|
حكايات مقهى المغتربين سعادة أبو عراق
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6448 - 2019 / 12 / 27 - 10:34
المحور:
الادب والفن
في كل قرية فلسطينية هناك بضعة اشخاص يغالون في الحديث، فينفخون القصة/الحدث بطريقة عجيبة، ورغم معرفة المستمعين (بالكذب) في قص الحكاية إلا أنهم ينصتون مستمعين ومنفعلين مع الأحداث كأحد شخوص القصة، فهذه القصص وهؤلاء الاشخاص جزء من الثقافة الشعبية السائدة، وما يسردونه يبقى عالقا في الذاكرة، حتى بعد رحيلهم، وتبقى ذكراهم حاضرة في المجتمع القروي، من هنا يكمن اهمية هذه الحكايات، فهي جزء من التراث الشعبي، ويستمتع بها، ليس في وقت سردها فحسب، بل وبعد سنوات من سردها، وأن يأتي "سعادة أبو عراق" وبعد أكثر من خمسين سنة، ويجمعها لنا في كتاب فهذا العمل ليس بالسهل، خاصة إذا علمنا أنه قدمها بصورة أدبية راقية وبحداثة، فهي تمتعنا وتعطينا مساحة الخيال الذي كان يتمتع به هؤلاء الرواة؟، فبدوا وكأنهم بيننا الآن يرون قصصهم وحكاياتهم، ونحن نجلس بقربهم نستمع متعجبين ومستمتعين بالمغلاة التي يضيفونها، وهذا ما يجعلنا نقول أن "سعادة أبو عراق" "أحيا قصصا/ وحكايات وهي رميم"، فما هي الطريقة التي جعلت من حكايات رواها اشخاص قرويين عاديين عمل أدبي يستحق التوقف عنده؟ يبدأ القاص بتقديم فكرة موجزة عن الشخص السارد، منوها إلى أهمية المقهى ومكانته عند رواده: "لقهوة المغتربين حضورها بين الناس، ولارتيادها متعة خاصة، متعة المسرح الشعبي أو مسرح الحكواتي، عمل درامي يشارك فيه المؤلف والسامعون مشاركة تفاعلية، قصص خيالية تنقلهم خارج الواقع: يتبعها تهريج وتعليقات ونكات، كأنه فرح القفز في بركة ماء" ص44، مثل هذه المقدمة كانت تسبق كل حكاية، ومن ثم يُترك القاص بحريته يصول ويجول بحكايته إلا أن يوقفه أحد المستمعين، مستفسرا/معلقا/مستحثا إياه على الاسراع، وهذا الأمر يحسب للقاص الذي اعطى حرية كاملة لكل الشخوص لتروي حكاياتها دون تدخل منه، لا من قريب ولا من بعيد، والجميل أن هناك دوما حكاية مختلفة ومتنوعة، ففي قصة "شايش" هناك حية بجم برميل تبتلع "انطونيو وحصانه" وفي قصة "شاهين" نجد حية تمتد لأربعين متر، حتى أن زوجته خاطت بها ثوبها، ولم تنهي القصة عند موت زوجته التي لدغتها الأفعى، بل نجده يكملها بفعل مسرحي: "...فقال الذي كان دائما يستحثه على الكلام:ـ _ وبعدين؟ انتفض من مكانه ورمى السيجارة وقال: ـ ماذا تريد بعد.؟ ابعثها لك إلى الجنة أو إلى النار؟ تركت كولومبيا ومن بها، وجئت لأرى خلقتك." ص25و26، يبدو وكأننا أمام مسرحية، لكنها مسرحية واقعية ساخرة. وفي قصة "عبد اللطيف" نجده يفض بكارة الفتيات مقابل مائة دولار، وفي قصة "معيوف" نجد الرجل السياسي الذي اتخذته أحدى القبائل ألها، والجميل في هذه الحكاية أنها جاءت (بسبب مراهنة) على دفع طلبات الزبائن أن لم تكن حكاية/كذبة محبوكة جيدا، وفعلا استطاع "معيوف" أن يقدم قصة يتجاوز فيها ادواره السابقة إن كان عضوَ برلمان أو سفيرا أو رئيس بلدية أو مستشارا للرئيس، فقد وصل به التخيل أن يغدوا إلها عند أحدى القبائل في البراغواي، وفي حكاية "سالم" نجد السياسي الذي يعجب به "باتيستا" فيمنحه مليون دولار، لكن يأتي كاسترو ليؤمم البنوك وتذهب المليون دولار على "سالم" أما "أبو عناد" فيقوم بسحب وتر من رجل أحد المصابين الانجليز ويعيد له عينه النافرة والمتدلية: (.