار حديث النشر مع الفيلسوف الفرنسي المعاصر «جان توسان ديزنتي» بعنوان «الفلسفة.. ذلك الشغف الجديد » ورد ان الشغف الجديد هنا يعني الفلسفة محددة وقد استعادة عافيتها وعادت للتألق.. إن الفلسفة تعيش اليوم حالة انفجار لانها تفتقد إلى مرتكز ثابت وإلى منطقة قابلة للكشف ومع ذلك لاتزال هي الطريق الصحيح اذا اردنا ان نتجاوز التزمت الغريزي والتعصب الانفعالي، المدمر للعقل والوجود.فلا تنوير بلا فلسفة ولا ديمقراطية بدون حوار فكري فلسفي عميق، فهل ادركنا اهمية الفلسفة ؟
بيان دولي من أجل الفلسفة في مارس 1991 اقرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو القرار رقم «41212» بشأن تعليم الفلسفة والموقف منها في مختلف دول العالم.اذ اجتمعت في باريس لجنة من الخبراء ونظرت في الجوانب الاساسية من تعليم الفلسفة، وتداولت الرأي حول أفضل الوسائل التي تيسر تحقق قيمة هذا التعليم على وجه أكمل في الأقطار المختلفة وقد أقر الخبراء نتائج الاستقصاء واصدروها في البيان الآتي:
1- تعترف اللجنة بأن تعليم الفلسفة في البلدان المختلفة حيثما وجد هذا التعليم من قبل، على الرغم من تباين اشكاله.
- انما يعرب وجود ذاته عن الأهمية التي تمنحها هذه المجتمعات للفكر الفلسفي على اعتبار انه فكر لابد منه للوعي بالمشكلات الرئىسية في مجال العلم والثقافة ومن ثم لايستغنى عنه من أجل توجيه السلوك بحسب التفكير الشخصي الحر الذي يتناول القيم وشرط الوجود الانساني.
2- تعتبر اللجنة، بناء على ماتقدم، ان ليس من الواجب ان يستمر هذا التعليم ويصان حيثما وجد من قبل وحسب، بل ترى من الضروري تنميته وشد أزره حيثما هو في سبيل الظهور، كما تدعو جميع البلدان التي تفتقده إلى العمل على تأسيسه فيها.
3- إن اللجنة، اذ تعرب عن هذه الأمنية، لاتغفل اعتبار المجازفة التي تلازم ممارسة التفكير الحر المستقبل، ولكنها ترعى المبادىء المنصوص عنها في «الاعلان العالمي لحقوق الانسان» بالحفاظ على ان كل انسان لايمكن ان يكون متأهباً لحرية التفكير الا بالحرية الفكرية ذاتها.
4- ترى اللجنة ان من الأمور الجوهرية التنويه إلى الأمور الآتية:-
أ- تعليم الفلسفة دائماً بروح البحث الحر والمناقشة الحرة.
ب- تحفيز اذهان الطلاب بالأسئلة والمشكلات الحيوية التي تهمهم.
ج- السماح للطلاب بعرض آراءهم الشخصية في المواقف الأخلاقية والجمالية.



#قاسم_المحبشي (هاشتاغ)       Qasem_Abed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدخل جديد للدراسات التاريخية
- صراع الإنسان من أجل الاعتراف في عام مضطرب.
- متى يتجاوز العرب الحالة الخلدونية؟! مقدمة في استئناف الفعل ا ...
- البارحة مع ديوان معشوقتي في دار الهلال المصرية
- لست راضيا ولم اندم وهذا ما استطعته
- اليوم لي .. فيما يشبه المعايدة بالعام الجديد 2020م
- فيما يشبه التمهيد.. لمقاربة فيلسوف الأنا العربي
- أمس مؤتمر النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، باتحاد أدباء وك ...
- العلمانية ليس ايديولوجيا بل تقنية سياسية ناجعة ومجربة
- عبد الستار الراوي ورحلته الفلسفية من بغداد الى الاسكندرية.
- مقاربة المجتمع المدني المفهوم والسياق
- ملاحظات أولية في فلسفة الفن والجمال
- يوم أمس في زيارتي الثانية لأهرامات الجيزة
- في توقع مآلات ثورة الفرصة الأخيرة .. خاب ظنه وصدق حدسي
- فاطمة مصطفى و بحث العلاقة بين الفلسفة والسينما
- الثورة: تحولات المفهوم وسياقات المعنى؛ من وحي مؤتمر العقل وا ...
- في الثورة والعلم والثقافة والأيديولوجيا
- في إستشكال مفهومي العقل والثورة.
- أولفين توفلر فيلسوف تاريخ يا توفيق!
- المرأة وتثقيفها في صالون بنت البادية الثقافي


المزيد.....




- لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن ...
- مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد ...
- لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟ ...
- إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا ...
- مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان ...
- لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال ...
- ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
- كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟ ...
- الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
- مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم المحبشي - الفلسفة من حب الحكمة إلى حكمة الحب.