|
التناص الامتصاصي ومنطق سيميائية المحسوس في الديوان الزجلي - سوق راسي - لإدريس الهكار
عبدالرحمان الصوفي
الحوار المتمدن-العدد: 6439 - 2019 / 12 / 16 - 13:49
المحور:
الادب والفن
دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة من إعداد : ( عبدالرحمن الصوفي / المغرب ) عنوان الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة ( التناص الامتصاصي ومنطق فلسفة سيمائية المحسوس / سيمائية الأهواء ) في الديوان الزجلي ( سوق راسي ) للشاعر ( إدريس الهكار ) .
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1 - تقديم :
الزجل لون شعري تعبيرى عامي له جذور ضاربة في تاريخ الثقافة المغربية ووجدان العامة من الشعب ، لذلك تميز بطقوس وتقاليد وقواعد لا تختلف عن الشعر الفصيح سواء على مستوى الموضوعات والأساليب والأوزان والإقاعات ...باستثناء الاختلاف في اللغة الموظفة في كل منهما . الزجل يعيش مع العامة مشاكلها وأحلامها وأمانيها في حياتها اليومية كرافد من روافد الثقافة الشعبية ، لذلك كانت القصائد الزجلية تتناقل بين الناس شفاهيا في سرعة كبيرة ، وتجد لها صدى في الغناء الشعبي الذي يحتضنها ويزيدها شعبية . أما في العقود الأخيرة فظهر صنف " الزجل الكتوب ،" ( د . سعيد يقطين ) أي الزجل الذي كتب ليقرأ في الساحة المغربية ، فعوالم هذا النوع شبيهة بعوالم الشعر الفصيح ، إلا أنه ( الزجل المكتوب ) لا هو شعبي ( قبوله اللحن الموسيقي ) ولا هو شبيه بالقديم أو المحدث من الشعر الفصيح ، بالرغم من هذا الوضع فقد بصمت الكثير من الأسماء من شعراء الزجل تجربتها التي صارت محط اهتمام من طرف النقاد والباحثين والدارسين لصنف الزجل المكتوب في المغرب . فارتفعت وتيرة نشر الدواوين الزجلية من ثلاثة خلال السبعينات إلى أربعين خلال التسعينات ، وتضاعف العدد ليصل المائة خلال بداية الألفية الثانية ، كما أحدثت الكثير من المواقع الإلكترونية المهتمة بالزجل .
2 - المدخل البصري :
الديوان الزجلى " سوق راسي " ( 1 ) يحتوي على ( 115 ) صفحة ، تتصده كلمة الشاعر الزجال ( إدريس الهكار ) ، يضم ( 42 ) قصيدة زجلية تتفاوت من حيث الطول والقصر ، نذكر من عناوينها : ( وما ديت ما جبت - طليت على حالي - وغروني - وحليت عيني - الخبز اخمر - القصدير - ضربني الضو - من جوف حماقي - ولاموني - ودخلت للرحبة - خير وسلام - المجدوب - وغيرها من القصائد الزجلية الأخرى ، كل القصائد من صنف الزجل المكتوب الذي أبدع ليقرأ . لون الغلاف أسود تتوسط واجهته الأولى صورة الزجال واسمه وعنوان الديوان ( سوق راسي - ياء المتكلم ) بدل ( سوق راسك + كاف المخاطب ) كما تستعملها العامة وقت نصيحة الآخر . يقول الزجال في كلمته : " ... ولما قررت أن أكتب نسيت ماذا سأكتب ، لكن في عيد الأم نصحني إلهامي أن لا أصمت ، وعندما كتبت ، كتبت لأستريح ، لأفضفض ، لأنزوي متأبطا أحاسيسي أرويها ما أكنه وما أتذكره ، كم مرة تمنيت أن أمحو تلك الذكريات لأشعر بمخاض ميلاد جديد ، فضاء ومكان جديدين ، ليس ندما ولا يأسا بل هو تعبير عن موقف طالما راودني . كم تمنيت أن أغمض عيني وأستيقظ على زقزقة عصفورة تهمس في أذني أناشيد صباح أكون فيه كريما . الصباح أيام تلو أيام ، أروي فيها عبرات أشعارا لمن يسأل ويتساءل ...وقلت : أيها الواقع إنك تلهمني ، فلك وإليك أكتب ، انتبه !!! وقل هل فهمت المعاني ؟ ....."
