|
الفرجة والوسائط المتعددة في المسرح
أبو الحسن سلام
الحوار المتمدن-العدد: 6458 - 2020 / 1 / 7 - 23:47
المحور:
الادب والفن
الفرجة والوسائط المتعددة ح أبحاث في الفرجة المسرحية - دور العرائس فى الفرجة المسرحية يميل المشاهد الحديث الذى أحاطت به الواقعية الصارخة فى السينما والتلفزيون يميل إلى أن يكون أقل خيالا وصبرا. بل هو أيضا يميل إلى أن يكون أكثر دراية بالوسائل التى تخلص التأثيرات. 1 فى تتبع بيتر د.أرنوت لعملية إخراجه الأولى التى وقع اختياره فيها على مسرحية مأساة دكتور فاوستس لكريستوفر مارلو2 عبر طور إنتاجها منذ بداية إختيار المسرحية حتى العرض النهائى ؛ يسعى إلى مناقشة العوامل المختلفة التى تركت أثرها فى كل خطوة ، والمشكلات التى واجهتها والحلول التى توصل إليها بنجاح .. وحتى يحقق النتائج التى وصل إليها فى إبراز قيم الفرجة التى حققها بالعرائس وسيطا فنيا يقول :" قد أخرجتها فى بادئ الأمر بصورتها المبسطة . ثم أخرجتها فيما بعد أكثر تعقيدا، أما ما هو أكثر اتصالا بغرضنا الحالى وإرتباطا به فهو أن هذه المسرحية تبرز بطرق عديدة واضحة ، وربما بطريقة أكثر وضوحا مما قد تبرزه مسرحيات الفترات الأخرى كيفية استغلال مزايا العرائس الفريدة لحل مشكلات ملحة صادفت إحياء المسرحيات القديمة ، كما أنها تبين كيفية إستخلاص ظروف من العمل الفنى لا بد أنها كانت تحيط بالمسرحية عند تقديما أول مرة ، غير أنها تميل إلى الإنزواء فى الإخراج المسرحى الكامل الحديث 3..
صناعة الفرجة ووسائط تحقيقها
يؤكد أرنو أهمية إختيار المخرج النص موضع الإخراج ، فيقول مبررا إختياره لإخراج مسرحية (مأساة دكتور فاوستس) " لقد اخترتها أساسا لأنه قد بدا لى أنها مثل صارخ لعمل عظيم قد طال إهماله ، وفى وسع مسرح العرائس أن يعوص ما أغفله زميله المسرح البشرى." لقد كانت المسرحية فى عصرها من المسرحيات الناجحة المحبوبة وما الحالة المشوشة التى عليها النص سوى الضريبة التى دفعتها المسرحية جريا وراء الأذواق المتغيرة للجماهير المتعددة وللزج فيها بموضوعات جديدة. ففى عهد مارلو لم يكن للمؤلف حقوق للتأليف ، وكلما لاقت المسرحية نجاحا وطال عرضها لفرقة من الفرق ، كان من المحتمل أن تعانى من عملية إعادة الصياغة والإضافات إليها. أما اليوم فإن مسرحية الدكتور فاوستس تقرأ وتدرس بإعتبارها من أحسن مسرحيات عصرها وكل عصر. ومع ذلك قلّما يعاد إحياؤها على المسرح. ويبدو أن هذا مبرر كاف لعرض المسرحية بغض النظر عن الوسيط الذى يقدمها حتى تتاح للجمهور رؤية عرض العمل وتقييمه فنىا وتقييمه قد لا يعرفونه بوسيلة أخرى غير النص المكتوب . وعلى الأقل فإن مثل هذا العرض عن طريق العرائس قد يكون بمثابة طريقة تعليمية مفيدة" وفضلا على ما تقدم فمن أساس إختياره لإخراج هذا النص هو أن أصول قصة فاوستس تكمن فى الأدب الشعبى القديم. وكانت دائماً شائعة محبوبة فى ألمانيا بالذات" ، " وأنه فى ذلك البلد نجد أن القصة ترتبط إرتباطا تقليديا بالعرائس ، فهناك نسخة شعبية من المسرحية نجدها دائما فى عروض أساتذة العرائيس الألمان لقرون عدة. وفى هذه العروض يسمحون للعنصر الكوميدى بأن تكون له الأسبقية على العنصر التراجيدى" 4 وبقدر ما تأثرت رؤية "أرنوت" بالعرائس وسيطا للفرجة المسرحية فى عرضه لفاوستس ، كان تأثر "مارلو" فى العصر الاليزابيثى بما تضمنته القصة الألمانية وعروضها العرائسية التى استلهم منها نصه المسرحى " فمن مثل هذه العروض استوحى وحيه ليكتب عمله الضخم الهائل فاوستس" ولما كان من الطبيعى بالنسبة للمخرج أو للسينوجراف بالإتفاق مع المخرج المسرحى لأى عرض أن يتخبر وسائطه لتحقيق عنصر الفرجة المسرحية ، لذا يؤكد "أرنوت " 5 على هذه المسألة فيقول : " لا بد من وجود تعاطف كامن بين المادة الفنية و(بين) ما استخدمه من وسيط ، أى العرائس ، وهى الوسيط الذى يمكن إستخدامه فى صالح مسرحية مارلو." وبنظرة واحدة إلى فن العرائس الذى استخدمها أرنوت وسيطا فنيا لتجسيد عالم الشياطين فى مسرحية مارلو تلك سنتحقق من مدى توفيقه فى إختيار المادة المتوافقة مع عالم الشياطين والجن وجو السحر والشعوذة وعالم الخوارق والمستحيلات " إذ نجد فى رواية مارلو على المستوى الجاد (العديد) الكثير من التوسلات للشياطين – نجد ميفستوفليس نفسه والأرواح التى يجلبها فيما بعد ميفستوفليس ولوسيفر وبيلزبوب أشباح هيلين فروادة والإسكندر الأكبر وعشيقته ومشهد الخطايا السبع المميتة . أما على المستوى شبه الجاد أو الكوميدى فإننا نجد الشياطين التى يجلبها فاجز ليخيف بها المهرج وبين ورالف بكتابهم المسحور كما نجد المأدبة التى يبتلى فيها فاورش غير المرئى البابا والكاردنيال بالكوارث ، وكذلك فارس الخيل وحادثة رجل فاورش التى يمكن فصلها عن جسمه وغيرها." 6 ويؤكد أن وسائد الفرجة لا بد أن تخلق صورة مرئية تعادل الموضوع " هذا السحر فى مسرحية مارلو ليس مجرد إضافة للزخرف ، وليس مجرد عرض لحيل حاذقة أضيف حتى تكتسب الشعبية ، بل هو جزء لا يتجزأ من فكر المسرحية . فقد كتبت مسرحية الدكتور فاوست لجمهور يؤمن بإمكانيات السحر والكيمياء ، جمهور كان يقتنع بوجود شيطان مجسد – وربما لم يكن إقتناعه هذا (بنفس) إقتناع أجداده من العصور الوسطى ، غير أن هذا الإيمان كان قائما." ويضيف أرنوت ضرورة إقتناع الجمهور بفكرة الشياطين حتى يؤثر الوسيط الفنى الذى استخدمه السينوجراف والمخرج كلاهما فى تجسيد صور الشياطين : " فالجمهور يجب أن يقتنع بعالم توجد فيه مثل هذه الأشياء ، وذلك قبل أن تكمل المسرحية معناها ومشاهدها . وإذا لم نأخذ ميفستوفليس مأخذ الجد فلا يمكننا بالتالى أن نأخذ إتفاق فاورش معه مأخذ الجد "7 الفرجة بين التجسد التخيلى والتجسيد المادى:
لا من من التفرق بين حالة العرض المسرحى الكلاسيكى ( مأساة الدكتور فاوستس) فى عصر ما قبل إختراع الوسائط الحديثة والمتعددة وعصر الوسائط المتعددة ، ذلك أن صور السحر والشياطين والأرواح عن طريق التمثيل البشرى ، لم تكن مؤثرة فى الجمهور تأثيرا يقنعها بأنها ترى صور الأواح أو الشياطين حقيقة وهنا كان لا بد من يساعد خيال المتفرج على تصور هيئة الروح أو الشبح أو الشيطان تصورا ذهنيا . والحال نفسه فى المواقف التى تتراءى فيها الأشباح ليوليوس قيصر فى مسرحية شكسبير أو يتراءى فيها لهاملت شبح والده أو تتراءى الساحرات لماكبث عند شكسبير أو شبح والد أوديب فى مسرحية أوديب لسينيكا. يقول أرنوت عن مرض فاوبست " فالموضوع الرئيسى الرجل يتعدى حدود قدراته ويبعثر تلك الهبات التى دفع روحه ثمنا لها ، هذا الموضوع لا يزال له مغزاه ومعناه . غير أن تأثيره يزداد قوة إذا كان ميفستوفليس بالنسبة للمشاهدين حقيقة حية ، مثله مثل فاوست تماما. فمسرحية ماكبث لا تفقد الكثير إذا استبعدنا منها الساحرات ، أما مسرحية فاوست فستفقد كل شئ إذا حذفنا منها العنصر الشيطانى. واذا كان مشاهدو عصر إليزابث متعاطفين رؤفين بإمكانيات الخدع المسرحية ، فالسحر يمكن تقديمه لهم على المسرح بالقليل من الوسائل الآلية البسيطة ، وكانوا يصدقونه ويؤمنون به ، ولم يكونوا يطالبون بواقعية كاملة ، فما أن ينوه إليهم بشئ حتى يكمله خيالهم . وهذا لا يعنى أن مشاهدى مارلو كانوا سذجا ، فهم بالتأكيد لم يكونوا كذلك ، ولكن كانت لهم نظرة مختلفة تجاه ما يشاهدونه على المسرح وتجاه ما يتوقفونه منه. وكان فى إمكان مارلو من غير أن يجهد إمكانيات مسرحه إجهادا زائدا عن الحد أن يخلق عالما شيطانيا مقنعا كل الإقناع. وهذا لم يعد الآن بالأمر السهل " 8 وهنا لا بد من ملاحظة أن للتجسد الخيالى للشئ عن طريق التصور الذهنى أثره المتغير والمتعدد والمتنوع ما بين ذهن متفرج وذهن متفرج غيره من مجموع المتفرجين على حدث جمع عددا من الشياطين أو الأرواح أو الأشباح وعن طريق التصوير التجسيدى المادى لتلك الأرواح أو الأشباح ، التى تحددت صورتها أمام عيون المتفرجين تحديدا ماديا مجسما . هذا بالإضافة إلى ما للتجسيد والتجسيم من عيوب أو سلبيات خاصة بطريقة التنفيذ . وهذا ما يلاحظه أرنوت نفسه على تنفيذ وسائط عرضه المسرحى نفسه من إنتقاد وجه لطيران (فالكيرات فاجز) الشبحية " وهى معلقة على أسلاك فى الهواء لم يكن عيبها أنها ظاهرة للمشاهدين فحسب ، بل إنها كانت أميل إلى الفشل من الناحية الميكانيكية فضلا على ارتفاع حاسة المشاهد المعاصر النقدية حيث أن هذا المشاهد بعد أن رأى وحوش الماضى والحاضر وهوام المستقبل التى تقدمها لنا الروايات العلمية وتحققها لنا الكاميرا ، سيكون أقل تأثرا بالثعبان المسرحى الذى يتصارع مع تامينو فى بداية مسرحية الناى المسحور9 ويضيف أرنوت معلقا " وإذا كانت التأثيرات قد نفذت بطريقة سيئة فهى لن تأتينا بالإقناع . أما إذا نفذت بطريقة جيدة فيحتمل أن يضيّع المشاهد وقتا طويلا فى التفكير فى كيفية تنفيذها ، حتى إنه ينسى المسرحية." 10 و يؤكد رأي آرنوت هذا ؛ ما لاحظته بنفسي 11 أيضا فى مآخذي النقدي على سينوجرافيا عرض مسرحية (الزلزال) 11-12 حيث انبهر الجمهور بسينوجرافيا العرض والمكان كله يتأرجح فى الهواء ومناطق من حوائط الغرفة تتساقط وأفراد الأسرة يتطوحون يمينا وشمالا مع حركة تأرجح كل شئ ، بفعل الزلزال أو الهزة الأرضية القوية ، وبذلك انشغل الجمهور عن موضوع المسرحية وفي بحث لي عن الإرتباك في الفنون تحدثت 13 عما أسميته بالإرتباك فى العرض المسرحي مع تطبيق علي عرض ( الزلزال) إخراج جلال الشرقاوى لمسرحية (الزلزال) لمصطفى محمود ، وهى مسرحية ذهنية تأسست على حدوث تجربة تفجير نووى تجري فى صحراء قريبة من منطقة سكنية آمنة ؛ زلزلت البيوت مما ظن معه أهالى المنطقة أنه زلزال . حيث توقفت عند مواطن الارتباك فى إخراج جلال الشرقاوىلها . وهو حادث فى الأسلوب الفنى المغاير تمام المغايرة للأسلوب الدرامي للنص من ناحية ، وفى آليات تجسيد الصورة المسرحية للحدث الرئيسى عن طريق (الديكور) وحركة الممثلين بعد توقف حدث الزلزال. فمن ناحية الأسلوب فإن المسرحية فكرية ذهنية والقاعدة المعروفة عند إخراج نص فكرى أو ذهنى أن يجرد العرض فى الأداء وفى الأزياء وفى المناظر والملحقات – وهذا ما يتبع عالميا مع المسرحيات الذهنية وذات الطابع الفلسفى- غير أن الفنان جلال الشرقاوى قد أخرجها اخراجا طبيعيا ، يعنى بالتفصيلات الجزئية فى المنظر وفى الحركة ، فأقام ديكورا كاملا (بانوهات كاملة ومركبة لغرفة معيشة ، حوائط وأريكة تركية الطراز وثريا مدلاة من سقف الغرفة. وقبل حدوث الهزة الأرضية (الزلزال) كانت والدة البطل (سيدة الدار) تجلس قاعدة على الأريكة وظهرها مستندا إلى حائط الخلفية فى مواجهة الجمهور ، لكن بعد حدوث الزلزال وتأرجح خشبة المسرح بالمنظر كله ؛ وترتج إرتجاجا عظيما تقع على إثره بعض جوانب فى حوائط الغرفة و تتثقب الحائك وتظهر فجوة في خلفية الأريكة ؛ يخرج اللهب من بعض ثغرتها الكبيرة خلف الأريكة مباشرة ، ومع ذلك تعود الأم للجلوس فى مكانها الأول نفسه والنار تخرج من خلفها دون أن تمسها بأى سوء - حتى ظننت أنها (ابراهيم الكليم) – وذلك هو عين الإرتباك أولا في رسم ميزانسين حركة الممثلة . والإرتباك فى آليات التجسيد ثانيا .. وتدللا على إرتباك رؤية التصميم السنيوجرافى للعرض ولآليات تجسيده " كما أن الثريا كان محتما سقوطها ما دام الزلزال هدم حوائط البيت ، وباعتبار أثره يطال السقف ومعلقاته أول ما يطال !! ولكنها مع