|
قراءة في كتاب دانيل إلزبرگ آلات الفناءـ اعترافات مخطط امريكي للحرب النووية
محمد الأزرقي
الحوار المتمدن-العدد: 6427 - 2019 / 12 / 3 - 19:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
آلات الفناء: إعترافات مخطط امريكي للحرب النووية يُعتبر دانيَل إلزبَرگ في طليعة المبلغين Whistle Blowers عن خطايا الحكومة الأمريكية، وسجّل بفخر اعتزازه بالخروج عليها وفضح اسرارها، التي تجمعت لديه من خلال عمله في دوائرها وموسساتها. عُرف باصداره كتاب شهير بعنوان أوراق الپنتگون في عام 1971، الذي طرح فيه اسرار وزارة الدفاع ووثائقها، وتورّط العسكر والسياسيين الأمريكيين[https://en.wikipedia.org/wiki/Pentagon_Papers] في فيتنام اعتبارا من عام 1945 لغاية عام 1967. تجمعت لدى المؤلف وثائق ومذكرات ومستمسكات رسمية كثيرة بفعل اشغاله مراكز هامة في البيت الأبيض وفي فيتنام وفي مؤسسة راند. قال، "قمت بفصل كافة الملاحظات والوثائق والمذكرات التي تخص فيتنام عن تلك التي تخص خطط الحرب النووية. وضعت الأخيرة في صندوق سلمته لأخي هاري، ليحتفظ لي به في منزله في مدينة هَستِنگ أون هِدسُن في مقاطعة وستچستر في ولاية نو يورك." نوى المؤلف اصدار كتاب ثان يخصصه لموضوع التخطيط لحرب نووية اعتمادا على تلك المصادر الرسمية، التي أودعها عند أخيه. لكنّ صندوق المصادر هذا ضاع خلال ظروف تحدّث عنها المؤلف تفصيلا. وعليه فكتابه هذا، قد تأخّر صدوره ما يقارب من 50 عاما، حتى رُفعت السرية عن معظم الوثائق التي ضاعت، بموجب قانون حرية الإطلاع على المعلومات. مكنّه هذا أن يستعيد نسخ الوثائق وينبش ذاكرته ليضع هذا الكتاب، الذي يقع في قسمين شملا تمهيدا ومقدمة وواحدا وعشرين فصلا. تولت مؤسسة بلومزبري العالمية، التي مقرها في نو يورك مهمة نشر هذا الكتاب القيّم. يلفت إلزبَرگ انتباه القراء في الفصل الأول الى ظنون الأمريكيين بأنّهم في سباق مع هتلر لتحقيق إنجاز القنبلة الذرية. فالعلماء الألمان هم أول من استطاع شطر نوى العناصر الكيمياوية الثقيلة. ولم يكن هناك سبب للإفتراض بأنّهم سوف يتوقفون ولن يحافظوا على موقعهم العلمي المتقدم للتنافس والحصول على تلك الطاقة ووضعها في متناول هتلر وطموحاته اللامحدودة في الغزو وتسجيل الإنتصارات. إنّ فكرة استحواذ المانيا على مثل هذا السلاح وتفردّها به، حتى ولو لوقت قصير، هو برأي المؤلف ما دفع العلماء المشاركين في مشروع مانهاتِن، وبخاصة منهم اليهود المهاجرين من أوروپا مثل سيلارد وفرمي للإستعجال والعمل الدؤوب. حين وضعت الحرب اوزارها، اكتشف الأمريكيون أنّهم على وهم كبير، فما كان لدى الألمان قنبلة ذرية! غير أنّه جاء چَرچِل واعلن في شهر مارس عام 1946 بأنّ "الستار الحديدي" قد أسدِل فشقّ القارة وفصل ما بين اوروپا الحرة وبين الحكم الطغياني في الشرق. بعد مرور أقلّ من نصف عام على دحر النازية وحلفائها اليابانيين، أشار چَرچِل الى السيطرة الشمولية لموسكو على كافة العواصم في وسط اوروپا وشرقها باستثناء أثِنا. وهذا بالضبط هو ما دفع هاري ترومَن في شهر مارس التالي أن يدعو الكونگرس لتقديم العون الى اليونان، التي كان النظام الملكي فيها مهددا من قبل تمرد قاده الحزب الشيوعي في البلاد. يمضي المؤلف للإعتراف بأنّ، "الأكثر إشكالية أنّني استطيع القول إنّ مثل تلك الأحكام خاطئة للغاية ومتهورة، والإدّعاء أنّ تلك النظم مقابلة للنازية ولديها نزعة وشهية للتوسع اشباعا لعدوانيتها العسكرية متى كان ضروريا وممكنا، ليس دقيقا. إفترض القائمون على رأس السلطة في البلاد أنّ النظامين الشيوعيين في الإتحاد السوفياتي واوروپا الشرقية، واللذين يتسلحان الآن بالسلاح النووي ولديهما قوات عسكرية تشكل تهديدا مباشرا لاوروپا الغربية وامريكا اعظم ممّا شكله هتلر. وهذا باعترافه غير صحيح. ثمّ يضيف، "الأكثر من ذلك، أنّ المساواة بين الأنظمة الشيوعية وبين هتلر قد ألغت أيّة محاولة لمفاوضات ذات معنى لحلّ الخلافات حول الحدّ من التسلح. الخيار الوحيد، الذي خلقه الغرب لنفسه ليس إلّا الإستعداد العسكري التام لصدّ هجوم وهمي وشيك أو "احتواء" التهديد السوفياتي "للعالم الحرّ." تعرّض إلزبَرگ في نهاية الفصل الأول الى حالة الرعب والهوس، التي طغت على فهم الجهات والمؤسسات التي كانت تخطط للحرب النووية خلال فترة الحرب الباردة فيستشهد بقراءة "دراسة تحليلية عن الظروف المُثلى، من وجهة نظر السوفيَت، للقيام بهجوم صاعق. الخطة الأساسية، ستكون غارة بالصواريخ العابرة للقارات مصحوبة بغارات جوية تقوم بها القاذفات على قواعد قواتنا الجوية في عمق الأراضي الأمريكية، يرافقها إطلاق صواريخ كروز من غواصاتهم على قواعدنا على ساحلي المحيطين الأطلسي والهادي، وعلى مراكز القيادة ومحطات الرادار في شمال البلاد. ... كي تدمّر الصواريخ اهدافها خلال دقائق معدودة." ومن هوسهم، وضعوا لها ساعة الصفر "في منتصف ليلة من ليالي شهر أغسطس، ظلماء داكنة غاب فيها القمر."
يتطرق المؤلف في الفصل الثاني الى موضوع الأستعدادات لأيّ هجوم نووي مباغت من قبل السوفيت والإنذارات الكاذبة عن مثل هذه الهجمات. فمثلا، بعث مركز الرادارت المتقدمة الحديثة BMEWs الموجود في قاعدة ثول في گرينلاند إشارات في احد الأسابيع عن تهديدات عديدة مختلفة المستوى. ظهر فيما بعد أنّ "التهديد" الذي ظهر على شاشات الرادار كان سربا من البط الكندي يطير على ارتفاعات شاهقة. في مرة أخرى ظهر أنّ اشارات الرادارات المتقدمة قد انطلقت لدى بزوغ القمر على الأراضي النرويجية وتصاعدت تلك الإشارات تدريجيا بارتفاعه في الأفق منذرة بالخطر القادم. وبناء عليه، فإنّ الأوامر بالإقلاع، الذي يتبعه انفجار أو حتى تفجير نووي في قاعدة امريكية ومن ثمّ انقطاع الإتصالات، قد يقود الى إقلاع عدد من الطائرات الحاملة للأسلحة الذرية، التي تعتبر غير آمنة بشكل كبير. في الحقيقة، إنّ مثل هذه الإحتمالات قليلة لكنّها ليست نادرة وربّما تتعاقب بشكل أكثر. إنّ التحذيرات الكاذبة التي تقود الى اقلاع الطائرات لغرض المناورات الوقائية precautionary كانت شائعة في المنطقة، التي زارها المؤلف وكماغيرها من المناطق حول العالم. إنّ عدد القواعد والطائرات المشاركة يزيد من فرص الإنفجارات العرضية، التي قد تحدث في مكان ما. ولكن حتى لو كان الإقلاع نتيجة أمر من قائد قاعدة، فإنّ تفجيرا كبيرا من النوع الذي يدمر وسائل الإتصالات، قد يقود الى اقلاع طائرات اخرى من قواعد مجاورة مصحوبا بانفجارات اخرى، وتؤدي هذه الى انقطاع الإتصالات في ذات الوقت. يرى المؤلف أنّه لوكان تمّ التدريب على مثل هذه الإجراءات، فإنّ الطيارين سيتوقعون تحت أيّ ظرف بأنّ عدم توفر الأدلة عن أيّ هجوم يعني أنّهم يقومون بطلعات لأغراض المناورة، وسيتعودون على الرجوع الى قواعدهم. سوف لن يتعرضوا لأيّ ضغط لكسر تلك العادات أو يخالفون الأوامر أو ينطلقون نحو الأهداف المرسومة حتى وإن لم تصدر اوامر اليهم بفعل ذلك. سيعودون الى قواعدهم بشكل روتيني. اخبره آمر قاعدة جويّة متقدمة قرب الحدود بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، وهو ضابط طيار برتبة رائد أنّه يشعر بأنّ لديه القوة بموجب المبادئ الأساسية للحرب، أن يخالف التعليمات المباشرة والصريحة القادمة من قيادة اركان القوة الجوية. "لم ينتابني العجب أنّ قائدا ميدانيا يمكن أن يتولد لديه مثل هذا الشعور تحت ظروف معينة. لقد كان ذلك هو الحدس، الذي جاء بي الى كوريا. لكنّني لم اتوقع أنّ صاحبي هذا قد فكر بالموضوع، أو أنّه على استعداد ليخبرني مباشرة أنّه لا يشعر بضرورة الإلتزام بالأوامر التي تصدر من المقرات العليا." ثمّ اضاف قائلا، "من الطبيعي أنّه إذا انطلق احدهم نحو الأهداف المقررة، فاعتقد أنّ الآخرين سيحذون حذوه." ثمّ توقف ثانية وقال وكأنّه يتأمل بالأمر، " قد يلحقون به. إذا اغار أحدهم فإنّ البقية سيتبعونه، رغم أنّني اخبرتهم بأنْ لا يفعلوا ذلك." وهذا ما جعل المؤلف يعتقد أنّ فلم Dr. Strangelove، الذي شاهده عام 1964 هو فلم وثائقي. صوّر ذلك الفلم، الذي كان من اخراج ستانلي كوبرِك، ما قام به الجنرال جاك رِپَر. كانت الأحداث تصوّر محاولة عن احتمال قيام حرب عالمية ثالثة. [https://en.wikipedia.org/wiki/Dr._Strangelove] قاد رِپَر سربا من الطائرات في دورية للإنذار المبكر فتمرّد وقاد سربه منطلقا لإلقاء قنابل نووية حرارية على موسكو. كان انتحاريا لسبب ما أو اصيب بلوثة عقلية وهو يحوم في الجو وما توقع أن يعود حيّاّ من مهمته، فوقعت احداث يوم القيامة. في فصله الثالث یناقش المؤلف باستفاضة واسهاب الرسالة التي بعثها الرئيس أيزنهاور الى الأدميرَل دي فِلت قائد العمليات الحربية في حوض الپَسَفِك ومقره في هوائي، والتي خوله بموجبها شنّ حرب نووية شاملة، إذا كانت الإتصالات مقطوعة بين مقرّه والعاصمة واشنطن، لأيّ سبب من الأسباب. یرى المؤلف في ذلك مشكلة عويصة، خاصة وأنّ الأدميرَل المذكور قد نقل تفويضه الى قادة الأسطول السابع والقواعد الأمريكية في اليابان وأوكيناوا وكوريا وتايوان وگوام. "إذا كانوا جميعا على صواب بصدد رسالة الرئيس، فإنّ هذا التوجيه بنقل التخويل الى القادة ذوي المناصب الأدنى، مخالف وحلّ محلّ التوجيه السري. كنت اطلعت على هذا التوجيه في خطط الحرب، بما فيها خطط الضرورات الطارئة العامة الخاصّة بقيادة حوض الپَسَفِك GEOP، عن الحرب النووية الشاملة، وكيف أنّ الهجوم النووي الأمريكي يجب أن يكون بمبادرة تعتمد فقط على قرار الرئيس في وقت الهجوم." اطلع العالم قبل عام تقريبا على ما تناقلته وكالات الأنباء حول تهديدات متقابلة بين الرئيسين ترامپ وكِم جونگ أون حول من يمتلك الأصابع الأطول والأزرار الأكبر بما معناه، "في مكتبي ازرار لو شئت الضغط عليها بأصبعي لأحرقتكم عن آخركم نوويا!" كانت وثائق رسمية قد كشفت عن عصيان ضابط لشكّه في أمر ارسال طلب للقاعدة