3 - التناص الاسترجاعي الامتصاصي في قصائد الديوان الزجلي ( سوق راسي )
إن كل قراءة نقدية تتبنى مصطلح التناص ، هي قراءة استرجاعية ، تبدأ فاعليتها بقراءة النص ، ثم ترتد عليه ، في وعي ، إلى الروافد السابقة له سواء كانت قديمة منه زمانيا ، أو كانت قريبة أو حديثة تكاد تتجاوز زمن النص الحاضر ، على أساس ان يكون في الوعي النقدي تلازم القراءة المرجعية مع القراءة التأويلية . ظواهر التناص وانواعه وأشكاله كثيرة ، نذكر منها : ( - التناص الاقتباسي - التناص اﻹشاري - التناص اﻷسلوبي - التناص الامتصاصي ) ، سنركز على التناص الامتصاصي ( وهو من أنواع التناص الميت المرتبط بتيمة النصوص ) في دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة للقصائد الزجلية لبعص قصائد الديوان واشتراك تيماته مع شعر زجلي مغربي آخر .
أ --- تناص تيمة " الحال / الجدبة " في بعض قصائد ديوان " سوق راسي " بقصائد أخرى من الشعر الزجلي المغربي .
زجل " الحال " هو بوح الكتابة أو كتابة البوح مستندة على أشكال تعبيرية سواء تعلق الأمر بالمعجم أو الإيقاع أو التصوير الشعري ، أو كما يسميه " عمر نفيسي " ( جنة الوجدان ) يقول : " الزجال يقتطف من جنة وجدانه ، التي وجدها روضة غناء ، فزرع فيها من بذور أحلامه ، وسقاها من مياه أفراحه وأحزانه ، فأزهرت ونورت " مشموم من بوح الحال ..." ( 2 ) .
يقول الزجال في قصيدة " طليت على حالي " :
طليت على حالي بين لحوال لقيت شلا حوال تما حال حالو ما هناني وعال حالتو غمة وحال يظحك عليا وحال تالف في الظلمة وحال حرف من الحروف ضايع بين الكلمة والكلمة
سنلاحظ التناص الامتصاصي( الحال / الجدبة ) في " الضياع بين الكلمة والكلمة " ، يقول الشاعر الزجال " أحمد المسيح " في قصيدة ( حال وأحوال ) ( ديوان خيال الما ) ( 3 ) :
احرثت الما وزرعت الحروف ، طار الما وابقاو لحروف ، اسحاب اتخنق ويبقى يشوف ، لكلام بلا جدور على ظلو يطوف
وسنلاحظ في نفس القصيدتين تناصا استرجاعيا آخر ( الحال / الجدبة ) تشترك فيه الذات الشاعرة بالكلمة ، يقول " إدريس الهكار " :
زيرت راسي بالعصبة وجدت ذيك الجدبة ودخلت سوق راسي
يقول الشاعر " أحمد المسيح " :
روحي زهقت جسدي تبخر والعقل مخطوف طرت من مكاني .
ويقول الشاعر الزجال " عبدالرحيم القلع " : ( 4 )
شوكة في الراس مدكوكة هاذ الحال ما هناني سفينة بين المواج ميزاني
ويقول أيضا ( عبدالرحيم القلع ) في نفس القصيدة :
شي كال راني مجدوب شي كال راني مسلوب وشي كال بهوت مطرز زيواني وأنا غير هاذ المكتوب بلاني
ويقول الشاعر " إدريس الهكار " في قصيدة ( خير وسلام ) :
ونهار طلع النهار شعري وقف لساني مرار وما عرفت منين نزلات الضربة غير زيرت راسي بالعصبة وجدبت كيف العادة ديك الجدبة .
وننتقل إلى نوع آخر من التناص الامتصاصي ( الحال / الجدبة ) ليست فترة من حياة الزجال بل هي حياته نفسها .