ذلك لم تهتز هزة واحدة !! وهذا عجيب ، والأعجب منه أن الجمهور استمتع دون أن يلحظ ما لاحظته ؛ فجعلنى ارفع عقيرتى – بدافع حرقاني مراهق- فى أثناء العرض (النجفة لم تتحرك) مما لفت انتباه الجمهور . فالإبهار أو شكلانية الصورة ، غطت على موضوعاتها حيث خشبة المسرح تتأرجح كلها لأن المنظر مثبت على طبلية : منصة بعرض خشبة المسرح ومتصلة من جوانبها الأربعة بحبال مختفية ، يرفعها العمال نحو أعلى بضع سنتيمترات ، ومع فتح شناكل لتكوينات (تفريغات فى الحوائط على هيئة كسور وثغرات وحزم إضاءة حمراء تتقاطع فى دخولها من تلك الفتحات فى حوائط الديكور مع دفعات من هواء المراوح الجانبية تدخل حزمة الضوء الأحمر متقطعة) ، فتحدث حالة الإبهام عند الجمهور بأن نارا تخرج من خلف الحوائط إلى داخل الغرفة من الثغرات – ومع ذلك لم تحترق (ألحاجة) ست البيت ولم تتململ فى جلستها على الأريكة" 14 الفرجة بين المؤلف والمخرج: تختلف الفرجة عبر الصورة المسرحية الحوارية والصورة المسرحية فى لغة غير كلامية ، فعرض مسرحية (جلسة سرية) لسارتر التى عرضتها فرقة ألمانية ضمن فعاليات المسرح التجريبى فى دورته الأولى 1988 اعتمادا على لغة الجسد ، دون كلمة واحدة ، لا شك نصل دلالتها الدرامية لمتفرجيها فى ذلك العرض متعددة بتعدد المتفرجين ، بمعنى وجود دلالة خاصة للعرض عدد كل من شاهد العرض ، وهو أمر مغاير مغايرة كلية عند متفرجيها حالة عرضها عرضا يعتمد على لغة الحوار كما وضعها سارتر تحقيقا لفكرة وجودية تصب فى صلب فلسفته الوجودية المادية ، وهى فكرة (الجحيم هو الآخر) لأنه يحول بشكل ما بين (الأنا : الذات) وتحقيق إرادتها بالحرية التى نراها ، لأن الآخر يريد تحقيق إرادته أيضا بالحرية التى يراها ، لذا يصبح كل منهما جحيما لغيره. لم يخرج العرض المسرحى التجريبى الألمانى عن فكرة نص سارتر المسرحى ولكنه يحققها بلغة الجسد ، مستبعدا لغة الحوار الكلامى اللفظى .. فعرض المسرحية بلغة الجسد وعرضها بلغة الحوار يؤكد مسألة استحالة الحياة على أى منا فى الحياة دون توافق الإرادات أو تفاهمها ، لذا نجد فى العرض كما فى النص صعوبة الحياة على أناس لا تفاهم بينهم على ما يريدون غير أن العرض فى مسرح الصورة عنه فى مسرح الحوار هو أن " خطاب الممثل فى مسرح الصورة حركى ، إيمائى يفجر طاقات الجسد التعبيرية" 15 وقد حلت لغة غير كلامية محل اللغة الكلامية ، ولأن كان العرض فى مسرح الصورة يستبعد العرض فى مسرح الصورة أى عنصر من العناصر النبائية التى تستخدم عادة فى العرض المسرحى التقليدى" 16 .. إلا أن هذا العرض لم يستبعد الشخصيات ، وإلا فكيف يكون عرضا دراميا لذلك نجد الشخصيات الثلاث (الصحافى والفتاة والمرأة الشاذة) مشتبكين إشتباك الأنا فى كل منهم فى نظرته المتبادلة ببعضهم بعضا كل منهما يمثل الآخر بالنسبة له ************************** خلاصة الفصل الأول
انتهى هذا الفصل فيما تناول من قضايا متعلقة بمفهوم الفرجة واشكالها وعناصر وتنوع صورها ما بين معالجة درامية فى النص المسرحى المؤلف ومعالجة تجسيدية أدائية وفق روية سينوجرافية متوافقة مع رؤية المخرج أو متخالفة معها وما من رؤية تابعة لاسلوب فنى ما مغاير لأسلوب كتابة النص أو مغايرة لدلالة النص موضوع العرض ، وأكد هذه النتيجة بتحليل للصورة السينوجرافية فى المعادلة للنص فى عرض مسرحية الجحيم لجان بول سارتر ، لفرقة مسرحية ألمانية شاركت بعرضها ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى عام 1988 وقد إعتمد الفصل منهجيا على عدد من المحاور الفرعية على النحو الآتى: استعراض الدراسات السابقة التى تعرض لموضوع الفرجة المسرحية
مصطلحات محكمة – أهمية البحث – الفرجة لغويا الفرجة اصطلاحيا اصطلاح الفرجة مسرحيا الفرجة بين فكر المؤلف وفكر المخرج وفكر السينوجراف *************************** الهامش
1. بيتر د. أرنوب ، مسرحيات بلا ممثلين ، ترجمة : الفريد ميخائيل ، القاهرة ، مكتبة النهضة ، يوليو 1970 ، ص127 2. كريستوفر مارلو ، مأساة الدكتور فلوستس ، سلسلة (روائع المسرح العالمى) ، القاهرة 3. بيتر د. أرنوت ، نفسه ص124 4. أرنوت ، نفسه/ ص ص124-125 5. نفسه ، ص125 6. أرنوت ، نفسه ، ص125 7. نفسه، ص126 8. المرجع ، نفسه ، ص127 9. نفسه ، ص128 10. نفسه ص128 11. العرض من تأليف الدكتور مصطفى محمود وإخراج جلال الشرقاوى وإنتاج فرقة المسرح الحديث بمصر عام 1968 . 12. راجع د. أبو الحسن سلام ، المخرج المسرحى وتعدد قراءة النص الاسكندرية ، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر 2004 13. نفسه ص123 14. د. أبو الحسن سلام ، المرجع السابق ، نفسه ، ص126 15. د. جميل حمداوى مسرح الصورة بين التنظير والتطبيق (مسرحنا) ع 10- 11 من اكتوبر 2010 ص 29 16. نفسه ص28
الصورة والتصور بين التعبير الدرامى المسرحى والتعبير الدرامى التلفزيونى
من المقطوع به أن لكل صورة فنية أسلوبا ما ، أى طريقة تعبير ما سواء باعتبارها تعبيرا فنيا دراميا أو تشكيليا أو حركيا أو موسيقيا مرئيا كان أم كان سمعيا من حيث الإرسال والتلقى. فالصورة المسرحية بوصفها تعبيرا دراميا تتضافر فيه الصورة الحركية المرئية مع الصورة الصوتية المسموعة فى حالة من التوحد المكانى والزمانى لا تتحقق تجسيدا أو تشخصيا بغير أسلوب إلا فى المنتج الإبداعى اللاشكلى . وهى فى هذه الحالة الأخيرة تتأسلب بما هو غير مقنن من الأساليب – أى لا تدخل بعد فى إطار الأساليب الفنية المستقرة فى مجال الآداب والفنون بوصفها ابتداع جديد غير مسبوق – وإذا كان "الأسلوب هو طريقة التفكير والتصوير والتعبير" 1 وهو " النظام والحركة التى سيضعها المرء لأفكاره" 2 فمعنى ذلك من جهة نظر د. أبو الحسن سلام أنه " إلتزام المبدع مصورا كان أم كان أديبا شاعرا أو روائيا أو كاتبا أو مخرجا مسرحيا أو سينمائيا أو تليفزيونيا أو مصمما لفن من فنون التشكيل بالصورة أو بالتمثال أو بالرقص أو بالموسيقى والغناء أو فنون الشاشة الفضية بوضع تصور سابق على الشروق فى تخليق صورته الفنية التعبيرية أو الدرامية أو التشكيلية أو الموسيقية والتصور إعمال ذهنى يلعب فيه الخيال الدور الرئيسى جنبا إلى جنب مع الإدراك العقلى والتدفق الوجدانى 3 على أن هذا الإعمال الذهنى وصولا إلى التصور السابق على تحليق الصورة الفنية أو الأدبية هو مزية ذاتية تختلف وتتباين وتتنوع تبعا لذاتية المبدع أولا سواء فى النص أو اللوحة أو اللحن أو الدراما الأدائية مسرحا او سينما أو تلفزيونيا فى تضافرها المتوائم مع المعطيات الموضوعية التى تحيط به مناخا أو بيئة. وقيمة التصور فى تحققه تجسيدا أو تشخيصا على هيئة نص أو لوحة او تمثال أو عرض سينمائى أو مسرحى أو تليفزيونى أو موسيقى ، ولكى يتحقق لا بد له من أسس يبنى عليها ، منها العام الإطارى المتصل بكل منتج إبداعى أدبى أو فنى ، ومنها ما هو خاص بكل حالة من حالات الإبداع ، فالقصيدة غير القصة وغير الرواية والمسرحية غيرهما والسيناريو السينمائى والتلفزيونى واللوحة والأغنية والأوبريت والأوبرا وفن التماثيل والمنحوتات والجداريات ، لكل فن منها أسسه التى تحقق أسلوبه الدال على هوية الإنتماء لمدرسة فنية أو أدبية بعينها ولفنان أو أديب بعينه ومن الأسس الإطارية للإسلوب هناك شروط ثلاثة يضعها "بيفون " 4 طلبا لنبل الأسلوب وهى: • ضرورة الدقة والرقة والذوق فى إختيار التعبيرات والعناية بتسمية الأشياء بأكثر الأسماء شمولا لصفاتها الأساسية. • القواعد التى لا تحل محل الموهبة • التناسق لا يتعلق إلا بحساسية الأذن في التعبير المسموع وحساسية العين بإزاء التعبير المرئي . ومن الأمثلة على نبل الأسلوب يتساءل د. الجوينى سمو الأسلوب يقول: "يوصف أسلوب شكسبير بأنه أسلوب فيه سمو لماذا؟! " ويجيب عن ذلك فيقول:" لأنه يعبر عن موضوعات عظيمة فى التاريخ بالشعر والفلسفة ، لأنه يعبر عن الإنسان والطبيعة ، فالفلسفة تصف الطبيعة وتصورها . والشعر يصورها ويزخرفها ويصور الناس أيضا ويمجدهم ، ويبالغ فى أوصافهم ، ويخلق الأبطال والآلهة والتاريخ لا يصور سوء الناس ، يصورهم كما هم 5
الهوامش:
1- بيفون ، مقتبس فى د. مصطفى الجوينى ، المعانى – علم الأسلوب – الإسكندرية ، دار المعارف الجامعية 1996 ، ص ص167-168 2- د. مصطفى الجوينى ، المرجع نفسه ، ص172 3-د.أبو الحسن سلام ، محاضرات الدراسات العليا لدرجة الماجستير ، مناهج التمثيل والإخراج ، قسم المسرح – كلية الآداب بجامعة الإسكندرية 2008 4-بيفون ، مقتبس فى د. مصطفى الجوينى ، مرجع سابق ذكره ، ص178 5-د. الجرينى ، نفسه ص181
لصورة بين التصور والتصوير:
التصور تخيل افتراضى استباقا افتراضيا لحدث مرغوب حدوثه.. " والفعل فيه غير مباشر أحيانا ، ربما كان قد وقع فى الماضى ويعاد تجسيده أو عرضه عبر تصوره وعبر الاسترجاع FLASH BACK" أو انه تخيل لتجسيد مباشر خلال الفعل الواقع فى التحضير للشخصية سواء شروع الكاتب في رسمها في النص أوفي أثناء تحضير الممقل لشخصية الدور الذي سيلغبه أو حالة تهيئة المخرج لرؤيته في استعادة خطاب المؤلف أو تفسيره أو تأويله وملء فجواته . يقول د.أبو الحسن سلام مفرقا بين التصور والفعل:" فإذا كان التصور هو ما سيحدث أو ما يتوقع أن يحدث مستقبليا وكان الفعل هو ما حدث ومضى أو ما يحدث الآن فى الحاضر المباشر وما زال ، إلا أن وسيلة التصور – أيضا- والفكر المنطوق بالكلمات والأقوال أو بالحركات الظاهرية فى حالة الفعل ، لأن تشكيل الفعل يتوسل بالكلمات والحركة معا . ذلك أن " الأشياء التى تحدث فى المسرحية غالبا ما يكون لها تأثير وقع الأشياء التى تقال ، حقا إن الحركة أعلى صوتا من الحوار نفسه"
الهوامش : الفرجة بين الأيقونة ونوستالجيا التحول : " ومع التحليل المنهجى لا يكون سوى الحياد العلمى الموضوعى الذى يكشف عن المكونات فى كيفية وجود الصورة أو الظاهرة وسببية وجودها على النحو الذى وجدت عليه وما يراد بها تخفيفه على المستوى المعنوى أو الفكرى وهو تحليل لا ينفصل فيه الشكل عن المحتوى ولا يجتزئ منه جزء أو فقرة أو صورة أو لفظة من سياق الحدث ككل." وفي رأييسبق لي قلت: " ليس ترويجا للبذاءة أو لأدب الجنس" النص المسرحى والصورة الوصفية المباشرة: "سليمان الحلبى : فحتى القاضى يبيت عمره فى قلق وكرسيه هو حقل الشوك. إلاّ أن ذلك الخبيث على فرسه هناك تدق له الطبول العالية ، وينظر حواليه فى تؤدب وبلا ضغينة .. وإن يضرب فبعلم .. ثم لا يتساقط عليه الصواعق" (الفريد فرج –سليمان الحلبى ط2 القاهرة .. دار الكاتب العربى للطباعة والنشر ف3 (1969/ص142" "سليمان (سليمان وحده فوق تل خرب) هذا مكان مرتفع خرب جدا استطيع ان أرى منه القاهرة كلها.. ياه ! ما أعظمها وما أتعسها ! وطنى ومنبت أفكارى وآمالى والقلب النابض لأولاد العرب" الفرجة وحالة التمسرح داخل المسرح: فى مشهد سليمان والأقنعة التى يبدلها ( فى إطلال جامع الحاكم بأمر الله.. سليمان يقرأ كتابا بيده بين الأعمدة ، محمد يبحث عنه) محمد: سليمان.. سليمان.! سليمان: شش.. محمد : ما الخبر؟ سليمان: صانع المسخرة محمد: وما شأننا به؟ سليمان: كل الشأن ..أرنى بضاعتك يامعلم
