أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يسري الشافعي - قصة من الواقع















المزيد.....


قصة من الواقع


يسري الشافعي

الحوار المتمدن-العدد: 6437 - 2019 / 12 / 14 - 23:16
المحور: الادب والفن
    


في البيت وجدت أمي قد حضرت و كانت تلعب مع عبد الرحمن و أنس
= السلام عليكم يا أمي و هويت أقبل يدها
- و عليكم السلام يا ولدي و رحمة الله و بركاته .... لقد كان هذا الاسبوع طويلاً جداً علي يا ولدي اشتياقاً اليك
= أنا أيضاً كنت مشتاقاً إليك جداً يا أمي ... لقد كان أسبوعاً مرهقاً و في أمس الحاجة إلى دعواتك
- ربنا يوفقك يا ولدي و ييسر لك أمورك
= يا رب ... هل تعلمين من رأيت هذا الصباح يا أمي؟
- من يا ولدي؟
= نادر صديقي القديم ... لقد أتى من أمريكا، و قابلته هذا الصباح في مكان تجمعنا القديم عند شجرة الكافور
- ياااااه ... لقد ترك البلد منذ زمن بعيد يا ولدي
= نعم يا أمي ... كان بيدرس في امريكا و أخذ الدكتوراة و اتعين في الجامعة هناك
- لقد كنتم أكثر من الأخوة يا لدي .. كيف حاله الآن؟
= لقد تغيرت أحواله يا أمي ...
- كيف يا ولدي؟
= لم أتحدث معه كثيراً، و لكن يبدو أن لوث المعيشة في الغرب أثر علي عقله و قلبه ... تخيلي يا أمي رغم ما وصل اليه من نجاحات و إنجازات و علوم و مكانة ، أصبح ملحداً!
- ماذا تقصد بأنه أصبح ملحداً يا ولدي؟
= الإلحاد هو إنكار وجود الله عز و جل ، و الملحد هو من ينكر وجود اله و خالق للكون بالكلية و يعتقد أن الكون هو الذي أنشأ نفسه، و الطبيعة هي خالقة كل شيء من حولنا بما فيهم نحن، و يعتقد أن ما لا يستطيع العلم المجرد اثباته فهو غير موجود، و أن ما لا يدركه العقل و يتصوره فلا يمكن إثبات وجوده، يظن أنه يعتمد على نور العقل و لكنه في الحقيقة قابع في ظلمات الجهل.
و هناك من يؤمن بوجود اله و لكن هذا الاله خلق الخلق و تركهم و هذا هو الربوبي.
و أما من تساوت لديه دلائل إثبات الخالق مع دلائل النفي فهو اللاأدري و هو لا يقطع بإثبات أو نفي الخالقية.
- و هل هناك من ينكر وجود الله عز و جل؟! ...يا ولدي من كان الله معه كان معه كل شيء و من لم يكن الله معه فَقْد فَقَدَ كل شيء.
= أنا في حيرة من أمري يا أمي، و لا أدري كيف أتعامل مع هذا الموقف؟، أنا لا أريد أن أتركه في هذه الضلالات.
- و ماذا تنوي أن تفعل يا ولدي؟
= أفكر أن أذهب لصلاة الجمعة مع الشيخ محفوظ و أستشيره في هذا الأمر، خاصة أنه هو الذي علمنا و أدبنا في كُتَابِه.
- ربنا يوفقك يا ولدي، أسأل الله عز وجل أن يهديه و يشرح صدره.
دخلت غرفة مكتبي لأبحث عن كتب تتحدث عن الإلحاد و تاريخه و أسبابه و دوافعه.
ما هو الإلحاد؟
كلمة ألحد تأتي في اللغة بمعنى مال عن الشئ، و تأتي في الإصطلاح بمعى فقدان الإيمان باله، و إستخدام كلمة ملحد كان قديماً جداً ، فقد كان اليونانيون يطلقون كلمة ملحد على من لا يؤمن بالهتهم حتى و إن كان لا ينكر وجود الله، و كذلك إستعمله الرومان في وصف اليهود و النصارى لأنهم كان اليهود و النصارى كانوا لا يؤمنون بالهة الرومان الوثنية. أما في كتب السلف فإننا نجد ذكر كلمة الإلحاد بمعنى الإنحراف العقدي في باب الأسماء و الصفات، أو إنكار نبوة الرسول عليه الصلاة و السلام. و لكن بدأ المصطلح ينحصر على من لا يؤمن بوجود اله. فقد ظهرت موجات من الإلحاد منذ نهاية العصور الوسطى في أوروبا، إلى أن ظهر في السنوات الآخيرة مصطلح آخر هو الإلحاد الجديد، و هو دعوة هدمية، لا تكتفي بعدم الإيمان بالله، و لكنه دعوة لمحاربة جميع الأديان و خاصة الإسلام، لأنهم يعتقدون أن الأديان هي مصدر الشرور في العالم، و قد تنامى هذا الفكر بعد أحداث سبتمبر 2001. و هي دعوة لا تقوم على بناء عقدي أو تصور متكامل بالنسبة للحياة أو الإنسان بقدر ما هي دعوة تهدم معتقدات الأديان من خلال بث الشبهات و الشكوك حول ثوابت تلك الأديان، و تستهدف الشباب خاصة، و تسلك مسلك السخرية و الإستهزاء من المقدسات، بينما لا تقدم حلولاً منطقية كبديل للأديان. و عدد الملحدين في العالم قليل جداً. فقد أشارت دراسة استقصائية أجرتها وكالة الاستخبارات الأمريكية عام 2004 في كتاب (حقائق العالم) إلى أن حوالي 12.5٪ من سكان العالم غير متدينين ، وحوالي 2.4٪ من الملحدين. و بحسب مسح أجري في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2014 فإن نسبة الملحدين في أمريكا حوالي 3 % ، و نسبة اللاأدريين حوالي 4 %.

