|
أردوغان والمُعارضة السورية المسلّحة
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 6412 - 2019 / 11 / 18 - 09:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2011، اتخذ «مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا» قراراً بحمل السلاح ضد السلطة السورية. كان هذا القرار حصيلة لفشل المساعي التركية مع دمشق، بين نيسان/ إبريل وآب/ أغسطس 2011، من أجل مصالحة بين السلطة السورية و«الإخوان المسلمون»، تلك المساعي التي أتت لاستغلال نشوب الأزمة السورية في درعا 18 آذار/ مارس 2011. لهذا، عندما عاد إلى أنقرة من زيارته دمشق في 9 آب/ أغسطس، قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو عبارته الشهيرة: «ستلتهب سوريا». من أجل اكتمال الصورة، يجب إدراج دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما، في يوم 18 آب/ أغسطس 2011، للرئيس السوري إلى التنحّي عن منصبه، بالتوازي مع تنسيق أميركي ــ تركي ــ قطري ظهرت ملامحه في خريف 2011، وكانت حصيلته تزعّم «الإخوان المسلمون» للمعارضة السورية.
في هذا الصدد، كان نائب المراقب العام لـ«جماعة الإخوان المسلمين»، فاروق طيفور، المقيم في تركيا، هو المتولي لتنظيم التشكيلات العسكرية السورية المعارِضة، المؤلّفة من ضباط وجنود منشقين عن الجيش النظامي السوري أو مدنيين اتجهوا إلى حمل السلاح، وكان هو الذي يتولى تمويل تلك التشكيلات بأموال يتسلمها من قطر، وكان يشترط مقابل التمويل إعطاء تلك التشكيلات أسماءً إسلامية، وقد كان يتم هذا الأمر بمعرفة أنقرة ورعايتها. هنا، لم تكن مصادفة أن يقوم الأتراك برعاية ولادة «المجلس الوطني السوري»، الذي أُعلن عنه في إسطنبول يوم 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، والذي سيطر عليه «الإخوان المسلمون». وكان طلب هذا المجلس لـ«الحماية الدولية» محاولة لتكرارٍ سوريٍ للسيناريو الليبي، عندما قادت الاشتباكات المسلّحة بين نظام معمر القذافي والمعارضة إلى طلب «المجلس الوطني الانتقالي الليبي» الحماية الدولية، وهو ما قام بتأمينها قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1973 في 17 آذار/ مارس 2011، والذي شكل غطاءً لتدخّل قوات «حلف شمال الأطلسي»، الأمر الذي انتهى بسقوط حكم القذافي في العاصمة طرابلس في 23 آب/ أغسطس 2011. فجاءت عناصر هذا التكرار، عبر السلاح المُعارض للسلطة، الذي ولّد حريقاً سوريّاً، ثم تشكيل تكتل سياسي معارض يطلب من المجتمع الدولي التدخل المسلح لـ«حماية المدنيين». لم تنجح هذه المحاولة لتكرار السيناريو الليبي، وقد اتّضح أن باب مجلس الأمن الدولي كان مغلقاً من خلال الفيتو الروسي ــ الصيني المزدوج، الذي أتى بعد يومين من تشكيل «المجلس الوطني السوري»، لذلك لم تكن مصادفة دعوة المراقب العام لـ«جماعة الإخوان المسلمين في سوريا» رياض الشقفة إلى تدخل عسكري تركي «لحماية المدنيين من أعمال العنف»، خلال مؤتمر صحافي عقده في إسطنبول يوم 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، في محاولة لتجاوز فشل التكرار السوري للسيناريو الليبي. هنا، لم تقتصر الرعاية التركية على تنظيمات مسلحة استظلت بـ«الإخوان المسلمين»، بل شمل هذا الأمر تنظيم «أحرار الشام» الذي كان في الموقع الوسط بين اتجاه الأصولية الإسلامية الإخوانية واتجاه السلفية الجهادية، كما شمل «جبهة النصرة»، وهي الفرع السوري لتنظيم «القاعدة»، والتي أعلنت عن نفسها في الشهر الأول من عام 2012. وعملياً، فإن الغالبية العظمى من المنضمّين الأجانب والعرب إلى العمل المسلّح السوري المعارض قد عبروا الحدود التركية ــ السورية، كما أن الكثير من الجرحى من هؤلاء كانوا يعالجون في المستشفيات التركية، وكانت تلك الحدود مثل الباب الدوار للمسلحين. على هذا الصعيد، هناك سؤال ما زال يطرح نفسه: ماذا كان يريد رجب طيب أردوغان من دعم العمل المسلح السوري المعارض؟... ومن أجل الإجابة، يجب الإشارة إلى الاتجاه الأميركي نحو تبنّي وصول «الإخوان المسلمين» إلى السلطة أو المشاركة فيها، في مرحلة ما بعد تنحّي الرئيس المصري حسني مبارك في 11 شباط/ فبراير 2011، وشمل ذلك القاهرة وتونس وصنعاء وطرابلس الغرب، بينما يوحي الغطاء الأميركي ــ التركي ــ القطري لـ«المجلس الوطني السوري»، الذي سيطر عليه الإسلاميون، بأن دمشق لم تكن خارج هذا الاتجاه الأميركي. كان