أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان يوسف - الرسالة الاخيرة الى الغائبة (قصة قصيرة)















المزيد.....

الرسالة الاخيرة الى الغائبة (قصة قصيرة)


عدنان يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6460 - 2020 / 1 / 9 - 14:53
المحور: الادب والفن
    


ست سنوات يا قبيلة ؟!
سؤال بصوت واهن ، بكلمات حزينة تدرجت بالانخفاض حد التلاشي حين وصلت الى ذكر اسمها .
اسئلة كثيرة تلت ذلك السؤال ، اسئلة لا تعد ، لا تحصى . لكن ، هي ما سمعت ايا منها كانت اسئلة صامتة ، في القلب فقط . فأنا في مثل هذه الحالات ، في المآسي والقلق والأحزان امتنع تماما عن الكلام ، موانع لا اعرف مصدرها تحجب قدرتي على التكلم ، يحصل بدل ذلك حوار داخلي ، حديث مع النفس ، من النوع الذي يسميه الروائيون مونولوج . سؤال واحد آخر بصيغة طلب ظهر الى العلن ولم ترد عليه ، اربكتها المفاجأة .
البرنامج الذي اعددته لذلك اللقاء يتضمن قراءة في مجلة نسائية والاستماع الى اغنية بمسجل صوت صغير ، صغير بحجم الكف . في المجلة بحث بعنوان هل يتسع قلب المرأة لحب اكثر من رجل بوقت واحد ، ويحتوي المسجل على اغنية واحدة تتكرر اعادتها الى نهاية "البث" ؛ تخونوه بصوت عبد الحليم حافظ .
وحدث الانهيار العصبي حين دعوتها الى مقارنة بيني وبينه ، مقارنة قد يكون الجسد هو الحاكم بها ؛ اي العشيقين الذ واصدق ؟
لم اقل لها إنني صرت مدمنا بسببها ، ترجمت ذلك بفعل ، كان اللقاء صباحا ، اول الصباح . وضعت الكأس على طاولة صغيرة امامي ، تناولت شربة عاجلة اتبعتها بملء الكأس مجددا ، وتكرر ذلك لخمس مرات خلال جلسة "المحاكمة" التي استغرقت ثلاثا وستين دقيقة . بدأت استعرض اهم احداث الاثنتي عشرة سنة منذ التعارف الاول ، اعوام الحب الستة وسنوات الهجر الست الأخر ،
وحاولت ان ابدو متماسكا ، ذكرت الورقة الكبيرة التي كنت ارسم فوقها نهرا ازرق وزهرة بيضاء واكتب بحروف متموجة بالأصفر ؛ انت اجمل فتاة في بابل والنجف وكربلاء وبغداد والموصل ، كانت تتابع حركة اصابعي ، تبتسم وتند عنها ضحكة عند تغيير "الماجك" لأكتب بالأخضر ؛ انت اجمل فتاة في بابل والديوانية والسماوة والناصرية والبصرة . تمسك الورقة ، يداها مغريتان ، مدهشتان بحرارتهما التي تزداد مع الوقت ، لا تبردان ابدا . تسألني
- لماذا كررت بابل
- لأنك عشتار ، ملكتها
- ولماذا هذه المدن
- هذه هي التي زرتها الى الان
وذكرت الثوب الازرق ، النيلي بالورود الحمر ، والخاتم ، المحبس الذهب بالشذرة الماروني ، كنت قد وعدتها بهما لمناسبة قريبة ، وذكرت ذلك اليوم الذي جازفت وزرتها فيه في المعهد ، رغم علمي بتشدد الادارات في المحافظات الجنوبية ، قلت لها في الدقائق القليلة التي توفرت عند مغادرة المدير الغرفة لأمر طارئ ، وهو كان قد امرني بأن اتحدث معها بحضوره ، قلت لها لدي مقترح مغامر ، نذهب غدا الى بغداد ادعوك الى الغداء في "نفر تيتي" ، مكان جميل ، رومانسي ، ساحر والأهم هادئ ، ووافقت بسرور لكن ما جاءت في اليوم التالي حسب الوعد والموعد ولم أرها بعد ذلك لست سنوات كاملة .
الان تعود رغبة في عودة المياه لمجاريها ، كما قالت .
سألتها
- اية مياه ، الآسنة ؟
لم تعرف ما جرى لي خلال تلك السنوات كيف مرت شهورها وأيامها ولياليها ، السيئة القاحلة المريرة ، ادمنت الخمر ، عدت ثانية للطبيب النفسي وهذه المرة ليس بسبب الخوف انما للكآبة الحادة - المزمنة التي ستفضي الى الموت انتحارا حسب ما يقول علم النفس الجنائي . للمرة الثانية اراجع الطبيب النفسي . في المرة الاولى وكنت طالبا في الكلية ( طب الاسنان) ، كانت بسبب خوف اما الثانية فبسببها هي .
الطبيب في الخمسين ، يداه كبيرتان ، اكبر مما ينبغي باصابع طويلة ، يبدو ساهما ، يتحدث باسلوب خطابي ، كل شيء في غرفته اسود ،الكراسي الجلدية ، سرير الفحص ، المكتبة واطارات الصور المعلقة على الجدران .