الأمريكية في أوكيناوا لشن حرب نووية. صرح جون بوردن الضابط في القوات الجوية الأمريكية في حديث أدلى به لموقع "Bulletin of the Atomic Scientists" أنّه عندما بلغ التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ذروته خلال ما أطلق عليه بـ"أزمة الصواريخ الكوبية" عام 1962، أمرت القيادة الأمريكية قواعدها الصاروخية الواقعة في جزيرة أوكيناوا اليابانية في بحر الصين الجنوبي بإطلاق 32 صاروخا حاملا لرؤوس نووية على عدة مدن في دول تحكمها أحزاب شيوعية حينذاك. ونقل الموقع عن بوردن الأحد 25 أكتوبر عام 2015 قوله إنّ زميله الراحل الضابط وِليَم باسيت قائد إحدى القواعد الصاروخية تلقى بعد منتصف ليل 28 أكتوبر عام 1962، الأمر بإطلاق صواريخ "Mace B" المزودة بقنابل نووية "Mark 28" على كلّ من مدينة فلاديفـُستُك في أقصى الشرق الروسي والعواصم الصينية بكين والكورية الشمالية بيونگ يانگ والفيتنامية الشمالية هَنوي. وحسب بوردن، فإنّ باسيت استغرب الأمر، لا سيما وأنّ الجاهزية القتالية للقوات الأمريكية كانت حينذاك على مستوى "DEFCON 2"، ما يعني "على وشك حدوث حرب نووية"، ولم يتم رفعها إلى مستوى "DEFCON 1"، أي المستوى الأقصى والثقة الكاملة في حدوث حرب نووية، عندما يتعين فورا استخدام أسلحة الدمار الشامل للردع والإنتقام. السبب الآخر الذي أدى إلى ريب وشكوك باسيت في صحة الأمر الصادر له، هو أنّ ثلاثة من الأهداف الواجب ضربها كانت تقع خارج حدود الاتحاد السوفيتي، الذي كان عدوا محتملا للولايات المتحدة في حرب توقعها الجانبان. ولهذا لم يقدم باسيت على تنفيذ الأمر، واتصل فورا بقادة قواعد أمريكية أخرى متمركزة في الجزيرة اليابانية المحتلة من قبل قوات الولايات المتحدة، ونصحهم بإبقاء الصواريخ في مكانها. [https://arabic.rt.com/news/798481-%D8%B9%D8%B3] أضاف بوردن الذي تواجد إلى جانب باسيت في تلك اللحظة الحاسمة لمصير سكان الأرض، أنّه سمع باسيت يقول في اتصال هاتفي مع مركز إدارة الصواريخ إنّ الأمر المشفر الذي استلمه لم يكن واضحا. وقال: "لم تتم زيادة المستوى إلى DEFCON1، وهذه حالة غير عادية للغاية، ويجب علينا مواصلة العمل بحذر.. . قد يكون هذا (الأمر) واقعيا بالفعل، أو هو أكبر طفرة غير متوقعة نشهدها في حياتنا". كما أمر باسيت جنديين اثنين كانا تحت إمرته بإطلاق النار على ضابط آخر كان يريد وضع يده على الزّرّ المخصص بإطلاق الصواريخ، في حال شروع هذا الضابط في وضع اصبعه فعلا على زر الاطلاق دون تلقيه أمرا مباشرا من باسيت. وأكد بوردن أنّ إدارة القاعدة التي كان باسيت مسؤولا عنها أوصت بعدم إطلاق الصواريخ النووية. أمّا باسيت فحظر على العسكريين الذين شهدوا هذه الواقعة إفشاء ما جرى تلك الساعة وما حدث من اتصالات. توفي وِليَم باسيت عام 2011، وظل محتفظا بهذا السرّ حتى مماته ولم يبلغ أيّ أحد بمأثرته هذه التي حالت دون وقوع كارثة نووية. يناقش إلزبَرگ في الفصل الرابع من كتابه مسألة وجود الأسلحة النووية في اليابان، خاصّة في ميناء إيواكوني. أشارت اتفاقية الأمن المشترك بين البلدين الى تعهد امريكا بعدم وضع أية اسلحة نووية خارج جزيرة أوكيناوا، ويعلق الأمريكيون بسخرية مقيتة أنّ لدى اليابانيين "حساسية" اتجاه تلك الأسلحة! يشدد المؤلف أنّ الولايات المتحدة تخالف بنود تلك الإتفاقية كلّ يوم، إذ تزور السفن وحاملات الطائرات والغواصات الأمريكية موانئ البلاد باستمرار وهي تحمل تلك الأسلحة. وهذا يشكل خطورة على كافة الموانئ والمدن التي يمكن أن تصبح اهدافا لضربات انتقامية من اعداء امريكا. إضافة الى ذلك أنّ من الممكن أن تتعرض تلك السفن الى عمليات تخريبية اثناء رسوّها يمكن أن تسفر عن انفجارات نووية. كما يمكن أن يحدث ذلك ايضا بسبب حوادث تصادم عرضية أو نشوب حرائق على ظهر تلك السفن، تؤدي الى انفجارات تنجم عنها اشعاعات واطلاق مواد نووية في اجواء تلك المدن والموانئ. وعليه ليس من الغريب أن تقابل الحركات الشعبية واحزاب المعارضة الوجود الأمريكي على الأرض والمياه اليابانية باحتجاجات وتظاهرات لا تنقطع. فمثلا،على خلفية قتل جندي أمريكي لامرأة يابانية وسلسلة حوادث مماثلة، شهدت جزيرة أوكيناوا إحدى أكبر المظاهرات خلال العقدين الماضيين، احتجاجا على الوجود العسكري الأمريكي في اليابان. وجرت المسيرة الاحتجاجية، التي انضم إليها، حسب منظميها، أكثر من 65 ألف شخصا بما فيهم محافظ أوكيناوا، تاكيشي أوناگا، ومسؤولون في الأحزاب اليابانية المعارضة، الأحد 19 يونيو 2016 ، في العاصمة الإدارية للمحافظة ناها، الواقعة بالقرب من قاعدتي كادينا وفوتيمنا الجويتين العسكريتين الأمريكيتين. كما انطلقت في ذات الوقت تظاهرة عشوائية تضامنية في محيط مقر البرلمان الياباني بطوكيو. وفي حادث أخير، أثار أصداء شديدة بين السكان المحليين، قتلت فتاة يابانية في العشرين من عمرها على يد عنصر سابق في المشاة البحرية الأمريكية يعمل في إحدى القاعدتين الأمريكيتين كعامل مدني. انطلقت المسيرة، في ناها، بالوقوف دقيقة صمت حدادا على روح الفتاة القتيلة، لتتواصل بقراءة الرسالة التي كتبها والد الفتاة ووجهها إلى شعب اليابان وحكومتها من المنبر. واحتج المتظاهرون أيضا على مخططات طوكيو وواشنطن لنقل القاعدة الأساسية لمشاة البحرية الأمريكية في أوكيناوا من وسط الجزيرة إلى ساحلها الشمالي، فيما طالب محافظ أوكيناوا، تاكيشي أوناگا، في كلمة ألقاها خلال المظاهرة، بإبعاد القاعدة عن الجزيرة بشكل كامل. واختتمت المسيرة بتوقيع عريضة طالبت حكومتي اليابان والولايات المتحدة بتقديم اعتذارات رسمية لعائلة الفتاة القتيلة ولجميع مواطني أوكيناوا. يذكر أنّ شرطة الجزيرة اعتقلت، في 19 مايو من ذلك العام، مواطنا أمريكيا يدعى كِنِث شينزاتو، وهو مدني كان يعمل في قاعدة "كادينا" الجوية الأمريكية بالجزيرة ويبلغ 32 عاما من العمر للاشتباه بأنّه قتل الفتاة رينا شيمابوكورو، وهي من السكان المحليين. واعترف الأمريكي بارتكاب جريمة اغتصاب الفتاة وقتلها طعنا. [https://arabic.sputniknews.com/world/201602221017579016/] وتجدر الإشارة إلى أنّ أوكيناوا تحتضن 32 قاعدة عسكرية أمريكية (62 % من القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في اليابان) تغطي حوالي 25 % من مساحة أراضي الجزيرة وتستوعب حوالي 50 ألف مواطنا أمريكيا من بينهم 26 ألف عسكريا وعاملا مدنيا. وتشكل هذه القوة حوالي 50 % من العدد الإجمالي للوحدات الأمريكية المرابطة في اليابان، الأمر الذي يحوّل أوكيناوا إلى معقل جيوسياسي بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة، التي تستخدمه من أجل الدفاع عن مصالحها وتوسيع نفوذها في منطقة جنوب شرق آسيا المجاورة للصين، إحدى أكبر القوى في العالم التي تسعى إلى وضع حد للهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية. من جهة أخرى، تواجه هذه القواعد، منذ فترة طويلة، اتهامات بإصدار ضجيج شديد وتلوث البيئة في الجزيرة، فيما يعتبر كثير من المواطنين وجود القواعد على الأراضي اليابانية نوعا من الإرث الثقيل لمرحلة الاحتلال الأمريكي لليابان بعد الحرب العالمية الثانية. ينتقل إلزبَرگ في الفصل الخامس ليتحدث عن اطلاعه على الخطط النووية للولايات المتحدة في المحيط الهادي، ضمن دراسة قام بها مع عدد من زملائه في المؤسسة. قرأ بتمعن وتركيز تلك الخطط، وقام فيما بعد بزيارة مراكز القيادة وحاملات الطائرات ومدارج اقلاع الطائرات وهبوطها في كافة قواعد المحيط المذكور بكامله. ظهر أمامه مباشرة إغفال مذهل. لقد افترض قبل أن يطرح أيّ سؤال، "أنّنا في أوج تخطيطنا للمواجهة النووية واستعدادنا للصدام أن يقتصر ذلك على خصم واحد هو الإتحاد السوفياتي، غير أنّني اكتشفت أنّه لا توجد احكام إطلاقا لمهاجمة الأهداف الروسية فقط. كافة خطط الحرب مع الإتحاد السوفياتي تشمل ضرب اهداف صينية، حتى المدن الرئيسية." كما وجد أنّ افراد القيادة الذين التقى بهم متوثبون للهجوم على الصين. ظهر ذلك من اقوال قائد القوة الجوية في المحيط الهادي، الأدميرَل أكستروم، الذي صرح وهو يلتقط انفاسه غصبا من تعليق المؤلف افتراض حرب على روسيا فقط، "يجب أن ... نفترض ... القليل ... من العقلانية ... لدى الجهات العليا ... إنّهم سوف لن يفعلوا شيئا ... بالغ الجنون ... للشروع بالحرب .... ضدّ قوة شيوعية ... في حين تُترك القوى الشيوعية الأخرى ... سالمة تسرح وتمرح على هواها." وبطبيعة الحال، هناك خطورة جديّة يعكسها موقف هؤلاء العسكر المتعجرفين. وفقا لتقرير نشرته صحيفة رول كول، "فإنّ مجلس علوم الدفاع ... قد شجع الرئيس الأمريكي ترامپ على النظر في مسألة تحديث ترسانة الأسلحة، وإجراء جملة من التعديلات على الأنظمة الدفاعية وخطة التسلح، وذلك لإنتاج عدد أكبر من [https://www.noonpost.com/content/16733] الأسلحة، المصممة خصيصا للإستخدامات النووية المحدودة." في الواقع، تبدو استراتيجية الإستخدام النووي المحدود بسيطة لكنّها مخادعة، فكلّ ما يستحقه تطبيق هذه الاستراتيجية هو افتعال صراع ما، للتدخل وتوظيف الأسلحة النووية بحجة محاولة إنهائه. وعلى ضوء هذه الاستراتيجية، فإنّ استخدام أسلحة ذات قدرة نووية محدودة ضدّ إحدى قوات الأعداء التقليديين للولايات المتحدة، سيعكس مدى جدية المساعي الأمريكية، وأنّ واشنطن من الجنون بمكان أن تطلق حربا نووية شاملة. وبالتالي، فإنّ هذه الاستراتيجية ستجعل العدو يتراجع مهابة الخوض في حرب لا تحمد عقباها، بدل المخاطرة في الرد بالمثل، والمشاركة في حرب نووية، ومواصلة الأعمال العدوانية المعهودة. كان العديد من المفاهيم الاستراتيجية المقترحة للتعامل مع الاتحاد السوفيتي، إما غير مسؤولة، أو غير متوافقة تماما مع قدرات الولايات المتحدة الحالية، لذلك تم التخلص منها على الفور، حسب المقال. من جهة أخرى، إذا خطر ببال متابعي هذا الشأن أنّ "الحرب النووية المحدودة" تبدو عبارة ملطفة، فهم حتما على صواب. فكيف يمكن التخفيف من وقع قصف منطقة ما بقنبلة نووية، حتى ولو كانت الأسلحة ذات قدرة نووية محدودة؟ وبناء عليه، فإنّ الدخول في حرب نووية محدودة مع الصين أو روسيا، سينتج عنه لا محالة استخدام هذه الدول لرؤوسها النووية للانتقام. في واقع الأمر، إنّ التخطيط لاستخدام أسلحة ذات قدرة نووية محدودة، لا يعدو أن يكون سوى وهم خطير. فبالعودة إلى التاريخ الأمريكي، وضحت إدارة نِكسُن عدم جدوى هذا المفهوم، من خلال إدراج مخططها المتعلق بالضربات النووية المحدودة ضد الاتحاد السوفيتي، تحت مسمى "نظرية الرجل المجنون". وفي هذا الصدد، أشارت الصحيفة المذكورة في تقريرها، إلى أنّ "هذه التوصية ذات صبغة تطويرية لا ثورية"، حيث أنّ ستراتيجية الحرب النووية المحدودة لا تستند إلى مفهوم حديث جديد، بل هي في الواقع محض امتداد لنظرية سابقة ومتأصلة في التاريخ السياسي الأمريكي. وفي موضوع ذي صلة بما ورد اعلاه، تناول المؤلف في فصله السادس الصراع الدائم القائم بين الجناحين المدني والعسكري في مبنى الپنتگون. يورد على ذلك مثال التستر على خطة القدرات الستراتيجية المشتركة JSCP، وعدم رغبة العسكر في اطلاع الوزير ومن في مكتبه من المدنيين على محتواها، خوفا من التدخل لتعديلها أو تحويرها سواء على مستوى الصدامات الشاملة والصدامات المحدودة مع الخصوم والأعداء. استطاع إلزبَرگ اخيرا "والشکر موصول للمقدّم بوب لـُكمَن من الأركان الجوية، الذي هيّأ لي الفرصة ونحن في غرفة في قبو مبنى الپنتگون أنْ أقرأ (أقدس المقدسات). وبذا تمكنت اخيرا أن اطلع على تعريف الحرب الشاملة، التي تعني الصراع المسلح مع الإتحاد السوفياتي." لقد وضع العسكر المتعجرفون خططا دموية لتدمير البشرية من خلال جرائم حرب ینفذونها بوسائل لا يتصورها العقل. ذكر المؤلف، "لقد حسبت مثلا أنّ موسكو قد تقرر لها أن تُضرَب بأكثر من 80 سلاحا نوويا. وهناك احصائية ذكرت أنّ الرقم الصحيح هو 108 صاروخا." ثم یمضی للقول إنّه في عام 1961 كانت توجد في حيازة سلاح الجو الأمريكي حوالي 1700 طائرة مقاتلة، بما فيها أكثر من 600 طائرة من نوع B-525. يوجد في ركن القنابل على كلّ طائرة من سلاح الجو هذا قنابل حرارية اكبر حجما من تلك التي شاهدها بنفسه في أوكيناوا. ثمّ يشرح، "تتراوح قوة معظمها من 5- 25 مِگاتن. تلك التي من عيار 25 مِگاتن تكون قوتها التدميرية اكثر من 1250 مرة من قنبلة الإنشطار النووي التي القيت على نَگزاكي. وهي مساوية لما يقدّر 25 مليون طنا من مادة TNT، أو حوالي 12 مرة من مجموع اطنان القنابل، التي اسقطت خلال الحرب العالمية الثانية." ويذكّرنا أنّه يوجد في مخازن السلاح الأمريكية حوالي 500 قنبلة بقوة إنفجارية تبلغ 25 مِگاتن. لكلّ من هذه الرؤوس النووية قوة نارية أكثر من كافة القنابل والمتفجرات التي استخدمت في كافة الحروب في تاريخ البشرية. "تشمل خطة المواقع المستهدفة من قبل القوات المهاجمة بكاملها تدمير كافة المواقع العسكرية وكلّ مدينة في الإتحاد السوفيتي والصين. لقد اعدّت امريكا رأسا نوويا على الأقل لكلّ 25000 شخصا في البلدين المذكورين." يكشف المؤلف في نهاية الفصل حقيقة فحواها، "أنّ حلفائنا الأوروپيين الغربيين الأعضاء في حلف الأطلسي سيتعرضون للفناء مرتين. الأولى بواسطة الصواريخ السوفيتية متوسطة المدى المحمولة على عربات متحركة لم تستطع ضرباتنا الجوية من تحديد مواقعها لتصيبها. ثانيا، بواسطة الإشعاعات النووية التي تحملها الريح من مناطق الكتلة السوفيتية، التي تمّ قصفها نوويا بشكل مكثف." والسؤال هو بأيّ حقّ يهدد هؤلاء الأجلاف حياة سكان المعمورة بالفناء، خاصة في اوروپا وآسيا؟ اضافة الى القتل البربري، تحدث الباحثون عن سيناريو آخر عن نهاية العالم في حالة الحرب النووية ، وهو ما يعرف "الشتاء النووي." يكون هذا نتيجة مواجهة حامية بين أكبر قوتين نوويتين في العالم، تملكان 6450 و6850 رأسا نووية بالترتيب. حدوث هذا الإحتمال مرهون بإطلاق أمريكا وروسيا ألفي رأس نووي من كلّ جانب لتستهدف مدنا وأهدافا رئيسية، وكلّ دولة ستحاول إسقاط الأخرى ومعهما سيسقط الجانب الأعظم من الإنسانية. سيترتب على ذلك انبعاث نحو 150 مليون طن من الدخان الأسود الناتج عن احتراق المدن ومختلف المناطق التي ستشملها المواجهات. سوف تنتشر هذه الأدخنة إلى مختلف مناطق الأرض خلال فترة لا تتجاوز الأسابيع القليلة. وستهبط درجات حرارة الأرض إلى أكثر من ست درجات تحت الصفر وذلك خلال أول سنة عقب نشوب الحرب. [https://aawsat.com/home/article/1462711] وستنخفض إلى ما أدنى من أربع درجات تحت الصفر لفترة عقد كامل وذلك في المتوسط.
تشير الدراسة الى أنّ نصف الكرة الشمالي سيعاني من درجات حرارة بالغة البرودة، لكنّ مختلف بقاع العالم ستتأثر بالظاهرة ايضا. ووفقا لتقديرات العلماء، فإنّ ذلك سيكون بمثابة تحول مناخي غير مسبوق في تاريخ البشرية سواء من حيث سرعتها أو نطاقها، كما أنّ معدلات الترسيب العالمي سوف تتراجع بنسبة 45 في المائة. ومع درجات الحرارة شديدة الانخفاض، لن تنجح تقريبا أيّة محاولة لزراعة المحاصيل، بما يضمن أنّ من لم يقضِ نحبه إثر المواجهة النووية، سوف يموت من الجوع، وحتى إذا لم تجرِ الأمور على هذا النحو، فإنّ اهتراء طبقة الأوزون، أحد الأثار الجانبية للحرب النووية، سيسمح بتسرب كميات كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية إلى سطح الأرض، وسوف يضر ذلك تقريبا بجميع المنظومات البيئية وسيجعل من الصعب على الإنسان التواجد في الطبيعة.
خصص المؤلف الفصل السابع لنقل تذمّر العسكريين وضيقهم بسلطة المدنيين عليهم. أورد مثالين صارخين عن جوهر المشكلة يتعلقان بقائد سلاح الجو الجنرَل كُرتِس لَومَي وأدميرال البحرية آلرايت بُرك. في مقابلة أجراها مع لَومي، الذي عيّنه الرئيس كندي بذلك المنصب، حول من يتدبر الأمور في حالة وقوع هجوم نووي مدمر على واشنطن من قبل الغواصات السوفيتية. تحدّث الجنرال بصوت خشن وطرح سؤالا خطابيا، "بعد كلّ شيء، مَن هو الأكثر كفاءة في رأيك لاتخاذ القرار بشنّ الحرب النووية على اساس التحذيرات المسبقة، سياسي حصل على منصبه قبل شهرين فقط ... أم رجل امضى حياته المهنية وهو يستعدّ لها؟" جادل لّومَي بازدراء واضح مسألة السلطة والتحكّم، فردّد "السلطة والتحكم! ماذا يعني ذلك؟ أن تخبر المحارب ماذا يجب أن يفعل. هذا هو المقصود بذلك. وهذا هو عمل العسكري المحترف. يتحدثون عن ممارسة الرئيس لحقه في السلطة والتحكّم. ماذا يعني الرئيس؟" ثمّ تلفظ الحرف الأول من الكلمة p وكأنّه يبصقه. ثمّ تابع، "سياسي! ماذا يعرف السياسي عن الحرب؟" ثمّ اطال تلفظ كلمة حرب w-a-a-a-r. "من يحتاج الرئيس إذا كانت هناك حرب w-a-a-a-r؟ لا أحد! كلّ ما نحتاجه منه هو أن يخبرنا أنّه توجد حرب."
الحادثة الأخرى تتعلق بأدميرَل البحرية آلرايت بُرك، الذي طلب منه وزير الدفاع مَكنمارا إعادة المدمرة سان خوان، التي تحمل الأسلحة النووية وهي راسية في المياه الإقليمية لليابان في مخالفة صريحة لمعاهد الأمن المشترك بين البلدين، الى قاعدتها في أوكيناوا. ذكر إلزبرگ بأنّ بُرك بدأمناقشة مذكرته وتقرير التحقيق، دون أن يكلف تفسه عناء توضيح كيف استطاع الحصول على نسختين مسروقتين منهما. ذكر نيتزَ أمام مساعده هاري أنّ "بُرك كان غاضبا." كان معروفا عنه سرعة الغضب، لكنّ هذا السلوك بحضور مساعد وزير الدفاع كان أمرا مفاجئا بالنسبة الى نيتزَ. لم يحاول بُرك إنكار الحقائق التي وردت في التقرير أو تبريرها. الشيء الوحيد الذي صرح به وسط غضبه أن سأل، "ماذا فكّرت وأنت تقوم بهذا العمل؟ أنت شخص مدني تتدخّل في عمليات سفن سلاح البحرية الأمريكية؟" ثمّ إستمرّ يقول إنّه ليس من المقبول أن يفترض وزير الدفاع أنّ لديه السلطة لإخبار سلاح البحرية أين يضع سفنه. شكلّ العسكرعنصر تحدّ للرئيس المدني كَنَدي الذي اعقب فترة حكم الرئيس الجنرَل أيزنهاور. دفعوه باقصى ما يستطيعون لاتخاذ القرارات المتعلقة بشن الحرب، خاصّة وأنّ فترته اتسمت بالتوترات والتهديدات من قبل الدول الشيوعية خلال الحرب الباردة. زاد كَنَدي عدد المستشارين العسكريين الأمريكيين في فيتنام الجنوبية، وفي أبريل 1961، فشل مرتزقة الجيش الأمريكي عندما حاولوا الإطاحة بالحكومة الكوبية والرئيس فيدل كاسترو في عملية غزو خليج الخنازير. اغضب كندي العسكر حين رفض بعد ذلك خطط رؤساء الأركان المشتركة لتنظيم هجمات كاذبة على الأرض الأمريكية لنيل موافقة الشعب على شنّ حرب على كوبا. كانت تلك هي السنة التي أوقف فيها "الملازم كَنَدي" الإسناد الجوي لقواته المحاصرة، التي غزت خليج الخنازير. وكان امتنع فيها من هدم جدار برلين حين بدأ السوفيت بوضعه، ورفض ارسال مزيد من القوات المقاتلة الى فيتنام وقبلها الى لاوس. في أكتوبر 1962، اكتشفت طائرات التجسس الأمريكية وجود قواعد صواريخ سوفيتية في كوبا. تبع هذا فترة من التوتر عُرِفت باسم أزمة الصواريخ الكوبية، [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9] وكادت تقود العالم إلى حرب نووية. عُقِد مؤتمر فينا بين الرئيسين كندي وخروچَوف،الذي تمخّض عن تفكيك قواعد الصواريخ السوفيتية في كوبا لحلّ الأزمة. ولكن نُقِل عن الجنرال لَومَي انتقاده لضعف موقف الرئيس كَندي في ذلك المؤتمر، واصراره على غزو كوبا واسقاط حكومتها، بغضّ النظر عن مقررات المؤتمر المذكور. لو تساءلنا يوما ماذا سيحدث لو اندلعت حرب نووية وما أكثر الدول التي ستتضرر وكم عدد البشر الذين من الممكن أن يموتوا، فكابوس الحرب النووية ليس مجرد تخيلات بل سيناريوهات كادت أن تقع أكثر من مرة. [https://arabic.sputniknews.com/world/201905191041163706-%D9] كان اندلاع حرب نووية شاملة كابوسا خلال فترة الحرب الباردة، خاصة لدى الذين ولدوا في تلك الحقبة، بحسب ما نشرت