السلاح المعارض السوري هو عود الثقاب الذي احتاج إليه رئيس الوزراء التركي من أجل تحقيق هذا الاتجاه الأميركي، الذي تلاقى مع طموح أردوغان في أن يكون «العثماني الجديد» الذي يهيمن على المنطقة، عبر امتدادات إسلامية تشبهه، أو هي من التنظيم نفسه الذي ينتمي إليه حزب أردوغان، وهو «التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين». واللافت هنا أن أردوغان استمر في دعم العمل المسلّح السوري المُعارض، بعد تخلي واشنطن عن دعم المسلحين السوريين، بدءاً من اتفاق موسكو في 7 أيار/ مايو 2013 بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي لحل الأزمة السورية، وفق «بيان جنيف 1»، وهو ما كان نقطة فاصلة بين واشنطن وكل من أردوغان و«الإخوان المسلمين». لم يبدأ أردوغان بالتخلي التدريجي، وبالقطعة والمفرّق، عن المسلّحين السوريين، إلا عندما شعر بتنامي قوة الفرع السوري لـ«حزب العمّال الكردستاني»، أي «حزب الاتحاد الديموقراطي»، الذي رعته الولايات المتحدة، منذ خريف 2014 في عملية قتاله ضد تنظيم «داعش». وقد كان بيع أردوغان للمسلّحين السوريين المعارضين، انطلاقاً من حلب في عام 2016، قد تمّ مع الروس لتكريس تقارب تركي ــ روسي في ظل تباعد أميركي ــ تركي. وفي مقابل حلب، أخذ أردوغان خط جرابلس ــ الباب ــ أعزاز. أما في مقابل الغوطة، فقد أخذ عفرين عام 2018، وهناك الكثير من المؤشرات على أنه سيبيع مسلّحي إدلب مقابل غطاء روسي لعمليته ضد الأكراد في شرقي الفرات. الآن، ومع بدء الغزو العسكري التركي للشمال السوري، عبر استخدام الأتراك للمعارضة السورية المسلّحة كواجهة محلية منذ يوم 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، هناك تحويل عند أردوغان لوظيفة المسلّحين المعارضين السوريين ضد الأكراد، بدلاً من دمشق. على الأرجح، ومع بدء أعمال اللجنة الدستورية التي يمكن أن تنتج حلاً للأزمة السورية، هناك استعجال عند أردوغان للسيطرة على مناطق سورية واسعة في شمال شرق سوريا، مع وضع موالين محليين لأنقرة مدنيين وعسكريين هناك، من أجل استخدام ذلك كورقة ضغط تمنح تركيا حصة وازنة في طبخة التسوية السورية. واللافت في عملية 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 العسكرية التركية، هو الغطاء المزدوج الأميركي ــ الروسي، الأمر الذي يدل على محاولات أميركية لمبادلة تخلّيهم عن أكراد عبد الله أوجلان السوريين، مقابل أن يترك أردوغان الحضن الروسي، فيما يبدو غطاء بوتين للعملية التركية إصراراً من الكرملين على التمسّك بحليف للروس في قلب «حلف الأطلسي».
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يستطيع العامل الاقتصادي نقل لبنان إلى اللاطائفية السياسية
...
-
دروس سودانية
-
القطب الواحد للعالم في مواجهة القوّة الإقليمية العظمى
-
الحكم العسكري عند العرب
-
محاولة تعميم نموذج السيسي
-
خصائص سودانية: أحزاب متجذّرة ومرونة في السياسة
-
دروس الحراك الاجتماعي الجزائري
-
حزب شيوعي عربي في واجهة المشهد السياسي
-
عندما يقوم الشيوعيون ببناء الرأسمالية
-
خلافات المعارضة السورية في أزمة 2011 2018
-
استقطابات حول أزمات المنطقة
-
- الاسلام في سوريا -
-
محاولة لتحديد مفهوم العلمانية
-
مسار الحركة الشيوعية العربية: محاولة للمراجعة
-
أردوغان وخامنئي
-
هل كان المناشفة (ومعهم ماركس) على حق ضد لينين؟
-
لماذا اتجه تلاميذ ياسين الحافظ نحو اليمين؟
-
«انقلاب» ترامب في الشرق الأوسط
-
مرض الشيخوخة اليساري
-
بداية انحسار المدّ الكردي
المزيد.....
-
أحمد الشرع: سنشكل حكومة شاملة وسنعلن في الأيام المقبلة عن لج
...
-
مراسم يابانية قديمة لجلب الحظ والسلامة البحرية في فوكوكا
-
القسام تؤكد مقتل قائد أركانها محمد الضيف ونائبه وعدد من أعضا
...
-
وزير الدفاع اليوناني يطلب رسميا من سفيرة فرنسا توضيحات حول ص
...
-
ترامب يعرب عن تعازيه إثر مقتل روس في تحطم طائرتين بواشنطن وي
...
-
صحيفة تكشف التقارير الأخيرة لجهاز استخبارات بشار الأسد قبل س
...
-
السفارة الروسية في واشنطن: نعرب عن تعازينا بضحايا حادثة الطا
...
-
مرتضى منصور يهدد ترامب: التراجع أو المحاكمة أمام الجنائية ال
...
-
وكالة: الشيباني يشارك في مؤتمر دولي حول سوريا في باريس
-
واشنطن تخطط لتفجير اختباري للبلوتونيوم العسكري
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|