أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رندة المغربي - فرنش كانكان* / قصة قصيرة















المزيد.....

فرنش كانكان* / قصة قصيرة


رندة المغربي

الحوار المتمدن-العدد: 1559 - 2006 / 5 / 23 - 09:41
المحور: الادب والفن
    


[فرنش كانكان]*

ـ عظيم ، أخيراً انتهى شبح الهلوسة بلوحتكِ الحميمة .
ـ أوف ! لا تنس بأنها مقلدة، المهم أن السيدة انطلت عليها الحيلة وصدقت بأنها لوحة "دومارج" الأصلية ، حقاً مغفلة ، أتعلم بأن ثمن اللوحة الأصلية تجاوز العشرة الآف يورو .
ـ أظنكِ تلعبين لعبة قذرة !
ـ لا أنت تتوهم و تستحضر المخاوف من اللاشيء ، هذه السيدة محدثة نعمة ولا علاقة لها بالفن ، أرادت أن تقتني اللوحة الأصلية من باب حل عقدة نقص لديها لتحيط نفسها بتحف ثمينة تجهل هي من أين أتت قيمتها .
هز رأسه ساخراً ورفع كأس القهوة المعدني إلى فمه كدلالة على عدم الرضا
أكملت غير آبهة ببروده الذي تعمد أن يشعرني به لأتراجع عن لُعبتي ..
ـ أتدري من هو الفنان حقاً ؟ إنه بوتشا ، هذا الروماني قادر على نسخ وتقليد أعظم وأعصى ختم ، لقد أصدر لي شهادة مزورة للوحة ولولاه لَمَ كان الأمر لينطلي على تلك الشمطاء ، ستدفع ثلاثة الآف يورو في اللوحة ظناً منها بأنها اللوحة الأصلية . .
قاطعني بعصبية :
ـ هذا نصب واحتيال قلت لكِ اللوحة لن تخرج من هنا لتُباع لفريستك .
ـ قلت لك اللوحة ستخرج من هنا وهذا ليس احتيال وهي ليست فريسة ، ولو كان احتيال لطلبت منها قيمة اللوحة الأصلية وأكثر ، أنا أطلب فقط أجر تعبي باللوحة التي قلدتها لتكون صورة طبق الأصل عن لوحة دومارج .لقد أمضيت برسمها ثلاثة أشهر .
هب واقفاً ليثبت عينيه على وجهي قائلاً : ـ هذه سرقة لن تمر الأحداث كما خططتِ لها و الأمر سيتصاعد ليصل بكِ لنهاية لا أتمناها لكِ .
ـ أنت تضخم الأمور
ـ بس ، وانسحب ليصفق الباب من وراءه معلنا عن ثورة غضب .
قمت مسرعة لغرفة المكتب لأتأكد بأن ألوان اللوحة قد جفت ولأتأمل عظيم إنجازي لراقصة الكنكان . حللت الباب فداهمني شعاع الشمس القوي المتسلل من النافذة المشرعة أمام المكتب الخشبي و هبت نسمة باردة فانكمشت على نفسي معلنة رفضي لها ، أسرعت صوب النافذة و أوصدتها بإحكام . البرد شديد بهذه الحجرة خلافاً على باقي حجر المنزل!
لا أدري كم مر من الوقت وأنا أحدق بالنافذة الموصدة ، لمحتُ طائراً أسود يمر كالبرق أمامها ليخطف قلبي !
أسدلت الأستار السميكة وأدرت رأسي لأتأمل اللوحة المُسجاة على ظهر المكتب فهالتني الرؤية !
كانت الراقصة بيد واحدة .. فمن طمس ذراعها بقفازها الأسود ؟!
انتزعت اللوحة من فوق المكتب وحدقت بها بنظرة غضوب

