عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6399 - 2019 / 11 / 4 - 21:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشكل الدراسات النقدية والفقهية المدخل الأساسي لفهم وإدراك قيمة النص، سواء أكان دستورا أو قانونا يحكم حالة عامة تمثل في ذاتها إنعكاسا لإرادة المجتمع وتعبيرا عن وجه من أوجه العقد الأجتماعي، وهنا لا بد للناقد أو الفقيه وحتى المشرع أن يستبطن النصوص في محاولة في معرفة ما تتركه من قيم وواقع في الحياة العامة لما فيها من قدرة على التنظيم السليم الذي هو غاية ووسيلة في آن واحد لتنظيم حياة أجتماعية توازن بين الحقوق والواجبات بين أفراده.
لذا يسعى المختصين بالدراسات القانونية والفقهية دوما إلى ممارسة الرقابة الفكرية لكل ما هو خاضع للنقد بأعتبار أن المهم والأهم ليس النص بل النتيجة التي يبتغهيا والتي أراد المشرع من خلالها أن يبين لنا حدود ما يمكن أن يكون ناجحا في بناء مجمل العلاقات البينية التي تتحكم وتربط المجتمع، النص التشريعي ليس مقدسا لأنه كذلك ولكننا يمكن أن نحترمه طالما كان قادرا على المعالجة السليمة للواقع ويتفاعل مع نمط وصيرورة التطور الذي يجب أن يراعى من خلال أستخلاص التجربة من وجوده حاكما ومتحكما بالإرادة الأجتماعية والفردية للشعب.
من هذا المنطلق باشرنا في دراسة بنيوية فلسفية فقهية لبعض مفردات الدستور روحا ونصا، دون أن نفترض أننا نطرح وجهة نظر متكاملة ونهائية في المعالجة، ونفترض أيضا أنه ومع تسجيل ما يمكن تسجيله هنا من أراء نقدية ستكون أيضا معرضة للنقد والتمحيص والتطوير، لأن سنة الحياة بقانونها الشمولي هي التطور والتحديث طالما كانت هناك حاجة أو رغبة في الاستفادة من التجربة بواقعها وليس بواقع النص موضوع النقد.
الدستور العراقي والذي أراد المشرع منه أن يكون دستورا دائمي حين سطر فيه الفكرة الأساسية لم يقصد أن يجعله مجرد بنيان قانوني غير قابل للتحرك، والدليل أنه أفترض وبالنص إمكانية التغيير من خلال التجربة وبالنص على ذلك، هذا التخطيط وإن أشترط له أليات وسقف زمني كان إدراكا منه أن السبيل أو الطريق سيكون مفتوحا للتطور ولكن بنفس الفلسفة التي صاغته والمحافظة على السياق العام له، ومع أن التجربة العلمية تلح اليوم ومع مرور الزمن على معالجة الكثير من الإشكاليات العملية والقانونية فيه إلا أننا نجد هناك إحجام حقيقي في مناقشة موقع الخلل البنيوي فيه يعود السبب في ذلك ليس للدستور ولكن للألية التي تحكم التغيير والتحديث، وأيضا الرغبة من بعض الأظراف الفئوية التي تعتقد أن المحافظة على ما كان أفضل من الخوض فيما يكون.
وأيضا من الإشكاليات العملية التي تمنع المحاولة في التصحيح والتحديث هو غياب الإرادة السياسية في ذلك، مما يعني أننا نواجه تحديات ليست فقهية ولا عملية محضة وإنما تحكمات واقعية للطبيعة الأجتماعية والسياسية التي نتجت من تطبيق الدستور سواء أكانت نتيجة فهم خارج روحية مواده أو فرض الواقع العملي على الواقع المفترض، ولو عدنا إلى مضان الدستور الكلية نجد أن ما يدركه الدستور لا يتماهى مع ما يتطلبه الواقع السياسي وفرضه فرضا بمختلف مجالات القوة الممانعة للتطور والتحديث.
ومع ذلك صار الحديث عن تغيير أو تطوير جواب مهمة من نصوص الدستور حديث ورغبة قطاعات واسعه من الشعب، من النخب الفكرية وحتى من داخل المؤسستين التشريعية والتنفيذية لما له أهمية عظمى في تصحيح الكثير من الاختلالات العملية جراء التطبيق أو من جراء عدم الوضوح أحيانا أو عدم الدقة في صياغة نسقية موحدة تحكم الفلسفة العامة له.
سنتناول أولا الخطوط الفلسفية العامة التي أختطها المشرع في الصياغات أو في طرح الأفكار الكلية لما لها من أهمية في فهم روح الدستور، ومن خلال ما يمكننا إدراكه هنا نستطيع أن نعبر لمرحلة النقد النصي، النقد الذي يبين أوجه الخلل والتعارض والتضارب في وعاء الفكرة التي أرادها المشرع بشكل عام من طرح المبادئ والأسس التي أعاد بموجبها خلق رؤية جديدة للواقع المجتمعي العراقي وأهمها على الأطلاق هو ضمان تثبيت الأسس الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة الجمعية والجماعية في إدارة الدولة لما بعد عام 2005، والتي أفترض واضعوا الدستور أنها مرحلة أكثر نضجا وأقدر على طرح معالجات قادرة على الأنتقال من مرحلة الديكتاتورية والتفرد إلى مجتمع المشاركة والتعددية وضمان ذلك كأساس رئيسي ومحوري للتغيير.
