أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - 51 بحبّه!














المزيد.....

51 بحبّه!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6452 - 2020 / 1 / 1 - 06:21
المحور: الادب والفن
    


استكمالًا للحديث عن "الجميلة المنسية" التي لا نحبُّها ولا نحترمُها؛ رغم أننا نعيشُ بها ومعها جميع لحظات يومنا، أكتبُ هذا المقال الذي يقفُ على الخيط المتأرجح بين المرحِ والمرارة. في ستينيات القرن الماضي، قال المذيعُ المصريُّ في الراديو: (والآن نستمعُ إلى أغنية: 51 بحبّه). ثم راح يُنصتُ مع المستمعين إلى الأغنية الجميلة بصوت الساحرة "نجاة الصغيرة"، وموسيقى العظيم "محمد عبد الوهاب"، وكلمات الشاعر الغنائي "أنور عبد الله.” بعد الأغنية عاد المذيعُ يقول بنبرة اعتذار: “كنتم مع أغنية: "آه بحبّه!”
هل أخطأ المذيعُ؟ لا، بل أخطأ المُعدُّ كاتبُ الاسكريبت؛ الذي أغفل وضع أداة "المدّ" فوق حرف الألف (آ)، فقرأها المذيعُ: الرقم (1). وبالاستدعاء القياسي، ترجم عقلُه حرف "الهاء"، إلى رقم: (5). فأضحت (51)، بدلا من (آه)! وضحكَ الناسُ كثيرًا على تلك الطُرفة سنواتٍ وسنوات.
شرطةٌ صغيرة متموّجة فوق الحرف، تغيّرُ المعنى. فيفقدُ الناسُ خيطَ التواصل بينهم: الحديث، الفهم. يُحيلُنا هذا إلى علاماتٍ ضئيلة جدًّا، لكنها على جانب عظيم من الأهمية في علم المعاني.
نقرأ خبرًا عن شخص ذهب لزيارة صديقه المريض. قدّم له باقة الزهور ثم قال: (لا شفاك الله.) نندهش! كيف يدعو الصديقُ على صديقه بعدم الشفاء، ثم يقدّم له الزهور؟! وتزول دهشتنا حين نعرفُ أن كاتب الخبر أغفل وضع "الفصلة"؛ لتصيرَ الجملةُ الصحيحة: (لا، شفاكَ الله!). هذه الفصلةُ أوضحت أن (لا) استنكارية، وليست نافية. فالصديقُ استنكرَ مرضَ صديقه، ثم صمتَ برهةُ (الصمتُ هو الفصلة)، ثم دعا له بالشفاء. غيابُ (الفصلة الصغيرة ) حوّل المعنى من (المحبة)، إلى (العداء).
ولو قرأنا هذا الحوار بين رجل وسيدة: (أظنُّكِ لا تحبّين الأوبرا.) فتجيبُ السيدةُ: (لا، أحبُّها). هنا نفهم أنها تحبُّ الأوبرا. في حين لو حُذِفتِ (الفصلةُ)، لفهمنا أن السيدةَ لا تحبُّ الأوبرا.
علاماتُ الترقيم، التي لا نهتمُّ بها كثيرًا نحن العرب، هي الضامنُ الأوحد لوصول المعنى الصحيح للقارئ. لأنها تُعوّض "نبرةَ الصوت ونغمة الكلام" الموجودة في الحديث الشفاهي والغائبة في الكتابة. (؟) تعطي نبرة التساؤل. (!) تعطي دهشةَ التعجّب. (،) تعطي برهةَ صمت، قبل استئناف الحديث. (؛) تُنبّه القارئ أن الكاتبَ على وشك تبرير أو شرح ما سبقها. (.) تفيد اكتمالَ المعنى. وهكذا.
في الكتابة الأدبية الأمرُ مختلف. هناك أدباءُ يُسرفون في علامات الترقيم، لخلق إيقاع يشبه الإيقاع الشفاهي، من أجل دفق طاقة حياةٍ في الكتابة "الخرساء”. وهناك كتّابٌ يبخلون بعلامات الترقيم لخلق حال استرسال وسيولة؛ تحاكي حال "التداعي الحر للأفكار" في (تيار الوعي) لدى الذهن البشري. فالذهنُ البشري، تتقاطرُ عليه الأفكارُ مثل شلالٍ منهمر لا ينتظمه قانونٌ أو هندسة أو وقفات. بعدها يقوم العقلُ بتنظيم فوضى الأفكار المتساقطة عليه من هنا وهناك؛ لكي يصوغَ الفكرةَ النهائيةَ محددةً واضحةَ المعالم. بعدئذ، لو