ونقرت على كعبه حتى ظفرت بطرف الوتر الغضروفي، أمسكت به وسحبته، ثم لففته على عود، ورحت ألف العود قليلا قليلا، وكلما لففت العود كانت العين ترجع مكانها وتتحسن بها الرؤية، إلى أن رجعت العين إلى موضعها الطبيعي تماما)ص48، طبعا مثل هذه (الكذبة) نجدها فقط في أفلام توم وجيري، وإذا علمنا أن زمن رواية هذه الحكايات كان قبل عام 67، ولم يكن وقتها في "سنجل" لا تلفزيون ولا سينما ولا حتى كهرباء، يمكننا القول أن التخيل القصصي في فلسطين قد سبق عصره أما في "محمد جوهر" فنجد الميت الذي يخرج من قبره ليكون اشارة/دلالة لأبنائه ان عليه ديون ويجب سدادها، والغريب في هذه القصة، أن المبالغ المطلوبة من "جسار" تتساوى مع التي تركها، وفي قصة "صالح الطاهر" نجد الرئيس الامريكي نكسون قد عينه في ناسا، وقبل اطلاق القمر الصناعي نحو القمر يطلب منه أن يأتي بحجر من جنين أو سنجل، ليكتب عليه "جنين" كي يرسله إلى القمر مع آرم سترونغ ، (وفعلا) هذا ما حدث حتى أن المستمعين كانوا بهذا الشكل: "وكان بركان من التصفيق والصفير والحماس، هتفوا الله أكبر، أسم جنين مكتوب على سطح القمر ...!! وهتف آخر والحجر من سنجل...؟" ص61، نهايات مسرحية رائعة، تجعل المتلقي يستمتع ضاحكا بقدرة العقل الحكائي على صياغة مثل هذه القصص والأحداث، التي فعلا سبقت عصرها وزمانها. أما "أبو سليم السمكري" فهو يتحدث عن صناعة طائرة ، لكن غلوب باشا حبسه بالغلط/بالخطأ وكانت النتيجة ضياع فلسطين. أما محمود أبو شمسي" فتتشكل قصته جماعيا، من كافة أهل القرية، ليتحول من بائع اسكيمو إلى تاجر وملاك مزارع، إلى أن يعود إلى سنجل فيكتشف أهلها أنهم غالو كثيرا في تضخيم ثروته. أما في "كراكرة" والتي تعني معنى سيء، التالف من التين المجفف، فأن أفراد هذه العائلة يعملون جاهدين على تقديم فكرة جميلة/حسنة تجعل من اسمهم مقبولا، فيقترح كل فرد منهم تعليلا/تفسيرا، لكنه يسقط منطقيا، إلى أن جاء احدهم وحدث قصة لا تخطر على بال احد: "حدث في ذلك الوقت أن اخترعت امريكيا أول سيارة وأرادوا عرضها على شعبهم، وما كانوا اختاروا لها اسما بعد، فجمعوا كل المشاهير مثل شارلي شابلين واديسون وفورد وفرانكلن وجدي كركار أيضا بصفته بطل ملاكمة، ...