|
ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 4
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6392 - 2019 / 10 / 27 - 03:03
المحور:
الادب والفن
الشوربجي " علي "، المُعرّف بالآغا الديار بكرلي، انتقل إلى العمل الجاد بمجرد أن استعاد رأسه من بين يديّ الحلاق الحزين. وإذاً مرت بضع ساعات على ذهاب الأخير إلى دكانه، غير عالمٍ بالتدبير المنذور لصالح حكاية الحب: سيركب الضابطُ خيله بمرافقة عدد من الفرسان، ليأخذوا جميعاً وجهتهم إلى حي الصالحية المجاور. يتعالى خبب قوائم الخيل على طول الجادة، المتصلة بين الحيين. فيما أعين المارة تتطلع إلى الموكب، وكل منهم يتملّكه الفضول لمعرفة ما وراء سيره إلى تلك الجهة. خادمة الدار، وكانت يداها ما تفتأ علامات الحرق ظاهرة عليهما، هيَ مَن فتحت البابَ على مشهد زمرة الفرسان. أعلاهم مقاماً، مثلما بدا من طريقة كلامه، طلبَ من الخادمة إبلاغ سيّدها بحضوره. بعدئذٍ حلّ الهرج في دار تاجر الحبوب، وكان هذا غير قادر على إعطاء جواب للحريم غير القول باقتضاب: " إن شاء الله خير! ". اندفع إذاً لاستقبال جناب الشوربجي، مُظهراً الكثير من اللطف والاحترام: " تفضلوا إلى السلاملك، تفضلوا.. ". حدسُ ربّ الدار، كتاجر معروف في السوق، انحصرَ بكون الزيارة على صلة بإحدى منازعاته اليومية مع منافسيه في المهنة. ولكن لم يخطر له ببال قط، أنّ هذا الضابط الفظ المسلك والقاسي الملامح يُمكن أن يأتي كي يخطب ابنته الوحيدة. " أراكَ منبهتاً، كما لو أنك لا تتشرّف بمصاهرتي؟ "، انتهى الضيفُ للقول بنبرة مُنذرة. تلجلج لسان رب الدار، وما عاد في وسعه نطق جملة مفيدة، " بل لنا الشرف.. بالطبع، بالطبع.. المسألة، أننا.. أنّ الزيارة.. كيف يُمكن القول؟ ". أوقف الضابطُ هذه الكلمات المتعثرة، بأن تساءل من جديد: " أو لعل ابنتك قد خطبت لأحدهم، ما يدريني؟ " " آه نعم، هوَ كذلك.. يا للتجارة، تجعل أمثالي مشوّش الدماغ! "، ردّ المضيف وقد أفرخ روعه قليلاً. هذا الرد، لاحَ أنه لم يكن كافياً لإقناع الضابط ذي السحنة المنذرة بالشر. ها هوَ يهز رأسه، عابساً كل العبوس: " أظن أنك تحاول خداعي، أليسَ كذلك؟ " " حاشا يا آغا، الخطيب موجود وأقسم بالله. بل هو من الحي نفسه، أين تخدم حضرتك! ولو أردتَ معرفة المزيد عنه، فبوسعك سؤال زعيم الحي؛ لأنه من أبناء عمومته "، أجاب الرجل وكان بغاية اللهوجة والارتباك. مضت ثلاثة أشهر على هذا المقلب الطريف، الذي أوقع به الضابطُ ذلك التاجر المتعجرف، وإذا الأخير يزفّ ابنته بنفسه إلى عليكي الكبير. قبلَ به صهراً بكثير من المضض والألم، كيلا تقع ابنته بين براثن من ظنّه الوحش المكتسي سترة الضابط. إنها أولى الزيجات، المقدّر لها أن تربط أبناء آلنا بالجيران الصوالحة.