سألته عن الحالة "الغريبة" التي تنتابني اثناء مأزق او موقف صعب ، حين ينبغي ان اتحدث خلاله مع اخرين ، فأصمت ، تضيع الكلمات او ارددها مع نفسي دون تحريك الشفتين حتى ، ولم اقل له إنني وبسبب هذه الحالة خسرت صديقتي ، ملكة جمال المحافظات التسعة ، بسببها حصل الانفصال كما اظن ، يوم دعوتها الى لقاء للحديث عن قراري بإعلان الخطوبة لكن لم اتطرق للموضوع طيلة الساعة التي جلسنا فيها معا فقد فعل المونولوج الداخلي فعله . لم اقل لها سبب امتناعي عن التحدث في الامر ، وكان السبب حدثا له حكاية :
في الكلية كتبت في استمارة وزعتها السلطة معلومات اغاظتهم ، بعد اشهر ، اثناء الامتحانات النهائية "اختطفت" من الشارع ، كان ضابط الأمن الذي قام بالمهمة وسيما وانيقا ، تحدث معي اول الامر بلباقة وكياسة ، ثم وبلحظة تغير الموقف ، كانت السيارة الفولس واغن المنتظرة صغيرة ، قلبوا معقدها الامامي ليلقوا بي كيفما اتفق في القسم الخلفي ، وفي الاقبية المظلمة تدافعت الايدي والارجل المنتقمة "المؤدبة" لتبليغ الرسالة التي انتهت بتهديد صريح "لو عدت مرة اخرى فلن نتعب انفسنا ، سنلقي بجثتك فوق مزبلة على "القناة" .
في السنة التالية اكملت الدراسة والتحقت بالخدمة العسكرية طالبا في دورة الضباط المجندين ، كنت قد نسيت امر الاستمارة وما تبعها من نتائج .
يوم دعوتها لأعرض فكرة درستها لأشهر عديدة ؛ كنت قد بنيت الموقف على اساس انني سأصبح ضابطا ، وبمبلغ معقول من المال ، نقنع اهل "الحل والعقد" بإتمام اجراءات الخطوبة .
في اليوم الذي سبق لقاءنا الموعود استلمت امرا من "جهة عليا" يمنعني من حمل الرتبة . حين جلست الى جواري كنت اقلب الكلمات استبدل واحدة بأخرى دون ان تعرف هي ذلك فقد كنت امارس عادتي المرضية في الحالات الصعبة بعدم اظهار الكلام .
لم نتقابل بعد ذلك اللقاء الفاشل ، اختفت وضاعت اخبارها . كل محاولاتي لرأب الصدع فشلت ، وساطات عديدة لأصدقاء مشتركين لثنيها عن المقاطعة لم تفلح . اخيرا اتخذت القرار الحاسم ؛ اقتحم المعهد ! سأوضح لها الموقف على حقيقته . دخلت المعهد ، اقتادني حارس متجهم ، فورا الى غرفة المدير ، اعلنت بكلمات واضحة ، واثقة سبب المجيء ، المدير اربعيني بملامح تبدو محايدة ، غرفته واسعة بأثاث يدل على ثراء . فهم القصد ، قال لي بلغة آمرة : تتحدث معها هنا امامي .
قلت لها
- ما الامر ؟
التمعت عيناها بومضة بددت حزن اشهر الجفاء المؤلمة حين قلت :
- الدواء تركته لك ببيت شقيقتي
وكانت هذه الجملة سرا بيننا يمثل موعدا للقاء يتم في ساعة محددة يوم الاربعاء التالي .
ما جاءت في الموعد ايضا . الان تحضر في اليوم المحدد وفي الساعة المحددة لكن بعد ست سنوات . اسألها
-هل صحيح كنت على علاقة بطالب معك في المعهد ؟
اجابت بشكل غير مقنع . قلت لها بوجه حاولت ان يكون غاضبا اريد جوابا من كلمة واحدة !
وبعد مقدمات وشروح طويلة تضمنت ما يعرف باللف والدوران ، اجابت بصعوبة ، ب "لا" ، "لا" مترددة ، خجولة .
انشدت وبعد ان بلغ بي السكر مداه ، مترنما بمقولة حورت مطلعها
- ا ل خ ي ا ن ة / كنز .. لا .. يفنى
ثم بجد ؛ لن اتحدث عن الحب لكن قبولك بي يرتب عليك التزاما اخلاقيا ،
كان هذا الكلام هو الجزء الذي اتذكره من محاضرة طويلة عن القيم والمبادئ والاخلاق وما يسمى بالحب ، المحاضرة التي تضمنت اجزاء من المقالة المنشورة في المجلة عن "حب النساء" والتي القيتها على مسامعها وهي صامتة ، مطرقة ، لكن نسيت اغلب ما ورد فيها بعد ذلك ، وهو امر حسن ، فالذي اعدته على مسمع طبيبي كان كافيا . قلت له جئت هذه المرة لطلب المساعدة في اتخاذ قرار .
*** ***
لم يصدر القرار ، لا عن جلسة العيادة النفسية ولا قبل ذلك عن جلسة المحاكمة .
بعد ستة اشهر من القلق والتفكير والمزيد من الخمر ، وفي ليلة ظلماء عاصفة اختفى العاشق الرومانسي والمثقف ليحل محله الرجل ذو العينين الحمراوين والكف الجاهزة للانقضاض ، "الذكر" الشرقي .ليلة شهدت المونولوج الاخير ، مونولوج النهاية . اتذكر الان بعضا من ذلك الحوار الداخلي الصامت الذي امتد الى الفجر ، وكان حوارا لا يصلح للنشر ، على اية حال .



