|
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية-10-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 6416 - 2019 / 11 / 22 - 04:54
المحور:
الادب والفن
هو يتحسر على الحالة التي وصل اليها . يريد أن يتحرك نحوهما ، لكنه يعجز . استهلك كل قواه وقدراته وامكاناته ، وأصبح شكل انسان . مجرد شكل انسان . كهؤلاء المناضلين الذين لا يتمتعون بأدنى حس انساني ، يبيعون في المواطنين السذج ، دون ان يرف لهم جفن ، يقدمون خيرة الشباب قربانا لنزواتهم وأطماعهم . ولا يتحرجون من انفضاح أمرهم . فهم يعلمون ان الضحايا متوفرون في بلاد كالمغرب . فبمجرد ما تحفظ بعض الشعارات ، وترددها كالببغاء ، تصبح هنا مناضلا مصنفا في درجة الخمسة نجوم . لا ينتبهون الى انهم استهلكوا ذواتهم ، وأصبحوا مكشوفين عند من استوعبوا آليات وطرق اللعبة . المخزن ذكي في مجالات ، وغبي في مجالات أخرى . ذكي حين يستوعب مستوى ذكاء المغاربة ، حين يتابع تطور عقلياتهم ، في سايق عالمي قد يرتد عليه . وهو يعمل جاهدا على التقليل من العطايا والرشاوي التي يوزعها على مختلف المنابر الاعلامية العالمية ، وعلى بعض مراكز لوبيات الخارج . فهؤلاء لا يهمهم الا القبض بالعملة الصعبة . ليس كأشباه مناضلي الداخل ، يكفي أن تؤدي له فاتورة ليلة ملونة ، وتوفر له عملا قارا بأجرة متوسطة ، كي يصبح مناضلا من درجة كلب . اسماعيل يستحق الاحترام على مثل أولئك المناضلين . اعلاميون ، كتاب ، شعراء ، حقوقيون . من يدفع للزمار ؟؟؟ اسماعيل لا يزمر ولا يدفع له أحد . اذن اسماعيل أفضل منهم . هم مجرد تجار بشر ، لكن اسماعيل باع نفسه بخطأ وجودي فادح . جاءت اليه تبكي . كأنه أصبح أمين المدمنين ، يتلقى شكاويهم برحابة صدر ، يتفهم احوالهم ، ويواسيهم . تجر ابنها معها ، وتحمل فوق رأسها مسندة من البونج ، تصعد منها رائحة كريهة ، ووسادة مهترئة ، وغطاء رخيص تملأه الأوساخ في كل جانب . حطت أمتعتها أرضا ، وراحت تسرد له كيف طردوها من تلك الحجرة الضيقة التي كانت تكتريها ، رغم أنها لم تفوت أداء أي شهر من الشهور القليلة التي قضتها بها . حكت له عن التفافهم جميعهم ضدها ، صاحب الحجرة وزوجته وابنتاه ، وثلاثة من ابنائه ، بالاضافة الى بعض الجيران . رغم صراخها ، رغم توسلها ،ر غم تحججها بابنها . لم يرحموها ، ولم يلتفتوا الى ابنها . طردها من حجرتها الضيقة ، ورموا بأمتعتها البسيطة في الشارع . شتموها ، لعنوها ، عيروها بعادتها السيئة . جمعت أمتعتها ، واتجهت نحو حميدو . ملجأ المطرودين والمشردين . -أولاد الحرام ، لو كان بيدي سلاح لأفرغت رصاصاته فيهم جميهم . ألم يرف جفنهم ، ولم يحنوا على هذا الطفل البريئ .المهم فرشي فرشاك هنا وسوف نرى كيف نتدبر امرك . -الله لايخطيك خاي حميدو - ليس لنا غير الله أختي سمية . قامت سمية وبدأت ترتب مكانها جنب فراش حميدو . سمعت بكاء ابنها . اشتاطت غضبا ، وصاحات فيه : -أسكت ، الله يلعن الدين ديماك . عاد في المغرب أن يسب الانسان نفسه ، فهو في لاوعيه يسب في الحقيقة الشخص الموجه اليه السباب . لكن العادة جرت أن يسب أباه او امه ، وان كانت هي امه ، أو كان هو أبوه . سمية لا زالت حانقة على ابنها ، رغم سكوته بعد التهامه علبة البسكويت والرايبي . نادته بخشونة . -هيا أقبل هنا يا ابن الحرام . نعم في هذه اللفظة كانت صادقة . هو فعلا ابن علاقة حرام . والنتيجة انه صار ثقلا وعبئا عليها . تقدم اليها حميدو ،وهو ياخذ بيد الطفل يترجاها ان لاتضربه . وعدته بعدم ضربه ، لكنها سالته بمجرد ما امسكت به : -لماذا تبكي ؟ اجابها الطفل وهو يكاد يتبول في سرواله بكلام يكاد يكون غير مسموع : - بي جوع شديد . صرخت فيه : -وأنت لا تعرف الا الأكل والبراز . أنا منذ البارحة لم آكل شيئا . وكأنها تخاطب رجلا يافعا أو شخصا راشدا . -هيا اذهب واجلس هناك . ولا تتحرك من مكانك . استسلم الطفل للنوم وهو جالس في مكانه . لقطة مقززة . لم ينتبه اليه أحد الا عندما سقط أرضا . انتبه قليلا ، فتح عينيه هنيهة وواصل نومه على الأرض . قام حميدو من مكانه ، حماه ووضعه في الفرش الذي رتبته قبل قليل امه ومده فيه . انتقل الى مكانه ، وقال لأمه سمية : -ألن أعثر معك على بورصا ؟ أجابت بالنفي . كان عقلها يسرح بعيدا . أين يمكن لها أن تعثر الان على حجرة للاقامة فيها ، هي وابنها ؟ سيطر عليها التفكير أين تخبئ ابنها . حتى عادتها السيئة لم تهتم لها . لولا أنه ذركها لنسيتها على الأقل في هذه اللحظات . عادت الى حميدو ، وقالت له : -خذ هذه الخمسين درهما ، واجلب لنا واحدة . انتفض حميدو من مكانه ، وراح مهرولا لاقتنائها . عادت سمية للتفكير في حجرة للكراء . كل الأبواب مغلقة امامها ، وابنها سيضطر لقضاء الليل والنهار في الشوارع مثلها . من سيرضى بأن يمنحها حجرة في منزله العائلي ؟ . لولا محمد الامريكي الذي صنع المستحيل وبحث لها عن حجرة للاختباء فيها ، ولولا أن صاحب المنزل صديق الطفولة ، وكلامه اللبق الممزوج بلغة دينية ، من قبيل "اصنع المعروف ، ولا تنظر الى الموجه اليهم " ، "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " ، "الاطفال طيور الله في الارض " ، وما الى ذلك من لغة الطهرانية والمعروف . ما تنازل صاحب الحجرة لكرائها لهذه المدمنة . لكنه وبرفط كثرة الضغوط من أهله وجيرانه طردها شر طردة . ها هي الآن تفكر في حجرة أخرى ، لكن يبدو أنها لن تجدها ، ولا بد لها من مكان أقل تشوها من هذا المكان المفضوح . عاد حميدو وهو يحمل بيده البورصا ولوازمها ، نظر الى الطفل الذي بدأ شخيره يعلو ، حركه ، ثم غطاه باحدى قماشاته الداكنة . سمية لا زالت تائهة في مصيرها . عادت بها الذاكرة الى بيت والديها ، الى مدينة القصر الكبير ، تذكرت اخوتها ، عائلتها . لكنها لعنتهم جميعا في سرها . هم الذين زوجوها برجل طاعن في السن . كان يعجز عن وطئها . وبقدر كرهها لوالدها الذي أجبرها قسرا للزواج بهذا الهرم ، بقدر كره أمها لعجزها التام عن الوقوف الى جانبها . اما أفراد العائلة فرغم تعاطف بعضهم معها الا أنهم جميعهم رقصوا في ليلة تشييعها الى قبر ذلك الهرم . حين تسلمها ، لم تجد أحد غيره في البيت ليستقبلها غير شيخ الدوار ، وبعض الدجالين والمنافقين . كل أفراد أسرة زوجها الهرم ناصبوها العداء قبل أن يروها . رماها أبوها في جحيم يعجز هو نفسه على العيش فيه . كرهت نفسها ، انتماءها ، مصيرها . وقررت ذاتن ليلة أن تختار مصيرا آخر . فرت من بيتها ، استقلت الحافلة ، وقدمت الى طنجة . لم تجد شيئا تصنعه الا بيع جسدها مع أي كان . كل من طلبها وجدها حاضرة ، مذعنة ، مهيأة لكل شيئ . تعلمت شرب الخمر ، والتدخين ، الى أن وصلت الى ليالي الشيشة والكوكايين وجميع المخدرات الصلبة . حين انقطع عنها دم الحيض سألت احدى صديقاتها ، فأخبرتها أنها حامل . نصحتها باسقاط الجنين . بمجرد ما سمعت عبارة " اسقاط الجنين " ، انهارت وأجهشت بالبكاء . شيئ ما بداخلها دفعها للبكاء . ندم ، ربما . نتيجة اختيار والدها ، ربما . المصير الذي بلغته ، ربما . الاجهاض ، ربما . الاحتفاظ بالجنين ، ربما !!!!!!!!!!!!!!!
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موسم انتفاضة الشعوب
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...10
-
دراسة سوسيولوجية لأغنية -عاش الشعب-
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....9
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...8
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....7
-
أبي أحمد علي ، شخصية السلام العالمية . من هو ؟
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....6
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية ...5
-
ايران تنتصر مرة أخرى ، متى يتعلم العرب فن الانتصار ؟
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...4
-
مواطن مع وقف التنفيذ ....رواية -3-
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية -2-
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية
-
انما الامم الاخلاق....قصة
-
حوار مع زيغموند باومان حول دور وأهمية المواقع الاجتماعية
-
يخت الملك الفاخر وفقر المغاربة المذقع
-
الربيع الايراني
-
انتحار في عيد الأضحى ....قصة قصيرة
-
حدود الملكية المطلقة بالمغرب
المزيد.....
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|