و ما هو تاريخ الإلحاد، و ما هي أسبابه؟
كان أغلب الناس منذ قديم الأزل و حتى قبيل الثورة الصناعية في أوروبا، يتبعون شرائع، سواء كانت هذه الشرائع سماوية أو أرضية و كانت كل هذه الشرائع قائمة على فكرة وجود الاله الخالق للكون بما فيه من كائنات حية و جمادات و نجوم و كواكب، فنجد المؤرخ الاغريقي - بلوتارك– يقول (من الممكن ان نجد مدنا بلا أسوار وبلا ملوك وبلا ثروة وبلا آداب وبلا مسارح، ولكن لم نجد قط مدينة بلا معبد، يمارس فيه الانسان العبادة)
و لم يكن ينكر وجود الاله الا القليل، و كان يعد من شواذ الفكر، مثل الفيلسوف اليوناني ابيقور الذي أنكر وجود الاله بناءاً على سفسطة فكرية حول وجود الشر و الغاية منه.

و لكن بعد انقسام النصرانية إلى طائفتين متحاربتين الكاثوليك و البروتستانت و مع ظهور الثورة الصناعية تطور الفكر الإلحادي، و أصبح يوضع له النظريات التي تؤيده و تغذيه حتى صار له قبول لدى الكثير و خاصة الشباب، ليس فقط في المجتمعات الغربية و لكن أيضاً في المجتمعات الاسلامية و أصبح الأمر و كأن الأصل هو الإلحاد الذي تدل عليه كل الدلائل، وأن المؤمنين هم المطالبين بالإتيان بدلائل تبرهن على صحة تصورهم الإيماني على أساس أن فكرهم هذا يعتبر فكراً شاذا. و لم يكتفي الفكر الإلحادي بإنكار وجود الله عز وجل و محاربة الأديان، بل دخل في كافة مجالات الحياة الإجتماعية و السياسية و الإقتصادية و الدراسات العلمية، على يد كل من داروين و كارل ماركس و نيتشه و سيجموند فرويد الذين حاولوا تقديم تفسيرات مادية لكل شئ، تقوم هذه التفسيرات على فكرة عدم وجود اله، و أصبحت القدسية للعلم المادي. فما الذي أحدث كل هذه التغيرات الكبيرة؟

الكنيسة هي السبب
كانت بداية الإلحاد الحديث في أواخر العصور الوسطى حيث كان الهدف الفكاك من ربقة الكنيسة التي كانت قد وصلت إلى حد كبير من التسلط و الاستعباد للبشر و التحكم في إداة البلاد. و ليس هذا فقط بل وصل الحد إلى الوصاية على من يدخل الجنة و من يدخل النار، و اخترعت ما يسمى بصكوك الغفران التي كانت تباع مقابل المال، بالإضافة إلى ما يوجد في المعتقد النصراني المحرف من إنحرافات كثيرة، و عقائد متناقضة مع العقل مثل الثالوث والناسوت و الناسوخ و الصلب و الفداء و كون الاله له ولد، و تقرير عجز هذا الاله حين يصلب ابنه كما يدعون. في الوقت ذاته ظهرت اكتشافات علمية تناقض ما تناقله رجال الكنيسة عبر مئات السنين، مثل تحديد عمر الأرض و نهاية الدنيا و أقوالهم في مسائل علم الفلك، و غير ذلك من المعتقدات الكثيرة التي اعتبرت ديناً و أن من يخالف هذه المعتقدات فإنه يخالف الدين و يعتبر مارقاً، تقام له محاكم التفتيش و يطرد من الجنة بزعمهم.
فما كان من علماء ذلك العصر إلا أن قاموا بثورة على الكنيسة و الموروث الكنسي، حتى وصل بهم الحال إلى أن قال قائلهم أثناء الثورة الفرنسية (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس) دليلا على إنتهاء الوصاية الكنسية.
تدرج الفكر الإلحادي بعد ذلك، مروراً بإعتقاد أن الرب الذي أنشأ الكون قد خلقه ثم تركه، و كان هذا المبدأ الذي أسسه ديكارت. ثم تصاعد الأمر إلى نفي وجود خالق بالكلية.

إفتراض صدام العقل و العلم مع الدين
ثم قطعوا أي صلة بالدين، و اعتبروا أن الدين يخالف العقل و العلم، و يمنع من التقدم. فظهرت فكرة التخلص من الدين كضرورة من ضروريات التقدم. و أصبحت المعادلة إما دين و تخلف أو علم ورقي. و تأججت فكرة الصراع بين الدين و العلم.
ثم سحبوا معتقدهم هذا في الدين النصراني على بقية الأديان، و من ثما كان هدفاً عندهم محاربة كل دين. و خاصة عندما رأوا حال أصحاب الديانات و ما هم فيه من تخلف و فقر و جهل و مرض.
وهنا في خطأ علمي فادح و هو الخلط بين النماذج المختلفة. فحقيقة الاسلام ليست كذلك فهو من أول يوم يدعو إلى التعلم و إلى استخدام أدواته (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5))
(... وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114(
و يدعو إلى التفكر في مخلوقات الله ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فإنظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ...)
( أَفَلَمْ يَنظُرُوا إلى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7))
هذه هي دعوة الاسلام إلى العلم و نفي الجهل. و تطبيقات هذا الكلام كثيرة في التاريخ الاسلامي و اسهامات العلماء المسلمين في كافة العلوم متنوعة، و تجد العالم منهم موسوعة في العلوم المختلفة فتجد من يجمع بين الطب و الرياضيات و الفلك . و وضعوا قواعد العلوم و مبادئه التي كانت تعد في زمانهم من الاكتشافات العظيمة. و لا تزال كتب الكثير منهم تدرس إلى الآن في جامعات العالم الغربي، و يحتفظون بنسخ أصلية من هذه الكتب في مكاتباتهم.

نظرية التطور
ثم ظهرت نظرية التطور و التي قطعت الحبل الأخير بالدين، بوضعها تصورات لنشأة الحياة بدون اله، و تفسير كل الظواهر الكونية و الاجتماعية والسلوكية على أساس دارويني تطوري. و أصبحت النظرية المرجع الاساسي الذي يرجع إليه كافة الملحدين في تفسير كل ما يستجد من اكتشافات. رغم أن نظرية التطور لا تعدو إلا أن تكون تصور و تخيل لنشأة الكائنات الحية فقط و لا علاقة لها بتفسير نشأة الظواهر الكونية.

