محمد عمامي
الحوار المتمدن-العدد: 6420 - 2019 / 11 / 26 - 04:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس الخطاب الشعبوي القيسوني (نسبة لقيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية) خطابا عفويا وبسيطا كما يبدو للوهلة الأولى بل هو مدروس وهادف. هو خطاب إيقاعي ومتواتر ككل الخطابات الشعبوية المعادية للثورة. هو خطاب احتجاجي وعمومي وقصوي مقصود. تسأله عن اجراء ملموس فيجيبك بـ "لا مجال.. ولا بدّ... إنتهى عهد.. والشعب يريد..." ولا تظفر منه بإجابة ذات معنى محدد وقابلة للتعيير والتقييم وبالتالي المحاسبة.
هو أيضا خطاب تهييجي يدغدغ العواطف ويثير الغرائز ويمسح جراح الخصي لدى شباب مهمش أثناء التمدرس وما بعد التمدرس ويعطيه شحنة من الثقة الزائفة في النفس الى حد التورم: "أنتم من رفع التحدي... أنتم من أعطى دروسا للعالم... لقد عانقتم السماءءءء... أنتم من حقق المعجزة".. ألخ. وطبعا يحاول نفس الخطاب تمجيد العجز على تحقيق الثورة أي على المضي بتفكيك أوصال المنظومة السائدة الى غايته، وارساء منظومة اجتماعية وسياسية وثقافية أكثر عدلا وحرية على كونه (العجز) ثورة من طراز جديد، ثورة تتحقق بوسائل وقوانين وآليات ودستور المنظومة الفاسدة المطلوب رأسها، وهو ما أطلق عليها "ثورة الشرعية".
والغريب أن ذلك يمرر على كونه انجازا جديدا في حين لا جديد فيه خاصة وأنّ الحركات الاصلاحية منذ القرن التاسع عشر على الأقل تطارد سراب تغيير المنظومة الرأسمالية (مفرخ الفساد) من داخلها وبوسائلها وآلياتها (الانتخابات العامة، القضاء، الالتزام بالقانون الذي جعل بالضبط لتحصينها...) بلا جدوى.
ويتكامل خطاب قيسون مع تبريرات كبير مفسري مشروع "الشعب يريد" الذي يبشر بـ"منهاج جديد في الحكم وفكر سياسي جديد وآليات جديدة..." ليست سوى استعادة حرفية والتزاما طوعيا بالآليات القديمة والفكر السياسي الإصلاحي القديم ومناهج التغيير بالدخلوية في المنظومات السياسية والتشريعية والأمنية والثقافية القديمة ضمن مسار تحقق الاندماج في منظومة المنظومات عنيت بها المنظومة الرأسمالية المعولمة مما يجعل البعد الاحتجاجي يضعف شيئا فشيئا وسيرورة الانخراط والاندماج تتعمق يوما بعد يوم حتى يخمد صوت الاحتجاج والخطابات الراديكالية لفظا لا فعلا، خفوتا نهائيا وتحل محله أجهزة القمع في مواجهة سيرورة نزع وهم الواهمين.
#محمد_عمامي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