|
قبيلة اسمها المغرب
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 6434 - 2019 / 12 / 10 - 00:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمكن اعتبار المجتمع السياسي المغربي مجتمعا قبليا بامتياز ، وذلك على ضوء مرتكزات سوسيولوجية وبيوسياسية ، وهو أحيانا ينحدر الى ما بقي من ترسبات قبلية ما قبل كولونيالية ، حيث يتحول رئيس حزب ، كي لا أقول زعيم أو قائد ، الى شيخ يهدد ويتوعد ، يسن ويوزع الطعام واللباس حسب تراتبيات مجتمع القبيلة . ربما من خلال خطاب السيد عزيز اخنوش الذي توعد وهدد فيه المغاربة يمكن ان نقف على حقيقة الرجل وخلفياته الثقافية والسياسية . فالرجل بعيد كل البعد عن روح العصر ، بكل ما تحبل به من صراعات سياسية تصل في حدتها الى محاولة عزل الرئيس الأمريكي ، وفي أخرى الى استنهاض عراقة حضارة اثيوبيا ، ويتوسطهما تلك المصالحة الأفقية والعمودية السودانية القائمة بعد الثورة الأخيرة . فما بين النماذج السابقة نجدنا خارج سياق التحولات السياسية العالمية . لكن للأسف نعثر على أنفسنا داخل انظمة تشبهنا او يحاول بعض سياسيينا ان يجرونا اليها عنوة ، كالنظام المصري او السعودي . ويمعنى آخر اما ، الى نظام عسكري قح دون رتوشات ولا تعديلات او أقنعة ، أو ، الى نظام قبلي ، بكل ما تحمله كلمة قبلية من معنى . حيث التعصب الى التقاليد المغلقة ، وان كانت طارئة ، فكل بنية نظام تعمد الى صناعة تقليدها الخاص بها ، تماما كما صنع تشاوسيسكو ومعمر القذافي وصدام حسين وبينوتشي وعبد الناصر . فيغدو التغيير المنشود خارج الاطار الذي سيجه النظام مروقا وعصيانا ، معارضة وانشقاقا ، يوجب المحق والسحق ، حتى وان لم يتبن الطرف الآخر ذلك . فالتعصب للقبيلة يفرض على الشيخ -شيخ القبيلة- أن يطرد من جغرافيتها كل من يعارض توجهاتها المسطرة من قبل أسلافه .ولا معنى للقفزات الحضارية الكبرى ، كالحداثة او ما بعد الحداثة او العولمة والانفتاح . فتلك آليات يوظفها الشيخ حسب هواه ، وليس حسب أنساقها التاريخية والمجالية . ذلك أن بنية القبيلة كما يراها أخنوش ثابتة ثبوت آلهة اليونان أيام العصر الأثيني والاسبرطي . وهي مقدسة ، كما كان حال تشاوسيسكو والقذافي ، وأي اقتراب منها هو تحطيم لصنم آلهة شيخ القبيلة . نوع من المكيافيلية المبتذلة التي لن تعثر عليها الا في تطبيقات اعتى الديكتاتوريات . أخنوش يخاطب المجتمع بلغة الأحياء الشعبية العتيقة "الى مامربيشي نربيك " ، هكذا تصيح الجارة في طفل صغير خرج لسانه عن اللياقة واللباقة ، او يصيح جار في وجه شاب انحرف بسلوكه . بل المقزز في الأمر ان يؤلب السيد اخنوش المغاربة ضد بعضهم خارج مؤسسات الدولة ، وبذلك ينفي بنية النظرية السياسية العصرية عن النظام المغربي كما هي مضمنة في دستور مغرب 2011 ، عير آليتين ، ألية نفي كون المغرب دولة مؤسسات ، حيث يمكن للأمن والقضاء ان يقوما بدورهما في حال الاخلال بالنظام العام وخرق نظم الحريات العامة ، كحرية التعبير . وآلية زرع الفوضى في المجتمع ، أي اعادة مفهوم السيبة الى بنية المجتمع بدعوة المغاربة الى معاقبة بعضهم البعض دون الاعتماد على منظومة الأجهزة المتعدةة للدولة . وهي دعوة صريحة الى الفوضى والفتنة . ان غياب الفعل السياسي المنظم والمؤطر ضمن سياق وعي محفز وبناء وفق اسراتيجية شمولية . لن يفرز لنا غير أشباه اخنوش ، الرجل الذي ادانته مجموعة من المؤسسات وعلى رأسها مؤسسة رسمية كالمجلس الأعلى للحسابات ، وخروقات شتى كاستغلاله الوضع العالمي لتقلبات أسعار المحروقات واستفادته من 17 مليار ، وتبديده لأكثر من 50 مليار المقررة لبرنامج المغرب الأخضر ، والارار بالمنتوجات الفلاحية واحتكاره للصيد البحري والرفع بطريقة دراماتيكية لأسعار السمك بالمغرب . الرجل من هذا المنظور يبدو وكأنه فعلا الحاكم الفعلي للمغرب ، فهو شيخ قبيلتها الذي لا يسأل عما يفعل ، ولا يمسه حساب او عقاب ، بل ان مجرد النظر اليه قد يعتبر جريمة ، فما بالك اذا انتقدته ؟ هكذا ينبطح السيد اخنوش الى اهم أسس البحوث الكولونيالية التي تأسس عليها الاستعمار الفرنسي للمغرب ، اذ كان الباحثون الأنثروبولوجيون والسوسيولوجيون يراقبون اوضاعه من الجارة الجزائر ، ويبثون بعضهم داخل قبائله ، وكان اول ما انتبهوا اليه هو ذلك الحقد القبلي بين مختلف القبائل ، وغزو بعضهم للبعض ، وتحالف البعض ضد الآخر . فاستغل الاستعمار هاته الوضعية التمزقية القائمة على أحقاد نفسية تنتصر للعصبية القبلية ولشيخ القبيلة ضدا على الآخرين وان كانوا متوجين ملوكا . فالحقد المتبادل كان من أهم الركائز التي استغلها المستعمر الفرنسي لتأليب هذا ضد ذاك ، واستعمار البلاد واستنزاف خيراته للآن . فخارج مقاربة حديثة وعصرية لما يموج وروج في المغرب ، لايمكن الادعاء اننا نعيش عصرنا ، ويكفي أن تقوم شخصية بمواصفات عزيز أخنوش وتدلي بمثل ذاك الخطاب لندرك أننا خارج عصر الذكاء الاصطناعي ، وخارج المأسسة التكنولوجية ، وبعيدا جدا عن الوعي السياسي الهادئ والمرن .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وداعا الى أن لا نلتقي
-
جيفري فيلتمان واللعب على المكشوف
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....12..
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية-10-
-
موسم انتفاضة الشعوب
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...10
-
دراسة سوسيولوجية لأغنية -عاش الشعب-
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....9
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...8
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....7
-
أبي أحمد علي ، شخصية السلام العالمية . من هو ؟
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....6
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية ...5
-
ايران تنتصر مرة أخرى ، متى يتعلم العرب فن الانتصار ؟
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...4
-
مواطن مع وقف التنفيذ ....رواية -3-
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية -2-
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية
-
انما الامم الاخلاق....قصة
-
حوار مع زيغموند باومان حول دور وأهمية المواقع الاجتماعية
المزيد.....
-
بعد إعلان حالة التأهب القصوى.. لماذا تشعر اليابان بالقلق من
...
-
-روتانا- تحذف أغنيتي شيرين الجديدتين من قناتها الجديدة على ي
...
-
منطقة حدودية روسية ثانية تعلن حالة الطوارئ مع استمرار تقدم ا
...
-
كييف تتحدث عن تقدم قواتها في كورسك وموسكو تعلن التصدي لها
-
هاري كين يكشف عن هدفه الأبرز مع بايرن ميونيخ
-
منتدى -الجيش - 2024-.. روسيا تكشف عن زورق انتحاري بحري جديد
...
-
وزير تونسي سابق: غياب اتحاد مغاربي يفتح الباب للتدخلات الأجن
...
-
أيتام غزة.. مصير مجهول بانتظار الآلاف
-
سيناتور روسي يؤكد أن بايدن اعترف بتورط واشنطن في هجوم كورسك
...
-
حصيلة جديدة لعدد المعاقين في صفوف القوات الإسرائيلية جراء حر
...
المزيد.....
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
المزيد.....
|