العالمانية و الإلحاد الجديد
ذهب كهنة الإلحاد إلى اختراع طريقة جديدة تقوم على خداع الناس و إيهامهم أنه يمكن تفسير كل الظواهر المحيطة بالانسان من خلال العلم، و بالتالي فلن يكون هناك داعي لوجود اله. تبلورت هذه الفكرة بدايةً عند (أوجست كانت) رائد الفلسفة الوضعية، ثم انطلق كهنة الإلحاد الجديد أمثال ريتشارد دوكينز و ستيفين هوكينج و سام هاريس و لورانس كراوس في تسميم العقول بدعوى أنه لا اله و لا خالق لهذا الكون و لا لهذه الكائنات، و انما هي المادة التي خلقت كل شئ. و ادعوا أن هذا الاستنتاج هو ناتج عن العلم. و ظهر هذا جلياً في كتاباتهم مثل كتاب (نهاية الإيمان) و كتاب (رسالة إلى أمه نصرانية) لسام هاريس و كتاب (ابطال السحر: الدين كظاهرة طبيعية) للفيلسوف الملحد دانييل دينيت و الكتاب الأشهر للملحد ريتشارد دوكينز (وهم الاله) ، و هذا الكتاب الآخير لم يسلم من الانتقاد من داخل البيت الإلحادي نفسه مثل ديفيد سلون و مايكل روس اللذين انتقدا فكر و كتاب ريتشارد دوكينز ، و على حد تعبير مايكل روس الذي يقول"أن هذا الكتاب يجعله يشعر بالحرج كونه ملحداً". و من الكتب التي انتقدت هذه الفكرة كتاب (وهم العلم) لروبرت شلدرك، و كتاب (وهم الشيطان) للملحد اللاأدري ديفيد برلنسكي، و كتاب الفيلسوف الملحد توماس ناجل (العقل و الكون)
و بالاضافة إلى أن هذه الأفكار تتناقض مع العقل و المنطق، فهي أيضاً لا تطبق المنهج العلمي الذي تحاكموا اليه، و الذي يعتمدون عليه في تفسيراتهم للحياة و الكون، و إنما هي مجرد فلسفات و تخيلات ليس عليها أي دليل. فمثلاً ينكرون وجود مصمم لهذا الكون لأنه من وجهة نظرهم لا يمكن اثبات وجوده علمياً، ثم يدعون أن كائنات فضائية هي التي بذرت بذرة الحياة على كوكب الأرض، في تناقض صريح للعلم و العقل و المنطق.
و كما أنهم لا يقدموا بديلاً منطقياً لفكرة الاله و الدين و لا لسبب الحياة، فهم أيضاً لا يقدمون تفسيرات مقبولة للأخلاق و الغرائز الفطرية و الوعي.
و زعموا أن من أهداف العالمانية هو اقامة العدل بين البشر، و هذ يتنافى مع مبادئ التطور أن البقاء للأصلح و الأقوى، كما أنه منافي لفكرة الصراع. بالاضافة أن مفهوم العدل يناقض فكرة الإلحاد، فاذا كان العدل قيمة مطلقة فهو اذا ينقض مبدأ نسبية الأشياء في الفكر الإلحادي و أنه لا يوجد قيمة مطلقة. و اذا كان العدل قيمة نسبية فلا يمكن لوم الجانب الآخر، فكلٍ يؤمن بما يعتقده. بالاضافة إلى أن اقامة العدل مطلب شرعي، و العدل هو ما يراه الشرع لا البشر، فقد يكون لكل فرد رؤيته في العدل من وجهة نظره و لكن يبقى الحكم الفاصل للشرع.
وفي تناقض عجيب لكهنة العالمانية تجدهم يدعون أنهم مخلصي الناس من تطرف و ارهاب الأديان، بينما هم الذين يمارسون التطرف و الإرهاب الفكري على من يناقض فكرهم و يصفونه بالتخلف.
و من شواهد التاريخ نرى أن الفكر الإلحادي أسفر عن فظائع بشرية مثل ما فعله الاتحاد السوفيتي – الذي رفع شعار اللالحاد – في الشيشان و أفغانستان و الجمهوريات الاسلامية في وسط آسيا و في اوكرانيا و في السوفيت أنفسهم. و أيضاً ما فعله ماو تسي تونج في الصين، و بول بوت في كمبوديا.