مجلة "nationalinterest" الأمريكية. صوّر العديد من الأفلام الوثائقية والتاريخية إمكانية حدوث هذه الحرب والنتائج المترتبة عليها. فإذا وقع هجوم نووي شامل، فستعود معظم دول العالم الصناعي إلى العصر الحجري مرة أخرى، بالإضافة إلى مقتل مئات الملايين مباشرة. وربما يصل عدد القتلى بسبب الإشعاع والمرض والمجاعة في فترة ما بعد الحرب، إلى مليار شخص أو أكثر. كشفت مؤسسة أرشيف الأمن القومي الأمريكي في عام 2011، عن وثيقة تعليمات أعدتها مجلس الأركان المشتركة. وكانت هذه الوثيقة تفترض اندلاع أزمة جديدة ببرلين، على غرار الأزمة التي وقعت في عام 1961، لكنّها كانت ستتصاعد إلى حرب واسعة النطاق بأوروپا الغربية، بحسب الوثيقة. كانت خطة الولايات المتحدة الخاصة بالحرب النووية تُعرف باسم SIOP، أو خطة "التشغيل المتكاملة الموحدة." أول خطة من هذا النوع قدمت في عام 1962، وعُرفت باسم SIOP-62، وجرى توثيق آثارها على الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو والصين. وفقا للوثيقة، فإنّ توقعات مستقبل دول الاتحاد الشيوعي، التي كانت ستتعرض للضربة الكبرى للقوة الذرية الأمريكية، كانت غير معلومة وقاتمة. قسمت الوثيقة سيناريوهات الهجوم إلى قسمين. السيناريو الأول كان من المنتظر أن يشهد ضرب الاتحاد السوفييتي وحلفائه بقوة الإنذار النووي الأمريكية، التي تمثل نسبة من إجمالي القوى النووية تكون في حالة تأهب دائم. أما السيناريو الثاني، فكان سيشهد استخدام الثقل الكامل للقوة النووية، والمعروف باسم "القوة الكاملة". كان من المفترض أن تضرَب نحو 1000 منشأة مرتبطة بـ "القدرة على التوصيل النووي." وكان السيناريو، الذي افترض تحذيرا مسبقا من وقوع هجوم سوفييتي وتوجيه ضربة وقائية أمريكية، سيشهد مهاجمة 75% من هذه الأهداف بقوة الإنذار. ذكرت الوثيقة أن نسبة الأهداف التي كانت ستدمر تتراوح بين 83% و 88%، مع ضمان تدمير 70%. كان من المنتظر ضرب 199 مدينة سوفييتية، عدد سكانها يبلغ خمسين ألف نسمة أو أكثر. وهذا الهجوم كان سيحول 56 % من سكان المناطق الحضرية و37 % من مجموع السكان إلى ضحايا، معظمهم كان سيموت في نهاية المطاف، بسبب انهيار المجتمع بعد الهجوم. وفي الصين، كان الهجوم سيضرب المدن، وهو ما كان سيحول 41 % من سكان المناطق الحضرية و10% من إجمالي السكان إلى ضحايا. وكان عدد القتلى المتوقع هناك بسبب الهجمات النووية الأمريكية يبلغ 1378000 شخصا. وسيسفر عن تدمير 295 مدينة، تاركا خمس مدن فقط، يبلغ عدد سكانها خمسين ألف نسمة أو أكثر، دون أذى. في حين كان 72 % من سكان المناطق الحضرية و54 % من إجمالي السكان سيصبحون ضحايا، وفقا لأرشيف الأمن القومي الأمريكي. وهو ما يعني مقتل 108 ملايين نسمة من إجمالي 217 مليون نسمة. كان من شأن الهجوم الأمريكي النووي الشامل على الاتحاد السوفييتي والصين والدول الإشتراكية الأخرى في عام 1962، أن يؤدي إلى مقتل 335 مليون شخص في غضون أول 72 ساعة. هذا هو الموضوع الذي خصص له إلزبَرگ الفصل الثامن من كتابه وتحدث عن الخطة، التي وضعها بنفسه وتضمنت إلغاء SIOP، أو خطة "التشغيل المتكاملة الموحدة،" وبالتالي مسألة تخويل العسكريين السلطة لشن حرب نووية دون الرجوع الى الرئيس. واشترطت وضع اقفال مركبة على الأسلحة النووية تفتح بواسطة شفرات يبعثها الرئيس. طالبت بعدم قصف المدن والتجمعات السكانية واستثناء الصين ودول المنظومة الإشتراكية وعدم استخدام كافة الأسلحة، خاصة صواريخ پولارِس، وعدم زجّ كافة القوات في المعركة مرّة واحدة. كما اقترحت الإقتصار على استخدام الأسلحة التقليدية في بداية الصراع، وعدم تدمير جميع مراكز السيطرة والتحكم للعدو بغية الإبقاء على فريق يمكن التفاوض معه لإنهاء الحرب باسرع وقت ممكن ومن ثمّ الإنسحاب. "أرسِلت النسخة النهائية الى نائب وزير الدفاع روزوَل گِلپاترِك ليوقع عليها، ثمّ أرسِلت الى رئيس هيئة الأركان المشتركة بتاريخ 5 ما يو من عام 1961، وكان عنوان الخطة (توجيه سياسي لخطط الحرب المركزية.)" ذكر المؤلف أنّ خطته اصبحت اساسا لخطط الحرب العملية، لكنّه قام بتعديلها ثلاث مرات "كي تصبح أقل استفزازا لسلاح الطيران." جرى التعديلان الأولان في عامي 1962 و1963 في زمن إدارة كندي وجرى تعديل ثالث عام 1964 خلال حكم جونسُن. أعدّ المؤلف بطلب من إدارة كندي الجديدة قائمة من الأسئلة حول خطط الولايات المتحدة لحرب نووية ضدّ الإتحاد السوفيتي والصين، احتوت على 30 سؤالا. ناورت قيادة الأركان المشتركة وماطلت واضطرت في النهاية على الإجابة عن سؤال واحد فقط تعلق بعدد الخسائر البشرية، التي يمكن أن تنجم عن هجوم نووي على الإتحاد السوفيتي والصين ومنظومة الدول الإشتراكية الأخرى. "إذا تمّ تنفيذ الخطط الحربية القائمة، فكم عدد البشر الذين سيقتلون في الإتحاد السوفيتي والصين لوحدهما؟"
"كان الجواب على شكل مخطط وُضِع على الصفحة رقم 2 واظهر أنّ 275 مليون شخصا سيقتلون خلال الساعات الأولى من هجماتنا وأنّ 325 مليون شخصا آخر سيكونون في عداد الموتى خلال 6 أشهر." وسيموت حوالي 100 مليون شخصا آخر في بلدان اوروپا الشرقية الدائرة في فلك السوفيت وفق خطط امريكا الحربية الموضوعة. إنّ التفجيرات المترتبة على القصف النووي ، التي ستحدث في الإتحاد السوفيتي والدول الدائرة في فلكه وفي الصين ستهلك القسم الأعظم من السكان في الكتلة السوفيتية- الصينية، وكذلك الشعوب المحايدة التي تجاورهما، مثل فنلندا والسويد والنمسا وافغانستان وكذلك في اليابان وپاكستان. وإذا اخذنا بنظر الإعتبار هبوب تيارات الرياح، فإنّ الفنلنديين سيُمحَون عن بكرة ابيهم بفعل الإنفجارات التي ستحدث في قواعد الغواصات السوفيتية قرب حدودهم. وسيزيد هذا من عدد الخسائر البشرية بمقدار 100 مليون شخصا آخرين، بدون إسقاط ولو رأس نووي أمريكي واحد على اراضي تلك البلدان الخارجة عن مناطق حلف الأطلسي وحلف وارسو. "تفصِح النتائج المتوقعة عن لا عقلانية مذهلة وجنون في قلوب وعقول من يخططون للحرب النووية وآلاتها المدمّرة." إختتم المؤلف فصله هذا بالقول، "في عام 1986 كان لدى الولايات المتحدة 23317 رأسا نوويا، وكان لدى الإتحاد السوفيتي 40159. وعليه فإنّ مجموع ما تملك القوتان هو 63476 رأسا نوويا." وهذا عدد كاف لتدمير العالم آلاف المرات! تاريخيّا، كان أيزنهاور قد هدّدَ في عام ١٩٥٣ بضرب الصين بقنبلة هيدروجينيّة، فيما طالبَ عدد من أعضاء مجلس الشيوخ دوريّاً بإلقاء قنابل ذريّة على روسيا. وكانت تهديدات خروچوف وانذاراته وادعاءاته الفارغة "أنّ السوفيت يصنعون الصواريخ كما السّجق،"من الأمور التي زادت من هلع العسكر الأمريكيين، كما كشف المؤلف في فصله العاشر. تحدث عن أزمة برلين ومسألة "فجوة الصواريخ" التي اعتمدها سلاح الطيران للمطالبة بزيادة تمويله لإنتاج مزيد من الصوارخ البالستية، في حين كشفت صور القمر الإصطناعي الأمريكي كورونا أنّ السوفيت يمتلكون 4 صواريخ فقط! ضغط سلاح الطيران بشكل اكبر لزيادة حجم قوة صواريخه برفع عددها وتعمد قادة هذا السلاح تخفيض ارقامهم أصلا لكي تجاريهم إدارة كنَدي فتخصص الأموال لزيادة الإنتاج والأعداد حسب طلبهم. أورد المؤلف، "أنّ الوزير مَكنَمارا لم يستطع الإعتراف حتى داخل الپنتگون بأنّه يفكّر بتحديد عدد الصواريخ وجعله 1000 صاروخا، الذي كان هو هدفه غير المعلن. أمّا الجنرَل پَوَر، وبمساندة من الجنرَل لومَي، فكان يطلب 10000 صاروخا. أخبر وزير الدفاع الرئيس بأنّنا في الحقيقة لم نحتج أكثر من 400 صاروخا، لكنّه مال الى 1000 صاروخا ليستطيع أن يحصل على موافقة الكونگرس وينفذ بريشه." أمّا عن برلين فقد كانت موضع ازمة مع الإتحاد السوفيتي مرتين. بنهاية الحرب العالمية الثانية، إحتلّ الحلفاء الجزء الغربي لألمانيا والاتحاد السوفياتي الجهة الشرقية. ثمّ أقر ذلك مؤتمر پوتسدام عام 1945 باعتبار ألمانيا مناطق نفوذ أمريكية، سوفياتية، فرنسية، بريطانية. انتهت المفاوضات بين الدول المنتصرة في الحرب، حول مستقبل وضع ألمانيا إلى طريق مسدود، فاتفقت كلّ من الولايات المتحدة الأمركية وبريطانيا وفرنسا في ندوة لندن أبريل يونيو 1948 على توحيد مناطق نفوذها. أثار ذلك غضب ستالِن فقرّر ضرب حصار على برلين الغربية. حاول السوفيت اجبار القوات الغربية على الرحيل إلا أنّ القوات الغربية تمسكت بمواقعها. وعلى اثر ذلك قامت الولايات المتحدة بإرسال مساعدات لسكان برلين البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، حتى قام السوفيت بفك حصارهم واعتبرت الولايات المتحدة ذلك انتصارا حققته ضد السوفيت في اطار الحرب الباردة. أعلن استقلال ألمانيا الغربية في مايو 1949 وتلاه استقلال المانيا الشرقية في أكتوبر 1949. ولمواجهة الشرق أدمجت الدول الغربية مناطق نفوذها من خلال مؤتمر لندن 1948 المذكور وطالبت بإقامة حكومة مركزية. لكنّ ذلك لم يرض الاتحاد السوفياتي فقام بحصار برلين الغربية. وكان ردّ فعل الدول الغربية هو إقامة جسر جويّ طيلة سنة 1949، وتمّ رفع الحصار بالإعلان عن قيام جمهورية المانيا الغربية الرأسمالية بتاريخ 5 أغسطس عام 1949 والمانيا الشرقية الاشتراكية بتاريخ 7 أكتوبر من السنة ذاتها. وفي سنة 1961 تجددت الأزمة وتمّ بناء جدار للفصل بين شطري المدينة. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%B1_%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%8A%D9%86] يمضي المؤلف للقول، "شعرت، كما حال .....