|
الدكتور برهان غليون المثقف العضوي السوري الذي حلم بثورة لم تكتمل.
انغير بوبكر
كاتب وباحث مغربي مهتم بشؤون الديموقراطيةوحقوق الانسان
الحوار المتمدن-العدد: 6393 - 2019 / 10 / 28 - 05:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لايمكن ان لاي باحث في التاريخ الفكري والثقافي و السياسي السوري المعاصر الا ان يلتقي في طريق بحثه بالمساهمات الفكرية والنظرية والسياسية للدكتور برهان غليون ، حيث ان الرجل جمع في شخصه بين المنظر والمفكر اللامع الذي قام بمساجلات علمية مشهودة بينه وبين الدكتور الراحل سمير امين تناولت حوار الدولة والدين ، كما اثرى المكتبة العربية والفرنسية بكتابات نظرية وفكرية هامة ككتابه الهام حول اغتيال العقل ومحنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية وكتاب بيان من اجل الديموقراطية وهو من نتاجات الفكر الغليوني في منتصف السبعينات وكتاب حول المسالة الطائفية ومشكلة الاقليات وغيرها من الكتابات النظرية التي تبين بجلاء عمق الانتماء الحداثي التنويري للدكتور برهان غليون الذي امن دائما بحق الشعوب لا النخب وحدها في العيش الكريم ،وفي قدرة الشعوب المضطهدة والمهمشة على فعل ما لا تستطيع بعض النخب المتنطعة المفصولة عن الجماهير القيام به ... انتقل برهان غليون من محاضر ومناضل فكري اكاديمي على كرسي الجامعة في السوربون حيث يلقي محاضراته حول الاجتماع السياسي و الفكر المعاصر ويفكك امراض النظام الاستبدادي العربي، الى مناضل سياسي فعلي وميداني، فامتطى صهوة جواد الفكر التنويري الديموقراطي وساهم في نقاشات ربيع دمشق وكون الحلقات الفكرية الاصلاحية الاولى مع رعيل من اليساريين والتقدميين والمتنورين الاسلاميين منذ 2005 وكان من الحالمين ان يقوم بشار الاسد، باصلاح داخلي يجنب الشعب السوري الويلات والنكبات والمجازر ، لكن ظنه ببشار الاسد خاب ، و قرر برهان غليون في مرحلة من مراحل حياته ان يصبح مناضلا ميدانيا من اجل انجاح ثورة سورية ارادها ان تكون سلمية ديموقراطية ضد الاستبداد واحتكار السلطة واستنزاف مقدرات الشعب السوري لكن الثورة الشبابية سرعان ما فشلت في ان تحقق حلم برهان ومعه الكثيرين من انصار الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية لاسباب ذاتية وموضوعية تطرق لها الدكتور برهان غليون في كتابه الاخير عطب الذات. تطرق كتاب عطب الذات الى الاسباب الذاتية و الموضوعية التي تظافرت كلها لتعلن فشل ثورة شعبية كان من الممكن والمرجو ان تخلص سوريا من نظام استبدادي طائفي قتل الملايين من شعبه بالاسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة في ما يمكن تسميته بالهولوكست السوري . فقد ارجع المفكر السوري فشل الثورة السورية الى اربع اسباب : 1-طبيعة النظام السوري ، حيث ان سوريا يحكمها نظام دموي طائفي استعمل جميع ما يمكن استعماله من الاسلحة الفتاكة الممنوعة دوليا والاساليب الدعائية الاعلامية لاركاع الشعب السوري وتهجير الملايين من معارضيه الى الخارج ، فشراسة وهمجية النظام السوري كبدت الشعب السوري الالاف بل ملايين من الضحايا والمعطوبين والمعتقلين والمختطفين في ابشع جريمة عرفها القرن الواحد والعشرين . 2-التدخل الايراني الذي اعتبر سوريا ساحة لممارسة الابتزاز في العلاقات الدولية ، حيث ان النظام الايراني ودرعه الايمن حزب الله اعتبرا سوريا رهينة بايديهم لمقايضة الغرب واسرائيل على ملفات اقليمية تتعلق بالملف النووي الايراني والعقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران ، فاستحكم ملالي ايران قبضتهم الامنية والعسكرية على سوريا للحيلولة دون سقوط النظام و قيام نظام ديموقراطي لن يتبع حتما تعليمات طهران .