*** وهيَ ذي أعوام ثلاثة تمر على الواقعة، أثبت في خلالها الصهرُ أنه أكثر من لائقٍ لمقام حميه، المُعتَبَر. في تلك الأثناء، كان عليكي الكبير قد ترك مهنة الحلاقة وغدا تاجراً. لقد توثقت صلته بوالد امرأته تجارياً أيضاً، كون أعمال كل منهما تدخل نوعاً ما في اختصاص الآخر. سلمى من ناحيتها، فعلت كل ما بالوسع كي تُبرهن لأهل رجلها على ما تتحلى به من رفعة الأخلاق. ذلك التشدد على النفس، مبعثه اعتقاد المرأة الغريبة في بادئ الأمر أن عقلية مجتمع الحارة تلقي ظلاً من الشك والريبة على مسلك من كان مثلها على علاقة عاطفية بالرجل قبل الاقتران به. ولكن كان من حُسن حظها أن الحماة إنسانة طيبة، وكان المنزل ينعم منذ زمن بالهدوء على أثر رحيل ضرة هذه الأخيرة. كذلك تكرر ما جرى مع سارة، امرأة زعيم الحي وكان أصلها من الزبداني، حينَ وجدت نفسها تتكلم الكردية وكادت حقاً تنسى لغتها الأم. سارة، كانت قد رزقت بابنة، أسمتها " عيشة "، وذلك عقب إنجاب كل من شملكان وليلو لطفلها. قلنا، أنّ عليكي آغا الكبير تحوّل إلى التجارة بفضل صفقة الأغنام المعلومة مع اللصوص. كما أن نجاح مشروع زواجه، يعود الفضل فيه إلى ذلك الضابط. المفارقة، أنه في كلا الحالتين كان يجهل خلفيات الموضوع ولم يُحط به علماً سوى بشكل متأخر. على أنّ سميّه الضابط، علي آغا، لم يدعه سنواتٍ ثلاث جاهلاً بالأمر حال أولئك اللصوص. كان نبأً لذيذاً للحلاق الملول، ولا مِراء، أن يعرف في حينه تدبيرَ مَن سيغدو صديقه، وذلك في سبيل إجبار تاجر الحبوب الصالحاني على إعطاء ابنته له. التاجر من جهته، كان سيشعر دون شك بفداحة الإهانة الملحقة بشخصه لو أنه علم بالموضوع. لما التقى لأول مرة بالضابط، وهوَ في جلسة حميمة مع الصهر بمكتبه، فإنه اقتنع بكونه أمراً عارضاً. عليكي آغا الكبير، قال ببراءة مقدّماً الضابط لحميه: " الشوربجي علي آغا دياربكرلي، وهوَ يمتلك بستاناً في هذه النواحي ". ستمر الأعوام إذاً، وتتوثق صداقة الضابط والحلاق السابق. من غرائب الاتفاق، أنّ كلاهما تبادل وظيفة الآخر من خلال خَلَفِهِ: ابنُ عليكي آغا الكبير، " معمو "، سيُصبح دركياً ثم حارساً ليلياً بعدما تم حل سلاح الفرسان. بينما حفيد الشوربجي آغا، وقد اسميَ " علي " تيمناً بجدّه، سيغدو بدَوره حلاقاً!
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 3
-
ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 2
-
ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 1
-
ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 5
-
ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 4
-
ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 3
-
ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 2
-
ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 1
-
ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 5
-
ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 4
-
ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 3
-
ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 2
-
ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 1
-
ليلى والذئاب: الفصل الرابع
-
ليلى والذئاب: تتمة الفصل الثالث
-
ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 3
-
ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 2
-
ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 1
-
ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 5
-
ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 4
المزيد.....
-
بمشاركة روسية.. فيلم -أنورا- يحظى بجائزة -أوسكار- لأفضل فيلم
...
-
-لا أرض أخرى-.. فيلم فلسطيني-إسرائيلي يظفر بأوسكار أفضل وثائ
...
-
كيف سقينا الفولاذ.. الرواية الأكثر مبيعا والتي حققت حلم كاتب
...
-
“الأحداث تشتعل”.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 183 كام
...
-
أين ومتى ستشاهدون حفل الأوسكار الـ97؟.. ومن أبرز المرشحين لل
...
-
الكويت.. وزير الداخلية يعلق على سحب الجنسية الكويتية من الفن
...
-
هل تتربع أفلام الموسيقى على عرش جوائز أوسكار 2025؟
-
وزير الداخلية: ما -العمل الجليل- الذي قدمه الفنانون للكويت؟
...
-
في العاصمة السنغالية دكار.. المتحف الدولي للسيرة النبوية في
...
-
مصر.. إيقاف فنان شهير عن العمل لتعديه على لقاء سويدان
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|