القراءات النقدية الجادة سواء وجدت طريقها للترجمة أو بقيت تكافح من أجل أن ترى النور من أجل مصلحة المجتمع تبقى ضرورية ومهمة في حد ذاتها، لأنها تكشف عن الحاجة الفعلية لتطوير المنظومة الأساسية لضبط المجتمع أو ما يطلق عليه علماء الأجتماع القانوني البنية التحتية الأكثر قدرة على تفعيل الفكر الأجتماعي الحاث، ومن هنا فهذه المحاولة واحدة من سياقات العمل الكلي الذي يستهدف تنشيط هذه البنية الأساسية ضمن توجه جمعي نحو الارتقاء بالقيم الفوقية التي تصنع الرؤية المستدامة للسيرورة نحو الأكمل والأفضل وبما تحمله من تطلعات كلية للنهوض بالمجتمع والدولة وأخيرا الإنسان الذي شرعت من أجله وله.
إذا يمكننا أن نقول أن الفشل السياسي العراقي المحلي لم يكن فشلا للمشروع العراقي الذاتي وليس نقصا بالكفاءة والمقدرة على القيادة ولا هو خلل في الكيفيات للشعب العراقي، ولكن السبب الذي كثيرا ما يحاول الدارسون الالتفاف حوله وكأن المسألة جانبية وليست ذات أهمية تتلخص في الأساس القانوني الذي تقوم عليه الدولة وهو الدستور، الذي عادة ما يصاغ بأفكار وأيادي وتأثيرات خارجية، حتى الكتلة القانونية العراقية ومنذ تأسيس الدولة العراقية لم تأخذ طابعا موحدا ولا منهجية خاصة قي فلسفة تشريعها وتكوينها وأستلغمت بكل التناقضات لتؤسس إلى روح متحركة غير مستقرة، تقود للتناقض والتضاد بدل ان تكون المجموعة الدستورية والقانونية هي مصدر التوحد والتوحيد على صعيد صياغة موقف المواطنة أو في علاقة المواطن بالوطن وهذه ألغام موقوتة تفكك وتنسف الوحدة الاجتماعية والتاريخية للعراق.
هذه الإشكالية الخارجية رافقتها إشكالية داخلية تتركز على ذات معطيات الصراع الأثني والديني حتى في أكثر النماذج المدنية التي حكمت العراق, ابتدأ من حكم الملكية والعسكر ثم القوميون واليساريون وانتهاء بالنموذج الديني العرقي الذي نشأ بعد الاحتلال الأمريكي, فأنتجت السياسة العراقية رجالات سياسة وفق مقاسات الصراع الخارجي ولم تنتج سياسيون عراقيون ينتمون للخارطة العراقية, لذا لا يمكن لمن يقود العراق أن ينكر أو يتجاوز المستحقات التاريخية وكذلك عوامل التأثير الخارجي خاصة بعد تطور مفهوم الصراع الديني والقومي نحو التمني الأخذ بشعار تحقيق المصير للمركبات الديموغرافية العراقية، والتشجيع المتعالي والمتمادي لها خارجيا وداخليا وكأن مشكلات العراق تتمحور حول استحقاقات المجموعات لا استحقاقات الجميع.
لا أحد ينكر أن العراق اليوم في جميع تفاصيل وجوده السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحضاري وحتى العسكري في أزمة، وأزمة حادة لا يمكن تدارك أبعادها بالسياسات التقليدية الترقيعية, كما لا يمكن السكوت على البقاء في هذا الحال لأن ذلك سيؤدي عاجلا أو أجلا إلى تفكيك العراق كدولة، وهذا الهدف معلن وحقيقي وله مقدمات وأطرح مطروحة للتنفيذ, ليس فقط داخليا بل وإقليميا ودوليا, كما أنه ليس وضعا طارئا ولا نتيجة تدخلات خارجية إنما هو مشروع جرى تنفيذه وصياغته والتخطيط له لدواع كثيرة، أهمها تفكيك الموقع الاستراتيجي وسلب القوة الاقتصادية والبشرية وتقسيم هذا الإرث على اللاعبين الكبار والصغار والهدف معروف ومكشوف.
إن هذه الخارطة السياسية والأمنية الراهنة التي أفرزت معسكرات عديدة داخل الواقع العراقي، لا يمكنها ان تتفق على قضية محددة دون أن تكون المساومات والابتزاز والتعاطي بروحية لا تمت للمسئولية الوطنية ولا الأخلاقية بصلة، لتعطي نظرة سلبية تجاه ما يضمن وحدة وسلامة وأستقرار العراق كدولة, يساعد في ذلك عوامل خارجية كثيرة منها دعم الإرهاب من جهات دولية وإقليمية باتت معروفة , أو تحصين مواقع لحلفاء قوى أجنبية لها لأهداف وغابات داخل العراق وهذا ما لا يخفى على ولا ينكره أحد, وكذلك إفرازات الصراع الإقليمي ونتائجه على المنطقة، مضافا لها الإهمال الدولي المتعمد لقضايا المنطقة والمشكلات المزمنة التي تزداد تعقيدا مع مرور الأيام .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