#عدنان_يوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء القمن -كليب- احجارا
- محنة شعب سوسيولوجيا الدين والسياسة
- شيوعيون في الذاكرة
- شوارد فاطمة الفلاحي ، الجأتني لتاج العروس
- ثامر الحاج امين .. صفة طيبة جديدة
- الحب .. قراءة في اوراق مدرستين ، فلسفتين و نظريتين
- مع مقاربات الروازق لطروحات علي الوردي
- لقاء مع مظفر النواب .. في بستان الرازقي
- الذكرى السابعة والاربعون
- بعض ما جرى على الشيوعيين العراقيين في الشهر -الناقص-
- في موقع اتحاد ادباء الديوانية* الالكتروني التراكم الكمي يؤدي ...
- ملحمة كاورباغي ، مأثرة الطبقة العاملة العراقية الخالدة
- اعدام رسام ، رواية سلام ابراهيم تدين اغتيال الثقافة العراقية
- اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق 68 عاما من الكفاح -في س ...
- اصلاحات يزيد الناقص ، اوقفها الطاعون واجهز عليها الحمار
- حول مكاشفات ريسان الخزعلي (الاقرب للوضوح) عن عقيل علي
- -رجال كالسم- وحلم جميلة
- عقد بلا صدام وما تزال الحياة ثقيلة
- هل حقا خسرت قبيلة ؟
- الاسلام السياسي .. دماء في نهاية النفق


المزيد.....




- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان يوسف - الرسالة الاخيرة الى الغائبة (قصة قصيرة)