يقول الشاعر في نفس القصيدة ( طليت على حالي ) :
نقلب على وناسي بان لي السوق عريان فيه الحياة تقاسي وقبل ما نتكلم اجمعت حروفي وحسبت ضراسي مرة نحكي مرة نبكي حالة وأحوال واقع معاش وباقي
يقول الزجال " تمردولت " : ( 5 ) ( المرجع ( 2) نفسه .
حاجيتك أراسي على قلب مهموم من غير الحس والحال دواني عيت نصون الدم من غير ...الدم ...كالي هو الحال من غيرك يا ألي تسول ... فقلت حالي اللي حالي به محموم
وفي نفس تيمة التناص تقول " إحسان السباعي "( 6 ) :
سولني هبالي لمهزوز في كف الريح مالكي على العياقة صايمة على الفهامة نايمة جاوبتو ياهبالي .. يا السارق حالي أنا في حوال الغرام هايمة وف بحورو هايمة لا بسة دربالة سيدي البوهالي ما همني شلا جواب ولا شلا تسوال وعلاش قيامة ولاد العم قيامة ؟
ويقول الزجال " إدريس مسناوي " ( 7 )
مفتون بسكون الحركة مسكون بحركة السكون ركبت جناح النغمة والحرف واللون طلعت لنجوم الحس نزلت لأرض المعاني
ب --- تناص تيمة " المعاناة " في الديوان ( سوق راسي )
منذ وجد اﻹنسان على وجه البسيطة وهو يعاني ازمات الحياة ، ويدرك ما فيها من حزن وسرور وخير وشر . شعور اﻹنسان بالحزن واﻷلم ظل رفيقه في الحياة ...فأصبح الحزن كموضوع للإبداع الشعري منذ العصر الجاهلي وصولا إلى العصر الحديث ، ونراه جليا في أشعار المذهب الرومانسي واﻷمر يعود لشعورهم الحاد باﻷلم وواضح عند ابي القاسم الشابي وابراهيم ناجي ... يختلف الشعراء من حيث إحساسهم بالكون وبأنفسهم وما حولها اختلافا مبعته العمق والحدة واﻹدراك والنفوذ إلى بواطنهم وما يصورونه ويتصورونه . لذلك نجد تبادل ثنائية الحزن والذات للادوار ، فقد تغلب الذات الحزن ، او قد يغلب الحزن الذات او قد يتآلف الحزن مع الذات ، فيصبحان جزءا من هوية تكمل بعضها ..
يقول الشاعر الزجال في قصيدة ( الدقة دقات ) :
الدقة دقات شي في القلب شي في الراس تبات تما فاش بقات بقات في الكلمة تعبات قالها مجدوب عارفها باش روات تحرك الصهد وقال لي أنا ليك
يقول الزجال " مروان المعزوزي " في قصيدة " ملي حبيتك " ( 8 )
صعيب نرجع في كلامي حبيتك ووقفت الثواني ملي حبيتك عرفت للحياة بزاف د لمعاني عرفت علاش هذا ديما ضاحك في وجهو وعلاش هذا ديما تيعاني
إن اﻹنسان يصير إلى كماله الذي يبحث عنه دوما بطرق مختلفة ، ويصدر عنه فعله الخاص به ميل شعوري نحو هذا الكمال ، على اعتبار ان علم الموجودات كليتها وذواتها وخواصها تصير بلا نهاية ، فإن تعرفنا كليات الموجودات تعرفنا جزئياتها ، إن التفكير وحده يكشف عن وجود جوهري للنفس المتألمة والحزينة ، مجموعة أفعال تابعة لصفة التفكير ... المعرفة في حد ذاتها لها حزنها الخاص وهي دافع للشاعر للنظر إلى نفسه في عالم متغير محمل بمظاهر اﻷلم والحزن المتعدد اﻷسباب والمسببات ، بحيث أصبح محفزا للكتابة عند الكثير من المبدعين الشعراء مثل نازك الملائكة والسياب وغرهما ، فحزن اﻹنسان المبدع يتسم بحساسية خاصة بحيث يستطيع المبدع ان يحول حزنه وآلامه إلى مادة إبداعية ...