انزلق بصري من رأس الراقصة وصولاً لكفها الأيسر ، تأملتها بدقة لم يكن الكف بقفازه الأسود قد طمس بالألوان ، كان الكف منتزعا من اللوحة ! الكف الذي رسمته ولونته باللون الأسود وتفننت بأصابعه الطويلة النحيلة لا وجود له من الأساس !!
هب زغب الجسد وتوحشت الروح في فضاء الحجرة . رميت باللوحة وخرجت من الغرفة أسابق نبض صدري المتسارع
اتكأت ألهث على طرف الكنبة في غرفة المعيشة ، هززت رأسي لأبدد شتات اللحظة المشحونة بالخوف!
مررت كفي على ساعدي العاري كان زغب ساعدي لا يزال معلناً عن تلك الوحشة التي استشعرتها النفس وأنا في حجرة المكتب ،
هو حتماً هو من أقسم على عدم خروج اللوحة من المنزل . طلبته بالهاتف لكنه لم يُجب ، تركت له رسالة ليعاود مخابرتي
وهبطت أكرج أدراج الطوابق الخمس بخفة وخوف أرنب .
هزني صخب اللادفنس* واستيقظت من بلاهات مخاوفي وأنا أعيد الأنس للنفس برؤية الأناس من حولي .
واقتنعت بحتمية العودة لأجد علة لم يحدث ، حتماً هو العلة !
عدت للمنزل وأنا أصفر بلحن أغنية وأرفع كتفيّ غير مبالية بصراخ ينبعث من داخلي ليتضاد مع منطقية العقل و يستنجد بالحاسة السابعة .


حملت اللوحة وسرت صوب ساق المرسم الخشبي ثبتها عليه وصرخت بها متسائلة عن الفاعل ؟
أمسكت بعلبة الألوان فانزلقت من يدي لتسقط على الأرض راسمة باللون الأسود المتدفق على بلاطات الحجرة طائراً أسود بجناحين محلقين !
يدي كانت قد صبغت باللون الأسود حين أغلقت باب الشقة معاودة الهروب دون وجهة في الشوارع التي غدت قفر أبيض شاسع بلون الفراغ الذي امتد بعقلي و خلفه الكف الهارب من اللوحة المغتصبة !



كل تلك الشخوص والأجساد المتراصة والمنغلقة على نفسها في قطار الأنفاق لم تتداخل بي لأغدو جزءاً من لوحتها الآنية المتحركة
كان هيكل الحديد الأزرق يمضي فوق قضبان الأنفاق كالأفعى
فيما الذهن شاردا خلف ريشة "دومارج" ، في رقصة الفرنش كونكان الفاتنة ، خلف نساء ساحرات دوخن دومارج وأشعلن خياله ليطعن اللون بالريشة الناعمة ....
كنت مطأطئة الرأس محمومة النظر أمشط أرضية القطار وأجمع التساؤلات من انكسارات الضوء فوق الأحذية الصاعدة والهابطة من بوابة القطار حين سقط قفازها الأسود أمامي ...
شهقت! والتقطته بيدٍ كصنارة الصيد لأنجو به من وطء الأقدام المتدافعة .. رفعت جسدي للأعلى لأوازي قامتها الرمح فحدني قصرُ قامتي.
ـ شكراً .. قالتها وقد مدت يداً بأظافر مدببة ومطلية بطلاء أحمر لامع لأصابع طويلة ونحيلة كدت أجزم بأني صادفتهم ذات لوحة بريشة كانت تتمرد على زوايا الإطار المدببة لترسم غيباً حاولت اختراقه بالأصفر المسفوح ..
عيناها البندقية مسحوبة نحو الأعلى نحو قمم صدغيها المشتعلة بحمرة الغروب لتعطى لطائر أسود فوق صنوبرة سحرية مشروعية التواجد في الرؤية المأزومة .
وما إن سحبت القفاز الأسود اللامع لدوائر جسدها المتصاعدة كموج أزرق في فضاءات دهشتي حتى انزلقت من بوابة القطار بهدوء رغوة الجعة المتقاطرة من أطراف كؤوس السهر بمقاهي مونمارت * !
وانقلب قطار سيري عائداً بي إلى الوراء
لأجدني في حجرة المكتب أمام الراقصة المطعونة وقد سال من ساعدها المفقود على أرضية اللوحة خيط رفيع بدأ يقطر على بلاط الحجرة بلون أحمر قاني!

.......

هوامش :
* فرنش كانكان / رقصة فرنسية عريقة غدت رمزاً معروف لهذا البلد و اسم لوحة لدومارج
* اللادفنس / ضاحية تقع في شمال غرب باريس
* مونمارت / أحد أعرق أحياء باريس وبه ساحة الرسامين الشهيرة
...

رندة المغربي كاتبة وقاصة سعودية مقيمة في باريس



#رندة_المغربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للنحاس المشتعل في الذاكرة/ قصة قصيرة
- البزاق / قصة قصيرة
- تفاحة الليل / قصة قصيرة


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رندة المغربي - فرنش كانكان* / قصة قصيرة