أراد تفريغ هذه الفكرة على الورق؛ حتى تصل إلى عقول الآخرين؛ لابد أن يستسلم لقانون الكتابة وأجرومية اللغة: فيصوغ جُملا مفيدة تتخللها علاماتُ ترقيم، وتحترم سيموطيقا الكتابة التي درج عليها اللسانيون واللغويون والكُتّاب. أدباءُ "تيار الوعي" Stream of Consciousness، يفضلون غالبًا أن تظلَّ جملتُهم الأدبيةُ على عفويتها الأولى. تمامًا مثلما أنتجها العقلُ أثناء مرحلة التداعي الحرّ، دون "صنعة" الكتابة وحِرفيتها. خاصةً في رصد المونولج الداخلي للشخوص وما يستتبع ذلك من تفجير الزمن وعدم ترابط الأحدث. من أولئك: الأمريكي وليم فوكنر والبريطانية ڤرجينيا وولف، والأيرلندي چيمس چويس، الذي كتب الفصلَ الأخير من رواية "عوليس" Ulysses، في ثمانين صفحة، دون علامات ترقيم، اللهم إلا: فاصلة واحدة ونقطتان، لكي يرسمَ حالَ تدفُّق الأفكار والذكريات في عقل مسز بلووم.
وها أنا أقعُ بدوري في فخِّ تيار الوعي! إذْ انتويت بمقالي هذا التأكيد على أهمية علامات الترقيم في الكتابة الصحفية، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، فإذا بالتداعي الحرّ للأفكار يشِطُّ بي شرقًا وغربًا لأُعرّجَ على اللغة الأدبية التي تخترقُ صندوقَ المنطق وتكسرُ القوانين. في مقال قادم سأحكي لكم عن عجائب وإعجازية علامات الترقيم وكيف تبدّلُ المعاني في الإنجليزية. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن، ويحبُّ لغةَ الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العشبُ الداعشيُّ … والأراضي البور
- الجميلةُ ... المَنسيّة!
- الغرابُ الجميلُ … المجنيُّ عليه!
- مصرُ الطريق … في باريس
- موتُ الكاتب …. وازدراءُ الأديان
- فتحي فوزي مرقس … طبيبٌ برتبة فارس
- لفرط حضورك … لا أراك!
- حين حاورتني الصغيرةُ آنجلينا
- الإنسانُ … مفتاحُ السرّ في دولة الإمارات
- هل طفلُك أحمق؟ هل طفلتُك غبية؟
- أولئك كانوا صخرتي … في محنتي
- -وسام زايد- على صدر كل مصريّ
- نبالٌ في يد البرلمان … لقنص العقول!
- كُن متطرّفًا في إيمانك … وانبذِ التطرّف!
- أخطاؤنا الصغيرة .. هدايا وبركةٌ وفرح!
- الأيزيدية شيرين فخرو … العُقبى لداعش
- عيدُ الحبّ المصري … والڤالنتين الإيطالي
- 7 أرطال … من اللحم البشري!
- التذكرةُ قاتلةٌ … لأن القانونَ طيبٌ وأمّي
- سهير العطار … نجوى غراب … أكذوبةُ الخريف


المزيد.....




- موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر ...
- بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan ...
- الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
- فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
- -رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
- فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
- فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال ...
- اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة ...
- كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك ...
- الجزائر: ترشيح فيلم -196 متر/الجزائر- للمخرج شكيب طالب بن دي ...


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - 51 بحبّه!