يقول " إدريس الهكار " في قصيدة " من جوف عماقي " :
من جوف عماقي شخدات نار شواقي تفكرني فاللي داز وفاللي باقي اللي داز ذكريات يا الساقي واللي باقي سؤال يتيم وشقي
تناص تيمة " المعاناة المتمركزة حول الذات " في قصيدة إدريس الهكار " مع قصائد ل " أحمد المسيح " الذي يقول ( 9 ) :
بغيت نتصنت لعظامي بغيت نصالح مع أيامي بغيت كهف فيه نتخلوى
وقول الزجال " أحمد المسيح " أيضا :
خليني يا زماني ندير عقل خليني نخبي جرحي ونكابر ما في ما عاند أو يقتل
ونلخص قولنا في هذا المحور ( التناص الامتصاصي ) ، أن القراءة الموجهة إلى ظواهر التناص تعتمد على الطاقة التخيلية وعلى قدرتها على متابعة الحاضر والغائب ، والمعقول وغير المعقول والمادي والمعنوي ، فالمخيلة هي الطاقة التعويضية عند غياب المرجعية الواقعية ، إذ تسعى لعقد علاقة بين النص الحاضر والنص الغائب سواء كانت العلاقة علاقة تنافر او علاقة محايدة او علاقة توافق .. يقول " أنجينو مارك : " إن للتناص أهمية في فهم المرجعية العلمية والشعرية وكشف الاتجاهات الثقافية وغيرها ، والتي تمثل وعي الشاعر وإدراكه أثناء الإبداع ...." ( 10 )
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
4 - الهوى والأخلاق ( سيميائية الأهواء ) في قصائد ديوان " سوق راسي "
سندرس في هذا المحور بعض قصائد الديوان الزجلية من منطق فلسفي أي الهوى والأخلاق كبؤرة نصية ، فمن خلال اﻷخلاق والمنطق الاجتماعي ، ونعني بالهوى لغة محبة اﻹنسان الشيء وغلبته على قلبه ونفسه ، وقد ورد الحديث عن الهوى في القرآن الكريم بصيغة المفرد / الفرد / اﻷخلاق ، يقول الله تعالى : " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى " / النازعات ، الهوي بصيغة المفرد ( الفرد ) ، ووردت كذلك بصيغة الجمع ( المجتمع ) ، يقول الله عز وجل في سورة المائدة : " قل يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل " ... ودراسة الهواء في النصوص الأدبية يدخل ضمن مبحث ( سيميائية اﻷهواء ) أو ما تعرف ب ( السيميائية التوترية ) أو ( السيميائية الاتصالية ) أو ( سيميائية المحسوس ) ، وقد برع العرب في هذه المباحث السيميائية وعلى رأسهم زكي الدين المنذري ، وابن حزم وغير هؤلاء ، ومن الغربين ( هارمان باريت ، و كريماس ، ودافيد هيوم ... ) وغيرهم ...
يقول الشاعر " إدريس الهكار " في قصيدة ( عبرت العبرة )
عبرت العبرة ...سولاتني تبكي فين حبيبي الميزان ...عليه نشكي كان هو راس مالي ...كان هو عشيقي يا لكانت كفوفو نحاس وصروفو رصاص فيها يدوب القرطاس كان كلشي عليها عساس وخايف منها لا تقاس وكانت الحكمة في الراس
ترتكز اﻷخلاق على التواشح والتقارب الموجود بين البشر ، وهو التوادد الذي يقتضي الرأفة باﻵخرين ( العدل والمساواة ) ، والعطف عليهم والتعبير عن آلامهم ، والاحساس بما يحسون ( العين تعبر بالغمزة / والقلب ما فيه حزة / والعقل فوقو رزة / رزة من لحرير / تفتخر وتغير / على حبك يا إنسان ) ، وتلك هي الرسالة المضمونية التي يحملها النص بين طياته وتحملها الذات الشاعرة ...
