أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 2














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6450 - 2019 / 12 / 29 - 20:49
المحور: الادب والفن
    


وصلت للزعيم، بطريقةٍ ما، الأقاويلُ المتهمة إياه بكونه وراء وفاة سلمى وهيَ في ريعان الصبا. ما كدّره أكثر، أن تلك الأقاويل كان مصدرها ليلى؛ ابنة صديقه الراحل، وكان قد أطلقَ اسمه على الابن البكر، تخفيفاً عن محنتها أثناء أسر خطيبها. لكنه في المقابل، كان يُدرك في قرار نفسه أنه غير بريء تماماً من التهمة. حجم الجرم، المتورط هوَ في جانبٍ منه ولو عن حُسن نيّة، سلّمه ولا غرو لتبكيت الذات. مع ذلك، لم يكن قد استسلم تماماً لعذاب الضمير طالما أن موقفه، المناوئ للطب الحديث، مستمدّ من فهمه للشريعة. ذلك كانَ بمثابة حلٍّ وسط، لدفن المسألة في مهدها ـ كما يُبرر عاشقٌ خيانتَهُ الزوجية، بحقيقة أن الحبَّ مقدورٌ لا راد له.
ربما إلى تلك الفترة، المهيمنة فيها على نفسه الهواجسُ المعلومة، ترجع عادة الزعيم في كتابة يومياته في سجلٍ خاص. كان أكثرها حكماً وأشعاراً، فضلاً عن بعض المعلومات والملاحظات، الممكن إدخالها تحت عنوان السيرة الذاتية. بيد أنها وإن كانت عموماً بعيدة عن صفة المذكرات، يُمكن لقارئها استشفاف مدى عشقه لامرأته من خلال قصائدٍ، يُخاطب فيها الحبيبةَ بلغةٍ غامضة شأن الصوفيين: هذا السجل، كان قد ورثه الابنُ الثاني للزعيم، الذي مُنح اسمَ نبيّ الله، " سليمان ". لقد تسنى لكاتب هذه السيرة مطالعة العديد من صفحات السجل، المكتوب بالخط الأنيق للجد، وكان ذلك خفيَةً عن عين ابن العم. هذا الأخير، دأبَ في سنوات طفولتنا على عرض الكتاب أمام أنظارنا، باعتباره من تأليف أبيه. حينَ نوهتُ بذلك مرةً أمام والدي، لم يكن منه سوى إطلاق ضحكة ساخرة، قائلاً: " عمكم، وكان بالكاد يتمكن من كتابة اسمه، لعله احتفظ بالكتاب معتقداً أنه يحتوي معلوماتٍ عن كنوز مدفونة! ".

***
عدا عن ذلك، كان ثمة سجلات أخرى، منها ما يدوّن فيه الحاج حسن ما يتعلق بعمله كزعيم للحي. كان كتاب صادر ووارد، يحتفظ فيه بمعلوماتٍ عما يصل لمكتبه من صدقات وتبرعات أهل الخير، وكذلك كيفية صرفها على المستحقين وأسمائهم. غير أنه لم يكن يكتفي بتلويث أصابعه بالحبر، وإنما اعتاد أن يساعد في نقل تلك المساعدات من مخزن الدار أو إخراجها منه. ما عُرف عنه استعماله لأجير أو خادم، وكان يفضل أن يقوم بكل شيء بنفسه أو بعون أهل بيته. كما لم تكن حالة نادرة، استعانته بقريبه أوسمان، لنقل المساعدات لأصحابها بعربته، وخصوصاً عشية عيدٍ من الأعياد. بعض فتيَة الزقاق، كانوا عندئذٍ يقفون صفاً كي يناولوا بعضهم البعض صررَ المعونات وصولاً إلى العربة. كانوا يفعلون ذلك مسرورين، مكتفين بسماع كلمة شكر من زعيم حيهم، المهاب والمحبوب في آنٍ معاً.
" عمر "، كان أحد أولئك الفتيَة، وكان منزل أسرته يقوم مباشرةً بمقابل مضافة الزعيم. والد الشاب، المعروف باسمٍ مألوف رغم غرابته، " بدوي "، لم يبقَ من أبنائه سواه؛ وذلك برحيل الآخرين بأمراض الطفولة. كان رجلاً رقيق الحال، برغم أن شقيقه الأكبر هوَ آغا عشيرة الحسنية، وكان غالب أفرادها يقيمون في زقاقٍ متفرع عن الحارة المجاورة، المعروفة باسم عشيرة الكيكان. التشديد على غرابة اسم الأب، إنما يعود لكون هكذا أسماء متداولة بين الكرد: " بدوي "، " تركي "، " عجم "، " عرب ". الاسم الأخير، هوَ كما علمنا لقب جيران الزعيم، من آل لحّو، الذين هاجروا أيضاً من مازيداغ؛ وعلمنا منبتهم النصرانيّ. سيُعرف أيضاً أحفاد فاتي، ابنة محمد آغا ديركي، بآل عرب، لأنّ زوجها كان بدوياً حقاً ـ كما جرت الإشارة إليه في حينه.

