أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 4














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6439 - 2019 / 12 / 16 - 22:09
المحور: الادب والفن
    


كان يستعيدُ الصورةَ الوهمية للأرملة الجميلة، حينَ تجسدت غريمتها لعينيه على بعد أذرع قليلة من موقفه. يبدو أنها تعمدت الوقوفَ أمام الحيّز الخشبيّ للترّاس، المتيح لمَن على الشرفة رؤيتها. قبل قليل، كانت أديبة تجلس هنالك على الأريكة، تخيّط على سبيل التسلية قطعة من الحرير لجعلها غطاءً لوسادة الابنة، حينَ شعرت بوجودٍ غريب على الشرفة فوقها. تركت ما بيدها، لتذهب وتنتظر قليلاً عند الحيّز الخشبيّ، قبلَ أن تلتفت وترفع رأسها. من ناحيته، اكتفى عدنان بإلقاء نظرة خاطفة على المرأة الشابة قبل أن يتوارى عن عينيها. في اللحظة الخاطفة تلك، أمكن له أن يلحظ ابتسامةً، أضاءت قسمات المرأة ذات الملامح الحسنة والقاسية في آنٍ معاً. فكّر بأنه حُسْنٌ ليسَ بمستوى ما رآه لدى الأرملة، صاحبة المنزل، لكنه يتفوق عليه من ناحية واحدة على الأقل. لقد كان فيه نوعُ من الأنفة والكبرياء، خلع على صاحبته سحراً خاصاً، نادراً، من الصعب وجوده في الريف: " ولعلها مصطافة دمشقية، مَن يدري؟ "، خلصَ إلى هذه النتيجة وهوَ جالسٌ وراء تل من الكتب موضوع على الطاولة.
بعد ذلك ببضع ساعات، كان ما ينفكّ في مكانه يُطالع في أحد الكتب حينَ سمعَ طرقات على الباب الخارجيّ. الوقتُ أضحى على مشارف الغروب، وكان قد أشعل المصباح كي يتمكن من تمييز الحروف بشكل جيد. لم يتعرف على القادم، سوى أنه ظنّه زوجَ امرأة الترّاس: " هل شكّ بشيء، لما كنتُ أقف على الشرفة؟ "، دهمه هذا الخاطر بلمحة. الظلال المتكاثفة في قاعدة الدرج، الموصل للعليّة، أخفت تقريباً ملامح الرجل؛ وإلا لكانت شفّت عن سنّ شابة، علاوة على شيء من المكر والدهاء. لم يتأخر القادم بالتعريف عن نفسه وبلهجة المنطقة: " يدعونني محمد أفندي، كنت موظفاً في ديوان المتصرفية "
" آه، أنتَ مُرسلٌ إذن من جانبهم؟ "، أوقفَ عدنان كلامَ الرجل بسؤاله. بيد أن القادم تابع، وكأنه لم يسمع السؤال: " والآن أنا وكيل أعمال السيّدة أديبة، صاحبة المنزل ". مرة أخرى، أُشْكِلَ على فهم المستأجر الغريب، فاعتقد أنّ ذلك اسم المؤجرة الحسناء. على أن الأمور ما لبثت أن انجلت، باستطراد الرجل: " والسيّدة هيَ من أرسلتني، لتستفهم عن سبب وجودك في الدار؟ ". هنيهة على الأثر، وآبَ المعلم الشاب إلى مألوف جلسته مع الكتاب، بعدما أبلغَ رسول السيّدة الفضولية عمن يكون وداعي وجوده في الدار.