اشتعال الحروب
و من العوامل إلى ساهمت في نشر الفكر الإلحادي، إدعاء أصحابه أن المعتقدات الدينية كانت و لا تزال هي المحرك الأساسي للحروب و الدمار و القتل و التشريد، فنادوا أن يحل سلطان العلم بديلاً عن سلطان الدين و حينها تنعم الأرض بالسلام و الأمن. فهل فعلاً نعمت الأرض بالسلام و الأمن في ظل العالمانية و الإلحاد؟

ضعف الإيمان و قلة العلم الشرعي
في ظل العولمة و سهولة تناقل المعلومات و تجهيل الناس بأمور دينهم، ظهر جيل فيهم ضعيف الإيمان و لا يمتلك لا علم شرعي و لا علم حياتي ، فلما تعرض للشبهات التي يثيرها أتباع الشيطان حول الله عز وجل و حول الاسلام و القرآن و الرسول عليه الصلاة و السلام و الصحابة و نقلة العلم الشرعي، و إدعاء مظلومية المرأة في ظل الاسلام، و الحدود و البعث و الحساب و انتشار الاسلام بالسيف، لما سمع تلك الشبهات و لم يعرف الردود على عليها ضل و ترك الإيمان بالكلية. و ساعده على ذلك عدم إهتمام بعض العلماء و المشايخ بالرد على أسئلة الشبهات بل و زجر السائل إما لأنه لا يملك اجابة شافية أو اتهام السائل بالخروج عن الدين مما سبب نفرة بعض الشباب من الدين ككل.
و لو أجهد الشاب نفسه قليلاً في طلب العلم الشرعي و معرفة الأسس التي يقوم عليه الاسلام و سأل العلماء بحق لعلم أن كل هذه الشبهات قديمة و أسهب العلماء في الرد عليها قديماً و حديثاً، و أنها من الضعف بحيث لا تثبت أما الحجج الواضحة الدالة على بطلانها.
ساعد على ذلك انفصال علماء الدين و الخطباء و الدعاة عن الواقع، مع الخطاب الملئ بالمغالطات المنطقية و عدم التركيز على قضية العقيدة أو طرحها في أسلوب منفر. بالإضافة إلى الطرح التقليدي و عدم مواكبة التقدم التكنولوجي في مجال التواصل و الوقوف على مستجدات العلوم، يجعل هذا بعض الشباب ينفر من الاستماع لهؤلاء الدعاة . و كذلك وجود تناقض بين ما يطرحه بعض الدعاة و بين الممارسات الحياتية لهم، فترى أحدهم يعظ و يأمر بأشياء و هو في الواقع لا يفعلها، أو ينهى عن أشياء و تراه يجاهر بفعلها. فينشأ انفصام لدى بعض الشباب الذين كانوا يرفعون هؤلاء الدعاة إلى درجة القداسة، ثم يتطور معهم الأمر إلى الخروج من الدين نفسه..

كثير من الغرور المعرفي مع خواء روحي
أصبح لدى الكثير من الشباب شغف بالمعرفة في عصر سهل الوصول إلى المعلومة و في عصر معرفة اللغات أصبح من السهل جداً تتبع ما يصدر في الغرب من كتب أو مقالات أو محاضرات مرئية و ترجمتها، و فتجمع له قدر من العلوم و المعارف و التي بنى عليها معتقداته و تشكل بداخله نوع من الثقة الزائدة و الغرور بسبب هذه المعارف. مع أنك تجده لا يعرف من أمور دينه إلا ما يتناوله الخطاب الإلحادي من شبهات. و في ذات الوقت صادفت هذه المعارف روحاً خاوية فلا عبادات أو التزام سلوكي و لا حدود يقف عندها.