عمل الايرانيون وباسلحة روسية على كبح جماح الثورة السورية وعلى المساهمة المباشرة في قتل الشعب السوري ووأد ثورته مستعملين جميع الوسائل العسكرية والتقنية التي راكمها الجيشان الروسي والايراني . 3- التواطىء الدولي الامريكي الخليجي العربي الاسرائلي ضد الثورة السورية حيث ان لكل طرف من هؤلاء حساباته الخاصة ، فالامريكان لم يعد بمقدورهم شن حرب مباشرة لدعم الثورة السورية لان شبح حروب الخليج وافغانستان تلاحق مخيلتهم و لانهم ببساطة لن يستفيدوا اي شئ من ثورة بدون قيادة سياسية تابعة لهم ويرفضون استبدال نظام بشار الاسد بحكم الاسلاميين والحال ان الاسلام السياسي قوة حقيقية في سوريا زامر واقع لا يمكن تجاهله . الامريكان وضعوا شروطا تعجيزية للاعتراف بالمجلس الوطني السوري ولدعمه وهذا يعني انهم لن يقدموا على دعم ثورة يرون انها قد تأتي بنظام اسلامي مضاد لهم او تأتي بنظام ديموقراطي تخشاه اسرائيل. اما دول الخليج فمثلها مثل اسرائيل مرعوبة من قيام نظام سوري ديموقراطي قد يعيد خلط جميع الاوراق السياسية ويجعل الانظمة الاستبدادية الحليفة لواشنطن في مأزق خطير. باختصار شديد نقول بان الانظمة العربية واسرائيل والولايات المتحدة خائفة من نجاح الثورة السورية لان نجاحها يعني الشئ الكثير لشعوب الخليج وهي منطقة غنية يسعى جميع الساسة الامريكان جعلها دائما بعيدة عن تأثيرات الديموقراطية وحقوق الانسان والتداول السلمي على السلطة ، فهذا ما يفسر دعم انظمة الخليج للثورات المضادة في مصر وليبيا والسودان ... 4- لقد كان برهان غليون جد موفق عندما اورد العنصر الذاتي كعائق ومكبل لنجاح الثورة السورية ، فالثورة السورية عانت من كثرة الفصائل والاجنحة وصراع القيادات وضعف التكوين والخبرة السياسية. لقد نجح نظام الاسد الاب والابن في افراغ الساحة السورية من أية اشكال وتعبيرات مدنية وافرغ نظام الاسد المجتمع المدني والسياسي ونشر الطائفية والمذهبية في صفوف السوريين ، مما جعل معظم السوريين يمارسون السياسة بطرق هاوية وغير مدروسة افرزت قيادات مترهلة غير مستوعبة لا لتطورات الداخل ولا مستلزمات التفاوض الدولي . كما ان اقتحام التنظيمات الارهابية المدعومة والمصنوعة شرقا وغربا للثورة السورية قد اضر بسمعة الحراك السوري وافقده وهجه الدولي امام تخويف منظم للرأي العام الدولي من استحكام داعش والنصرة في الثورة السورية . نعم لقد استطاع بشار الاسد لحد الان ان يفلت من عدالة السماء والارض بفعل نظام دولي غير عادل مبني على المصالح لا على قيم الحق والعدل ، واستطاع النظام الايراني احتلال اكثر من عاصمة شرق اوسطية بدون رقيب ولا حسيب مستغلا موت النظام العربي و انهيار النظام الدولي وانكفاء النظام الغربي على نفسه ومصالحه الضيقة .لكن النظام السوري لا يمكن باي حال من الاحوال ان يعود كما كان يدعي قبل الثورة السورية اي نظام "ممانعة ومقاومة" له دور في السلم والحرب و يستشار ويهاب في بعض الاحيان . الان اصبح النظام السوري منبوذا في الداخل والخارج و غير قادر على الحياة بدون منشطات الايرانيين و مهدئات الروس. عاجلا ام اجلا سيسقط نظام الاسد كما سقط هولاكو و بول بوت و بينوشي وموبوتو واخرون من عتاة الاجرام الدولي في التاريخ وسينتصر الحق والعدل وارادة الشعب السوري وهذه ليست نبوءة انما هي من وحي قراءة التاريخ. لقد حاول الدكتور برهان غليون ورفاقه وشعبه السوري كشف الغمة عن سوريا محاولين بناء سوريا جديدة حرة وديموقراطية ، لكن هذا الحلم الثوري الجميل لم يكتمل بل تحول الى كابوس جهنمي بعد ان حول النظام الاسدي سوريا الى محرقة كبرى . ولكن ارادة الشعوب والثورات قد تفشل و تخبو ولكنها ابدا لا تموت لان الحق يعلو ولا يعلى عليه.