، أنّه من المهم جدّا أن نبقي على موقفنا في برلين قدر الإمكان، لكنّني ما اعتقدت اطلاقا أنّ حربا نووية في أوروپا أو في ايّ مكان في العالم، مبرّرة لهذا السبب وحده." تراجع وهو بكامل وعيه عن الموقف باعتماد التهديد، "الذي رأيت أنّنا يجب ألّا نلجأ الى تنفيذه. إعتقدت ومعي عدد من الزملاء في راند، بما فيهم هاري رَوِن ومورتِن هالپرِن، الذي كان مستشارا شابا في قضايا نزع السلاح، أنّ الولايات المتحدة يجب أن تتحاشى اشعال حرب نووية محدّدة أو شاملة، تحت أي ظرف، لأنّها ستكون كارثية." لقد شعروا بقوة ازاء هذه المسألة، رغم أنّه موقف تعارض مع سياسة الدفاع للولايات المتحدة وستراتيجيتها في حلف الناتو القائمة على الإستعداد لتنفيذ وعودها وتهديداتها بحرب نووية ضدّ القوات السوفيتية التقليدية الكبيرة العدد في شرق برلين وحولها، المؤلفة في غالبها من فرق دبابات ذات بأس. إحتفظ المؤلف لنفسه من خلال اعترافه بحق استفزاز خروچوف وجعله يتصرف بتهور، وذلك من خلال اعداده لخطابين. القى الأول روزوِل گِلپاترِك، نائب وزير الدفاع، أمام رجال الأعمال في فرجينيا، ودفع القيادة الروسية لاختلاق ازمة برلين والتفكير بقطع طرق الوصول الى غرب المدينة. أما الخطاب الثاني فقد القاه روبرت مَكنَمارا في حفل تخرج طلبة جامعة مِشِگن في آن آربر، ودفع السوفيت لينشروا صواريخهم البالِستية متوسطة المدى، والتي استهدفت فرض حالة التوازن الستراتيجي ضدّ التفوّق الأمريكي، والتحذير من إقدام الولايات المتحدة على الضربة النووية الأولى. كانت الصواريخ السوفيتية هذه المرة في طريقها الى منطقة الكاريبي. الخطاب الثاني نسخة معدلة من خطاب القاه وزير الدفاع في اجتماع سريّ امام قادة حلف الناتو في العاصمة أثِنا. ذكر إلزبَرگ في نهاية فصله الحادي عشر أنّه حذف ما قدّمه مَكنمارا من نتائج الدراسات حول الحرب النووية الإفتراضية، التي ظهرت عام 1966، حين قارن المسارين اللذين يمكن أن تأخذهما تلك الحرب الوهمية. إذا التزم الجانبان بمهاجمة الأهداف العسكرية فقط فستبلغ ضحايا الولايات المتحدة 25 مليون مواطنا، وسيعاني السوفيت نفس عدد الخسائر ايضا. ويخسر الأوروپيون اعدادا أقلّ من ذلك. ولكن إذا شرع الجانبان في ضرب المناطق الحضرية- الصناعية فإنّ الولايات المتحدة ستخسر 75 مليون مواطنا يقابلهم 100 مليون مواطنا في الجانب السوفيتي. وستخسر اوروپا 115 مليون مواطنا. وضع لذلك شروطا لخّصها بالقول، "بدلا من تشجيع محاولات الإستقلال، كما في واقع القوة النووية الفرنسية، التي ستفسِد ستراتيجيتنا وتجعلها غير ممكنة، لأنّها تنوي ضرب المدن السوفيتية ومراكز القيادة والسيطرة في بداية الحرب." كانت مداخلته أنّ ستراتيجية الولايات المتحدة تحت قيادة مركزية، لها الفرصة الأفضل والوحيدة لتحقيق نتائج الخيار الأول بدلا من الخيار الثاني في حرب نووية مستقبلية. إعترف المؤلف أنّه لم تتهيأ له الفرصة لمعرفة النوايا من استفزاز الفرنسيين، وبدا له أنّ روبرت مَكنَمارا، كما حال بِل كوفمَن، غاضب من الجنرَل ديگول وخططه النووية المستقلة. جُرّبت أول قنبلة نووية فرنسية سطحية بقوة ثلاثة أضعاف قنبلة هِروشِما باليابان عام 1945 . تلتها قنبلة "اليربوع الأبيض"، ثم "اليربوع الأحمر" حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي، لتختتم التجارب الاستعمارية النووية بمنطقة حمودّية رقان بالقنبلة الرابعة والأخيرة التي سميت "باليربوع الأخضر". كان هذا في 25 ابريل 1961، لتنفتح شهية النظام الديگولي من أجل التنويع في التجارب النووية في العديد من مناطق الصحراء الجزائرية لتصل قوة تفجيراتها إلى 127 كيلوطن من خلال التجربة الباطنية بمنطقة "إينكر" بالهقار! [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AA] تعتبر تجارب رقان النووية أهم الاتفاقيات التاريخية ببن فرنسا وإسرائيل من خلال الاتفاق السري الذي وقعه الطرفان مع بعضيهما عام 1953. كانت إسرائيل تبحث عن الأرض لإجراء مثل هذه التجارب من خلال توفر 11 استاذا في الذرة شاركوا في تجارب أوكلاهوما الأمريكية و 6 دكاترة و 400 تقنيا في نفس الاختصاص. في الوقت ذاته، كانت فرنسا تبحث عن الحلقة المفقودة في امتلاك القنبلة النووية بعد أن تخلى عنها حلفاؤها القدماء أمريكا وبريطانيا، وامتنعتا عن تزويدها بالطرق والمراحل التجريبية الميدانية للتفجير النووي. كما استفادت فرنسا بشكل كبير من رؤوس أموال أغنياء اليهود لضمان القوة النووية للكيان الصهيوني بغية تأمين بقائهم في منطقة الشرق الأوسط. هكذا شهدت سنوات الخمسينيات أول مراحل التعاون في التراب الجزائري بعد الصواريخ المتوسطة المدى التي طورتها فرنسا لإسرائيل وجربتها في منطقة بشار على مجاهدي الثورة الجزائرية، والذي أطلق عليه اسم (ياريحو) بالعبرية، ما يعني بلدة اريحا الفلسطينية باللغة العربية. لقد تم انجاز هذا المشروع عام 1957 بسرية و تكتم تامين. صرح الجنرال فاو أنّ اجمالي التفجيرات بالصحراء الجزائرية 117 تفجيرا نوويا بمختلف المقاييس. في يوم الانفجار الموافق 13 فبراير 1960، أحس السكان بزلزال كبير متبوع بغبار كثيف مع وميض ضوئي يمكن رؤيته من منطقة كرزاز (بشار) على بعد 650 كلم من منطقة حمودّية. في ذلك اليوم سجلت فرنسا دخولها المدوي إلى نادي القوى النووية مخلفة وراءها بالحمودّية نفايات نووية ملقاة فوق الأرض لا زالت بعد نصف قرن تخلف ضحايا لها. عاش العالم 13 يوما عصيبا في عام 1962 مخافة حدوث حرب نووية بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي. قبول احتمال الحرب ليس مسألة نفسيّة، ولا يتعلّق حصرا بدرجة تقبّل الخسائر والتضحية، بل هو في أن تكون مستعدّا فعليا وماديا لهذا الاحتمال، وقد أعددت العدّة له، وهيّأت نفسك ومجتمعك للحظة الحرب. هذا الخيار ينبع عادة من قناعةٍ بأنّ كلفة ردّ الصفعة تصبح أقلّ من كلفة البديل وأنّك، في عالمنا وإقليمنا، محكومٌ عليك بأن تصير عالة وإمّعة، أو ضحيّة، إن لم تقدر على الدفاع عن نفسك. والكثير من الشّعوب يدفع أكلافا تفوق بكثيرٍ كلفة الحرب، لأنه لا يقدر عليها. المسألة، بالطبع، ليست في أن تقفز إلى مواجهات لم تتحسّب لها، وتجرّ معك بلدك ومستقبله، أو أن تفهم الحرب كمغامرة، أو ضربة قد تصيب وتكسب، فهذا تماما منهج صدّام حسين. ومشكلة صدّام ليست فقط في أنّه أعادنا عقودا إلى الوراء، بل في أنّه أصبح مثالا سيّئا لمحبّيه وكارهيه، أي بين من يستنسخ، من جهة، هزائم صدّام ومنهجه، ويقدّسها ويعتبرها مقياس الوطنية، وبين من يتّهم كلّ من لا يقود سياسته خوفٌ لاعقلاني من الغرب ومن الحرب بأنّه يسلك، بالضرورة، مسار صدّام وطريقه [https://www.al-akhbar.com/Opinion/274796] الموضوع خلاصة أنّ اجهزة الدفاع الجوي في كوبا اسقطت طيارة استطلاع امريكية من نوع U2باستخدام صاروخ SAM الروسي الصنع. سقطت الطائرة في المياه الإقليمية الأمريكية فتكتموا على الأمر أوّلا. بعد مراجعة الصور التي بعثتها الطائرة، لوحظ وجود منطقة مكشوفة وسط غابات شمال غرب الجزيرة وأنّ اشخاصا يلعبون كرة القدم! كان ذلك شيئا غريبا لأنّ الكوبيين لا يعرفون كرة القدم ويلعبون لعبة البيسبول. المهم، تمّ رصد مواقع ثابتة لإطلاق صواريخ واخرى منصوبة على عربات متحركة. بعبارة أخرى، أنّ السوفيت تمكنوا من وضع 38 صاروخا بالِستيا متوسطة المدى في كوبا تهدّد الأرض الأمريكية، والجماعة نيام. باستطاعة تلك الصواريخ تدمير كافة المدن الكبرى على الساحل الشرقي للبلاد من ميامي الى اتلانتا ثم ولايتي كارولينا الشمالية والجنوبية، والعاصمة واشنطن ومدينتي نو يورك وبوسطن ثم شمالا حتى ولاية مَين. كما تستطيع صواريخ السوفيت الوصول الى القواعد الجوية في العمق الأمريكي، بما فيها منطقة أوماها حيث مقر قيادة سلاح الطيران والمطارات العسكرية والمدنية التي نُقِلت اليها الطائرات القاذفة بعيدة المدى. جُنّ جنون الأمريكان، فتحدث الرئيس كَنَدي الى الشعب الأمريكي مساء ذلك اليوم، الأثنين المصادف 22 اكتوبر من عام 1962 ، واصدر انذارا شديد اللهجة للسوفيت معتبرا أنّ نصب الصواريخ يعتبر هجوما على نصف الكرة الأرضية الغربي، واعلن حصارا على الجزيرة لمنع وصول المزيد من تلك الصواريخ. تصرّف خروچوف بهدوء ولم تقترب سفنه من خط الحصار. غير أنّه بعث رسالة وصفها المؤلف بالواقعية والإتزان وعرض سحب تلك الصواريخ مقابل تعهد بتوقيع الرئيس كَنَدي نفسه بعدم غزو الجزيرة. اعقب ذلك برسالة ثانية صباح اليوم التالي، طالب فيها بسحب الصواريخ الأمريكية الموجودة في تركيا. غضب العسكر المتحفزون للإنقضاض على الجزيرة ورفضوا عرض خروچوف. "استمرت مجموعات العمل في خططها للمضي في ضربات جوية يعقبها غزو كان مقرّرا له أن يبدأ بعد يومين." لكنّ كَنَدي وبعد تفكير عميق اختار السلام ففاجأهم ووافق على العرض الروسي، وانتهت الأزمة وفق تلك الشروط. إختتم المؤلف فصله الثاني عشر بالقول، "شعرت بشيء من التأكّد أنّ خروچوف كان على وشك التنازل، لكنّ كَنَدي تراجع بشكل كارثي، حين ما كان عليه أن يتراجع." باعتقادي أنّ ذلك ربّما قد تكون له علاقة باغتيال كّنّدي بعد عام تقريبا، أي بتاريخ 23 نوفمبر من عام 1963. القى المؤلف في الفصل الثالث عشر مزيدا من الأضواء على ازمة الصواريخ الكوبية عام 1962. - لا شكّ أنّ إسقاط طائرة استطلاع امريكية فوق كوبا صباح يوم السبت قد شكّل تصعيدا مشؤوما للأزمة. وكما تبين فإنّ نتيجة ذلك كان الإعتراف بخسارة الرائد الطيار أندِرسُن، وهو الأمريكي الأول والوحيد على يد القوات السوفيتية خلال الحرب الباردة. ولكن الى جانب طائرات U2 الإستطلاعية، كانوا يبعثون ايضا طائرات استطلاع صغيرة تجتاز الجزيرة على ارتفاعات منخفضة جيئة وذهابا كلّ ساعتين. كانت ايضا تلقي قنابل صوتية لإرعاب السكان الكوبيين، وتمّ اسقاط احداها صباح اليوم ذاته. - من الأسرار التي اختار خروچوف عدم البوح بها في ذلك الوقت وظلت مجهولة من قبل كافة الأمريكيين، لمدة 25 عاما أو أكثر. أوّلا لم يكن عدد العسكر السوفيت في كوبا 7 آلاف جنديا وضابطا ، كما افترِض مسبقا، أو 17 ألف ضابطا وجنديا، حسب تقديرات وكالة المخابرات المركزية عند انتهاء الأزمة. كان العدد الفعلي 42 ألفا. ثانيا، بالإضافة الى صواريخ سام والصواريخ البالِستية، جلب السوفيت الى الجزيرة أكثر من 100 رأسا نوويا تكتيكيا