أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6420 - 2019 / 11 / 26 - 12:00
المحور: الادب والفن
    


تماماً مثلما قدّرَ وكيلُ أعمال رمضان آغا، حصل انتقال سيّده إلى بلدة الزبداني بسهولة ويسر دون أن يلفت انتباه أحد سوى الفضوليين والمتطفلين، الذين يدورون حول الوجهاء بنفس همّة الذباب إزاء طبق من الحلوى. كان ذلك في أواخر يوليو/ تموز، وكان بدايته شهدَ فاجعة الحي المسيحيّ بدمشق؛ وقد علمنا أنها سببُ استعجال الآغا في الرحيل عن المدينة. حين فتحَ لهم بابَ المنزل الصيفيّ، البستانيُّ المكلف برعاية المزرعة، قال للوكيل بصوتٍ خفيض كيلا يسمعه سيّدهما: " خيراً إن شاء الله، تأخرتم هذا الصيف في المجيء ". لكن السيّد سمع ما همسَ به الرجل، وجعله أكثر ثقة بالأمان هنا: هذا معناه، أنّ أخبار ( طوشة الشام ) لم تصل بعدُ إلى هذه البلدة المتوحّدة، وربما تنتهي ذيولها قبل أن يحصل ذلك.
" يلوحُ أن محمد آغا لن يحضر إلى مزرعته، لأنني أرى الستائر ما تفتأ مسدلة على النوافذ؟ "
تساءل السيّد وهوَ يومئ إلى ناحية منزل جميل، ينبسط على رابية منيفة بالقرب من منزله. كان يتكلم بطريقة توحي بالاطمئنان، ولعله اشتاق منذ الآن إلى صُحبة الجيران من أولاد حيّه. امرأته أيضاً المنهكة بالنفاس، فكّرَ على الأثر، كانت ولا غرو أحوج إلى من يسليها في الريف؛ بالأخص لياليه المضجرة، حيث لا يتناهى سوى صفيرُ الجداجد وطنين البعوض ونعيق بوم الشؤم. لقد شقّ عليها السفر، حتى أنها هُرعت إلى السرير، مرتعدة مرتعشة، قبل أن يتم تنظيف حجرة النوم وتهويتها. عادةً، كان البستانيّ وامرأته يتكفلان أمور المنزل قبل حضور السيّد، وذلك بعدما يتم إبلاغهما قبل أسبوع على الأقل. لكنهما فوجئا بمجيء المالكين، وكانا يظنان أنهم استنكفوا عن الاصطياف بالنظر لانتصاف الصيف. شأن جاره وابن حيّه، كان لرمضان آغا استراحة في بساتين عين كرش بالجهة الشرقية منها، الأقرب لصالحية الأكراد، يقضي وأسرته فيها بضعة أسابيع في الربيع والصيف.

***
ملّاكٌ آخر، نعرفه أيضاً حق المعرفة، كان لديه في الزبداني مزرعة ومنزل صيفيّ. إنه طراد آغا، وكان آنذاك ما زال في بداية صعوده بالمراتب العسكرية. بيد أنّ علاقة جد سارة بالرجل كانت باردة حتى ذلك اليوم، برغم أنهما من منطقة واحدة في الحي. رمضان آغا، كان يرى في ضابط الدرك شخصية غامضة، عصية على الفهم، مع أن مسلكه لا يُعاب بشكل من الأشكال. مع ذلك، رحّبَ اليومَ بفكرة وجود ضابط الدرك بين ظهرانيه، علّه يفيد منه في حالة الطوارئ. لكنه أجّل السؤالَ عنه من البستانيّ، طالما أن المثل المحليّ يقول: " إذا كنتَ لصاً، فالليالي كثيرة! ".
مضت الأيام رخيّة وادعة، يقضيها رمضان آغا نهاراً في الجلوس على الترّاس، سارحاً بأفكاره فيما نظره يتنقل في مشهد الوادي الأخضر المنبسط تحته. إذاك، كان الوادي ممسوساً بشمس حادّة، يُخفف من غلوائها النسيمُ الجبليّ المعتدل، الذي يتحرك رويداً إلى الأعلى محمّلاً بأريج الأزهار ليصل إلى ساكني المنازل، المستلقية على الرابية. برغم شعور الآغا بالأمان، فإن قلقه بشأن صحة امرأته لم يهدأ بحال. كان قد اقترن بها مدفوعاً بمنفعة شخصية، لكنه صار عاماً بعد الآخر يحس نحوها بالحب نظراً لطيبتها واحتمالها لخلقه العصبيّ وأثرته وعناده. إلى ذلك، راحَ ينحي باللائمة على نفسه، كونه أصر على أن تنجب له ذرية مذكّرة، ما زاد من قلة مقاومة جسمها، الضعيف أصلاً. مات الصبية واحداً بأثر الآخر، بحميات مختلفة كانت تدهم الواحد منهم بعد الولادة بأشهر. وحدها الابنة، بقيت متشبثة بالحياة في عنادٍ يُذكّرُ بخلق والدها.
" ديبة "، هوَ اسم الفتاة، وكانت قد أخذت أيضاً وسامة الملامح عن أبيها، بينما الأم منحتها لون بياض حليب ثديها وشقرة شعرها ورشاقتها وطولها المائل قليلاً للقصر. لكن للاسم قصة، يعرفها كل من حظيَ بالعيش في ذلك الزمن. كان يتفق لجميع الناس تقريباً فقدان الأولاد بسن مبكرة، شأن ما لحظناه بخصوص أسرة رمضان آغا. ويبدو أن تعزيماً ما، تم بمعونة من النجوم، قد خلص إلى تجربة ناجعة: أن يجري إرهاب ملاك الموت بوساطة اسم مرعب، يُحيل إلى أحد الحيوانات المفترسة. لم يكن بلا مغزى، إذن، أن ينتشر بين الأولاد زمنئذٍ أسماء عربية من قبيل: ديب، ديبة، فهد، ضرغام.. فيما أمكنَ تقريباً حصرُ الأسد بالكردية من خلال اسم واحد شائع، مركّب، " شيركو ". هذا دون أن نسلو الاحتمال ذاته، بالنسبة لاسم الضبع بنفس اللغة، ( كفتار )، وذلك من خلال كنية مفتي الشام الشافعي النقشبندي، موسى أفندي؛ وكان هذا من سكان الحارة الأيوبية.
مع الأيام، وزوال خطر أمراض الطفولة عن الابنة المقتربة من إتمام عقد عمرها العاشر، صاروا يحرفون اسمها قليلاً، إلى " أديبة "، كي يكون وادعاً مثل شخصيتها المحببة.. مثل هذا النهار من أيام الصيف الجميلة، الذي حق له أن يُزيح عن كاهل الوالد بعضاً من همومه الثقيلة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 1
- ليلى والذئاب: الخاتمة
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 3
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل الرابع عشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثالث عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 1
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثاني عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني عشر/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 1
- ليلى والذئاب: تتمة الفصل العاشر
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل العاشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل التاسع
- ليلى والذئاب: الفصل التاسع/ 2


المزيد.....




- - كذبة أبريل-.. تركي آل الشيخ يثير تفاعلا واسعا بمنشور وفيدي ...
- فنان مصري يوجه رسالة بعد هجوم على حديثه أمام السيسي
- عاجل | حماس: إقدام مجموعة من المجرمين على خطف وقتل أحد عناصر ...
- الشيخ عبد الله المبارك الصباح.. رجل ثقافة وفكر وعطاء
- 6 أفلام تتنافس على الإيرادات بين الكوميديا والمغامرة في عيد ...
- -في عز الضهر-.. مينا مسعود يكشف عن الإعلان الرسمي لأول أفلام ...
- واتساب يتيح للمستخدمين إضافة الموسيقى إلى الحالة
- “الكــوميديــا تعــود بقــوة مع عــامــر“ فيلم شباب البومب 2 ...
- طه دسوقي.. من خجول المسرح إلى نجم الشاشة
- -الغرفة الزهراء-.. زنزانة إسرائيلية ظاهرها العذاب وباطنها ال ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2