أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 2














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6437 - 2019 / 12 / 14 - 19:09
المحور: الادب والفن
    


عقبَ زواجها بنحو خمس سنين، أدهشت سارة آل أبيها بنسيانها تقريباً للغة العربية، وكان ذلك حينَ سُمحَ لها بزيارة بلدة الزبداني كي تحضر مأتم الجد. في حقيقة الحال، أن اللغة الكردية كانت أليفة لسمعها مذ أن كانت في ربيع أعوام العمر. لم يكن للوالدة دخلٌ في الأمر؛ هيَ مَن لم تتكلم سوى باللهجة الشامية مع الابنة. وكان من الصعب، حقاً، التيقن مما لو أن أديبة استعملت لغتها الأم إبان وجودها في البلدة، على الأقل في فترة حياة والدتها. لكنها، في المقابل، ذكرت لابنتها أكثر من مرة أنّ الجد الراحل، رمضان آغا، لم يكن يتحدث سوى بالكردية مع جاره محمد آغا. أسرة هذا الأخير، كانت إذن معقدَ الإزار في أمر الإشكال اللغويّ.
الطفلة سارة، كما علمنا قبلاً، كانت تقضي أغلب فترة الصيف في منزل أولئك الجيران. ثمة، دأبت فوزية خانم على معاملة الطفلة كابنةٍ نهلت من حليب ثديها. الضيفة الصغيرة، لا بد أن سمعها المرهف كان يلتقط بعضَ الكلمات الغريبة، غبَّ فهمها ضمن سياق الحديث، ومن ثم تُختزن في الذاكرة. فاتي من ناحيتها، تُدين أيضاً في معرفتها للمحكية الشامية لصديقة الطفولة وأخت الرضاع. هذا، برغم أن ابنة محمد آغا كانت تمضي الفصول الأخرى من العام في حيّها الدمشقيّ؛ في حي الأكراد، الذي كان ساكنو القسم الشرقيّ منه لا يتخاطبون مع بعضهم البعض سوى بلغتهم القومية، بينما الكثير من أخوانهم في القسم الغربيّ كانوا على خلاف ذلك.

***
في صيف عامها الخامس، شهدَت سارة وفاةَ العم عمر، وكان بحَسَب قول أرملته قد تجاوزَ السبعين. خشيته من عذاب الآخرة، تغلبت في آخر المطاف على ما في شخصيته من إخبات وخبث. أرسلَ في طلب السيّدة أديبة، قبل دخوله في غيبوبة النزع الأخير. فما لبث أن اعترف لها بأنه تخامر ضدها مرةً مع طليقها وأخرى مع أرملة أبيها، فطلبَ منها بعدئذِ المغفرة بفم يرتجف تأثراً. لم تُصدم سيّدته تماماً، إن كان بسبب تقادم الزمن أو لمعرفتها بدخيلة أهل الريف، الغالب عليها المكر وشدة الحرص على المصلحة الشخصية. سوى أن اعترافه، أوقظَ ذكرياتٍ مشئومة كانت قد سلتها تقريباً مع ما كان من انشغالها بتصاريف الحياة اليومية ومشاكلها.
من جانبها، بادرت آمنة الموجودة في الأثناء إلى الإتيان بحركة ساخرة من عينيها. كأنها كانت تُدرك باعث الرجل للاعتراف، وذلك نتيجة خبرتها بأخلاقه على مر السنين. كانت ما زالت بأوج شبابها، وهيَ في أعوام عمرها المتجاوزة الأربعين بقليل، قضت معظمها مع زوجٍ لم تشعر نحوه بالمحبة أو الاحترام. كون صاحب الجثمان الطريّ مقطوع النسب، علاوة على مستواه الاجتماعيّ المتدني، لم تجد أرملته أحداً حولها كي تتكلّف أمامه دورَ المرأة المُفْجَعة برحيل رجلها. في اليوم التالي، بعيد إلحاد العم عمر، طلبت السيّدة أديبة من المربية الانتقال إلى مسكنها بشكلٍ نهائيّ. مثلما ذكرنا في مكان آخر، كانت آمنة تمضي في منزل سيّدتها أكثر أيامها وتنام في كثير من الأحيان في حجرة سارة. هكذا غادرت كوخها البائس أبداً، تاركة الرياح والأشباح تعبث بين جدرانه الخشبية، المتهتكة بفعل العثة والفئران.

***
بخلاص المربية من زوجها البرم والمتطلّب، وانضمامها نهائياً لأسرة السيدة أديبة، وجدتها هذه الأخيرة سانحة مناسبة كي تتفرغ للنظر في مصالحها بمساعدة وكيل الأعمال الشاب. ثقتها القديمة بالمستخدمة المترملة تواً، أفضت لأن تعهد إليها كل ما يتعلق بالابنة على مدار اليوم. ولم تتكدر فيما بعد أبداً، حينَ أخذت الطفلة تتعلق بمربيتها، حد أن تدعوها " ماما آمنة ". حق لها أن تستعيد عندئذٍ طفولتها، وكيف أنها تدين لهذه الإنسانة الحنونة بالكثير مما تتمتع به من المزايا الإيجابية ـ كالصبر والجلد والثبات على الموقف ـ الضرورية لمن هيَ في مثل حالتها؛ امرأة مطلقة، بلا أقارب تقريباً، وسط بيئة غريبة. إلى ذلك، كانت أديبة تعوّل على ذكاء المربية في الأخذ بيد الابنة إلى مرتبة ست المنزل، وذلك بجعلها تتعلم على مهل شؤون النظافة والمطبخ والحظائر والحديقة. في واقع الحال، أنّ المربية كانت من فترة طويلة تقوم بمعظم هذه المهام بدلاً عن سيدتها. في هذا المقام، لم تكن تلقي بالاً لسخرية الزوج، الذي اعتادَ في حياته على ترديد مثل هذا القول: " إنها تستغلك، تمص دمك مثل العلقة مقابل دراهم بالكاد تكفي أودنا ".
مع الماما البديلة، صارت سارة تجوبُ أماكنَ لم يصلها حتى صبيان البلدة الأكبر منها سناً. المغامرة، كانت تُقرر أحياناً عقبَ ملاحظة شك، بدرت في ليلة سابقة من الطفلة إثر سماعها حكاية مُساعدة للنوم؛ كأن تكون إحدى الخرافات، المتداولة بين السكان. عندئذٍ تعدها المربية ـ وهيَ بالطبع راوية الحكاية ـ أن تأخذها في اليوم التالي كي ترى المكان المطلوب، المفترض أن الواقعة الخيالية حصلت فيها. هكذا مرّت سارة من دير النحاس، أينَ التقى جدها رمضان آغا بالراهب العجوز واستمع منه لأسطورة الراعي، عاشق آلهة الشعر الإغريقية. في مناسبة أخرى، نهلت الماء من نبع كيبري، الذي كان وجوده في طريق الجد إلى الصيد سبباً في تعرفه على الفتاة الفاتنة، حوريّة؛ على مَن ستضحي زوجته ومن ثم أرملته وغريمة ابنته!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثاني
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 1
- ليلى والذئاب: الخاتمة
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 5


المزيد.....




- مسرحان في موسكو يقدمان مسرحية وطنية عن العملية العسكرية الخا ...
- مصر.. النائب العام يكلف لجنة من الأزهر بفحص عبارات ديوان شعر ...
- عام من حرب إسرائيل على غزة.. المحتوى الرقمي الفلسطيني يكسر ا ...
- بيت المدى ومعهد -غوته- يستذكران الفنان سامي نسيم
- وفاة الممثلة المغربية الشهيرة نعيمة المشرقي عن 81 عاما
- فنانون لبنانيون ردا على جرائم الاحتلال..‏إما أن نَنتَصر أو ن ...
- مخرج يعلن مقاضاة مصر للطيران بسبب فيلم سينمائي
- خبيرة صناعة الأرشيف الرقمي كارولين كارويل: أرشيف اليوتيوب و( ...
- -من أمن العقوبة أساء الأدب-.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجا ...
- إعلان أول مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 مترجمة على قص ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 2