معضلة الشر
معضلة الشر هذه قديمة جداً، فمن أوائل الذين شككوا في وجود الله عز وجل بناءاً على هذه القضية طائفة الشكاك الذين جاؤا بعد أرسطو ، ثم قويت هذه الفكرة مع ظهور الفيلسوف ابيقور، و لكنها كانت محدودة التأثير عبر الزمن. ثم حضرت هذه القضية من جديد في بداية عصر النهضة في أوروبا و تزامناً مع زلزال لشبونة عام 1755 . وهو من أكثر الزلازل فتكاً وتدميراً في التاريخ. قتل بين 60،000 و 100،000 إنسان (رغم أن العدد الدقيق غير مؤكد). الزلزال أعقبه تسونامي وحرائق، مما أدى إلى تدمير شبه كامل لمدينة لشبونة والدار البيضاء.
ثم أخذت قضية الشر تزداد مع ظهور نيتشه و داروين في القرن التاسع عشر، ثم نشوب الحربين العالميتين في القرن العشرين و التي وقع فيهما ملايين الضحايا بين قتلى و جرحى و مشردين و صاحبهما هدم مدن بأكملها. و مع ازدياد موجات الكوارث و المصائب، ازداد حضور القضية في الحوارات و المناقشات و أصبح ينظر لهذه القضية حتى شاعت التشكيكات حول وجود الله عز وجل و الهدف من خلق الشر.
و لما رأى بعض الشباب كوارث في كثير من البلاد و خاصة البلاد الاسلامية، أو تعرض هو شخصياً لظلم أو شاهد من تعرض لظلم اعتبر، ذلك دليلاً على ضعف الاله أو أنه غير موجود أصلاً، لأنه لو كان موجوداً لمنع تلك المظالم و الكوارث في كل مكان.
و انطلقت دعوات البعض إلى البحث عن ما يسمى بالدين الانساني، حيث يعتقد أنه بذلك لن تكون هناك معاناة و لن يكون هناك ظلم. و لم يعلم أن الله عز وجل له سنن معينة لا تتبدل و لا تتغير، و أنه لا يعجل بعجلة أحد، و أنه وضع ابتلاءات ليميز الخبيث من الطيب، و أن الدنيا ليست دار قرار و إنما هي دار إبتلاء و مرور إلى الآخرة حيث ينال الظالمون عقوبات ما قدموا من ظلم و أكل حقوق و قتل و تشريد، و ينعم فيها الطائعون و المظلمون بنعيم دائم ينسي كل مرارة عاشوها في الدنيا. أما الكوارث الطبيعية فهي إما وسائل لإتزان الطبيعة أو عقوبات يرسلها الله عز وجل على الظالمين، أو أنها إبتلاء للمؤمنين ليزدادوا رفعة و درجات عن ربهم، أو أنها لحكمة لا نعلمها و لن يفيدنا العلم بها. و لنا في (أنتوفي فلو) عبرة، حيث كان من أعتى الملحدين و كان السبب في إلحاده هي معضلة الشر هذه، و ظل يدافع عن الإلحاد قرابة الستين عاماً، ثم بعد هذه الفترة الكبيرة رجع عن إلحاده و أقر بوجود الاله، و استمر في رحلة البحث عن الاله و لكنه مات في رحلة البحث هذه. و نحن عندنا دين يرشدنا إلى كل خير و يجاوب على الأسئلة الوجودية و معضلة الشر، فالحمد لله رب العالمين.

و للحوار بقية



#يسري_الشافعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- زاعما سرقة فكرته.. المخرج المصري البنداري يحذر من التعامل مع ...
- جرأة محفوفة بالمخاطر.. شهادات علنية لضحايا اعتداء جنسي تتحدى ...
- الفرانكو- جزائري يخرج عن صمته ويعلق بشأن -فضيحة حوريات-
- نافذة جديدة على العالم.. مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة ا ...
- شون بين يتحدث في مراكش عن قناعاته وتجربته في السينما
- تكريم مؤثر للفنانة المغربية الراحلة نعيمة المشرقي في مهرجان ...
- بوتين يتذكر مناسبة مع شرودر ويعلق على رجل أعمال ألماني سأله ...
- على طريقة أفلام الأكشن.. فرار 9 سجناء من مركز اعتقال في نيس ...
- -الجائزة الكبرى للشعر الأجنبي- في فرنسا لنجوان درويش
- الخنجر.. فيلم من إنتاج RT يعرض في مسقط


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يسري الشافعي - قصة من الواقع