تتحقق فرجة التمسرح داخل المسرح " سليمان: انظر إلى هذا الرجل يصنع للناس وجوها غير وجوههم . وفى الوقت الذى لا يملك فيه الإنسان بطاقته المحدودة إلاّ أن يتظاهر بالسعادة وحده ، يستطيع هذا الرجل بفرط مقدرته أن يرسم إبتسامات السعادة على وجوه جمع كبير من التعساء المرائى لا يملك إلا أن يغير وجهه هو ، فيبتسم وهو مغيظ أو تمثيل وهو يحتقر.. بينما هذا الرجل يستطيع وحده أن يمون مدينة كاملة بما يكفيها من الرياء عظيم. محروس: الله يحفظ.. هات البضاعة ومشينى محمد: تصفه كإنه رجل عبقرى. محروس: لا تشتم يا سيد.. الله " 2 ( يدخل محروس صانع أقنعة تنكرية يدفع عربة صغيرة عليها الأقنعة) محروس: لا وقت عندى.. فأنا ذاهب إلى الحفلة فى بيت سارى عسكر سليمان: اصنعت لهم وجوها؟ محروس: ما تحب سليمان: أرنى.. أرنى (يقلبها) محروس: ستفسدها محمد: دعه ياسليمان سليمان: ها ها ها .. بنات وشيوخ.. صعاليك وملوك..أصنعتها كلها وحدك؟! محروس: طبعا." سليمان محروس صانع الأقنعة: " سليمان: (فى قمة حيويته) فى المساء وأنت فى زحمة الشغل لمحت بطرف عينك استدارة القمر ، فهمس لك شيطانك بصوت ناعم (يلبس قناع ست الحسن): " آه.. قولى لى ياخالة.. لماذا قلبى يدق ، وتتثلج يداى ، ودموعى تنهمر؟. آه. لماذا لا أجد النوم رغم طول الرقاد؟ أيكون بى مرض ، أو حسد أو ركبنى عفريت.. أم هو ذلك الذى تسمونه.. الحب" (يضحك محمد ومحروس) محروس: عفريت يركبك.. الله يجازى شيطانك .. أنت أنس أم جن.؟" 3 مع أن حالة التمسرح تلك التى تتيحها الأقنعة لسليمان إلا أننا مع ذلك لا نعرف عن طريق العرض هل ما نص عليه بين الأقولس من أنه قناع ست الحسن – أو غيرها . قناعها حقا أم لا لأن الشخصية لا تذكر ذلك على لسانها أى لا تعرفنا بلسانها من تكون. فمعرفة رسم الذى يعبر عنه القناع بقراءة النص فحسب. "(يلاحقان سليمان وهو يدور حول الأعمدة ويبدو من جديد فى قناع قاطع الطريق) سليمان: مكانكما! وليشتر كل منكما روحه بما عليه من مال وثياب! اخلعا الخواتم والحلاليب والسراويل وكوّما كل شئ فوق أكياس النقود ، ثم اسجدا لله واطلبا لى المغرفة بإخلاص.. توسلا لدى الجلالة بالدموع ومن القلب ان يكتب لى جنة الخلد جزاء ما منحتكما الحياة ، وإلا (يخلع القناع) كان فتوة حارتكم مارا تحت شباكك فحدثتك نفسك أن تسخر منه بهذا القناع . محمد: اخفتنى الله؟ ازيك. محروس: تلبسته الشياطين ما أبرعه ! من يكون صاحبك؟ أهو ولى؟ ومع ذلك أحزنى الملعون "4 ولو راجعنا الموقف الذى تعرض له سليمان مع مجموعة القادمين إلى القاهرة من خارجها ، حيث عصابة حدابة الأعرج وقطعها الطريق على كل قادم لمن خارج القاهرة وسلبه ماله ومتعلقاته الشخصية ، لصح أن نقول إن هذا الموقف هو صورة استعادة مسرحيانية ستعيد لها سليمان ما حدث معه ومع غيره من القادمين على مشارف القاهرة حيث جردهم حداية الأعرج وعصايته من الأموال والملابس. وهكذا يتكرر تبديل سليمان للأقنعة فى حالة تشخيص على طريقة المسرح داخل المسرح: فها هو (ليس قناع الساحرة) " طرش طريوش ! انزلوا واحضروا !! بحق الأمير وجيوشه.. يا خدام هذه الأسماء.. بحق ما كشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد حديد .. اخرج صانع المسخرة من صورته فى الحال إلى صورة فرد فيخلص زوجته بلا نفقة !! هااها ثم ها هو فى (قناع الغولة) .. " لولا سلامك قبل كلامك لا قلت لحمك قبل عضامك!" .. (فى قناع تركى فقير) " حسنة لسيدك عبد الرحمن أنما يا ولد. آن ! نصف فضة ياسافل ياخرسيس يافلاح يا دون..!" (فى قناع الحمار ينهق ثم فى قناع البخيل يحصى نقوده بعيدا عن أعين الرقباء. ثم فى قناع الععجوز المتصابية) ويتوشلون إلى أن أتشوج ولكن بعدهم ! لا اتشوع إلا على كيفى. اسم البنى حارشنى هئ هئ هئ" وهكذا تتغير الصور على وجه سليمان مع تبديل الأقنعة ، وهى صور تتشارك فى صنعها الأقنعة والكلمات المعبرة عن شخصيتها على لسانه وفى حركته الجسمية ، وهنا يتحول القناع إلى روح إذ لم يصبح مجرد علامة أيقونية ، فهو يتحول من مجرد لونه قناعا إلى شخصية لها هويتها التى تتجسد فتصبح صفة أو رمزا أو معادا رمزيا لروح بشرية فالتشخيص هو الذى يسهم فى إنتاج الفرحة ليتحول القناع من مجرد أيقونة إلى روح ( فى قناع الشحاذ) " نهايتكم ياظلمة! الذى أعطانى حسنته سينجو. ومن لم يعطنى سيلقى جزاءه على المشنقة .. هنيئا للفرنسيس خبزكم إن لم أذقه ، وأدمكم أن لم أشارك فيه.. نهايتكم يا ظلمة! " 4 "محمد : عريت صانع الأقنعة من كل قناع.. ارحمه يا سليمان.. يرتعد.. سليمان: نعم . ولكنه لا يحب إلا هذا النوع .. فهو وجهه الحقيقي الذى سيقابل به الله.. (فى قناع المهرج) " اسمعوا ! اسمعوا! بنصف فضة يا أحباب أريكم العجب العجاب والسحر الحلاب ! اللعب المدهشة والمخاطرات المنعشة ، والحاضر يعلم الغائب .. أن آكلى النار والمسامير ، بدل الغول طعام الحمير ، بدل البصلة بعود جرجير طعام الفقر .. صاحب المغنى على كيفك ، والرقص فضلة خيرك ، والنكت والقفشات .. الماية بعود كرات ، الفقير إلى الله تعالى ، شبط ابن لعبط يبيع بضاعته بنصف فضة تمام والكريم لا يضام !" (يلقى قناع المهرج إلى محروس) خذ وجهك محروس: خذه أنت فهو أصلح لك. والله نزلت عنه لك عن طيب خاطر ورضا نفس أنت تستحقه. سليمان: إذا كنت تريد أن تكرمنى فاصنع وجهى واجعله عندك تذكارا .. فقد تحب أن تنظر إليه فيما بعد. محروس: سأفعل .. (يلم اشياءه) محمد : كنت حقيقيا فى كل وجه ! (بصوت عميق) ومع ذلك كنت أنا دائما : سليمان الحلبى 5!! فى تدريبات الطلاب على حرفية التمثيل يستخدم القناع ، حيث يكلف طلاب التمثيل على اختيار كل منهم لقناع ذى سمات معينة يقوم بوضعه على وجهه ويشخص دورا يتناسب مع سمات القناع مع تبديل الأقنعة ما بين طالب وآخر ، وفى كل مرة يبدل فيها الطالب قناعا يقوم بتشخيص سماته ، وهذه الطريقة يعيش الطالب خلال تمثيله حالة عزله عما حوله ، فيسكن القناع وتسكنه روح القناع ، وهى حالة أقرب إلى حالة الحنين المتصل للتحول إلى العديد من الشخصيات والأرواح ، وفى هذا الفعل يعيش الممثل حالة فرحة ذاتية والتذاد روحى لا تضاهيه لذة ما ومن ثم تتحقق مصداقية أدائه حيث توحده مع روح القناع الذى يخفى وجهه الحقيقى ويعطيه وجهه وحواسه التى تسكنه فيكشف فى كل مرة يغير فيها القناع عن هوية جديدة مغايرة ومتفردة وبذلك تتعدد هويات الممثل بتعدد هويات شخصيات الأقنعة ، وهو درس فى حرفية الممثل يجسد أسلوب (تركيز الإنتباه) الذى هو عنصر أساسى فى منهج تدريب الممثل وفق ستانيسلافسكى ومنهجه النفسى. الفرجة الإبهامية ونوستالجيا التحول: يشكل الحنين إلى التحول من حال قائم إلى حال مجرب من وقائع الماضى رغبة ملحة عند بعض الناس ، الذى يعيشون حالة من القلق من واقعهم ومقارنته بمحاسن يعتقدونها من ماضيهم تحرضهم على رفض الواقع الذى هم عليه ، ومحاول الخروج عليه ، والظهور بمظهر آخر مغاير ، حتى إذا ما تحقق لهم ذلك ، سرعان ما ينقلبون عليه ويندفعون دفعا داخليا إلى هجره أو الخروج عليه بحثا عن مظهر آخر أو وجه آخر يمنحهم روحا جديدة غير الروح التى تسكنهم وهذا لا يكون أمام كل منهم غير القناع الوهمى ، الذى يعطيه وجها جديدا غير وجهه وروحا جديدة غير روحه وسلوكا جديدا غير سلوكه ، وسواء استغرقت هذه الحالة من حالات التحول فترة وجيزة أو فترة قصيرة ، إلا أنها تعود به إلى حنين مكبوت لماض لم يحقق فيه رغبة أو صورة كانت مأمولة فى موقف أو لحظة من لحظات مسيرة حياته . وعبر رحلة تحوله من وراء القناع الوهمى الذى تلبسته روحه يتحقق له الإنفراج ويعيش حالة فرجة داخلية عبر إبهامه لنفسه. ولا شك أن الممثل المبدع يعيش حالة الحنين تلك فى كل دور يضطلع بإدائه ، الحنين إلى شخصية حلم بأن يكونها وكلما عايش حالة الحنين تلك كان صدقه الفنى وكانت لذته الحسية ، التى سرعان ما تنتقل إلى جمهور المتفرجين وإذا راجعنا فى الشخصيات المسرحية مثل تلك الحالة النوستالجية سنجد الكثير منها .. ولعل شخصية (على جناح التبريزى) لألفريد فرج خير مثال على تلك الشخصية النوستالجية التى تحن إلى مجتمع العدالة الإجتماعية المفتقدة فى مجتمعاتنا العربية ، ولذ يكشف لنا محاولة تحقيق المأمول الذى يفتقده مجتمعنا بالوهم والإبهام. "يدخل صواب وكأنه يحمل طبق النحاس" على: اسرع يا صواب فصاحبى جائع قفه: إتتنا .. إتتنا .. وسع الله عليك (صواب كأنه وضع الطبق أمامهما وقفه يعتذل ويشمر ساعديه..ما زال معصوب العينين) على : مد يدك يا صاحبى ولا تستح (كأنه يتناول شيئا فى فمه) الله ! (قفه يمد يده بمنتهى الثقة لا تصادف شيئا يحركها يمينا وشمالا فى نتيجة.. ووضع بيديه الإثنتين فى كل إتجاه .ثم رفع عصابته بسرعة فينفزع ويقفز .. مبتعدا وهو يرتعش) على: ما بالك؟ لا عليك رأسى قفه: (بحذر) لا شئ . غير أنى فى بعض الأحيان أرى اشباحا.. على: وماذا رأيت الساعة قفه: (يشب ويتطلع إلى حيث الطعام الموهوم بخوف) رأيت طعاما على: فتقدم وكل بالهناء والشفاء قفه: (جانبا) إن كان مجنونا وخالفته فربما حصل لى منه ضرر . أجاريه لعل بعد ذلك يأتى الطعام يخرم أمره ويتقدم من على وهو يبذل جهدا ليتغلب على خوفه) سيدى لا تؤاخذنى إن اضطربت ساعة رأيت الطعام ، فذلك من طول شوقى إليه. على: (يقبض على ذراعه) تعال اجلس هنا فى صدر السفرة ، واضرب بيدك فيما شئت من الأطباق لا تستح أنا اعلم ما أنت فيه من شد الجوع . انظر هذا الخبز وانظر بياضه..(كأنه يقدم له الخبز) قفه: (كأنه) يتناول الخبز وما يزال يقاوم خوفه ، الله ! احلف لك ياسيدى عمرى ما رأيت أحسن من بياض هذا الخبز (كأنه يقطع ويأكل) ولا ألذ من طعمه (جانبا) أماخبز! على: هذا يا صاحبى خبزته جارية كنت اشتريتها بخمسمائة دينار ذق من هذا الكباب الذى لا يوجد مثله فى طعام الملوك قفه (كأنه يأكل) صدقت.. والله مدهش على: كل يا ضيفى فأنت ضعيف ومحتاج إلى الأكل.. ذق هذه الفراخ المحشوة بالفستق.. قفه: (كأنه يذوق بدا يستمتع باللعبة) الله .. لا اله الا الله ! يا مولاه . هذا الطعام لا نظير له فى اللذة. (يفعل كأنه يلقمه) يا الله خذ هذا الصدر من يدى ولا ترده (جانبا) الولد خليع وظريق والله. ان كان غرضه يمازحنى أمازحه ليكافئنى بعدها (يصيح) الله الله !. على: أكثر وتلذذ ولا تستح .. أرأيت بالذمة أطيب من مرق هذه الأطباق.؟ قفه: عمره (يضحك وقد ذهب خوفه وغلبه مرحه) على: لولا براعة هذا الطباخ كنت طردته لأنه قليل الحياء ويخالفنى فى كل شئ. قفه: (يفعل كأنه تلتهم بهمجية أطعمة من مختلف الأطباق بعيدها وقريبها ويلتقط ما يتساقط من يديه ويمسح ما يتسرب من فمه أو على ملابسه.. الخ) حيا الله قلة حيائه على: كل ولا تقتصد قفه: (يتلوى على الأرض) آه يابطنى .. سيدى اكتفيت على: آن أوان الحلويات.. ياصواب الحلويات" 6 هكذا يفعل فعل الحنين إلى حياة نظيفة مريحة وكريم إلى انخراط الصرمانى (صانع الأحذية) المعدم إلى التعلق بالوهم ، حيث يعيش حالة مغايرة لما هو عليه ، حالة تحقق وانفراج لحنين مكبوت بحياة كريمة ، ولكن عبر قناع مجاراته أو تفاعله مع حالة الإبهام التى يعيشها التبريزى ، الذى تمكن من الباسه قناعا مناظرا لقناعه الوهمى. الأشباح وعناصر الفرجة المسرحية: [تتغير الإضاءة نحن فى مكان بلا معالم سال وشبح كليب على خلفية من سماء صافية كثيرة النجوم] يتناص موقف سالم مع شبح كليب مع موقف هاملت وشبه أبيه "سالم: لا شئ يرضيك؟ كليب: يرضينى ما يشفينى سالم: وما يشفيك؟ كليب: تحت عرش بقعة من دمى .. أغسلها بماء رائق. سالم: من لى بمياه البحار كلها أجمعها فى كفى.." 7 الفرجة فى مشاهد التناص المسرحى: خلال مشاهد التناص المسرحى تتولد الفرجة عند عدد من المتفرجين من ذوى الثقافة المسرحية ، القادرين على مقابلة المشهد أو الصورة المسرحية بصورة أو بموقف سابق من نص أو عرض مسرحى سابق ، وعندئذ يشعر ذلك المتفرج بنوع من الزهو ، والتباهى المضمر ، والتفوق على غيره غير القادر على المقاربة بين الموقف أو المشهد الذى يراه ومشهد متناص معه فى نص أو عصر سابق. ومن أمثلة ذلك توجد الكثير من الصور أو المواقف المسرحية المتناصة منها مشهد لقاء "اليمامة" وأخيها "هجرس" أعلى قبر ابيهما " كليب مصادفة ، دون أن يعرف أحدهما الآخر من حيث فى مسرحية (الزير سالم) لأفريد فرج8 حيث يتناص مع مشهد لقاء اليكترا وأخيها أورستس على قبر ابيهما " تتغير الإضاءة، يبرز من الخلف ضريح كليب ، يمامة وهجرس" يمامة: بس ! هجرس: (يلتفت) أينادينى أحد؟ اليمامة: هنا أيها الفارس .. اسرع هجرس: من انت؟ اليمامة : اسرع هجرس: ما الأمر؟ (يقترب) اليمامة : اختبئ (تجذبه لأسفل) شش (تدخل دورية الفرسان البكريين) هدرس: ذهبوا تعالى اليمامة: كن على حذر. هجرس: عم يبحثون؟ اليمامة: أجئت لزيارة الضريح ولا تعلم؟ هجرس: الحقيقة انى نجرد عابر سبيل و اعلم اليمامة: إذن لم يكن قصدك الضريح هجرس: لا اليمامة: انت غريب أيها الفارس. هجرس: وصلت الآن من بعيد هجرس: أليس لك أخ او عم..؟ اليمامة : لا ادرى هجرس: كيف لا تدرين؟ اليمامة: اختفى عمى منذ سبع سنين ، ويقولون ان لى اخا لم يظهر بعد ، طيف أرجوه هجرس: أهو مسافر؟ اليمامة: لا مختبئ حتى يشتد ساعده هجرس: لم ؟ اليمامة: سيقتلونه أن عثروا عليه. هجرس: من سيقتله؟ اليمامة: قاتل أبى .. يخافه لأنه صاحب الثأر هجرس: وأنك.. ألا ترعاك؟ اليمامة: ليس لى أم هجرس: ماتت؟؟ اليمامة: لا هجرس: وإذن؟! اليمامة: كيف تعرف بنت أمها؟ هجرس: كل بنت تعرف أمها التى ولدتها اليمامة: لو كنت أذكر أنى رأيت رحمها وأنا فيه.. فلعلى كنت أعرف أمى" اليمامة: ما أفظع أمى .. طالما قربت أخاها القاتل ودللته بينما كانت تكره عمى وتقصبه حتى تمكنت من إبعاده عن البيت فخلا الجو للقاتل لرتكب جريمته هجرس: ياللغدر! حين مات أبى أرسلتنى أمى إلى منجد ابن وائل وهو أمير عظيم وأب بمعنى الكلمة ليعلمنى الحكمة والفروسية . كانت تقول لى: أشتهى يا ولدى أن تكون سيد العرب كلهم عقلا وشجاعة، وأن تكون بارا ببنى جنسك" هجرس: لعلك تجدين فى الزوج عوضا يمامة: لا لا .. أتوسل إليك. فهم يريدون تزويجى قسرا هجرس: من؟ يمامة: خالى هجرس: ممن؟ يمامة: من ولده هجرس: تتزوجين ابن قاتل أبيك؟! يمامة: تصور؟! هجرس: جنون القسوة يمامة: نعم" تناص غير متآلف مع موقف البكترا وتزويج أمها كلمستز أو عشيقها ايجثوس من فلاح قسرا ، إمعانا فى إذلالها. هجرس: ارفض.. اصرخى بأعلى صوتك : لا ! يمامة: بعد سبع سنين من الإذلال ..لا توقد نارا فى الليل؟ 9 هجرس: ... انتظرى لحظة عمن تتكلمين؟ يمامة: خالى حارس هجرس: وأمك.. من تكون؟ يمامة: جليلة البكرية. هجرس: انتظرى لحظة.. أهذه من تصفينها بالقسوة؟؟ يمامة: نعم ايها الشاب.. أتعرفها؟ هجرس: تجنيت وأى جناية .. مجنونة تسكن مقبرة. يمامة: ما دهاك؟؟ هجرس: تتكلمين بهذا السفه عن أمى أيتها الضالة. يمامة: أمك؟؟ أجليلة بنت مرة؟؟ أمك أنت؟!! هجرس: وعمك من يكون؟! "يعتبر العرض داخل العرض أسلوبا كلاسيكيا عند المسرح الباروكى " لكى يكون لنا ضمير نقدى للعالم الذى نعيشه ان فكره وبناء مكان عن طريق السينوغرافيا لا تشهدان فقط على إختيارات مسرحية قوية تسمح بالهروب من اتفاقات عقيمة للنوع الغنائى من أجل إقامة مكان حى.. ولكنها تقترح تفسيرا حقيقيا لتشغيل مجتمعنا" [ نفسه ص238] " إن مهمتنا كفانين أن يكون لنا ردود أفعال ، ان تضع فى اعتبارنا الحاضر وإخراج موقف يعكس المجتمع" فجوات النص : " كل نص يحتوى على مساحة ضرورية تسمح لكل متفرج أن يترك المسرح وبرأسه أفكار ومشاعر وتأملات مختلفة جدا ومحفزة جدا" يقول : Sellats " أنا لا أملى ما يجب أن يكون أو لا يجب الشعور به ، إن دورى ليس فرص تفسير ولكن خلق مضمون حيث تكون المناقشة ممكنة" ويضيف " إن عمل اللغة الحركية رفض ايضا المغنيين الذين يجب أن يرسموا موضوعات فى المكان" ويري " إن المخرج المبدع يبنى تجانسا مسرحيا . وهذا التجانس يأخذ فى الإعتبار مضمون النصوص" "إن الكلمات أشكال مجردة يمكن تقطيعها ، وإعادة تكوينها وتكرارها وتحريكا وعن علاقة الصوت وملازمته للصورة يري أن "الصوتية وتوضيب الصور اللفظية فى علاقة بالصور الجسدية ومن هنا يقدم السينوغرافى سلسلة كبرى للمخرج من حيث تسهيل عملية تنظيم المكان وترتيبه وتنضيده وحلق شاعريته الجمالية ليأتى المخرج ليعطى إشاره الانطلاق للمشروع فى انجازه العمل من خلال تقديم وأبحاث المشهدية وتحويل ما هو مكتوب إلى ما هو بصرى جسدي وسينوغرافى ويمكن إعتبار السينوغرافى فى الحقيقة مخرجا مساعدا او مخرجا ثانيا للمخرج .. وإذا فشل السينوغرافى فى عمله وتزين الخشبة وتأثيثها مكانيا فإن هذا العمل سيؤتى لا ريب وسلبا على عملية الاخراج بشكل كلى" علاقة السينوغرافى بالمخرج: علاقة استقلالية – علاقة تنسيق تشاورية – علاقة تداخل وتقاطع. جميل حمداوى السينوفرافيا المسرحية وهى تعمل اساسا على فن التنسبق التشكيلى وتناغم العلاقات السمعية البصرية بين أجزاء العمل المسرحى. وقد يختلط مفهوم السينوغرافيا بالإخراج المسرحى. كما يختلط بمفهوم الديكور وبالمفاهيم الأخرى كالإضاءة والموسيقا والصوت والمكياج... ولكن يمكن إزالة اللبس إذا قلنا بأن السنوغرافيا فن شامل يسع كل المكونات اأخرى ، أى السينوغرافيا علم وفن يحوى جميع المكونات الأخرى ، التى تعرض على خشبة المسرح من ديكور وإضاءة وتشكيل وموسيقى وصوت ، أى أن السينوغرافيا كل والباقى اجزاء .. أما الإخراج فهو أشمل لكل المكونات السابقة من سينوغرافيا وديكور وتمثيل وهندسة الضوء والموسيقا ومن هنا فالسينوغرافى هو ذلك الشخص الذى يتقن علم وفن السينوغرافيا " لم يظهر مصطلح السينوغرافيا باعتباره علما وفنا يهتم بتنظيم المشاهد المسرحية والفضاء المسرحى إلا حديثا فى الخمسينيات من القرن الماضى ، وذلك فى مجموعة من الدول العربية" "يقدم خدمات حلى للمخرج حيث يساعد فى تزيين الخشبة المسرحية وزخرفتها وتعميرها وبنائها وتاثيث الركح الدرامى بالصور التشكيلية والصور الموسيقية مفهوم السينوجرافيا: تتكون السينوجرافيا من كلمتين مركبتين هما : السنيو بمعنى الصورة المشهدية ، وكلمة غرافيا بمعنى التصوير وبهاذ فالسينوغرافيا علم وفن يهتم بتأثيث الخشبة الركحية ويعنى أيضا بهندسة الفضاء المسرحى من خلال توفير هرمونية وانسجام متآلف بين ما هو سمعى وبصرى وحركى ومن ثم تحيل السينوغرافيا على ما هو سينمائى بصرى ومشهدى من جسد وديكور وإكسسوار وماكياج وأزياء وتشكيل و صوت وإضاءة .. وبالتالى تعتمد السينوغرافيا على عدة علوم وفنون متداخلة كفن لتشكيل وفن الماكياج والخياطة والنجارة والحدادة والموسيقا والكهرباء والسينوغرافيا والتمثيل ويعنى هذا أن السينوغرافيا فن شامل ومركب يقوم بدور هام فى إثراء الخشبة وإغناء العرض المسرحى والسعى من أجل تحقيق نجاحه وإبهام المتفرج. ويعنى هذا أن السينوغرافيا فن متكامل فى عناصره يقوم على نقل المجرد وتحويله إلى واقع عن طريق التجسيد وإعادة الخلق ومن ثم فالسينوغرافيا فى المسرح تعتمد على تحقيق رؤية متكاملة فى عناصر الإضاءة والصوت ( أو المؤثرات الموسيقية والغنائية) والديكور والملابس بالقدر نفسه المتكامل وتداخل جهده ومصمميها مع المخرج والمؤلف (وضع الممثلين أحيانا) لخلق قصاء خاص العرض ينقله من مجرد تجسيد النص إلى إعادة خلقه من جديد داخل رؤية تتشابك فيها الفنون التشكيلية مع الفنون المسرحية كما تركز السينوغرافيا على مجموعة من الصور السينمائية كالصورة الجسدية والصورة الضوئية والصورة التشكيلية والصورة اللفظية والصورة الرقمية والصورة السمعية الموسيقية والصورة الأيقونية ومن ثم فالسينوغرافيا هى عملية تطويع لحركة فن العمارة والمناظر والأزياء والماكياج والإضاءة والألوان والسمعيات ، كما دخلت على تشكيلات جسد الممثل.
الهوامش
1- الفريد فرج ، نفسه ف3 ، نفسه ص108 2- الفريد فرج ، سليمان الحلبى نفسه ، ص ف الثالث ص ص 96-97 3- الفريد فرج ، سليمان الحلبى ، نفسه ف3 ، ص ص98-99 4- الفريد ، نفسه ، ف3، ص ص98-99 5- نفسه ، ص ص101-102 6- الفريد فرج . على ضاح التبريزى وتابعه قفه.. القاهرة ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر والكاتب العربى للطباعة والنشر ، نوفمبر 1918 ص ص 14-16 7- الفريد فرج.. الزير سالم ، سلسلة مسرحيات عربية القاهرة ، وزارة الثقافة المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر ، دار الكاتب العربى للطباعة والنشر 1967 ص ص61-62 8- الفريد فرج ، الزير سالم ، نفسه ، الفصل الثالث ، ص108 9- نفسه ، ص ص114-115
الفرجة فى دراما السيرك الإستعراضية لا شك فى أن ما تحققه الفرجة من نجاح متقطع فى إجتذاب جمهور غفير فى سيرك الشمس الكندى الدرامية ، أو سيرك بانكوك أمر يؤكد أن الفرجة هى أساس تلك العروض .. تشكل الهدف الأساسى لتلك العروض ؛ ولا نعجب من ذلك ؛ فمع اشتمال العرض من تلك العروض الاستعراضية التى تبنى إطاريا على فكرة درامية ذات خط غير متشعب مستند غالبا على خيط أسطورى . على أن مثل هذا اللون من الفرجة ذات الصبغة الإستعراضية والملمح الإسطورى تستند إلى مفردات البيئة الآسيوية ومن أهمها استعراضات الأفيال فى تشكيلاتها الجمالية وزخارفها وإقامة العروض فى الحدائق وفى الأماكن المفتوحة المتسعة بين الخضرة والأشجار والأزهار ، فضلا على الأزياء الغريبة التصميمات والزاهية الألوان ، وتشكيلات الراقصين والممثلين والمغنيين على الأفيال أو بجوارها ، وخفى عدد من المؤديين على هيئة أزهار بديعة الألوان متناغمة مع الأشجار المنخفضة التى تغطى فضاء العرض الواسعة ، بما ينسجم فى ألوانها مع أغطية الرأس الملونة التى مصنوعة من أوراق ورود وأزهار رائعة الألوان تنسجم مع الأشجار التى أختبأ بينها المؤدون أو الراقصون . ومما يسمو بالصورة المسرحية وجود هياكل لقباب قصور آسيوية الطراز فى خلفية فضاء الصور المسرحية الإستعراضية المعروضة وما بينها من وسائل أو حبال تعليق ممتدة ومشدودو بين قبلة قصر وقبة قصر مجاور له ، إذ تتخذ وسائل لسباحة لاعبى الأكروبات من الجنسين بأزياء ملونة تكشف عن أجزاء من اجسادهم ، كما تفعل الإضاءة الملونة ببؤرها وتركيزاتها مع إنطلاق قذائف التشكيلات الضوئية للألعاب النارية التى تملأ فضاء السماء فى مكان العرض وفى ظل كل الوان الإستعراض وبهرجاتها وتنوع التشكيلات الأدائية وتزاحمها الجمالى المتناسق التكوينات الإستعراضية والأكروباتية للراقصيت والمؤدين من مغنيين وممثلين وموسيقيين يتشت نظر المتفرجين ، حيث تتوزع على تلك الصورة المسرحية ، إذ تلاحق جزئيات الصورة عندما تثبت تكويناتها لثوان معدودة ، بينما تضيع عن نظر المتفرج الكثير من التكوينات والصور الجزئية التى تشتمل عليها الصورة الكلية المجمعة فى فضاء مكان العرض خلال حركة مكوناتها المتغيرة تبعا لسرعة تدفقها الإيقاعى وتنوعها حركتها الإيقاعية فى مستوياتها المرئية أو فى مستوياتها المسموعة . ولذلك يلجأ الكثيرون من المتفرجون على مثل ذلك النوع من العروض إلى الحرص على حضور عروضها مرة بعد مرة ، إتجابا أو إنبهارا ورغبة فى الإستزادة من متعة الفرجة.