صغيرا. - شعر ملاحو السفن الأمريكية بالغبطة لمواجهة بحرية مع غواصة سوفيتية لأوّل مرة تحت مثل تلك الظروف. لم يكن أحد من قادة السفن الأمريكية المشاركة في الملاحقة، على علم أنّ الغواصة، التي كانت من الصنف البطيء وتعمل بقوة الديزل، مزودة بطوربيدات نووية قوّة كلّ منها تبلغ 10- 15 كيلوطن، بنفس قوة قنبلة هِروشِما، وكانت قادرة على تدمير عدد من تلك السفن الأمريكية التي تلاحقها بضربة واحدة. كانت المدمرات البحرية والحاملات وطائرات الهليوكوپتر تتابع اماكن تواجد وتحركات 3 من أصل 4 غواصات من نوع فوكستروت تمّ إرسالها الى منطقة البحر الكاريبي. شعر قائد الغواصة المذكورة وضباطها أنّ غواصتهم تتعرض لهجوم، لكنّهم حافظوا على هدوء اعصابهم. - اقترح كندي خلال لقاء اخيه روبرت بالسفير السوفيتي دوبرِنِن سحبا متبادلا للصواريخ من كوبا وتركيا، على أن ينسحب السوفيت خلال 48 ساعة وينسحب الأمريكيون من تركيا خلال 4- 5 أشهر، شرط أن تظل مسألة الإنسحاب الأمريكي سرية. تململ كاسترو من ذلك الإقتراح واشترط حماية نظامه، فعدّل السوفيت موافقتهم على شروط كَنَدي، بإضافة تعهد بعدم غزو الجزيرة. - في الليلة التي تقابل فيها روبرت كَنَدي مع السفير دوبرِنِن، ورد في مجريات الحديث بينهما، "إنّ اؤلئك الذين يفضلون الدبلوماسية قد فقدوا قوة الدّفع ... سيكون من الصعب الوقوف بوجه التيار. الجنرَلات متحفزون للقتال. إنّهم يريدون بدأ الهجوم." فحوى الرسالة التي تلقاها خروچوف من سفيره دوبرِنِن، هي أنّ استمرار الأزمة وتصاعدها قد يعرّض كَنَدي لمحاولة انقلاب عسكري. اعترف المؤلف في نهاية الفصل أنّ الجنس البشري اقترب من نهايته في شهر اكتوبر من عام 1962، أقرب ممّا تصوره أيّ مسؤول في مركز عال في حكومة الولايات المتحدة في تلك اللحظات، أو في الأعوام الأربعين التي تلتها. بالتأكيد، كانت النهاية اقرب ممّا كان يدركه، ليس لأنّ الرئيسين مدفوعان أو لم يُدركا الأخطار المحتملة الشديدة. قال، "في الحقيقة كان كلاهما حذرا الى درجة لم يعياها، أكثر ممّا يعرفه العالم أو أغلب الأفراد المحيطين بهما. وأكثر من ذلك، أنّ لديهما اشمئزاز مشترك لفكرة الحرب النووية، وقد عرفا بأنّ مثل هذه الحرب ستقضي على الحضارة، بل على البشرية. " التاریخ یعید نفسه. كانت القمة التي عُقدت في أكتوبر 1986 بين رونلد ريگن وميخائيل گرباچوف، واحدة من أكثر اللحظات إثارة وتلقائية في الحرب الباردة. لو استمرت قمة رِكافِك يوما آخر، لكان ممكنا أن يتوصلا إلى اتفاق لخفض أسلحتهما النووية، ولكانت القمة حققت النجاح. لكن ذلك لم يحصل. وبحسب ما يروي، كان الاتفاق مرغوبا، لكنّه مستحيل. [https://elaph.com/Web/Culture/2019/08/1262420.html] فالجانبان أدركا أنّ لديهما رؤوسا وصواريخ نووية أكثر كثيرا من حاجتهما الفعلية. وعرف الجانب السوفيتي من جانبه أنّ تكلفة صيانة الأسلحة النووية كانت تشلّ الاقتصاد. بالتالي، شكلت القمة اختراق طبقات الجليد من عدم الثقة بعدما جنبّت خيوط رفيعة من الحظ العالم نهاية مروعة. وبصرف النظر عن التفاصيل، من البديهي القول إنّه كان سيكون من الصعب على الدولتين العظميتين إلغاء ترساناتيهما النوويتين من دون قيام الصينيين والهنود والإسرائيليين وغيرهم من الدول بالشيء نفسه. خصّص المؤلف فصله الرابع عشر للحديث عن قصف المدن باعتباره جريمة حرب، وبدأه بنداء وجّهه الرئيس الأمريكي روزفلت "لكافة الحكومات، التي لها ضلع بالأعمال العدوانية ضدّ المدنيين علنا." طالبها أن تعبّر عن التزامها بأنّ قواتها المسلحة، تحت أيّ ظرف وفي أيّ موقع، لن تلجأ الى القصف الجوي للتجمعات السكانية والمدن غير المحصنة، وأن تعمل بموجب قواعد الحرب المعروفة، التي يجب العمل بها من قبَل كافة الأطراف، وطلب من الجميع الإستجابة المباشرة لهذا النداء." من مفارقات القدر أنّ الولايات المتحدة كانت أوّل من طوّر السلاح النووي واستعمله. قام طيرانها بقصف مدينتي هِروشِما ونَگزاكي باستخدام قنابل نووية بسبب رفض تنفيذ إعلان مؤتمر بوتسدام، الذي كان نصه أن تستسلم اليابان استسلاما كاملا بدون أيّ شروط. إلا أنّ رئيس الوزراء الياباني سُزوكي رفض ذلك القرار وتجاهل المهلة التي حدَّدها إعلان بوتسدام. وبموجب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس هَري ترومَن، قامت الولايات المتحدة بإطلاق السلاح النووي الولد الصغير على مدينة هِروشِما يوم الاثنين الموافق 6 أغسطس عام 1945، ثم تلاها إطلاق قنبلة الرجل البدين على مدينة نَگزاكي بعد ثلاثة أيام، في التاسع من الشهر ذاته. كانت هذه الهجمات هي الوحيدة التي تمت باستخدام الأسلحة النووية في تاريخ الحرب. قتلت القنبلتان ما يصل إلى 140000 شخصا في هِروشِما، و80000 شخصا، في نَگزاكي بحلول نهاية سنة 1945، حيث مات ما يقرب من نصف هذا الرقم في نفس اليوم الذي تمت فيه التفجيرات. ومن بين هؤلاء، مات 15-20 ٪ متأثرين بالجروح أو بسبب آثار الحروق، والصدمات، والحروق الإشعاعية، يضاعفها الأمراض، وسوء التغذية والتسمم الإشعاعي. ومنذ ذلك الحين، توفي عدد كبير بسبب سرطان الدم (231 حالة) والسرطانات الصلبة (334 حالة)، نتيجة التعرض للإشعاعات المنبثقة من القنابل. كانت معظم الوفيات من المدنيين في المدينتين. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7] إنّ بين مسؤولي الطيران من امثال دَوهَت في إيطاليا واللورد ترَنچَرد في بريطانيا والجنرَل بَلي مِچِل قائد العمليات الجوية الأمريكية في فرنسا، هم من رحّب بفكرة "الإستخدام الستراتيجي للقوة الجوية،" باعتبارها افضل السبل لخوض الحروب في فترة الثلاثينات. وعمل مسؤولون بريطانيون مثل وِنستُن چَرچِل على اذكاء روح العدوان والكراهية وإذلال ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، واستغل ضدّها كافة الفرص والمبررات في مطلع الحرب العالمية الثانية، مثل قضية الغارة على نوتردام في هولندا. وهي الغارة التي جعلت چَرچِل يبرّر قراره بعد تسلمه لمنصبة لمدة 4 أيام فقط ليصدر أمرا لسلاح الجو الملكي بالإغارة على المناطق السكنية في ألمانيا. وهو شيء أراده وآمن به لوقت طويل. ذكر للوزير المسؤول عن انتاج الطائرات الحربية بتاريخ 8 يوليو من عام 1940، "الشيء الوحيد الذي سَيُجبر هِتلر على الإنسحاب والسقوط هو الهجوم المدمّر تماما والفاني بواسطة القاصفات الثقيلة، التي ستنطلق من هذا البلد متجهة الى وطن النازية. يجب أن نكون قادرين على أن نطغي عليهم بهذه السبل." لقد كان ضروريا في اذهان الرأي العام البريطاني والعديد من المسؤولين، أنّ تلك السياسة البريطانية كانت في إطار المعاملة بالمثل. صرّح چَرچِل، "هذه هي الطريقة التي نردّ فيها عليهم، وهي من حقنا الشرعي. في الحقيقة إنّها التزام أخلاقي مطلوب منّا القيام به. إذا كان بدأ هذا النوع من الحرب، فإنّه يتعيّن علينا أن نقابله بالمثل." ضرب المدن بالقنابل ليس امرا جديدا في حياة چَرچِل. في عام 1920 حين كان وزيرا للمستعمرات، قامت في العراق ثورة ضدّ الإحتلال البريطاني للبلد، الذي قالوا إنّهم "جاءوا اليه كمحررين لا فاتحين!". لعبت عشائر الجنوب والوسط دورا حاسما واشتبكت مع القوات البريطانية. في ضحى احد ايام شهر مايو من ذلك العام اسقطت طائرة بريطانية صغيرة قنبلة على سوق مدينة الناصرية في جنوب العراق، فقتلت شخصا وجرحت عددا من المواطنين، كان بينهم ولد بعمر 10 سنوات، حين بُترت ذراعه نتيجة انفجار القنبلة، فاصبحت كنيته منذ ذلك الحين "عباس دانه!" وكلمة "دانه" تعني قنبلة في لهجة تلك المدينة. جدير بالذكر أنّ چَرچِل لعب إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية دورا تخريبيا اساسيا لبدء الحرب الباردة نتيجة زعزعة الثقة في الحليف الذي دخل جنوده ودباباته برلين بعد أن طاردوا قوات النازية من اطراف مدينة ستالِنگراد حتى العاصمة الألمانية. يختتم المؤلف فصله بالقول، "لكلّ طنّ من القنابل، التي القيت على انگلترا خلال فترة 9 اشهر، اسقطت طائرات انگلترا والولايات المتحدة، خاصة انگلترا، ما يعادل 100 طنا من القنابل على المدن الألمانية. ونجم عن تلك الغارات مقتل أكثر من نصف مليون مواطن ألماني من المدنيين."
إنتقل المؤلف من قصف المدن في الفصل الرابع عشر الى إحراقها في الفصل الخامس عشر. يمكن تسجيل الملاحظات التالية. ساعد الفاشست والنازيون حكومة فرانكو الفاشية في اسپانيا في اواخر الثلاثينات فقصفوا مدريد وبعض المدن الأخرى، التي منها ما خلده پِكاسو في لوحته الفنية. في مطلع الأربعينات بدا احراق المدن من قبل البريطانيين وإبادة الأحياء السكنية وفق الخرائط. قصفوا برلين 5 مرّات قبل أن تُضَرب لندن بحوالي 200 طنا من المتفجرات التي القيت على مساحة ميل مربع واحد. ثمّ تلاه احراق مدينة هامبُرگ ليلة يوم 27 يوليو عام 1943. فقد ما يقرب من 44000 مواطنا من ساكني المدينة حياتهم في تلك الليلة المرعبة. وجرى بعده احراق مدينة درسدن المتأخر الذي لم يخدم أيّ غرض عسكري، فقد كانت المانيا على وشك الهزيمة. أورد المؤلف قول أحد المسؤولين، " كانت عاصفة النار في درسدن هي الأسوأ. ولكن من وجهة نظرنا، كانت ضربة حظّ. لقد اغرنا على برلين 16 مرّة بنفس القوة التي اغرنا فيها على درسدن. حاولنا في كلّ مرّة أن نخلق عاصفة نارية. لم يتميز الوضع في درسدن بشيء سوى أنّ كافة ما خططنا له جرى حسب الأمر المطلوب. كان الأمر يشبه محاولة ضرب كرة لعبة الگولف لإدخالها في الحفرة. من المؤسف أنّه كانت لدرسدن اهمية عسكرية قليلة وأنّ المذبحة جاءت في وقت متأخر جدّا، ولم يكن لها تأثير على مجريات الحرب واوضاعها." هاجمت طائرات سلاح الجو البريطاني مدينة درسدن مستعملة قنابل المگنيسيوم مساء يوم أربعاء الرماد الموافق 13 فبراير من عام 1945. قامت القاصفات الأمريكية في اليوم التالي بالإغارة على المدينة مستعملة قنابل شديد الإنفجار والقنابل الحارقة