***
مع مرور الأيام، سلى تماماً أمرَ المرأة الفضولية، وفي المقابل، استعرّ في داخله عشقُ الأرملة حتى كاد يسلمه للسقم. ربما تمنى لو أنّ هذه الأخيرة هيَ مَن أقامت بينَ ظهرانيه، إذن لأمكنه التواصل معها في سهولة ويُسر. إذ سبقَ وأمدّه الحوذيّ بمعلومات ضافية عن المؤجرة الجميلة، وكانت مطمئنة لناحية وضعها الماديّ المتواضع فضلاً عن وضعها العائليّ كأم لصبيّ على شفا سنّ البلوغ. إلا أنه لم يكتفِ بالاستسلام لحالة العشق من طرف أحاديّ، وإنما حامَ أكثر من مرة حول مسكن سالبة لبّه، علّه يظفر برؤيتها. كون الوقت صيفاً، والعجائز يفضلن المسامرة أمام عتبات أبواب بيوتهن، تعذرَ عليه الاستمرار في المرور من قدّام المسكن. يائساً، غامرَ ذات مرةٍ بالذهاب إلى مسكنها كي يراها متحججاً بحاجة منزل الإيجار إلى بعض اللوازم. لكنه انكفأ راجعاً على أعقابه، وقد عزّ عليه تمثيل هكذا دور سخيف ومكشوف.
كان العمل على أوجه فيما يخص مشروع المدرسة، وقد أمِلَ عدنان أن يكون بمقدور الأولاد البدء في عامهم الدراسيّ الأول بمستهل الخريف. الخوريّ، المتعهّد إدارة المدرسة المخصصة لأولاد رعيّته والكائنة في بناء ملحق بالدير، كان من اللطف أن أرسل إليهم شخصاً من طرفه. جاء الشاب النصرانيّ كي يقدم خبرته فيما يخص أسلوب التدريس الحديث، وأشياء أخرى من قبيل نوعية كتب التعليم وملائمة كلّ منها لأعمار التلاميذ. كان يُدعى " مخول "، ذا ملامح وسيمة وحيية، أناقته كانت ملحوظة بالنظر إلى كونه من أبناء الريف. لاحقاً، سيلاحظ عدنان أيضاً أن أغلب فتيان طائفة الشاب كانوا على مثاله في حُسن المظهر، بينما الكبار تمسكوا بهيئة مواطنيهم الآخرين، القروية. صارا صديقين، وذلك لأن كلاهما كان منفتحاً على الناس دونَ النظر إلى دينهم أو وضعهم الاجتماعيّ. ذات يوم، شاء عدنان التخففَ من عبء العشق، وذلك بأن يُخبر صديقه بمعاناته. ظهرَ أن مخول يعرف الأرملة. وقال ضاحكاً أنّ كثيرين في البلدة أصابهم أيضاً داء عشقها، مضيفاً: " لكنها لم تعُد شابة، يا صاحبي، وظنّي أنها تكبرك بنحو عشر سنين "
" لا يهم معرفة عُمر امرأة، ما دامَ جمالها ما يفتأ على رونقه "، قال العاشق بشيء من الضيق. لحظ الصديقُ ذلك، فأدرك أنه فعلاً أمام شخص مسحور بفتنة الأرملة بحيث لا تنفع أيّ رقية لحالته. قال بعد وهلة تفكير، مستدركاً: " مسألة العُمر في صالحك، وستسهل أمورك لو شئتَ التقدم من أبيها بشأن الخطبة "
" لكنني أرغبُ أولاً بمعرفتها عن قرب، وأن تبادلني مشاعري بشكلٍ جليّ "
" أنتَ ترغب إذن العيشَ في حالة عشق متبادل، مثلما يجري في القصص الرومانسية "
" هكذا قصص محكومة بخيال كاتبها، ولا تنقل حقيقة مشاعر المرء "
" لذلك أنا أسميتها رومانسية، لأن ثمة قصصاً واقعية أيضاً "
" أنا أقرأ أقاصيصَ فرنسية غالباً، مترجمة ومطبوعة في مصر. فماذا عنكَ أنت؟ "
" أفضّلُ القراءة بالفرنسية مباشرةً، لكنني أميل إلى الأدب الروسيّ "
" وهل في وسعك قراءة القصص بالروسية؟ "
" بلى، وسأطلعك على بعض تلك القصص بالعربية من ترجمتي "، قالها مخول محمرّاً بعض الشيء. ثم أردفَ مع ضحكة مقتضبة: " ياه، كنا في حديث الحب ثم أخذنا حديث الأدب. وعلى فكرة، بعد أيام يحل عيد رقاد العذراء ويُحتفل به بشكل عموميّ في البلدة. ما يعني أنه واردٌ، احتمال وجود الأرملة هناك مع المحتفلين ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثاني
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 1


المزيد.....




- مسرحان في موسكو يقدمان مسرحية وطنية عن العملية العسكرية الخا ...
- مصر.. النائب العام يكلف لجنة من الأزهر بفحص عبارات ديوان شعر ...
- عام من حرب إسرائيل على غزة.. المحتوى الرقمي الفلسطيني يكسر ا ...
- بيت المدى ومعهد -غوته- يستذكران الفنان سامي نسيم
- وفاة الممثلة المغربية الشهيرة نعيمة المشرقي عن 81 عاما
- فنانون لبنانيون ردا على جرائم الاحتلال..‏إما أن نَنتَصر أو ن ...
- مخرج يعلن مقاضاة مصر للطيران بسبب فيلم سينمائي
- خبيرة صناعة الأرشيف الرقمي كارولين كارويل: أرشيف اليوتيوب و( ...
- -من أمن العقوبة أساء الأدب-.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجا ...
- إعلان أول مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 مترجمة على قص ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 4