الفرجة بين مسرح الكلمة ومسرح الصورة: الكلام عن الفرجة المسرحية يحيل الباحث إلى الوقوف على مكونات عروض مسرح الصورة حيث النظر فى أهمية دور العلامات والرموز والإشارات والأيقونات 1 فى تكوين صورة العرض المسرحى والإنتباه إلى الصور البصرية والكورغرافية التى يكون لها مكانة الصدارة فى مثل تلك العروض على حساب اللغة والحوارات الأدبية التى أصبحت لها مكانة ثانوية ، فأصبحت عنصرا متمما للحركة والصورة ليس إلا 2 وحول التعريف بمفهوم مسرح الصورة يقول حمداوى3: " يعرف مسرح الصورة بأنه حزم من الشعر والفلسفة والتشكيل ، وبالتالى فهو مجموعة من المفردات البصرية ، التى تتحول بدورها إلى رموز وإشارات وأيقونات دالة تساهم فى خلق المعنى حسب مقاماتها السياقية ومستلزماتها التداولية وذلك عن طريق خلخلة أفق انتظار الراصد ، وتخييب توقعاته الجمالية .. وبمعنى آخر فمسرح الصورة هو مسرح تجريبى حداثى يستعمل الحركة والإيماءة والإشارة والرمز ، ويستعين بالرؤية البصرية عوضا عن إستعمال الكلمة والحوار كما فى المسرح الكلاسيكى. والمقصود من هذا أن المسرح الصورى يقوم على شبكة من التكوينات والأنسجة المركبة الغامضة المصممة بقصدية أو عفوية وفق إيقاع صورى لعلاقات شكلية متغيرة لا يهدف إلى إيصال معنى محدد ، كما فى المسرح التقليدى أو تثبيت ما يسمى ب التمركز المنطقى كما يقول الناقد .. سلطة النص وسلطة التشكيل فى المسرح: البنيوي جاك دريدا ، وإنما يقوم بإرسال مجموعة كبيرة من الإشارات والعلاقات والدالات إلى المتلقى عبر سياق وشفرة لتولد فى ذهنه مجموعة مذلولات .. ويستبعد العرض المسرحى التقليدى كما أنه يلغى قدر المستطع أى شكل من أشكال الحوار.. ويستعيض عنه بلغة الحركة والتكوين والإيماءة" ومن النماذج التطبيقية لهذا النوع من العروض عروض مثل الفراشة العذراء /موناليزا/ شهرزاد وعرض شهرزاد" 4 وهى عروض من مسرح الصورة الحداثى التى عرضتها فرقة الرقص المسرحى بدار الأوبرا المصرية ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى عبر عدد من دوراته المتتالية عرف مسرح الصورة على يد انتونان آرتو 5 ، حيث نظرّ لهذا اللون من المسرح فى كتابه (لمسرح وقرينه) وفى ذلك الكتاب وكتابه الآخر (مسرح القسوة) يسعى آرتو إلى تحرير المسرح من الحوارات الأدبية الطويلة التى تعيي الرؤية وتنتهك الزمن – بتعبير د.صلاح القصب – " يتشكل مسرح الصورة جدليا بتضافر خلاق بين أربعة فنون إنسانية عريقة ، هى الشعر والرسم والدراما ثم السينما" 6 "فمع أنه ينحدر من عائلة الدراما إلا أن اصوله العميقة تكمن فى ثلاثة جذور غير درامية بالمعنى المسرحى ، أسهم كل منها بدور معين فى تكوين مسرح الصورة ، أما الرسم والفن التشكيلى عموما فهو الجذر الثانى لمسرح الصورة وقد بلغ ذروة عطائه لمسخ الصورة فى الفن الفوتوغرافى.. أما السينما فهى الجذر الذى يعطى للضرورة ضرورتها" 7 يعتمد مسرح الصورة إلى جانب الشعر على المرجع التشكيلى الذى يساهم فى توليد الصورة البصرية وتحويلها إلى اشعاعات ذهنية وفنية وجمالية ، لذلك نرى أن الحاجة لظهور المرجع التشكيلى ازدادات مع ازدياد أهمية هذا الفن فى مسرح الحياة الثقافية والفنية للقرن العشرين ، وبدأت القرائن تزداد بين تقنيات الرسم والشعر والمسرح. ساهمت السينما فى تطوير الصورة المسرحية وإغنائها فنيا وجماليا ، وذلك بسبب احتوائها على الرموز التشكيلية فى الرسم وفى فن التمثال والرموز الدرامية . وإثراء المسرح بالصور الفوتوغرافية توليفا وتقطيعا وتخصيريا وتوليدا يستعين مسرح الصورة كذلك بالسحر والحلم والرموز السينمائية والطقوس والشعائر والميثولوجيا والانثروبولوجيا فى توظيف لونى وتشكيلى يميل إلى بدائية الفنون وهذا ما يؤكد عليه كل من جروتوفسكى وبروك وشانيا وغيرهم الفنانين التشكيليين البولنديين الذين تحولوا إلى الإخراج المسرحى فاخرجوا العرض المسرحى من دائرة العقم التخييلى والركود الإيقاعى البصرى.
الهوامش:
1- د.جميل حمداوى "مسرح الصورة بين التنظير والتطبيق" (مسرحنا) ع160 .. 11 اكتوبر 2010 ، القاهرة ، وزارة الثقافة المصرية ، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2010 ص28 2- المرجع السابق، نفسه ، ص28 3- نفسه 4- العروض الثلاثة من تصميم وليد عونى المخرج السينوجرافى واعداده واخراجه 5- انتونان آرتو، المسرح وقرينه ، ترجمة د.سامية أحمد أسعد القاهرة ، الانجلو المصرية 1973 6- د.جميل حمداوى ، مرجع سبق ذكره ص11 7- نفسه ، ص11
دور الفرجة فى اصطياد الحلم
يقول د. أبو الحسن سلام1 : للفرجة دور فاعل فى تمكين المبدع أولا والمتلقى ثانيا من اصطياد لحظة الحلم بواقع يومى جديد ، ومتفرد . وذلك إن تحقق يكون إنجازا فائق الأهمية ، لأنه يخرج الإبداع والتلقى من دائرة المألوف وتكراره الممل ويجدد حالة التواصل بين المتلقى وواقعه الحياتى اليومى ، ويجدد حالة التوصل بين الفنون والمجتمعات.
المخزون التراثى للفرجة يقول الشاعر زين العابدين فؤاد2 : " إننا – كلّ فى مجتمعه الثقافى – نرى أن تداخل جسم المعتقدات مع أساليب الحياة والتغيرات الطبيعية كلها مخزونة فى الأدب الشفاهى حيث يمكن أن تمر من جيل إلى آخر ، وبسبب التغيرات المذهلة فى المجتمعات العمرانية فإن القارة الإفريفية تصبح ثقافتها أكثر هامشية فى الإعلام وفى مجال العلاقات الدولية" ويقول د. ابو الحسن سلام3 " لا مضارة بلا عقل ، ولا عقل بلا فكر ، ولا فكر بلا روح ولا روح بلا عقيدة ، ولا عقيدة بلا إيمان ، ولا إيمان بلا مصداقية ، ولا مصداقية بلا اقتناع ، ولا اقتناع بلا إمتاع ، ولا إمتاع بلا فن .. وأضيف (ولا فن بلا فرجة). يقول سارتر4 " الإنسان الذى لا يملك ان يغير جلده فلا أقل من أن يمنحه والبريق والحياة سواء أكان هذا الجلد أبيض أم احمر أم اسود" وكثيرا من ألوان الفرجة فى الفن ما كان شكلا من أشكال البريق الذى يضفى على العمل الفنى ما يعينه على تغيير جلده وقليل منه ما عمل على أن يمنحه الحياة بحيث يتفاعل تفاعلا ممتعا ومؤثرا فى إقناع المتلقى بما يحمله المنتج الإبداعى نفسه من قيم فكرية أو إجتماعية أو إنسانية أو ما يحمله من أفكار فلسفية أو سياسية وربنا تكون أيديولوجية أيضا.
موت دانتون والفرجة فى عربة تشاولى المسرحية
ليس من الغريب أن يلجأ المخرج الألمانى روبرتو تشاولى إلى عرض نص مسرحى من كلاسيكيات المسرح الألمانى فوق عربة متجولة وهو نص (موت دانتون) الذى استلهمه الكاتب الألمانى جورج بوشنر من وقائع محاكمة (دانتون) وهو أحد أبرز أعضاء الثورة الفرنسية وإعدامه على أيدى رفقائه الذين قاموا بتصفية بعضهم بعضا تصفية جسدية . فتشاولى مخرج ينتمى إلى اتجاه تفكيك النصوص ، لكشف تناقض دلالتها ، جنبا إلى جنب مع تفكيك بنائها الدرامى ، بما يؤكد عدم توحده مع خطأ به الدرامى ويؤسس للفكرة الفلسفية التفكيكية التى تذهب إلى فكرة موت المؤلف وانتفاء دلالة عامة للنص ، على نحو ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسى الأمريكى " جاك دريدا" فى نظريته المعروفة بالإختلاف المرجأ حول الدلالة العام للمنتج الفكرى أو الإبداعى . وتشاولى نفسه يذهب إلى أن الفرجة المسرحية على عرض من العروض المسرحية هي أن الفرجة المسرحية على عرض من العروض المسرحية هى فرجة على إبداع عدد من المؤلفين مؤلف النص أحدهم ، فالمخرج مؤلف ثان والسينوجرافى مؤلف ثالث ومن قبلهما الدراما تورجى ، وتبعا لهذا الفهم فمن الطبيعى ان لا يعثر المتفرجون على نص المؤلف الأصلى ، ذلك تبعا للرؤى المتباينة لكل من الدراما تورجى والمخرج والسينوغراف ، تلك الرؤى التى تعكس بالضرورة هوية مبدعها ، والتى يكون على المخرج المسرحى لهذا اللون من العروض مهمة إعادة تنسيقها فى نسيق أو بناء الصورة المسرحية للنص. ومن الطبيعى والأمر هكذا أن يقوم العرض على عدد من الصور المتجاورة والمتشظية التى هى أشبه بواجهة زجاجية مهشمة لسيارة ما ، وحدات من نمائم زجاجية مختلفة الأشكال والأحجام متشابكة معا على هيئة كولاجية . وهنا لا تظهر الصورة المسرحية ظهورا مباشرا ، وإنما تبدو رؤية المشاهد لها رؤية جنابية تحقق المتعة البصرية (الفرحة) وتغلف المعنى بستائر شفافة مركبة تحول دون وصول معنى محدد ، إن كان هناك ثمة وجود لمعنى خلف تلك الستائر أو التوريات الدرامية والجمالية لتلك الصورة المسرحية المهشمة أو المتشظية وإذا كان لروبرت تشاولى أو غيره من المخرجين أن يجرب فى عرض ذلك النص المستند إلى واقعة تاريخية بعينها ، بأن يعرضها على عربة جوالة يجرها الممثلون بدلا من الخيول أو الدواب ، وبعد توقفهم بها فى ساحة عامة أو فى حلبة سيرك كسيرك الشمس الكندى – مثلا – أو على خشبة المسرح ، تفتح أبواب جانبية فى العربة ويسقط درج صغير من وسطها نحو الأرض ليبدأ الممثلون فى تشخيص الرواية أو بدء العرض جريا على سنة عروض عربة تثيبس اليونانية القديمة ، فهذا يمثل تجريبا فى الشكل بما يتوافق مع شكل خشبة العرض وهى العربة الجوالة ، مع إعادة صياغة النص صياغة تتوافق مع الحيز المتاح للحركة على تلك العربة الصغيرة. ولما كانت مثل تلك العروض الجوالة تستلزم أساليب إبهار وجذب للمتفرجين ، جريا على أساليب عروض الكوميديا دى لارتى وكانت مسرحية موت دانتون تراجيدية الإطار والحدث ، فيبدو غريبا عرضها على عربة جوالة من ناحية ، ومن ناحية أخرى يبدو غريبا أن تجتذب عامة الجمهور وهى بعيدة كل البعد عن أسلوب الكوميديا دى لارتى وهنا لا بد أن يلجأ المخرج فور بدء العرض إلى فرقة موسيقية كاريكاتيرية الهيئة ، لإجتذاب الجمهور إلى عرضه من ناحية ، ولإبعاد شبه التفكير فى عرض واقعة محاكمة دانتون أمام محكمة الثورة ، وبذلك يكشف من أول وهلة عن تفكيك خطاب نص بوشنر ، الذى يبدأ بمحاكمة ، وفى ذلك تنويه استباقى لفهم الحدث أو الحادثة التاريخية التى وضعها بوشنر على المسرح فهما مغايرا لفهم بوشنر ، إذ يمكن أن تفهم تلك المقدمة من الإفتتاحية للعرض فهما يدل على أن تشاولى يرى فى محاكمة أعضاء الثورة الفرنسية لبعضهم بعضا هى تهريج فى تهريج.. وهنا يكون تشاولى قد نقض خطاب بوشنر. فإذا جئنا للشكل وجدنا العربة من الداخل بعن أن فتحت أبوابها الثلاثة التى كانت بمثابة الستارة الرئيسية لخشبة المسرح التقليدية (مسرح العلبة الإيطالى) مقسمة إلى ثلاث أقسام أشبه بظلف صوان فتحت واحدة إلى اليمين والثانية إلى اليسار وهى مبطنة بتصاوير لفنانين عالميين ، بينما يفتح باب الوسط ليصبح درجات لصعود الممثلين وهبوطهم منها ، أما الفرقة الموسيقية التى تتخفى وجوه أفرادها خلف أقنعة عرائسية موحدة الشكل وزى موحد اللون والخطوط أرضية حمراء وخطوط عرضية صفراء والتصميم بهيئته الأقرب إلى الجاكيت العسكرى ، فهى تجلس فى ذلك الحيز المكانى الضيق جدا ليظهر تكوين الصورة من بين فتحة إطار كل ظلفة من الظلف الثلاثة إثنان بداخل كل إطار واحد جالس فى الأمام وخلف الآخر واقف وبيد كل منهم آلته الموسيقية . والصورة على ذلك النحو تعطى دلالة آلية توحى بالتجمد والتبلد ولما كانت المحاكمات تجرى تبعا لما هو متعارف عليه فى ظل مراسم وإجراءاة ولوائح وقوانين وبرتوكولات وقيود وأطر شديدة الصرامة ، فإن جلوس قضاة دانتون من وراء تلك الأطر وفق تصميم الفتحات الجانبية لعربة التمثيل ، يحقق فكرة الجمود والتبلد التى تضفى على صورة المحاكمة آلية وشكلية زائفة تسقط عنها شرعيتها ، وتحض المشاهد لها على الحكم عليها وفق ما يعرفه بريخت فى نظرية التغريب بالتأرخة أى إعادة النظر فى الواقعة التاريخية والحكم عليها من وجهة نظر معاصرة.