في وضح النهار، يوم عيد فالنتاين. في اليوم الذي تلاه استعملت قنابل دخانية كوّنت طبقة كثيفة من الغيوم فوق المدينة، حسب رواية المؤلف. أمّا في اليابان، فقد استخدم الجنرَل لَومَي طرقا جديدة تقوم على الطيران المنخفض واستخدام قنابل المگنيسيوم شديدة الإنفجار وإلحاقها باستعمال قنابل الناپالم. تدّمر القنابل هياكل البيوت والمباني وتأتي نيران الناپالم فتلتهمها، نتيجة تكوين تيارات هوائية تذكي النيران اشتعالا وتنشرها بسرعة فائقة. استخدم لَومَي تلك الفكرة لتدمير طوكيو بغارة نارية ليلة 9- 10 مارس من عام 1945 وبعدها تدمير 67 مدينة يابانية. "قُتِل خلال تلك الليلة ما يقرب ما بين 80 الفا الى 120 الفا من المدنيين، واضطرّ حتى طياري القاصفات وملاحيها لاستخدام اقنعة الأوكسجين وهم على ارتفاع 5 آلاف قدما في الجو، أي بمقدار ميل فوق اللهُب المستعرة، كي لا يتقيأوا نتيجة شمّ روائح اللحم البشري المحترق." أشار أحد التقارير الى تقديرات لومَي بأنّ مساحة 51 ميلا مربعا من المدينة قد دُمّرت تماما. واخيرا جاء القرار لتجريب استخدام القنبلة الذرية. اصدر ترومَن قراره باسقاط قنبلتين على اليابان. الأولى على هِروشِما والأخرى على نَگزاكي بتاريخ 6 و9 من شهر اغسطس عام 1945. العذر هو أنّ ذلك كان البديل لغزو امريكي، ما كانت له ضرورة، لأنّ اليابان كانت على وشك الإستسلام. "حين أعلن ترومّن أنّ الإحتمالات المتوقعة للخسائر الفعلية نتيجة إسقاط القنبلة الذرية لم تولد لديه لحظة تردّد ولم تحرمه لذة النوم، اعتبِر الكثير من المواطنين الأمريكيين مثل هذا الإعتراف شيئا غريبا، بما فيهم أنا نفسي، حين قرأت الخبر. لربّما كان بإمكانه أن يقول أنّه كان قرارا شاقّا، في الحقيقة مثيرا للكرب، وكان مشكلة اخلاقية وقرارا خطيرا. لا مجال للفكاك من ذلك.كيف أنّ مثل هذا الأمر لم يكن تحدّيا اخلاقيا؟" يبدو أنّ أفناء السكان المدنيين عن طريق احراقهم، قد اصبح وسيلة امريكية للحرب الجوية، كما كانت بالنسبة للبريطانيين منذ اواخر عام 1940. وعليه لم تكن المسألة اخلاقية بدليل ما نُقِل عن الجنرَل لَومي من قوله، ""لقد احرقنا وسلقنا وشوينا الكثير من الشعب في طوكيو في ليلة 9- 10 مارس، ثمّ حوّلنا الآخرين الى بخار في هِروشِما ونَگزاكي معا." يكشف المؤلف في الفصل السادس عشر بعضا من غرائب الأمور، حين وضع العسكر الأمريكيون الخطة الحربية الأولى ضدّ الإتحاد السوفيتي في شهر نوفمبر 1947. إشتملت ضرب 24 مدينة سوفيتية باستخدام 34 قنبلة ذرية. غير أنّه كان لدى الولايات المتحدة في حينها 13 قنبلة ذرية، وربّما 7 منها فقط جاهزة للإستعمال. لم يعرف مخططو الحرب تلك الحقيقة، لأنّ كلّ شيء كان سريّا للغاية، حسب قول المؤلف. في عام 1956، تضاعف عدد الضحايا حسب التقديرات الى 10 اضعاف ما كان عليه قبل عام. "وصف محللو راند تلك الزيادة بأنّها جسيمة، كونها وصلت الى 150 مليون مواطنا سوفيتيا. بحلول عام 1961، وكما علمت لتوّي، فإنّ قيادة الأركان المشتركة قد وضعت رقم الخسائر بما يُقدّر أكثر من 200 مليون مواطنا في الكتلة السوفيتية. لماذا حدثت تلك الزيادة؟ ولماذا في ذلك الوقت؟" ذكر المؤلف أنّ صدمته من زيادة تقديرات الخسائر، "صاحبها أكثر من سؤال في ذهني. كيف ولأيّ سبب اقترح المخططون أو متخذو القرارات تلك الزيادة الباهضة؟ هل استنتج احدهم أنّ "قتل الشعب" باستعمال 400 قنبلة نووية ستقضي على حياة عشرات الملايين من الروس ليس كافيا للردع؟ أم أنّ الأمر إيفاء بالتزامنا لاعضاء حلف الناتو للردّ على أو احباط أيّ هجوم سوفيتي ارضي عليهم، تطلب تلك الزيادة في مقدار الأضرار الجانبية؟ أو ما هي الأسس، التي توصلوا بموجبها الى أيّ من تلك التقديرات والأحكام؟" وافق أيزنهاور على خطة SIOP وأورثها لخلفه كَنَدي. قدّم عرض موجز للرئيس الجديد عن الخطة والنتائج المتوقعة لها في شهر يوليو من عام 1961، فعلق وقد بدا مصدوما وهو يقول، "ونسمّي انفسنا بشرا!" أعاد ذكر هذا التعليق أمام وزير خارجيته دِين راسك. وحسب قول المؤلف، "ولكن بالتأكيد ليس امام اعضاء قيادة الأركان المشتركة ولا الرأي العام الأمريكي. ظلّ الخيار، الذي طرحته خطة الحرب الشاملة، على الرّفّ طيلة فترة رئاسة كَنَدي القصيرة الأمد، وايضا طيلة فترة حكم خلفه لِندِن جونسُن." يضيف المؤلف أنّه، كانت للرؤساء فورد وكارتر ورَيگِن، خيارات عديدة "لبدائل نووية محدودة" تكون آثارها أقلّ بكثير من آثار الخطط الجهنمية المروعة apocalyptic. غير أنّ الجنرَل لي بَتلَر، وهو قائد سلاح الطيران السابق، قد كشف أنّ واضعي الخطط في أوماها والپنتگون، لم يعيروا حقيقة مقترحات هؤلاء الرؤساء اهتماما، سواء في تخطيطهم وفي العمليات التدريبية والمناورات، التي أجراها سلاح الطيران، وظلوا ملتزمين بأنّ الحرب، التي يخططون لها ستكون حربا شاملة." وجدير بالذكر أنّ أرشيف الأمن القومي الأمريكي نشر على موقعه الخاص على الإنترنت، خطة كانت قد أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 1960، لتدمير كلّ من الاتحاد السوفيتي والصين، بشكل كامل. الموقع الأمريكي التابع للأمن القومي، نشر وثائق عن خطة لإحداث إبادة جماعية في كلي البلدين. وأشار المختصون بأنّ الخطة التي حملت اسم " SIOP" كخطة متكاملة لتدمير كلي البلدين اللذين باتا يهددان الولايات المتحدة الأمريكية كقوتين صناعيتين. اشارت الخطة هذه المرة إلى استخدام القوات الأمريكية للأسلحة النووية لتدمير 70 في المئة من الإمكانات الصناعية للاتحاد السوفيتي. وفي الوقت نفسه سيؤدي ذلك بحسب الإدارة الأمريكية لوفاة حوالي 70 مليون سوفيتيا. [https://www.alalamtv.net/news/3757411] وبحسب إدارة الأركان الأمريكية في ذلك الوقت، فإنّ القضاء على أكبر عدد من السكان يعتبر معيارا هاما وكبيرا لتحقيق الانتصار على الاتحاد السوفيتي. تضمنت الخطة "SIOP" استخداما تفصيليا للأسلحة النووية التي ستستخدم من قبل القوات الأمريكية. وكانت إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية الأمريكية، قد نشرت في عام 2015، قائمة بأهداف القنابل الذرية للولايات المتحدة الأمريكية، التي شملت أهدافا في الاتحاد السوفيتي وأوروپا الشرقية والصين. تمّ تحديد 179 هدفا في موسكو و 145 في لِنِنگراد و 91 في برلين الشرقية. كان أحد أهم أولويات الوثيقة تدمير القاذفات السوفيتية قبل إقلاعها من مطاراتها.
يستعرض المؤلف في الفصلين السابع عشر والثامن عشر المقامرة الجنونية التي اقدم عليها الأمريكيون باختبار القنبلة الذرية الأولى. كانت هناك مخاوف وتحفظات عبّر عنها العالم الفيزيائي أنريكو فَرمي، حين قيل إنّ احتمال مخاوفه كان لا يتجاوز 3 بالمليون. لكن حساباته اشارت الى أنّ النسبة أعلى من ذلك وقد تصل الى 10%. "ومع ذلك استمرّ أوپنهايمر وكومپتُن وكونَنتو گروفر في خططهم. باختصار، كان اختبار ترِنِتي الأوّل في المُگوردو قد شكّل مقامرة واعية من قبَل العلماء الكبار في مجمّع لاس ألموس ورؤساؤهم المباشرون. وهي مقامرة شملت قدر كلّ كائن حيّ على وجه الأرض وفي الجو وفي اعماق المحيطات." إنّ مخاوف فَرمي كانت حول امكانية أنّ التفجير قد يولد حرارة كافية لإشعال النايتروجِن في الغلاف الجوي للأرض واشعال الهايدروجِن في مياه البحار والمحيطات. لم يكن الأمر معروفا من قِبَلِ الرئيس أو أيّ مسؤول آخر في العاصمة واشنطن، باستثناء المجموعة المساهمة في مشروع مانهاتِن في عام 1945 أو السنوات الثلاث الماضية قبلها، منذ أثير الموضوع مع كومپتُن من قِبَلِ أوپنهايمر في شهر يوليو عام 1942. يعترف المؤلف في نهاية فصله، " إنّ الضعف المفترض في قوة الولايات المتحدة وقدراتها، كان لا أساس له من الصحّة أصلا، كما كان الحال في مشروع مانهاتِن خوفا من امتلاك النازيين لبرنامج تطوير القنبلة الذرية قبلنا. ومنه ما جرى حديثا بصدد مخاوفنا الواهية الأسس عن امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل عام 2003، واحتلال العراق بذرائع باطلة." من المعروف أنّ الولايات المتحدة بررت غزو العراق انذاك بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل بشكل سري. إلا أنّ اللجنة الاممية المعنية بالعثور عليها بعد التدخل الأمريكي أكدت عدم وجود أيّ سلاح من هذا النوع في البلاد، فيما اعترف المسؤولون الأميركيون، بينهم وزير الخارجية الأسبق كولِن پاوِل، بفبركة ومبالغة في الأدلة التي استخدمتها واشنطن لتبرير حربها على العراق. [https://www.history.com/topics/world-war-ii/the-manhattan-project]الأمريكيون يقامرون في حياة الكوكب وما عليه من الكائنات. للتاريخ، انتحر هِتلر يوم 30 ابريل عام 1945، وتمّ اختبار أول قنبلة ذرية بعد 10 اسابيع في ولاية نو مكسيكو يوم 16 يوليو عام 1945. ألقيت هذه القنبلة على هِروشِما بتاريخ 6 أغسطس واخرى على نگزاكي بتاريخ 9 أغسطس. فقد 39000 مواطنا يابانيا حياتهم في المدينة الأولى و80000 مواطنا يابانيا في المدينة الثانية، أحْرِق نصفهم وفارق الحياة ساعة الإنفجار. ثمّ جاءت فكرة القنبلة الهايدروجِنيّة H-Bomb. السبب لتطوير هذه القنبلة الفائقة super bomb هو الحصول على قدرة لتدمير منطقة شاسعة بقنبلة واحدة. برأي المؤلف، "إنّ استعمالها يتطلب قرارا بإبادة عدد كبير من المدنيين. إنّنا قلقون بشأن الإشعاعات النووية وتأثيراتها المحتملة على المستوى العالمي." جاء مثل هذا القرار بتاريخ 31 يناير 1950 على لسان الرئيس حين، "أعلن ترومَن على الرأي العام أنّه أمر مفوضية الطاقة الذرية أن تستمر في عملها لتطوير كافة اشكال اسلحة الطاقة الذرية، بما فيه ما يُسمّى القنبلة الهايدروجِنيّة أو القنبلة الفائقة." وبهذا يكون هذا الرئيس قد أمر بتطوير قنبلة اليورنيُم وقنبلة الپلوتَنيُم ثم القنبلة النِترونيّة واخيرا القنبلة الهايدروجِنيّة. إنّ الرجل بحق هو "الرئيس الذري،" وامريكا "مصنع آلات الفناء."