انغير بوبكر المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان باحث في قضايا التنمية والديموقراطية وحقوق الانسان دبلوم السلك العلي في التدبير الاداري من المدرسة الوطنية للادارة-الرباط- دبلوم المدرسة الوطنية للدراسات السياسية دبلوم المعهد الدولي لحقوق الانسان ستراسبورغ
0661093037
#انغير_بوبكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشعب اللبناني ينتفض ضد الطائفية والفساد.
-
الدكتور فالح عبد الجبار :عالم الاجتماع السياسي العراقي الذي
...
-
من دروس الخيانة الامريكية والغربية للاكراد ؟
-
لماذا يعتبر العثماني وحزبه من اكبر الرابحين في التعديل الحكو
...
-
من اجل جبهة حداثية تقودها المؤسسة الملكية بالمغرب .
-
في سبيل اعداد نموذج تنموي مغربي جديد
-
الشعب المصري أمام امتحان التغيير
-
الاقتصاد الافريقي يصنع التاريخ من جديد
-
الحراك الجزائري خطوة اولى نحو تحرر الشعب الجزائري
-
هل تعيد الانتخابات الرئاسية التونسية إحياء امال الشعوب في ان
...
-
الناشط السياسي والحقوقي التونسي سمير النفزي : اصبح الحديث عن
...
-
ماذا تحقق للقضية الامازيغية بعد مرور 20 سنة من حكم الملك محم
...
-
اغتيال كمال الدين فخار و محمد مرسي كعنوان ونتيجة للاستبداد ا
...
-
المصالح الفرنسية في المغرب تحتم على الدولة الفرنسية مساندة ا
...
-
بعض دلالات زيارة البابا للمغرب.
-
متى يعلنون حياة الشعب الجزائري؟
-
كيف أجهضت حكومة بنكيران -الاسلامية- طموح شباب حركة 20 فبراير
...
-
الحركة الامازيغية المغربية تقود ثورة هادئة لدمقرطة الدولة وإ
...
-
سمير امين : المفكر الاقتصادي الماركسي الذي ناهض التبعية وناض
...
-
فيصل دراج : الناقد الروائي الكبير و مثقف الاغتراب المزدوج .
المزيد.....
-
مشهد ناري مضاء بالمشاعل على مد النظر.. شاهد كيف يحيي المئات
...
-
من الجو.. نقطة اصطدام طائرة الركاب الأمريكية والمروحية العسك
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة
...
-
ضغوط وحرب نفسية وسياسية.. ما المراحل المقبلة من تنفيذ اتفاق
...
-
سقوط قتلى إثر تحطم طائرة على متنها 64 شخصا بعد اصطدامها بمرو
...
-
تواصل عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة دعوة حكوم
...
-
تحطم طائرة ركاب تقل 64 شخصًا بعد اصطدامها بمروحية عسكرية في
...
-
مبعوث ترامب يوجه رسالة لمصر والأردن
-
أنباء عن وجود بطلي العالم الروسيين شيشكوفا وناوموف على متن ط
...
-
شبكة عصبية صينية أخرى ستضرب إمبراطورية ترامب للذكاء الاصطناع
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|