الهوامش:
1. البريق والحياة سواء أكان هذا الجلد أبيض أم أحمر أم اسود 2. زين العابدين فؤاد "قافلة الشعر الإفريقية الأولى" (مؤتمر تفاعل الثقافات الإفريقية فى عصر العولمة" ملخصات الأبحاث. 10:13 مايو 2010 ، القاهرة ، المجلس الأعلى للثقافة 2010 ص57 3. أبو الحسن سلام "بروميثوس الأسود فى قيود الحرية – دراسة فى المسرح الزبخى ين الثوابت والمتغيرات الثقافية – " (مؤتمر تفاعل الثقافات الإفريقية فى عصر العولمة) نفسه ص9 4. سارتر ، مقتبس فى أبو الحسن سلام ، نفسه
العرض المسرحى وثقافة الصورة
" للعرض المسرحى وهج خاص ومميزة ، وهو قادر على التأثير المباشر فى المتلقى الذى يحضر لكى يكون جزءا من العرض من خلال استشعاره بالإضافة والأداء المباشر وقداسة المسرح الذى يحتوى على اللون والحس العالى بالمكان وكل هذه الأمور لا يمكن أن يستشعرها الجمهور من خلال الفضائيات بل من خلال الحضور إلى قاعة العرض ومن زاوية أخرى" 1 حول مستقبل المسرح ، يكمن فى رأي أحمد الماجد2 " فى لغة النص والعرض البصرية وأسرارها والمساهمة فى إغناء الوعى الجمالى للمتفرج المتفاعل. ولكن أى لغة هذه التى من المفترض أن تؤثر على البصر والبصيرة." وفى رأيه " إن موت المسرح المعاصر يكمن فى حيثيات سوق العرض والطلب التجارى والمباشرة ، وهامشية لمعالجاته لمشاكل الذات والمجتمع ، وكذلك سذاجة خدماته الإعلامية ، وسيطرة اللغة الأدبية السردية." هناك فرق إذن بين النص المسرحى الأدبى والنص المسرحى البصرى ، فالأول تأسس على الأدبية اللغوية فى مستوياتها الحوارية والسردية ، أما النص المسرحى البصرى على ركيزتين: " الأولى فى اللغة الأدبية البصرية (البعد البصرى والمادى للكلمة ودلالاتها التأويلية) والثانية: هى لغة التداعى البصرى للأنساق البصرية فى الفضاء الإبداعى" وتبرير ذلك يتمثل فى " أن هذين الجانبين ، اللغة الأدبية البصرية والتداعى البصرى للأنساق هما اللذان يعيدان خلق اللغة الفنية بصريا سواء كان ذلك فى النص أم فى العرض ، فمن خلالها يمكن أن نعيد الكلمة وأبعادها الأدبية السردية والحوارة إلى كينونتها التأولية والدلالية والبصرية فى زمن جديد هو زمن العرض البصرى" الحوار المسرحى لغة بصرية: لا تعنى الدعوة لكتابة النص البصرى إلغاء الكلمة أو الوسائل اللغوية الأخرى عموما ، وإنما على العكس فإن الكلمة تصبح إحدى الوسائل البصرية المهمة لتحقيق النص البصرى إذا أحسن انتفاؤها . وإذا استطاع المؤلف أن يحولها من كلمة أدبية إلى بصرية تصبح جزءا من تحقيق المشهدية البصرية فى العرض." 3 ولكى يتحول الحوار من صورته اللغوية (صورة حروف الكلام) إلى صورة بصرية لا بد أن يصبح ألفاظا لها دلالات تأويلية على ألسنة الممثلين كل فى دوره المسرحى مدعمة بحركة جديدة تعبيرية أو إيمائية أو إشارية موازية من حيث زمنها لزمن من تلفظ الممثل للحوار ذلك دون أن تفقد اللغة أولية تلقيها عبر التعبير المسموع أساسا للتعبير وفى التعبير الحوارى البصرى ، تعكس المسألة بمعنى أن تصبح الكلمات الحوارية أو السردية مكملة للصورة البصرية .. وليس المقصود أن يقتصر دور الكلام على التمهيد أو التعليق وصفا أو نقدا ، وإنما يصبح فى الغالب الأعم شريكا للصورة البصرية فى لغة الجسد أو اللغة السينوجرافية فى الصورة المسرحية . يقول محمد إبراهيم 4 "الصورة وما يرافقها أحيانا من صوت وحركة وكلمة تستطيع التلاعب بالرأى العام وتوجيهه وإثارته ، بل تضليله فى كثير من الأحيان" . يقول أحمد الماجد 5 "مهما (اختلفت) تختلف الإجابات وتباينت النظريات وتعددت أشكال العرض المسرحى ، تبقى العين هى العضو الأعظم والاهم الذى يلقى على عاتقه آلاف المسؤوليات ، ويتحكم هذا العضو فى جمهور الصالتين دون سواه ، لذا وجب عليه.. أى عضو العين أن يكون سريعا دقيقا معصوما من الخطأ ومحددا . وهذا بالضبط ما تحاول الصورة إيصاله إلى بصر الجمهور كى ينفذ (بالتالى) إلى البصيرة." ويستشهد الماجد بمقولة لانتونان آرتو الذى يقول " المسرح هو ذلك السحر الذى يحرك المكان من تحت أرجل الجمهور ، يهزهم ثم يحرك طاقتهم البعيدة فى فهم العالم اللامحسوس."6 أما محمد إبراهيم 7 " فى القرن التاسع عشر وتحديدا فى عام 1859 وصف الكاتب والشاعر الأمريكى المعروف أوليفر ويبذل هولمز الصورة بأنها الإنجاز الأهم فى عصره . لأنها تسمح للإنسان أن يفصل الأشياء عن زمانها ومكانها وتبقى حقيقتها مرئية دائما كما نظر إليها على أنها (قهر للمادة) وقال وقتها إن تغييرا يورث فى فيزياء الإدراك. كما ستتغير الطريقة التى يرى فيها الناس ويفهمون ما يجرى حولهم ، وقد لاحظ هولمز بدقة أن ظهور هذه التكنولوجيا الحديثة ستكون بداية عصر تصبح فيه الصورة أكثر أهمية من المادة نفسها." • حول ثقافة الصورة يقول محمد إبراهيم 8 " اليوم مع حلول الألفية الثالثة دخلت تكنولوجيا الصورة المرئية فى مجالات الإعلام والفنون بصفة عامة. ولم يكن المسرح بعيدا عنها ، خاصة أن مصطلح "ثقافة الصورة" بات من المصطلحات الأكثر شيوعا فى الأوساط الثقافية المعاصرة. فالصورة اليوم تطغى على ثقافة الإنسان. فهى حاضرة فى الأسواق وفى الإعلام والفنون المرئية وعلى شاشة فهى حاضرة فى الأسواق وفى الإعلام وفى الفنون المرئية ، وعلى شاشات الكمبيوتر ، وتفرض نفسها بقوة لما تتمتع به اليوم من خاصية التأثير والإقناع"
أنواع الصورة: يقسم محمد إبراهيم 9 الصورة إلى أنواع فيقول" للصورة أنواع متعددة ، فهناك الصورة الإرتسامية أو التصويرية ، وتشمل الصور والتماثيل والتصاميم الفنية. والصورة البصرية: وتشمل المرايا والصور التى تعرض على الشاشة فالصورة التى تشاهدها فى التلفاز ، وهناك الصورة الحسية : وتشمل الأشكال المحسوسة والصورة الذهنية: كالأحلام والذكريات والأفكار. وأخيرا الصورة الكلامية أو اللفظية وتشمل الإستعارات والأوصاف وغيرها." ويضيف إليها نوعا سادسا هو " الصورة الرقمية التى ينتجها الحاسوب ، هذه الصورة التى لها عميق الأثر على الثقافة الإنسانية بما تحمله من معلومة ، ومن سهولة فى الحصول عليها وحفظها وتخزينها. الصورة فى المسرح: بإعتبار المسرح فنا جامعا لكل أنواع الفنون ، فإنه يتأثر بها أيّما تأثر، ويعتمد إلى درجة كبيرة على الفن التشكيلى وعلى الموسيقى والأزياء وغيرها.. كما يعتمد المسرح على عدد من الفعاليات ليكتمل خطابه من نص وأداء وإخراج وسينوغرافيا ، وهذا معناه إنصهار تلك الفنون فى الصورة المسرحية الإبهامية .. يقول د. نعيم اليافى 10 " إن لغة الفن لغة إنفعالية والإنفعال لا يتوسل بالكلمة وإنما يتوسل بوحدة تركيبية معقدة حيوية لا تقبل الإختصار تطلق عليها إسم "الصورة". ولا شك انه الحديث عن الصورة فى المسرح يقتضى تناول السينوغرافيا لأنها تهتم بدرامية الصورة المسرحية "فالسينوغرافيا هى عملة تطويع لحركة فن العمارة والمناظر والأزياء ، والماكياج والإضاءة والألوان والسمعيات ، كما دخلت على تشكيلات جسد الممثل .. وهى تعمل أساسا على فن التنسيق التشكيلى ويناغم العلاقة السمعية البصرية بين أجزاء العمل المسرحى." 11
• السينوجرافيا اصطلاحا: شاع مصطلح السينوغرافيا فى خمسينيات القرن الماضى ، وظهر بوصفه فنا فى المسرح الأوروبى " أما المسرحيون والنقاد العرب فقد نظروا إليه على أنه يندرج ضمن نطاق التغريب فى العمل المسرحى ولا تزال الدراسات التى تتناوله قليلة وضحلة ، وتحتاج إلى مزيد من الدقة والوضوح والسينوغرافى شخص يهتم ويعنى بدرامية الصورة المسرحية لتحتل مكانة تشكيلية درامية جمالية حيوية تثير الإبهار لدى الجمهور يستطيع السينوغرافى التلاعب بالجمهور من خلال التقنيات الحديثة. وذلك بمزج الصوت والصورة والحركة والإضاءة فالحركة فى المسرح من أهم تلك المكونات.. كما يمكن من خلال التقنيات الفنية الحديثة أن يقدم للمشاهد صورا مركبة بحيث يمكن مشاهدة صورتين فى الوقت نفسه ، وإن كانت هاتان الصورتان لا تنتميان إلى فترة زمنية واحدة . الغاية من هذا المزج هو المقاربة النفسية أو الفكرية بين الحدثين أو بين شخصين تاريخين أو غير ذلك . وغالبا ما تكون الغاية من المزج الإيحاء ، بالتكامل الضمنى أو الزمنى بينهما. على الرغم مما قد يكون بينهما من إختلاف ظاهرى هذه التقنيات غالبا ما تستخدم فى المشاهد المتعلقة بالأحلام وحالات الإضاءة الخلفية أو الخطف خلفا المعروفة فى فنون الآداب والسينما والمسرح والتلفزيون عندما يجرى الجميع بين الماضى والحاضر." ومع كل ما تقدم... " يبقى جسد الممثل هو العنصر الأساسى الذى يمكن أن يعتمد عليه الفن المسرحى لإيجاد وحدة بين الفضاء المسرحى وتجيزاته والإضاءة."
مراوغة الصورة بين النص والعرض: " التلاعب الذى يمكن أن يقوم به السينوغرافى بالفضاء المسرحى ليحكى لناقصة يفوق المعنى السياقى للنص الواقعى أو الطبيعى أو ما بعد الحداثى." من هنا يمكن القول أن " السينوغرافى بما يتمتع به من معرفة جيدة فى مجال تحريك الصورة هو الوحيد الذى يمكن أن يستكشف العلاقة بين الجسد والمسرح من خلال الرسومات ذات البعدين والماكيت ذى الأبعاد الثلاثة ، وهو الذى يمكن أن يبنى الصورة المسرحية الكاملة." ومن المعلوم أن " هذه الصورة التى تعمل انطلاقا من الجسد وبإتجاه الخارج إلى الفضاء المسرحى ، لا بد ان تغرز بدراسة متطلبات النص والسيناريو والليبرتو (نص الأوبرا)."
فعل الصورة على المسرح بين السينوجراف والمخرج: " إن فعل إبداع الصورة على خشبة المسرح بدءا من الممثل وتعرّف السينوغرافى بالمخرج المسرحى الذى يعمل جنبا إلى جنب مع مخرج النص ، فالمخرج يمتلك عادة مقدرة أدبية جيدة ، إلا أنه غالبا ما يجهل أو يخاف من تنشيط الفضاء المسرحى.. وهذا مصدر خلاف كبير وخيبة أمل وإحباط للسينوغرافى الذى يرى فى ذلك إضاعة للفرص
السينوغرافى المبدع هو الذى يعطى المخرج ما يريده دون أن يطلبه من رالف كولتاى فى كتابه (استكشاف الفضاء المسرحى.)
الهوامش:
1. أحمد الماجد"، " ثقافة الصورة .. وأثرها على الخطاب المسرحى (جريدة الفنون) السنة الثامنة ع25 الكويت – المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب ، يناير ، كانون 2008 ص16 2. نفسه 3. نفسه ، ص16 4. محمد إبراهيم " المسرح والصورة وديكتاتورية المخرج "جريدة الفنون" نفسه ص16 5. الماجد مرجع سابق ، نفسه ص16 6. ارتو ، مقتبس فى أحمد الماجد ، المرجع السابق نفسه ص16 7. محمد إبراهيم" المسرح والصورة ودكتاتورية المخرج" (جريدة الفنون) المرجع السابق ص17 8. نفسه ص17 9. محمد إبراهيم ، المرجع السابق ذاته ص17 10. مقتبس فى محمد إبراهيم ، ذاته ص17 11. محمد إبراهيم ، نفسه ص17
ليلة زفاف اليكترا بين الفرجة والتجريب
صمم الفنان السينوجرافى زوسر مرزوق معادلا تشكيليا لموضوع مسرحية (ليلة زفاف اليكترا)1 وهذا المبحث مراجعة نقدية لرؤية الفنان ومدى تطابقها مع مكونات الصورة المسرحية على المسرح من ناحية ، ليصل إلى تحقق المعادل التشكيلى لموضوع المسرحية من عدمه. المسرحية تتعرض لإستحالة التزاوج الطبقى مرتكزة على لعبة تشخيص الأدوار بين الممثلة والممثل ، الشخصيات متعددة ومتباينة وتقوم الممثلة فيها بالعدد الأكبر من الادوار الى جانب دور اليكترا الذى هو دورها الرئيسى ، ومن تلك الأدوار التى تقوم بتشخيصها بأسلوب التمثيل داخل التمثيل كانت أدوار لا يقتصر – الإستخبارات بيريا فضلا على دور العامل الثورى بينما تقوم الممثل بدور الفلاح وهو الدور الرئيسى وكلها شخصيات معادلة للرموز ، فهى شخصيات مجردة ، وإن كانت تمثل اسقاطا على واقع التطبيق السياسى الإنتقال من مرحلة الإقطاع إلى مرحلة الإشتراكية وفق فكرة تحالف تلفيقى بين نماذج من الطبقات الدنيا ونموذج من الطبقة الحاكمة العليا التى يتسم حكمها بالشمولية والديكتاتورية العسكرية التى تغير أقنعتها السياسية بشكل دائم ، ولأن المسرحية تستحضر حالة الإنتقال السياسى الإقتصادى والإجتماعى فى مجتمع أقرب إلى مجتمعات دول ما يعرف بدول العالم الثالث الذى تحرر من الإستعمار بعد كفاح وطنى مرير ، فإذا به لا يجد إتجاها سياسيا مناصرا لقضايا التحرر الوطنى سوى الإتحاد السوفيتى بتوجهاته المعلنة ولشعاراته نحو الإشتراكية وسيلة لتحقيق العدالة الإجتماعية ولأن النظرية الماركسية التى بنيت عليها فكرة الدولة الإشتراكية لا تنجح إلا وفق التدرج الطبيعى التاريخى للمراحل السياسية حيث النظام الإقطاعى هو التطور الطبيعى والتاريخى للأنظمة العيودية والرأسمالية هى التطور التاريخى للنظام الإقطاعى والنظام الإشتراكى هو التطور التاريخى الطبيعى للنظام الرأسمالى ، وبغير ذلك التدرج لا يستقيم يستمر البناء السياسى ، وكل هذه المراحل الإقتصادية السياسية والإجتماعية لتطور الأنظمة بالإنتقال المتدرج وفق شروط ذاتية موضوعة فى آن واحد أمر حتمى لا يتحقق بغير نصال الطبقات صاحبة المصلحة فى التغيير ، وكل محاولة للتزاوج بين طبقة أدنى وطبقة أعلى تحت مسميات التحالف السياسى من أجل أحداث التغيير والتسريع والإنتقال بالنظام السياسى من مستوى تاريخى إلى مستوى تاريخى أعلى تال له ، محكوم عليها بالفشل لتضارب المصالح والأهداف الرئيسية بينها ، وهذا ما حدث فى الدول الشمولية التى انتقلت إلى مرحلة الإشتراكية انتقالا مباشرا من مرحلة الإقطاع لروسيا والدول التى اتحدت معها لتشكل جميعها امبراطورية الإتحاد السوفيتى ، وكذلك فشلت دول الكتلة الأوربية الشرقية ودول التحرر الوطنى الإفريقى والأسيوى لمصر والجزائر وليبيا وسوريا والعراق واليمن الجنوبى وأثيوبيا والصومال وغيرها. كان بصر الفنان السيوغرافى زوسر مرزوق متجها إلى الزاوية التى نظر منها مخرج العرض د.أبو الحسن سلام ، مواكبا لتحليله لنص الشاعر مهدى بندق الذى يرفض فكرة التزاوج بين الطبقات ويجسد سقوط نظريتها السياسية التلفيقية. لذلك كانت رؤيته التشكيلية السينوغرافية شديدة التجربة وشديدة البساطة والتكثيف البصرى ، إذ لم يزد المنظر عن محموعة من الحراب المنتصبة رأسيا فى خلفية منصّة العرض على هيئة قوس يمتد بين نصالها حبل يربط بينها ، علقت عليه أزياء الشخصيات بحيث يتناول الممثل أو الممثلة الزى المناسب للدور الذى ستشخصه ، وما أن تنتهى من الموقف التشخيصى للشخصية تخلع قطعة الملابس وتعلقها على الحبل لتأخذ غيرها المناسب لتشخيص شخصية غيرها وهكذا. وليس على أرض المنصة سوى مكعب خشبى صغير يتخذ الجلوس أو للوقوف فوقه إذا تطلب الأمر إلقاء خطبة سياسية أو ما شابه ذلك.. أما الإضاءة المسرحية فقد مالت الى اللون الأبيض أو الأصفر البرتقالى ، دون بؤر ضوئية إلا فى نهاية العرض عند قتل الفلاح لاليكترا التى زوجت له رغما عن انفه وانفها ، حيث انتهى إلى قناعه بأنها أنبل من أن يدنس ثوبها بلمسة من يده.. وقد كان قصد المؤلف والمخرج أيضا أن فكرة الإشتراكية أنبل من أن تتزاوج مع طبقة الفلاحين (البرجوازية الصغيرة) ولا يخفى على فاقدنا به أن يدرك أن المسرحية هى اسقاط سياسى على تجربة مصر فى الستينيات نحو تطبيق النظام الإشتراكى وفشلها الذريع وتتحقق الفرجة فى هذه الصورة السينوغرافية من خلال لعبة لاستبدال الملابس المسرحية أمام الجمهور مواكبة للعبة تبديل الأدوار على المكشوف والقدرة على معايشة الممثل أو الممثلة للدور تبعا لنوعية الزى فالممثل لا يغير أداءه إلا بعد أن يرتدى الزى المغاير للزي الذى كان يرتديه ، فكأن الزى هو الذى يحدد الشخصية وهنا يكمن التجريب ويتلازم مع فرجة التشخيص.