ركّز المؤلف في فصله التاسع عشر على موضوعين هما (1) عدم ابقاء موضوع تفويض اطلاق الأسلحة الذرية سريّا و(2) عدم تدمير هيكل القيادة العليا للعدو وفق سياسة "قطع الرأس،" التي كانت من بنات افكار زبِگِنيو برِزِنسكي، مساعد الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي. بطبيعة الحال، لم يقف السوفيت مكتوفي الأيدي ازاء تلك الفكرة الجهنميّة، بل صمّموا نظاما للعمل في مثل هكذا ظروف سمّوه Mertvaya Ruka، "اليد الميتة." [https://www.wired.com/2009/09/mf-deadhand/] عرّج المؤلف على مصمّم هذا النظام فالَري يارنِچ، الذي اعتبر نظامه أكثر أمنا من البدائل الأخرى. قال المؤلف إنّ الرجل تمسّك برأيه هذا حتى وافته المنية في شهر ديسمبر من عام 2012، وبعد أن قدّم المشورة للأمريكيين على مدى عدة حقب حول الحدّ من الأسلحة النووية. لقد إعتقد ذلك لأنّ النظام يعتمد على اطلاق الصواريخ أثر استلام تعليمات من القيادة العليا في موسكو فقط. إلّا أنّ النظام لا زال يعتمد على الإطلاق عقب وصول التحذيرات. وبناء عليه، فإنّ النظامين في البلدين يستمران لمنع تدمير الصواريخ السوفيتية قبيل اطلاقها ويسمح باستباق الصواريخ الأمريكية في الحال قبل انطلاقها. لكنّ النظام السوفيتي هذا، كان يرمي الى إزالة أيّ ضغط اضافي على القادة السوفيت في موسكو، لكي يطلقوا صواريخهم اعتمادا على اشارات التحذير، إذا بدت تلك الإشارات موثوقة. ولكنّه سوف لن تكون هناك هجمات سوفيتية انتقامية ضدّ أيّة هجمات امريكية، لأنّ القادة انفسهم سيكونون على وشك الإبادة، حسب التخطيط الأمريكي. وعلى أيّة حال، وكما ذكر دَيفِد هَوفمَن، رئيس مكتب واشنطن پوست في موسكو، بعد عدة مقابلات مع يارنِچ، لإعداد كتابه عن "اليد الميتة،" ونعاه بعد وفاته قائلا، "عبّر يارنِچ في السنوات الأخيرة من حياته عن كثير من الشكوك حول انظمة الدفاع وإبادة العدو، التي خصّص حياته لجعلها تعمل بشكل حسن في كافة الأحوال. أخبرني في احدى المرات، أنّه كان من السخف أن يبقوا نظام (اليد الميتة) سريّا. يكون هذا النظام الإنتقامي مفيدا للردع فقط حين يعلم الخصم بوجوده." والأبعد من ذلك، بدأ يُشكّك في حكمة اللجوء الى الردع النووي، وما يتعلق منه بالتحذير المصوب، خاصّة بعد أن انتهت الحرب الباردة. خشي أن يقود مثل هذا التحذير الى حادثة أو إطلاق صاروخ عن طريق الخطأ. لم يحافظ يارنِچ على صمته، وقرّر أن يعلن على الملأ افكاره ومخاوفه، حسب قول هوفمَن. تطلب مثل هذا الأمر شجاعة، إذ أنّه حتى بعد سقوط الإتحاد السوفيتي، بقيت مناقشة موضوعات من هذا القبيل تحت الرقابة في روسيا. في مطلع التسعينات، "استولى على يارنِچ حلم بأنّه في يوم من الأيام ستقوم الولايات المتحدة وروسيا بتبادل اسرارهما حول السيطرة والتحكّم." كان متأكّدا أنّ ذلك سيقود الى تحقيق فكرة الردع عن طريق اللجوء الى امتلاك عدد أقلّ من الرؤوس النووية. كما أنّه فضل عدم وضع الصواريخ في حالة تأهب دائم للإنطلاق من قواعدها. "عاد وصقل دون كلل أو ملل شرح منطقِه لتبرير ذلك، لكنّ كلي الحكومتين ما كانتا راغبتين في الإستماع له. القادة الكبار للسيطرة والتحكم بالأسلحة النووية، لم يستطيعوا تصوّر انفتاح من هذا القبيل على بعضهما البعض، ليس هنا ولا في روسيا." في شهر سبتمبر من عام 1974 وبعد استقالة نِكسُن، كشف روجَر مورِس ، المساعد السابق للمستشار كِسِنجَر، لأوّل مرّة لمجلة واشنطن الشهرية، أنّ نِكسُن أشرف على خطط لهجمات نووية على فيتنام الشمالية ما بين شهري اكتوبر ونوفمبر من عام 1969. خلال هجمات رأس السنة الجديدة ضدّ فيتنام الشمالية وطِبقا لخطة كِسِنجَر وتأكيداته التي سبقت الإنتخابات بأنّ "السلام في اليد،" ذكر د. إقبال أحمد بشأن هذا الأمر، أنّ عضو الوفد الفيتنامي لمحادثات السلام في پاريس، خوان ثِوي قد اخبره خلال تلك الزيارة أنّ هنري كِسِنجَر قد هددّ فيتنام الشمالية باستخدام "القنابل النوووية 12 مرّة". في الحقيقة أنّ كلّ رئيس اعتبارا من ترومَن حتى كلِنتُن قد شعر أنّه ملزم في نقطة معينة خلال فترة إدارته، وبطبيعة الحال، بشكل سرّيّ أن يُهدّد و/أو يناقش مع اعضاء قيادة الأركان المشتركة خططا وتحضيرات لإمكانية الإستعمال الوشيك وشن حرب باسلحة نووية تكتيكية أو ستراتيجية، خلال أزمة صراع، لم تكن أصلا نوويّة. كما أورد المؤلف 25 حالة استعملت فيها الولايات المتحدة السلاح النووي أو هددت به أو أوشكت على استعماله، في مختلف الظروف وفي مناطق عديدة من العالم اعتبارا من اليابان عام 1945 الى ليبيا عام 1996. كما اشار الى السبب، الذي دفع كافة الرؤساء بعدم التصريح رسميا "بالإلتزام بفكرة عدم شنّ الضربة الأولى No First Use." لقد رفضوها جميعا، رغم الإقتراحات المتكررة من قبل الصين، التي اعلنت إلتزامها وقت جرّبت للمرة الأولى سلاحها النووي عام 1964. وكما فعلت الهند بعد اختبارها الثاني عام 1998، وكذلك الإتحاد السوفيتي بين الأعوام 1982- 1993، خاصة أنّ ميخائيل گوربَچوف، قد أعاد تأكيد ذلك وهو في آخر شهر له في السلطة، بالتزام بلده بهذا المبدأ واقترح أن تقوم الولايات المتحدة باتخاذ نفس الخطوة. لكنّ هذا الإقتراح وكما هو متوقع، رُفِض من قبلِ إدارة بُش. كما رفضت الولايات المتحدة بعناد اقتراح غالبية الشعوب الأخرى للإلتزام بمبدأ NFU، باعتباره أساسا لوقف انتشار الأسلحة النووية، كما رفضت التصديق على معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة الذرية خلال مؤتمر عام 1995 ومؤتمر مراجعة القضية ذاتها عام 2000. وما يهمّنا كعرب من أمر هذه التهديدات أنّ الولايات المتحدة اعطت لنفسها الحق، بموجب مبدأ كارتر لعام 1980 باعتبار منطقة الخليج العربي [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%82] واقعة ضمن مناطق مصالحها، وهدّدت أنّها ستدافع عنها باستعمال الأسلحة النووية، إذا اقتضت الضرورة. حدث هذا بعد غزو السوفيت لافغانستان وسقوط نظام الشاه في ايران عام 1979. يبقى هناك سؤال حول استعمال الأسلحة النووية التكتيكية في افغانستان والعراق. الجواب على ذلك هو "نعم" رغم الإنكار الرسمي. https://www.geopolitica.ru/en/en/article/usa-have-used-tactical-nuclear-weapons-afghanistan-and-iraq
تفتحت العبقرية العسكرية الأمريكية عن فكرة لإيقاف حركة الأرض.هل سمع أحد بخطة جنونية لإطلاق 1000 صاروخا من نوع أطلس وتيتان، توضع بشكل متواز مع سطح الأرض وفي الإتجاه المعاكس لحركة دورانها، كي تتوقف لحظة فتعجز الصواريخ السوفيتية عن ضرب اهدافها على القارة الأمريكية الشمالية، وتعود قافلة ادراجها الى الأراضي السوفيتية فتلحق بها الدمار؟ هذا ما اخبرنا به المؤلف في فصله الأخير. يدّعي الأمريكيون أنّ الغرض الأساسي من أسلحتهم النووية هو ردع أيّ هجوم على الولايات المتحدة أو أيّ من حلفائها. وبحسب رأي المؤلف فإنّ "الغرض الأساسي، الذي نسعى اليه يجب أن يكون تخفيض عدد الصواريخ الأمريكية بكاملها، المتحرك SLBMs والثابت ICBMs وتفكيكها، الذي كان يجب أن يتمّ منذ عدة اجيال. إنّ مثل هذا التحول لا يزيل تماما الأخطار المترتبة على قيام حرب نووية، لكنّه على الأقل يلغي فكرة التهديد بشتاء نووي مدمّر." يحرّض المؤلف ويدعو مواطني العالم على رفع الشرعية عن الأسلحة الذرية والتهديدات باستعمالها. في الحقيقة، أنّ وجود جانبين ضدّ بعضهما البعض في حالة إنذار دائم، يشكّل خطرا عليهما وعلى العالم، أكثر ممّا لو امتلك جانب واحد تلك الآلات. "لو استطعنا تفكيك الآلات المتوفرة، فلن يعود هناك أيّ مبرر ستراتيجي لأيّ جانب لبناء تلك القدرات، هذا إذا توفرت نوايا واعية قبل كلّ شيء." الأخبار السارة برأيه، هي أنّ تفكيك آلات الفناء في أحد البلدين أو كليهما، مفهوم بسيط نسبيّا من الناحية العملية، غير أنّه صعب للغاية من الناحيتين السياسية والبيروقراطية. "يمكن انجاز هذا التفكيك بسرعة وبسهولة خلال فترة لا تتجاوز سنة واحدة. لكنّ ذلك يعني، وهنا تبرز قوة معارضة المؤسسات المعنية بأنّنا نتخلى عن اهداف معينة غير ممكنة وقدرات خادعة حول إمكانات قواتنا النووية، وبشكل خاص، التصوّر بأنّه من الممكن الحدّ من الأضرار التي تصيب الولايات المتحدة،" عن طريق الضربة الإستباقية، التي تستهدف القواعد الأرضية للصواريخ عابرة القارات، ومراكز القيادة والسيطرة والمواصلات وقادة البلاد (قطع رأس القيادة)، وغيرها من الأهداف، التي توفر موارد دعم المجهود الحربي، بما فيها المراكز الصناعية في المناطق المدنية وطرق المواصلات ومحطات توليد الطاقة الكهربائية. لكنّ توقعات انتشار الوعي اليوم، تعطي كل فرد وشعب ومؤسسة في العالم أساسا مقنعا عاجلا لم يُسبق له مثيل، لطلب أنّ مثل هذه القدرات و"البدائل" المخطط لها يجب أن تُفكّك مباشرة. وبصدد موضوع التفكيك هذا، زعمت مجموعة من العلماء ابتكار طريقة للكشف عما إذا كان قد تم إلغاء تنشيط الرؤوس الحربية النووية بنجاح. فحاليا يكاد يكون من المستحيل معرفة ما إذا كان السلاح نفسه قد تم تفكيكه، إذ ابتكر خبراء معهد ماسَچوسِت للتكنولوجيا (MIT) شعاع نيوتروني يكشف عن وجود نوع محدد من الپلوتونيوم المستخدم فى الأسلحة. ووفقا لموقع "ديلى ميل البريطانى،" تتمتع الرؤوس الحربية النووية بمواد مميزة [https://www.youm7.com/story/2019/9/30/%D8%B9%D9%84] وكذلك وجود الپلوتونيوم المسؤول عن القوة التدميرية للسلاح. يقول الخبراء إنّ طريقة الكشف هذه لإثبات ما إذا كانت القنابل قد تم تفكيكها، يمكن استخدامها لضمان عدم تخزين الدول للأسلحة النووية سرّا. فقد تشكل الرؤوس النووية المخزنة التى لم يتم تفكيكها بشكل صحيح، خطرا شديدا إذا تم بيعها أو سرقتها أو تفجيرها عن طريق الخطأ. ذكر أرِك دانَجوليان، العالم النووى بمعهد ماسَچوسِت للتكنولوجيا الذي قاد المشروع، "هناك حاجة حقيقية لاستباق هذه الأنواع من السيناريوهات الخطرة ومتابعة هذه المخزونات، وهذا يعنى حقًا تفكيكا مؤكدا للأسلحة نفسها." هل سيحدث هذا في امريكا اليوم؟ يقترب موعد انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة بمرور الأيام المصحوب ببروز الفضائح. هناك بطبيعة الحال شمائل يودّ المواطن أن يتميّز بها رجل القيادة، كالصدق والجدّية والتواضع والعفاف والثبات على المبادئ والرصانة والهدوء والثقة بالنفس والاتزان في السلوك. لكنّ سمسار البيت الأبيض بذيء ومبتذل وسوقي وجاهل ونزق ونرجسي وايضا مخبول. وفوق ذلك جبان تهرّب من الخدمة العسكرية في فيتنام بورقة من طبيب ذكر أنّ عظما صغيرا في قدمه يسبب له الألم عند لبس الحذاء العسكري، فحصل على الإعفاء من الخدمة المذكورة! لكّنني شاهدته في أكثر من اجتماع انتخابي وهو يلف نفسه بالعلم الأمريكي ويُقبّله! ثمّ يتباهى الأرعن بكبر حجم اصابعه فوق الأزرار النووية. وهذه فكرة مرعبة حقا.
د. محمد جياد الأزرقي أستاذ متمرس، كلية ماونت هوليوك قرية مونِگيو، ماسَچوست، الولايات المتحدة 29/11/ 2019
#محمد_الأزرقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في مذكرات سيمور هيرش
-
قراءة في كتاب لن نصمت
-
قراءة في كتاب چومسكي -وداعا للحلم الأمريكي-
-
قراءة في كتاب چومسكي عن الإرهاب الغربي
-
العواقب: مذكرات محقق أمريكي
-
قتل أسامة بن لادن ومسالك الجرذان في سوريا
-
قراءة في كتاب تفعيل الديمقراطية لمعالجة ازمات الرأسمالية
-
قراءة في كتاب عصر التنمية المستدامة
-
لورنس الآخر
-
لورنس الآخر: حياة روبرت أيمز وموته
-
ألسباق للفوز بما تبقي من المصادر الطبيعيّة
-
دور حكايا الساحرات الخيالية في النمو النفسي والعقلي للأطفال
-
قراءة في كتاب ألمسألة ألأخلاقيّة وأسلحة الدّمار الشّامل مقار
...
-
غرباء مألوفون
-
التملص من جرائم التعذيب في السجون الأمريكية
-
الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الصهيوني (الحلقة الثالثة
...
-
الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الصهيوني (الحلقة الثانية
...
-
الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الأسرائيلي (الحلقة الأول
...
-
الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية- الحلقة الرابعة
-
الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية - الحلقة الثالثة
المزيد.....
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
-
تصريحات ماكرون تشعل الغضب في هايتي وتضع باريس في موقف محرج
-
هونغ كونغ تحتفل بـ100 يوم على ولادة أول توأم باندا في تاريخه
...
-
حزب -البديل- فرع بافاريا يتبنى قرارًا بترحيل الأجانب من ألما
...
-
هل تسعى إسرائيل لتدمير لبنان؟
-
زيلينسكي يلوم حلفاءه على النقص في عديد جيشه
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|