ويقول الشاعر في قصيدة ( الزمان )
اكشف يا زمان عزك علاش يلموك أنت شقي مسكين بقى فيا عمرك وحسيت بيك ألم فعماقي سولتك وسولت جوابك وجوابك تالف بين لوراقي عمت عومة فكتوب سرارك وما لقيت دوا لحماقي
إن منطق الهوى هو منطق الهوية والاختلاف ، لذلك سلك الشاعر في نصه أسلوب التوادد التوضيحي لعلامات اﻵخر المجبول على حب ذاته / الذات الطبيعية ، والتميز عن اﻵخرين ( بغيت نفيق وفين فياقي / النوم طال بين حلامك / راه فاضو الكيسان يا الساقي / الساقي ينهش فضلوعك ) ، بحيث لا يثير عذاب اﻻخرين لديه الاحساس بالتضامن والتعاطف ( كثر الغاشي وكثرو الحلاقي / شحال ما ضاع وطالت وقاتك ...) ...الشاعر يعالج ما يصدر عن اﻹنسان من حكم أخلاقي حيال أهواء الكائنات الأخرى من خلال اﻹطراء والتقدير ( للخير ) ، أو التقزز والامتعاض ( من الشر ) ، بنية اﻷهواء في القصيدة الصراع الدائم بين الخير والشر .
ويقول الشاعر في قصيدة ( نهار وعيت ) :
عيق يا الناسي وفكر زمانك وفيق يا الناعس واحسب وقاتك فين هي ؟ وفين جوابك ؟ اجمع حروفك راها عابت واجمع ريوكك راه سالت
تكتسي اﻷهواء منطقا و طابعا اجتماعيا بحكم اندماج الفرد في النسيج الاجتماعي الذي يطبع على قلبه أحاسيس متنوعة ومختلفة ( العدالة ، الحب ، الكراهية ، الكبرياء ....) ، فاﻷثرياء وأصحاب النفود يتمتعون بمتع إضافية ، ويشعرون بتميزهم عن اﻵخرين وعلو مكانهم بسبب ما يحظون به من امتيازات مادية ، وهذه الأخيرة قد يعرف مصدرها وقد يجهل ( يا الخوت يا لخواتات / شحال من غيض / شحال من عريض / شحال من مريض / فين الدوا ؟ فين الدوايات ؟ / الطبلة حمقة عامرة مزوقة / شكون اجمع الفتات ) .
ويقول في قصيدة ( القصدير ) :
على هذوك بالي مشطون يا حبابي اللي فالزناقي كشمو لخوابي سماهم غطا والقر النابي ولا خرقة من الثوب الدافي أرضهم لحاف وسولت جنابي ما لقيت ليك صباط يا الحافي تضمض جراح الدمع وتعافي
إن منطق الهوى عند اﻷغنياء والحاكمين يكمن في إثبات الذات بالتميز عن اﻵخرين والسيطرة عليهم ، فيصبح منطق الأهواء ( التشابه والاختلاف ) ، نوعا من المنطق البرجوازي الصغير ، الذي يقوم على إثبات الذات بمقارنة وضها مع وضع اﻵخرين ، فيصبح هؤلاء الأغنياء عبيد الأهواء وسلطانها . تقوم اﻷخلاق الحقيقية على عقد المقارنة أو الموازنة التي تجعل الفرد يرى صورته في أعين اﻵخرين ، وهذا يختفي في منطق اﻷهواء عند اﻷغنياء لغلبة منطق المتعة على منطق اﻷلم . اﻷهواء عند الفقهاء مفسدة للعقل ومقوضة للإيمان ...والفلاسفة يقرنونها بالعذاب والضعف والفوضى والخطيئة اﻷصيلة .... يتضح من خلال السياقات التي وردت فيها كلمة هوى إفرادا وجمعا في القرآن الكريم ، ان الله تعالى يرى أن اتباع الهوى يحمل الشهادة بغير الحق ، وعلى الجور في الحكم ، لذلك يستحث عباده على رد النفس إلى طاعته ، وأن يكونوا قوامين بالقسط ...
ويضيف في نفس القصيدة :
القصدير يدندن والزفت دايب والقطرة بين الحيوط مسارب هناك يماهم تكامد المصايب وباهم ما قدر يحسب الغرايب
تتناول الشاعر في قصيدته اﻷهواء من زاوية تلفظية مركزة باﻷساس على فلسفته وثقافته كعنصر مجتمعي ، وهذا يجعلنا نعتبر الخطاب في النص مجرد سلسلة منطقية من الملفوظات ذات سياقات حوارية جماعية ، الذات فيه ذات تلفظية وذات نفسية ، ومنها تستنبط اﻷهواء السيمائية عموما في كل اﻷجناس الادبية .
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
خاتمة :
ونختم دراستنا النقدية الذرائعية بما سنقتطفه من دراسة نقدية للأستاذ " عبيد لبرزيين " المعنونة ب " محاورة الذات " في ديوان " سوق راسي " للزجال " إدريس الهكار " وهي كما يلي : " الشعر فلسفة الحياة والزجل مرتع الحكمة وبؤرة التوتر والقلق، وهذا التوتر هو الذي يجعله ينبض بالحياة ويرنو نحو إعادة تشكيل الوعي الإنساني، اتجاه ذاته ومجتمعه والإنسانية جمعاء. هذا ويعتقد البعض أن الزجل مرتبط بالعصر الحديث، ولكنه في حقيقة الأمر يعود إلى العصر المرابطي 447ه/541ه حيث يقول إيراهيم حركات : ومن المعلوم أن العصر المرابطي عرف ازدهارا ملموسا في نظم الموشحات وشيوع الموسيقى، ومن أبرز وشاحي هذا العهد أحمد بن علي المعروف بأعمى طليطلة ... ثم أبوبكر بن قزمان الذي اشتهر بالإبداع في الزجل بعد ان سبقه آخرون لا نعرفهم. وهكذا يكون أصل الزجل في بلاد الاندلس حيث انتشر بسهولة في الأندلس كما انتقل بسرعة إلى المغرب الذي يبدو من كلام ابن خلدون أن اهله فاقوا أهل الاندلس في هذا الفن. وهكذا يثبت إبراهيم حركات أن الازجال من وضع أندلسي هو أبو بكر بن قزمان الذي عاصر المرابطين، واو أن المحاولات بدأت قبله لكنها أخذت طابعها المتميز في عهده...
الزجل قبس من النار، نار مستعرة تحرق اليومي منذ قرون خلت، نقل إلينا أخبار الناس وانفعالات الزجالين، وفي هذا السياق يأتي ديوان "سوق راسي" الصادر 2019 للزجال إدريس الهكَار .. ديوان تهيمن عليه محاورة الذات، ومن خلاله تتكشف اللهوف البلوية القابعة في أعماق النف ، هي انفعالات مرتبطة ببيئة الذات الشاعر، الحالمة التي لا تستطيع التنصل من جراح الآخرين..... " ( 11 ) .
عبدالرحمان الصوفي / المغرب ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
- المراجع والمصادرة :
1 - ديوان " سوق راسي " / إدريس الهكار 2 - الموقع الألكتروني / تساوت 24 3 - ديوان " خيال الما " / أحمد المسيح 4 - عبدالرحيم القلع / الاتحاد الاشتراكي يوم 12 / 10 / 2011 5 - المرجع ( 2 نفسه ) 6 - ديوان " يا المهزوز على كف الريح " / إحسان السباعي / الصفحة 5 7 - ديوان " شهوة الضوء / إدريس أمغار مسناوي 8 - موقع الالكتروني " الحوار المتمدن " 9 - ديوان " ريحة الكلام " / أحمد المسيح 10 - أنجينو مارك / في أصول الخطاب النقدي / ترجمة وتقديم / أحمد المديني الصفحة 104 11 - الأستاذ " عبيد البروزيين " / محاورة الذات في ديوان " سوق راسي ) للزجال إدريس الهكار
#عبدالرحمان_الصوفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدائرة الدلالية الذاتية في ديوان - همسات قلب حائر - للشاعر
...
-
الأنماط السردية في - سمراء وشاي - لفوزية الفيلالي -
-
الاحتمالات المتحركة في المضمون ( ثلاثية المسار السردي ) في ا
...
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|