***
في عشية أحد الأعياد، وجد عمرُ نفسه داخل منزل الحاج حسن بغيَة المساعدة في نقل صرر المعونات. كانت زَري هناك، وقد لفت نظرها هذا الشاب العشرينيّ الوسيم، وكأنما تراه لأول مرة مع أنه ابن جيرانهم الأقرب. كانت له قامة متينة معتدلة، لون شعره أسود، منسدل على بشرةٍ، طغى الشحوبُ على نصاعة بياضها. كأبناء عشيرته، كان محتفظاً بعدُ باللباس القوميّ، ولو أنه يلوح كما لو كان مستعاراً من شخص آخر، ضئيل القامة. لقد سحرَ زَري، خصوصاً بعينيه الكبيرتين، اللتين بلون العشب اليانع، وكانت تراهما لأول مرة عن كثب. بينما كان مشغولاً بتفاصيل المهمة الملقاة على عاتقه طوعاً، اقتربت من موقفه متحججةً بإعطاء ملاحظات عن ضرورة تمييز بعض صرر المئونة عن الأخرى، المحتوية ملابسَ وأشياء من هذا القبيل. والدتها، وكانت منهمكة في إعطاء الأوامر للشبان، ما لبثت أن انتبهت لوقوف زَري على هيئة ذاهلة لا تكاد تستطيع انتزاع عينيها من سحنة الجار الفتيّ.
قالت لها الأم فيما بعد، مشفقةً: " عليكِ ألا تنتظري حظك لدى شاب يصغرك بعشر سنين، بل أن تكوني قنوعة ومستعدة للقبول برجلٍ يكبرك سناً ولو مع ضرّةٍ أو أكثر "
" سأفعل ذلك، يا أماه "، ردت بنبرة حزينة مستسلمة. ثم استدركت بالقول: " ولكنك بنفسك من كنتِ تضربين المثل بقريبتنا الراحلة، فاتي؛ أنها مع خفة عقلها وتجاوزها سن الزواج، اقترنت بطراد آغا، المعد من كبار وجهاء حارة جسر النحّاس؟ "
" ليمنحكِ الله حظها، لو كانت هذه أمنيتك! ولو أنّ المرحومة فاتي لم تكن سعيدة بزواجها، ويقال أنهم كانوا يعاملونها هناك مثل خادمة "، قالتها الأم وهيَ تبتسمُ في إشفاق.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثامن
- سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل السابع
- سارة في توراة السفح: الفصل السابع/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل السابع/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل السادس
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل السادس
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 4


المزيد.....




- بقفزات على المسرح.. ماسك يظهر بتجمع انتخابي لترامب في -موقع ...
- مسرحان في موسكو يقدمان مسرحية وطنية عن العملية العسكرية الخا ...
- مصر.. النائب العام يكلف لجنة من الأزهر بفحص عبارات ديوان شعر ...
- عام من حرب إسرائيل على غزة.. المحتوى الرقمي الفلسطيني يكسر ا ...
- قصيدة عاميةمصرية (بلحة نخيلنا طرق)الشاعر مصطفى الطحان.مصر.
- بيت المدى ومعهد -غوته- يستذكران الفنان سامي نسيم
- وفاة الممثلة المغربية الشهيرة نعيمة المشرقي عن 81 عاما
- فنانون لبنانيون ردا على جرائم الاحتلال..‏إما أن نَنتَصر أو ن ...
- مخرج يعلن مقاضاة مصر للطيران بسبب فيلم سينمائي
- خبيرة صناعة الأرشيف الرقمي كارولين كارويل: أرشيف اليوتيوب و( ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 2