كانوا بحاجة إلى من يسوقها... وراح يسوقها والناس منبهرين به، بعض الذين يعرفونه هتفوا له معجبين ومشجعين: كار كار... كار كار، عندها قرر الامريكان أن يسموا هذا الاختراع الجديد كار. ص80. وفي قصة شحدة" نجد الرجل الذي ينقذ الارجنتين من الديناصورات، وفي قصة "مروان الشاطر" يكون رفيق جيفارا وموازي له في المكانة، حتى انه يمثابة تكملة لنهج وطريقة جيفارا: " عندما كنت مع غيفارا قال لي: إذا مت أو قتلوني هؤلاء الامريكان الملاعين، فإني أوصيك بالثورة العالمية، الأمريكان يبحثون عني وعنك، وإذا أمسكوا بي أو قتلوني فعليك أن تقودها من بعدي" ص 89، وفي قصة "صالح ربيع" نجد الرجل العارف العالم بكل شيء، فكان عندما يقرر الملك تكليف رئيس حكومة جديدة يقول: "لو استشارني لاقترحت عليه أحسن الوزراء، لكنه الخسران" ص94، إلى أن يوضع في السجن، ومع هذا يخرج ويستمر في كذبه، حتى أننا نجد انفسنا امام قصص ألف ليلة وليلة. وفي قصة "عوض البيك" نجد البطل الذي يحرر زوجة السلطان العثماني من الأسر، وفي قصة "مناور" يقوم بتصليح الطائرة وهي في الجو، ولا يكتفي بهذا، بل يعيد عش الحمام إلى مكانه داخل محرك الطائرة، وفي قصة "خلف" نجد الساحر الذي يحوله إلى حمار، فيقوم بمغامرة غزل مع "اتان" وتنتهي بعد أن يتدخل الناس ليمنعوه منها، فيقوم برفس الساحر وعضه فقرر الساحر اعادته إلى إنسان/خلف من جديد. المجموعة من منشورات أمواج للطباعة والنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة الأولى 2012،
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مناقشة رواية خريف يطاول الشمس
-
عبود الجابري والومضة
-
جهاد عواملة -هي أنت-
-
قصيدة -سِرُ الشِفاءِ من الحنين-- كميل أبو حنيش
-
رواية -زمن الخراب- لمحمود شاهين 3
-
محمد علوش ديوان هتافات حنجرة حالمة
-
رواية زمن الخراب 2 لمحمود شاهين الملف الثاني
-
رواية زمن الخراب لمحمود شاهين الملف الأول
-
إبراهيم نوفل قصيدة مطر
-
الأحواز أرض عربية سليبة إبراهيم خلف العبيدي
-
مناقشة كتاب امرأتان في دار الفاروق
-
قراءة في قصيدة مازن دويكات -سلام عليك.. على أرضنا-
-
الومضة السوداء عند سمير التميمي
-
رضوان قاسم -نأي على وجع الفراق-
-
التجميل في مجموعة -حارة الياسمينة- طلعت شناعة
-
أدب الحرب في -ذاكرة الغد- شهادات ورؤى وتجارب
-
الشاعر والمكان سامح أبو هنود
-
علاقة الكاتب ببطله جربت أن أموت جمعة الفاخري
-
مناقشة ديوان على بعد عمرين للشاعر عمار دويكات في دار الفاروق
-
مجموعة فتيان الحجارة سعادة أبو عراق
المزيد.....
-
دار النشر -إكسمو- تطلق سلسلة كتب -تاريخ الجيش الروسي-
-
قبل نجاح -Sinners-.. مخرج وبطل الفيلم يتحدثان عن علاقتهما ال
...
-
نعي الصحافي والأديب والناقد المناضل نزيه أبو نضال (جميل غطاس
...
-
وفاة النحات الروسي البارز زوراب تسيريتيلي
-
المترجم سامر كروم: لماذا ينبض الأدب الروسي بحب العرب؟
-
العمود الثامن: زعيم الثقافة
-
التورنجي يتحدث عن تجربته الأدبية والحركة الأنصارية في جبال ك
...
-
الكشف عن الإعلان الترويجي لفيلم -المشروع X-.. ما قصته؟
-
فلة الجزائرية: تزوجت كويتيا ثريا أهداني طائرة خاصة ومهري لحن
...
-
الكشف عن الإعلان الترويجي لفيلم -المشروع X-.. ما قصته؟
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|