|
عن الصبار المكسيكي
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 6402 - 2019 / 11 / 7 - 12:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المسكالين والإدراك ١ - مقدمة
في تراث الحضارات الغابرة والمجتمعات القديمة آثار كثيرة تدل على معرفة الإنسان بأغلب المواد المخدرة التي نعرفها اليوم منذ تلك الأزمنة البعيدة، وقد وجدت تلك الآثار سواء على شكل نقوش على جدران المعابد أو على ألواح الطين أو على أوراق البردي المصرية القديمة أو كأساطير شفهية مروية تناقلتها الأجيال حتى وصل البعض منها إلى مرحلة الكتابة فدونت آثارها وظروف إستعمالها. الحشيش أو Cannabis أو الماريوانا والأفيون والقات والكوكا وأنواع الصبار والفطر وما شابه من المواد المخدرة، منتجات نباتية سحرية استعملتها كافة الشعوب منذ القدم لكسر رتابة الواقع وفتح أبواب الإدراك على عالم الخيال. وقد ذكرنا في مواضيع سابقة أثر الحشيش والأفيون في الفن والثقافة الأوروبية، وسنهتم الآن بنوع آخر من المواد السحرية والتي جائت إلى أوروبا ليس من الشرق هذه المرة وإنما من أمريكا، ونعني نوع معين من نبات الصبار المسمى بييوت Peyote Peyote هو قلويد ذو تأثير نفسي psychoactive alkaloid يأتي من صبار صغير ينمو بصورة عشوائية في صحراء تشيهواهوان Chihuahuan Desert، ويمكن العثور عليه في مناطق تكساس والمكسيك، وهو شائع في المناطق التي تنتشر فيها الأشجار الصغيرة الشائكة -الأجمات ـ حيث يتواجد الحجر الجيري. الإسم العلمي لهذا الصبار هو Lophophora williamsii، أما تسمية البييوت فترجع إلى إحدى لغات حضارة الأزتك Aztec وهي لغة ناهواتل Nahuatl والتي يتكلمها اليوم حوالي مليوني نسمة يعيشون في وسط المكسيك. والكلمة تعني لمعان، وميض أوبريق "glisten" رغم أن هناك من يترجمها بالمبعوث الإلهي "Divine Messenger" يمكن لهذا النبات، وخاصة مادة الميسكالين mescaline التي يحتويها، إنتاج مجموعة واسعة من الآثار النفسية والجسدية بما في ذلك الرؤية العميقة في الجانب النفسي للشخص، الهلوسة السمعية والبصرية، البصيرة الميتافيزيقية أو التأمل الروحي وتغيير الإدراك تغييرا جذريا. يعود استخدام نبات الصبار المخدر Peyote إلى ما لا يقل عن ثلاثة آلاف عام كما يتضح من اكتشاف كمية كبيرة من مخزونات هذا النبات الشوكي في كهوف ومغارات تكساس Texas التي كانت مأهولة منذ 3000 عام، وهذه المخزونات يُفترض أنها كانت تستهلك أثناء القيام بالطقوس والإحتفالات المختلفة والشعائر الدينية. الاستخدام الشائع للبييوت، أو الميسكالين المشتق منه ، يتكون من مضغ أجزاء معينة من الصبار أو غليانه في الماء بحيث يمكن شربه كشاي، أو تجفيفه وإستهلاك كميات قليلة من النبات المجفف. منذ العصور القديمة، تمضغ القبائل في منطقة المكسيك أزرار الـ Peyote لأسباب طبية وصحية نظرا لخواصة المخدرة وذلك لتخفيف الألم على الرغم من عدم اعتباره مخدرًا بشكل صريح، فإنه غالبًا ما يستخدم لتخفيف الألم عند الولادة، لتقليل الألم المرتبط بوجع الأسنان أو لتخفيف الألم المرتبط بأنواع معينة من الأمراض الجلدية وكدواء علاجي لمجموعة واسعة من الأمراض. في أثناء الغزو الأسباني، تم استخدامه من قبل العديد من القبائل الهندية مثل قبائل الشيشيميك Chichimecs، تاراهوماراس Tarahumaras، وويتشولز Huichols ، إلخ. وقد تم وصف استخدامه لأول مرة من قبل قبائل الـ Chichimecs من قبل المؤرخ الأسباني برناردينو ساهاغون Bernardino de Sahagún (١٤٩٩١٥٩٠م)، وهو قسيس ومبشر فرانسيسكاني ساهم في نشر المسيحية evangelization في المكسيك، والذي يرى بأن تناول هذا النبات يرجع إلى ما لا يقل عن الـ 1800 سنة. وفي عام ١٦٢٠م ، تم حظر استخدامه من قبل السلطات الاستعمارية الإسبانية، بحجة أنه يستخدم في الطقوس الوثنية والسحر، غير أن المنع لا يكفي لقتل عادة عمرها آلاف السنين ولذلك استمر استعمال النبات السحري سراً حتى وقتنا الحاضر. وفي نهاية القرن التاسع عشر، امتد استخدام طقوس هذا النبات المخدر إلى قبائل هندية أخرى تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية. للحصول على الحق في استعمال الصبار في طقوسهم الدينية، اضطرت القبائل الهندية إلى كتابة وثيقة لتأسيس كنيسة جديدة، تحدد فيها الطقوس والشعائر التي تمثل في الحقيقة دينا جديدا يلعب فيه نبات البييوت دورا مركزيا. إنه نوع من التوفيقية syncrétisme التي تربط بين الطقوس المسيحية وطقوس الهنود الحمر المرتبطة بالمخدر ونبات الصبار. هذه الكنيسة، وهي الكنيسة الأمريكية الأصلية في أمريكا الشمالية أو كنيسة هنود أمريكا (Native american church of north America (NACNA المسجلة عام ١٩١٨، تتمتع اليوم بنفس المكانة التي تتمتع بها الكنائس الأخرى في الولايات المتحدة، في حين كان عدد أعضائها يقدر بعشرة آلاف عضو في عام ١٩٢٠، فإن عدد المنتمين إليها يقدر اليوم بحوالي ٢٥٠ ألف عضو حسب ما تدعيه هذه الكنيسة. على الرغم من أن هذا النبات يعتبر من المخدرات التي تقع تحت السيطرة الدولية، ظل الاستخدام الديني للصبار المكسيكي ضمن إطار هذه الكنيسة NACNA مسموحا به قانونيا حتى عام ١٩٩٠، عندما ألغت المحكمة العليا للولايات المتحدة هذا النظام الخاص بالهنود.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحجاب والغياب
-
من الجنون للجنون
-
أزلام الله - الذئاب المقدسة
-
الشجرة والمكعب
-
الموت المغناطيسي
-
عالم الصور الإفلاطوني
-
الحجر المجوف
-
خارطة القبور
-
بلد العميان
-
العين وآلية الرؤية
-
إنتحار إنكيدو
-
الأشباح، وظاهرة الشخص الثالث
-
أفيون الفقراء
-
العار والمحبرة
-
والتر بنيامين وتجربة الحشيش
-
مقبرة الكلاب
-
بذور القلق
-
الفن والحشيش
-
الوجه المثقوب
-
العقل المخدر
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|