الهوامش: 1- مهدى بندق ، ليلة زفاف اليكترا ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1987
الشعبية والمسرحانية أشكال الفرجة فى المسرح الأفريقى:
عن مسرحيات فيمى أوسوفيسان يقول محمد مبارك بلال1 ان مسرحياته: وشونيكا " فمسرحياتهما مليئة بأشكال الفولكلور الأفريقى النيجيرى ولكنه محبوك بطريقة ذكية وجميلة ليبدو كأنه جزء من نسيج البناء الفنى للعمل المسرحى.. وهو ما يسهم فى حلق تقاليد فنية أفريقية خاصة تصبح مع تداولها ومرور الزمن جزءا أساسيا فى بناء المسرحية ووسيلة فعالة فى إيضاح (وإيصال) الخطاب المسرحى الخاص بالفن المسرحى الأفريقى والنيجيرى بوجه خاص. ومع كل ذلك فإن مسرحية (ارنجندن والحارس الليلى) تحتوى على العديد من التنويعات فى الصراع وفى البناء الفنى أيضا. ذلك أن الصراع فى تلك المسرحية "يدور على عدة مستويات أولها: المستوى الموازى للصراع العام الذى يدور حول مجمل أهل المدينة وبين اللصوص والفساد. ولكن المستوى الثانى: يتضح من خلال شكل فنى يخضع لتقاليد الفنون الأفريقية وهو ما يصوره المؤلف بعبقرية كرقصات فولوكورية بين الرجال والنساء.. الأمر الذى يضفى على المسرحية أيضا روحا من الفرحة والجمال والتشويق" كذلك يوظف المؤلف الأشعار التقليدية مستخدما لغة "اليوروبا" الأفريقية بديلا عن رتابة الراوى.
• خطاب النص: يوجه المؤلف اتهاما دامغا للمارسات اللإنسانية ويفضحها أمام العالم ، مسهما بذلك فى صحوت افريقيا من سبات الخرافات والروح الوصولية . وفى المسرحية تقتل الشخصية الطيبة والواعية لأهمية الخطاب التقدمى فى حياة الناس (أباندى – يولى) وبعد قتلها للشخصية (آرنجندن) رمز الإستبداد تقتل نفسها.
أولاً: الفرحة الشعبية فى المسرحية الأفريقية: يشكل السوق الشعبى العام أحد أهم معالم المدن والقرى الأفريقية على حد سواء . وللسوق – كما فى قرانا – يوم معين من أيام الإسبوع يقام فيه. وهو يوم متغير ما بين قرية وأخرى ويعد يوم السوق يوم إحتفال عام ، يهتم به كل سكان القرى حيث يخرج الجميع لاستيفاء حوائجهم اليومية ما بين أسبوع وأسبوع تال له.. ففى ذلك اليوم –يوم السوق – يعرض صاحب الشئ المعروض للبيع سواء أكان على هيئة بضائع أو (أزياء – أحذية –معدات – منتجات زراعية – توابل وخلافه) أو مواشى ، وتقام المزادات . وفى السوق تقام المقاهى الشعبية المتنقلة فى أركان متعددة من السوق ، وتكثر الألعاب الشعبية فى يوم السوق ، كالتحطيب والسيجة والغناء الشعبى على آلات إيقاعية والمزامير ، كما يتغلغل الخضراء والمزينون والحواه تجاصر بين كبار السن والمخبرون السربيون بين الناس ، ويتسلل النشالون والغجر ويروج سوق العرافين والمنجمين وضاربات الودع وقارئى الكف والسماسرة والدراويش والمتسولون والبهاليل والمتكعون ولا يختلف الأمر كثيرا ما بين قرية أفريقية فى بلد وقرية افريقية فى بلد آخر مغاير. ولأن التجمع فى الأسواق تتداخل فيه كل تلك الأنشطة التفاعلية المتنوعة الأغراض وتتنوع أساليب التعاملات ما بين المنفعة المتبادلة و روح الفرحة ، حيث يجد المتأمل لها حالة من الإنفراج أو الإنشراح والبهجة ، معادلة لحالة الإنشراح التى يجدها ذلك الخلق الكثيف من المتعاملين فى السوق . ولما كانت مسرحية (ارنجندن والحارس الليلى ) تبدأ تقديمتها الدرامية بمشهد السوق ، لذا وقف البحث عنده أمام أشكال الفرجة الشعبية فى اشتباكها مع أشكال الفرجة المسرحانية ، بما يكشف عن طبيعة الصراع بين ثقافتين وصراع يعبر عنه المؤلف فى عدد من المواقف فى مواجهات متفرقة بين أصحاب الثقافة الشعبية والتراثية المتحصنة بالهوية وأصحاب الثقافة المتأورية من المثقفين القلائل ،حيث تتكرر المواجهات بينهما:
"القنصل: ... إنك تخاف أن تفقد سيطرتك الموروثة على الناس ! ومع أن رعيتك يتهددهم الخطر ، كنت أنت لا تفكر إلا فى ما يهدد عرشك. أولودى: وأنت أيها القنصل صاحب الكلمات الكبيرة ماذا ترى؟ القنصل: أنا اعرف يا أولودى أن الناس انتخبونى لأنهم يريدون الحياة وليس الموت موسميا بشراك الصيادين العشوائية ! ولأنهم يودون النوم دون أن تزعجهم كوابيس العنف ! ويرتادون الشوارع بأمان .. دون الوقوع فى شباك المجرمين ! كيف يكون لحياتهم أى معنى بينما اللصوص يسيطرون على أحلامهم وأفكارهم بالى: ليس من تقاليدنا الرد على مهاترات شخص متهور" 1
على أن ذلك التباين بين ممثلى الثقافة المتشبثة بهويتها التراثية وممثل الثقافة المتأوربة ترتكز كل منهما على وجه سياسى نقيض للآخر "أولودى: تصور ، أيها القنصل لو أن السماوات التى تغطى هذا العالم تهدد بالإنهيار ، هل يستطيع أىٌ منّا أن يوفر الملجأ فى عالم يسحق بالكامل. بانونهون: فى تلك اللحظات التى يتحول العالم إلى قطع متناثرة لا يمكن أن يكون لموت فرد واحد أى أهمية. القنصل: ليس بالنسبة إلى يا بانونهون ، فأى حياة لها أهمية فى كل لحظة. بانونهون: لا بد أن تقصد كل صوت انتخابى. القنصل: لن تستطيع استدراجى كى أغضب. أولودى: هذا الموسم محمل بالشؤم لقد أعلنها العراف "أفا" قائلاً : عند كل هبوب ريح أو نفحة غبار ، سيأتى الموت طائراً" 2 ولذلك يجب ان نطرد الموت خارج حدودنا وإلا فإن نهايتنا ستأتى قبل موعدها المعلوم. بانونهون: نحن لسنا بأصنام أيها القنصل. فنحن أيضا نعانى بسبب مشاكل أصدقائنا ، ولكننا نحتاج للوقت لإقامة الطقوس المناسبة. القنصل: ولكنى ليس الذى أى وقت أضيعه ، أتفهمون؟ إن الوقت مثل الرياح التى تعصف بحياة الناس الذين منحونى ثقتهم. " 3 "القنصل: إن نبوءتك لا تحقق حاجاتنا الملحة" "بانونهون: حسنا .. الطفل يتباهى بثيابه الجميلة ، أكثر من تفاخره بثياب آبائه ، ولكن افترض بأن ما نحتاج إليه هو ثياب رثه ، ماذا سيكون موقفه حينئذ؟ أولودى: لا أفهم كيف يمكن لأحد الحديث عن القوة دون الإعتماد على وحى من السماء. القنصل: يمكنه ذلك حتى يمسك ببندقية بين يديه. بالى : إنك تدهشنى أيها القنصل: وماذا عن القانون إذن؟! إن القانون شبيه بالحرباء فهو يتكيف حسب متطلبات القوة ! 4 هكذا يتبين الفرق بين ثقافة التدرع بالهوية الثقافية التراثية وثقافة براجماتية ، تنفذ مباشرة إلى النفعية ، دون مواربة ، وهو فرق بين ثقافة تحترف العمل السياسى ، مدرجة أنها فن التعامل مع الواقع ، وأنها فن توظيف القوة ، عندما تكون هناك ضرورة لتوظيفها حفاظا على مصالح النخبة الحاكمة ، وتوظيف الملانية والمراوغة عندما تكون هناك ضرورة لتوظيفها حفاظا على مصالح النخبة الحاكمة التى تسن ما يناسبها من القوانين التى تحفظ عليها سلطانها وسيطرتها على السوق وتسيير البلاد فى المسار الذى يخدم مصالحها ويقوى من قبضتها على مصائر البلاد. وعلى الرغم من ذلك ، فإن موازين الأمور كثيرا ما يتغير اتجاهها ما بين صعود كفة طرف معارض ، تبعا لما يملكه من ثقل شعبى وهبوط كفى يتربع فيها الطرف المسيطر: " تسمع هتافات المواطنين" بالى: هناك قانون واحد فقط ، ذلك الذى أقسمت بأن تدافع عنه. القنصل: لقد كان قسمى يا بالى ، أن اخدم الناس بإستخدام القانون كسلاح ، ولكن عندما يصبح هذا القانون عائقاً أمام أداء خدماتى للناس فإنه يجب أن يغير ! (تسمع الهتافات ثانية) بآلى: (يخاطب الجماهير بغضب) اصمتوا يبدو لى بأن آرنجندن قد خرب عقولكم جميعا ! تذكر أيها القنصل أن الخوف شئ والحرية شئ آخر . وأن هناك أناسا يسبحون مع تيار النهر ، بينما يسبح آخرون ضد هذا التيار. القنصل: (مقاطعا) وهناك أيضا أولئك الذين لا يسبحون بالمرة !! جباديجسن: أيها القنصل القنصل: (مقاطعا) كفى لقد سمعت ما فيه الكفاية ! اختبئوا ورا نبوأتكم أو احتموا خلف القانون ! ولكن عندما يتطاير الرصاص لا تقولوا بأنكم لم تنذروا ! بآلى: شكرا لك ، ولكننى أحملك إنذارا أيضا يمكنك أن تقوله لصديقك آرنجندن المتعطش للدماء.. إن هذه المدينة لم تعد تتحمل أمثالكما ! إننى أكرر ما سبق أن قلته ؛ بأن هذه مدينة ، وليست ميدان معرفة ، إننا أناس متحضرون هنا ! وما دامت هذه القبعة على رأسى ، وقدماى ترتديان هذين النعلين المصنوعين من الخرز واللذين ارتادهما أجدادى من قبلى ، فإنه لن يكون هناك إطلاق أى رصاص والجريمة سيتم التحقيق فيها ويعاقب الفاعل بقوة القانون .. ولن يتغير إيقاع حياتنا المحكومة بنظام الفصول ، كما رسمتها القوى الإلهية ! 5 لا شك أن هذه المواجهة السياسية بين قوى سياسية مسيطرة وبيدها سلاح القوة وسلاح القانون المتغير وفق إرادتها ومعارضة يقف خلفها تيار شعبى يسبح ضد اتجاه رياح السلطة الممسكة بمقاليد الأمور فى تسيير البلاد تبعا لمصالحها ، تنتهى لصالح القوى الحاكمة ، ذلك أن وجهتها البرجماتية تسير وفق وضوح لا إزدواجية فيه ، فى مقابل إزدواجية ثقافية ملتبسة بين وجهين أحدهما يتظاهر بالتمد: متباهيا بمظاهر شكلية للتمدن: "مادامت هذه القبعة فى الوقت الذى يتشبث بعادات اجداده :" وقدماى ترتديان هذين النعلين المصنوعين من الخرز ، واللذين ارتداهما اجدادى من قبلى" لقد عكست هذه الإزدواجية الثقافية نفسها على سلوكها السياسى ، إذ اتخد مسار الوسطية فى إتخاذ القرار السياسى "لن يكون هناك إطلاق أى رصاص والجريمة سيتم التحقيق فيها ويعاتب الفاعل بقوة القانون.ولن يتغير إيقاع حياتنا المحكومة بنظام الفصول ، كما رسمتها القوى الإلهية " 6 ولنا أن نلاحظ قرارة الوسطى : لن يتغير إيقاع حياتنا المحكوم بنظام الفصول ، كما رسمتها القوى الإلهية" فتلك ثقافة النهر ، فحياة الإفريقيين كما هى حياة الآسيويين محكومة بفيضان النهر وتغيير الفصول ، وفق نظام مركزي يسير فى مسار آلى لا يتجاوز فى تغيره الآلى حدود الفصول الأربعة . هى ثقافة مركزية تسير مركزية التفكير ومركزية إتخاذ القرار ، فى مقابل ثقافة أنبنت على التغير تبعا لتغير المصالح ، مصالح النخبة ، فنحن إذن بإزاء صورتين لوجهة الصراع فى البلاد الأفريقية بعد الكوولونيالية صورة طرف معارض متمسك بهوية ملتبسة بين مظهرين أحدهما سطحى يتلبس قناع المدنية ، والآخر ساكن تحت الجلد ، كامن فى الاعماق ، يشكل جوهر الوجوده نفسه تبعا لمركزية الوجهة الفكرية العقيدية التى هي يشير القرار رد فعل ، غير متكافئ مع الديمقراطية المركزية لقرار التسلط الحاكم الذى تواجهه. وتلك هى إشكالية الواقع الأفريقى فى مرحلة ما بعد الكولونيالية ، التى استطاع "فيمى أوسوفيسان" وكذلك "وول شونيكا" التعبير عنها مسرحيا بمهارة ووعى سياسى واقتدار فنى وحرفى يمزج الفكر بالفرجة ، الملتبسة بين ما هو شعبى وما هو مسرحانى ، على النحو الذى نراه من مهارة التخلص الدرامى بالإنتقال الناعم من موقف المواجهة إلى موقف التلطيف بالغناء: "(يخرج القنصل غاضبا ، ويتبعه بعض مشجعيه بينما يبدأ المداح المغنى أغنية لتهدئة بآلى)" وعلى الرغم من حدة القرار القاطع الذى اتخذه كلا الطرفين كل فى مواجهة الآخر ، إلا أنه من المؤكد أن خلخلة فكرية داخلية ، لا بد وأن تحدث ؛ لتكشف عن ميل إلى روح التفاوض ، خروجا من حالة التصلب التى اتخذها كلا الطرفين المتصارعين ، كل منهما ينتصر لمصالح من يمثلهم ، على أساس أن التفاوض عمل من أعمال السياسة قبل إتخاذ القرار أو بعد إتخاذه ، والتفكير والتراجع عن بنود أو جوانب منه بهدف الإتفاق على حل وسط بعيد عن لغة التعالى والإستفزاز وأيضا للغة الإدعاء بالتفرد بملكية الحقيقية المطلقة حتى تتزن الأحوال وتتقارب المصالح بين الطرفين المتصارعين بديلا عن مصادرة كل طرف للآخر ؛ لذلك يخرج أحد المثقفين بإقتراح وسط على بآلى: "الدكتور: (متقدما بإتجاه بآلى) أرجو المعذرة يا بآلى بآلى: تكلم يا بنى. الدكتور: اعتقد يا بآلى بأن فكرة ارنجندن... بآلى: نعم؟ الدكتور: ربما تكون الفكرة ليست سيئة إلى هذا الحد...لو... بآلى: شكرا لك أيها الطبيب ، لقد سمعت بما فيه الكفاية ! إذا كنت تقول بأن وحى السماء يؤكد ان الكوارث قادمة فمن المؤكد بأن واجبنا مقاومتها بكل ما... أولودى: (مقاطعا) نعم بكل طاقاتنا أيها الطبيب .. تلك التى جربت من خلال الشعائر والأضاحى ! فى الإحتفالات التى وجدت منذ قدم الأرض التى تقف عليها الآن. هل تجرؤ على القول بأن ذلك غير كاف ؟! الطبيبن: ولكن أرنجندن يقترب. أولودى: (مقاطعا) لا داعى للإستمرار أيها الطبيب لقد اسمعت إلى الشيخ منذ قليل..." 7 هكذا نبتدى ثقافة الفكر الإرهابى ، فكر مصادرة الآخر ، وأخصائه عن طريق قمعه عبر لغة التعالى والإدعاء الزائف بإمتلاك الحقيقة المطلقة. تلك السلوكيات التى سادت البلاد التى ما أن تحررت من المستعمر الأوروبى إلا ووقعت فى براثن زمرة من المنتفعين الذين قطفوا ثمرة نضال شعب بأكمله بذل الأرواح وكل غال ونقيس فى سبيل طرد المستعمر الأجنبى ؛ وبذلك أممت البلاد بعد التحرر لصالح ثلة من المنتفعين الذى مهدت لهم أوضاعهم القيادية لحركة نضال شعبهم للمستعمر أن يغرلوا رفقا ، السلاح ويصادروا السلطة ، ويحتكرونها ويسيرونها البلاد فى إتجاه منافعهم الذاتية ، وبذلك تتوقف مسيرة التقدم بالبلاد ، ويصبح الرجل الأسود كبرومثيوس أسير دورن لا نهاية له ، يشقى شقاء لا نهائيا ، ولا أمل له فى الخلاص من إستعباد أبيض أو أسود ، فهو مقيد بالمعتقدات الخرافية ، لم يتخلص منها ، إذ تعمل الزعامة الوطنية المتدرعة بالعادات والمعتقدات الخرافية إلى تكبيل شعوبهم بأحابيل الموروث ، حتى تظل الشعوب تابعة لأهوائهم مغيبين ، لا حول ولا قوة لهم بدون تلك الزعامة الوهمية المتقنعة بالمعتقدات الدينية والخرافية ، حتى لا يملك الفرد العمل على رعاية حقوقه أو ممتلكاته ، أو العمل على استردادها وإنما يكتفى باللجوء إلى الخرافى ، والتواكل على أرواح الموتى والتمائم ، هكذا كان حال التجار بعد أن نهيت متاجرهم عصابة مسلحة "بانونهون: فاتوس إنك رجل "فاتوس: (مقاطعا) لا ...! يا بانونهون أنا انتهيت ..انتهيت.. سوف أموت بيمبو: كل شئ فى المتجر ، وخامة تلك الملاكبس الثمينة ، التى لم أدفع ثمنها بعد ، ولم تخرج من صناديقها .. آه.. ومجوهراتى.. سانجو انتقم لى منهم يا سانجو.. اقبض عليهم من أجلى.. دمرهم.. أورسا: أربع وأربعين دراجة كلها جديدة (يريهم السلاسل المكسورة) لقد حطموا القفل ، انظروا ، لقد دمروا حياتى ! " 8 "إليبوتى: جميع أجهزة الستريو ! آه.. إن هؤلاء اللصوص أشرار ! جميع أجهزة التلفزيون وكل شئ .! إن الإله "أسيو" يعاقبنى مرة ثانية .. آه لقد انتهيت.. بيمبولا: آه كم طلبت كم والدتى ألا تخلد للنوم فى قبرها بسرعة ، كان يجب أن تترك عينا واحدة مفتوحة دائما لحراستى: أماه لماذا هجرتنى اليوم؟ (يحاولون تهدئتها)9 هكذا فى ظل سيطرة عصابة على مقاليد الحكم فى البلد بعد تخلصه من المستعمر الأبيض يتحول البلد إلى ضحية بسطوة سلطة ظلامية تتقنع خلف المعتقدات الدينية الملتبسة بالخرافات تغيّب وعيه وتبطل تفكيره مجرد التفكير فى التحرك قيد أنمله فى إتجاه الخلاص من قيد الخرافة ، وسطوة سلطة تتقنع خلف التمدن والتحضر تستنزفه وتقمعه وترهبه.. فهو مقيد بين ارهابين أحدهما فكرى والآخر إرهاب دموى مادى ، وهكذا لم يعد هناك فرق جوهرى بين حال الشعب قبل التحرر أو بعده. ومن اللافت للنظر أن كلا السلطتين على ما بينهما من تناقضات غير جوهرية ، يتعايشان على خنوع الشعب ، فضلا عن دعم كل منهما للآخر ، الأول يرهب الشعب باستباحة أموالهم وأرواحهم والثانى يمهد له ، بتهوين ما حدث على الناس : " بآلى: (صارخا فيهم) نعم أعرف ذلك ! جميع مدخرات حياتكم استمعوا إلى وماذا عن لا ميدى.. نعم لاميدى! آويسا : آه .. أجل.. الحارس الليلي ؟ فاتوسن: أين هو؟ أين اختفى ذلك الجرذ؟ بيمبولا: أين كان ذلك الأحمق عندما حدث كل ذلك؟ إليبونى: نائما بالطبع كالعادة ! مع كل ما ندفعه له ..أجر! أوريسا: أخبرنا ، اين يختبئ يا بآلى ؟ اتمنى ان اتحدث إلى هذا الظربان! بآلى: (بهدوء) كل حياته فاتوس: ماذا؟! بآلى: حقيقة أنكم فقدتم بضائعكم وأرباحكم ، ولكنه فقد حياته كلها (صدمة جماعية) كان يحرس بضائعكم الغالية جدا ، فأتوه وذبحوه وتركوه ملقى هناك ، إن ما ترونه هناك ليس ماء ولكن دماؤه (ينخفض صواتهم) ستقام جنازته فى القصر ظهر هذا اليوم وأتوقع حضوركم جميعا ! هيا بنا " ولأن لبقة التجارة (الطبقة المتوسطة) براجمايته التوجه بحكم إقتصاد منافعها التداولية المتغيرة فى إطار تدوير الثروة فى عمليات البيع والوساطة والشراء الآلية ودائرية رأس المال ، فإن المسألة لا يمكن أن تنتهى عند ذلك الخطاب التلهية الفسحة بالدين ، لذلك يتحرك عدم الرضا المكبوت عند تطيبات الشيخ ، فور ارتفاع صوت أحد مثقفى الطبقة الوسطى (طبقة التجار) فتنطلق ألسنتهم وترتفع أصواتهم: بيمبولا : (تعترض طريقه) ولكن أيها الشيخ. (يدخل المدرس أبيندى ترافقه بوبى ، وهما فى حالة إرتباك طاهر) بآلى: (يقف) نعم . إنى مصغ إليك بيمبولا: وماذا عن مصيرنا؟ بآلى: وماذا عن مصيركم؟ بيمبولا: من الذى سيقوم بتجهيز جنائزنا نحن؟ بآلى: إنى لا أفهم ما تقصدين؟! بيمبو: ألا تعرف أن ما حدث يعنى موتا بالنسبة إلينا أيضاً ! بآلى: أنا فانوس: (مقاطعا) إنها على حق أيها الشيخ . إن هذه السرقة أكبر من سكين فى الرقبة ، ويمكنه الراحة منذ الآن .. والميت لم يعد لديه ما يقلقه .. ولكننا نحن الذين يجب ان نعيش ونطعم أولادنا بيمبو: نرى العجائز والمرضى . آه قريبا سيأتى عيد الفصح وهو ميعاد استبدال سقف كوخ والدى بصفائح المعدن بدلا من القش .. كما وعدته .. إن والدى شيخ عجوز أيها البآلى وموسم الأمطار سيبدأ قريبا جدا .. آه يا إلهى . إليبونى: انظروا ، ها نحن فى منتصف الطريق وجيوبنا خاوية بينما بالأمس فقط ، كان أى وحد منا قادرا على شراء المدينة بأسرها." 10 تتكشف المسألة بعد ذلك عن أن ارنجندن هو الذى دبر عملية السطو على المتاجر ، حتى يرغم البلد على تحقيق طلبه بتجييش العسكر من بين المتطوعين بحجة حماية أمن البلد ، بينما هو يريد عمل إنقلاب على القنصل (رمز السلطة القانونية والتشريعية) وعلى (بآلى) رمز السلطة الدينية "بوبى : ابحث فى داخل روحك حيث تختبئ فضتك وذهبك أنا خلد أنا خلد (القنصل يدور بشكل مفاجئ ويبدأ بمتابعتهم خارجا ، ولكن البآلى يتحرك باتجاهه ليوقفه بآلى: انصت أيها القنصل.. أيها القنصل ! أيها القنصل.. لقد كنت على حق ، بالتأكيد ان الناس لا يحتاجون إلى الحرية ولكن خوفهم... (يواصل القنصل طريقه إلى الخارج) أخبرنى يا أرنجندن ، كم رجلا تريد؟ ارنجندن: أنا احتاج إلى كل من يريد التطوع. بآلى: ولكن لن يكون هناك الكثير الذين يستطيعون استخدام البنادق ارنجندن: اعرف ذلك فقد ربيتهم ابناءك على أن يكونوا رهبانا، وموظفين ، ولكن لا تقلق اذا انضموا إلى فسوف أعلمهم كيف يطلقون النار. بآلى: سوف يكون لديك جميع الرجال الذين تحتاج إليهم بانونهون: تريث أيها البآلى ارنجندن: جميعهم تحت أمرتى ولا احد سواى. بآلى: (بعد لحظات الصمت ) نعم تحت امرتك" 11
وهكذا ينسحب رجل القانون ، ليترك الساحة خالية أمام رجل الدين ورجل الأمن المتربص للإنقضاض على الحكم والإنفراد بها ، بعد أن دبر مؤامرة السطو المسلح الإرهابى على المحلات التجارية وقتل الحارس ، مما اتاح له أن يشكل جيشا من المرتزقة الذين تربو تربية دينية ، تمكن عن طريق تدريبهم وقيادتهم من فرض السيطرة الأمنية ، برضا رجل الدين ، ومن ثم تحول إلى مستبد عسكرتارى يشيع الرعب فى كل الناس ، ويقتل أول ما يقتل المدرس ذلك المثقف التنويرى ، لينتهى الأمر بقتل (يوبى) ابنه القنصل – رجل القانون – له قبل أن تنتحر بالسلاح نفسه. وهى نهاية تكشف عن رؤية المؤلف "إيمى أوسوفيسان" نفسه فى طريقة الخلاص من الإستبداد الفردى العسكرتارى عن طريق الإغتيال السياسى .. وهو حل لا ينبع من رجل على علاقة وطيدة بالعمل السياسى ، لأن اغتيال الحاكم المستبد لا يمكن أن يؤدى إلى خلاص شعب وحصوله على حق تقرير مصيره ، لأن الحاكم الفرد ليس أكثر من رمز للهرم الإدارى للنظام الحاكم للبلاد ، بآخر مستبد فردى آخر ، قد يتقنع خلف قناع العدالة إلى أن يوطد أقدامه ويريح مقعدته على سرير الحكم.
الهوامش:
1. فيمى أوسوفيسان ، أرنجندى والحارس الليلى ، ترجمة د.محمد مبارك بلال ، سلسلة إبداعات عالمية (342) الكويت ، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب ، يونيو 2003 الأول ص31 .. 2. المصدر السابق ، نفسه ، ص ص31-32 3. نفسه ، ص33 4. نفسه ص33 5. نفسه ، ص ص34-35 6. نفسه ، والصفحة [email protected] 7. نفسه ص ص 35-36 8. نفسه ، ص39 9. نفسه ، والصفحة 10. نفسه ص41 11. نفسه ص ص48-49
#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ربييع المسرح العربي
-
ذكريات من زمن الانتفاضات
-
المديوني وحيرة المحقق التراثي في المسرح
-
فلسطين في المسرح العربي والمصري
-
ديكتاتورية المخرج
-
في النقد المقارن
-
المديوني وتحقيق التراث المسرحي النقدي
-
في الحجاج المسرحي ولعبة طقش الأدمغة
-
الحجاج والخطاب التداولي
-
صورة الجليل والجميل في مشهد مسرحي
-
الجميل والجليل في التعبير المسرحي الشعري
-
المحطة الأخيرة
-
هذه إجابتي
-
المخرج المسرحي والقراءة المتعددة للنص ج 1من الكتاب
-
منحوتات درامية - جماليات الساكن والمتحرك في معرض زوسر مرزوق
-
بنادي على كل واحد في مصر - وخطاب مفتوح لإعلام مفضوح
-
اتجاهات الإخراج المسرحي في عصر الحداثة
-
فكرة الرقابة
-
التكوين المعرفي في المسرح بين النظرية ومناهج الإخراج
-
شعرية المسرح بين النظرية والإبداع
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|