انتفاضة تشرين تقترح عراقا جديدا

قاسم حنون

الحوار المتمدن-العدد: 6398 - 2019 / 11 / 3 - 07:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في مفتتح تشرين أول 2019 انطلقت في بغداد ومدن الجنوب والوسط تظاهرات عارمة قوامها الشباب الغاضب الذي تمحورت مطالبه حول مكافحة الفساد و النهوض بالخدمات ومعالجة البطالة والفقر الذي ارتفعت معدلاته بحسب مصادر حكومية الى مستويات مخيفة تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي ,ولم تنفع نداءات المخلصين والقوى الوطنية ومنها حزبنا الشيوعي العراقي بتدارك الأخطار والتحديات التي تواجه المنظومة السياسية بفعل استحكام نظام المحاصصة الذي جرى تكريسه لاقتسام المناصب والأدوار لحساب القوى المتنفذة ,ولم تستطع الحكومات المتعاقبة منذ 2005 تنفيذ برامج انمائية للنهوض بالواقع الاجتماعي والاقتصادي وأهملت آمال الشعب بالنهوض والحياة الكريمة وتحول العراق في ظل التنافس الاقليمي والدولي الى ورقة في المساومات والتسويات على حساب مصالح البلاد ..ولقد كان العراقيون يأملون أن يسفر الانتصار على التنظيم الارهابي (داعش ) وانتزاع المحافظات والمدن من سطوته سيفضي الى استقرار البلاد والبدء بمشروع تنموي لإعمار البنية التحتية ومن بينها المناطق المحررة ومغادرة النهج الذي اعتمدته الحكومات السابقة ومكافحة الفساد على نحو فعال يضمن تعقب الاثراء غير المشروع وتنامي دور الفئات الطفيلية والبيروقراطية واستعادة الاموال المنهوبة ,بل انساقت الحكومة السابقة في اجراءات غير رشيدة في مفاقمة الدين العام والتغاضي عن فتح ملفات الفساد الذي استنزف موارد الدولة ,وواصلت نوافذ البنك المركزي بيع العملة الصعبة الى شركات صيرفة ومصارف أهلية دونما ضوابط ومستندات صحيحة بينما أغرقت السوق العراقية بالبضائع المستوردة وجرى اهمال الصناعة المحلية والتفريط بالزراعة التي تلقت أضرارا فادحة في ظل تجاهل وقصور حكومي لافت, كما شهد قطاع التعليم في مختلف مراحله انتكاسة وتردٍ فاضح تمثلت في انخفاض نسب النجاح وهبوط مخرجاته ,وكذا الأمر في المؤسسات الصحية التي تفتقر الى المقومات والمستلزمات الضرورية لتأمين الاحتياجات المتنامية ,مما يضطر آلاف العراقيين للسفر الى بلدان أخرى سنويا طلبا للعلاج والاستشفاء ويعاني غالبية الشعب من نقص الرعاية الطبية, وثمة قصص مرعبة عن استشراء الفساد الذي تقوده مافيات مدعومة من قوى متنفذة ويقطع الطريق على مسار التحقيق القضائي , وتتواطأ كثير من مكاتب النزاهة والمفتش العام مع الوزارات والمديريات العامة في التستر على جرائم الفساد وحماية الفاسدين حتى شغل العراق مراتب متقدمة في المعايير الدولية لغياب الشفافية وتفاقم الفساد في جهاز الدولة ...وقد ألقت الاخفاقات والأخطاء المميتة بظلالها على حياة قطاعات الشعب المختلفة وتسببت بخسائر بشرية وكلف مادية باهظة ,يبدو أن المتنفذين وقد أسكرتهم نشوة الفوز في الانتخابات التشريعية والهيمنة على مجالس المحافظات بفعل التجييش الطائفي وافتعال المعارك والخصومات السياسية والاتكاء على دور اقليمي حسبوا أن السبيل مسدود لتداول سليم للسلطة والخروج من مأزق المحاصصة والتقسيم الطائفي لمواقع السلطة والنفوذ والثروة ,حتى داهمت انتفاضة الشباب الغاضب قوى السلطة الغارقة في الآثام وزعزعت هدوءهم وحاصرت حصونهم وصدحت بإرادة شعبية لا تلين في ساحات الاحتجاج والتظاهر في جموع هادرة لم يألفها شعبنا منذ عقود ,الا إنها غير مقطوعة الصلة مع الحركات الاحتجاجية في شباط 2011 وفي صيف 2015 وفي خريف 2018 التي نددت بالفساد وتسييس القضاء وتبني مشروع اصلاح حقيقي يقوم على مراجعة العملية السياسية والتخلي عن منهج المحاصصة في بناء الدولة ,ولعل ارتفاع نسبة المقاطعة للانتخابات التشريعية في عام 2018 وشبهات التزوير والفساد التي حامت حولها مرورا بمفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة والتسويات التي أسفرت عن تكليف رئيس وزراء لا يحظى بدعم تمثيلي في البرلمان ما جعله أداة غير فعالة لتنفيذ برنامج حكومي طموح ,وما يتردد في أوساط الرأي العام من تحكم قوى خفية من خارج الحدود ..ما يميز انتفاضة الأول من تشرين 2019 وتتمتها في 25 |10 هو قاعدتها الاجتماعية من الشباب المتحمس لإحداث تغييرات في النظام السياسي واعادة بناء منظومة السلطة السياسية على أسس ومعايير جديدة وهي بالتأكيد تعني اسقاط منظومة الاسلام السياسي التي تكشف زيفها وخداعها وانخراطها في الفساد والفتن الداخلية والنفخ في أوتار الطائفية المقيتة والفشل في بناء دولة المواطنة والمؤسسات وتفريطها بالمصالح الوطنية كما تكشف هذا الدور التضليلي والأصولي المتشدد من قبل لدى جماعة الاخوان المسلمين في مصر التي سرعان ما أسقطها الشعب المصري في انتفاضته التصحيحية في حزيران 2013...ويقينا أن انتفاضة تشرين الأول تنتسب الى الإرث الكفاحي لشعبنا لعقود طويلة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة من أجل الاستقلال السياسي والتقدم والحياة الحرة الكريمة وتمثل اضافة خلاقة الى نضال القوى الديمقراطية من أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية دولة المواطنة والمؤسسات والعدالة الاجتماعية الضامن الوحيد لتحقيق مطامح شعبنا ...
المجد والخلود لشهداء الانتفاضة الباسلة ...والشفاء العاجل للجرحى
النصر المؤزر للجموع الغاضبة وهي تصنع تاريخا جديدا ..والعار للقتلة والمأجورين

#قاسم_حنون (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات