أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - منير الكرودي - -لست مغربيّا البتّة..!-















المزيد.....

-لست مغربيّا البتّة..!-


منير الكرودي

الحوار المتمدن-العدد: 6385 - 2019 / 10 / 20 - 22:00
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


لست مغربيّا البتّة، عذرا سيّدي الرئيس، عذرا مولاي موحد، على هذه الاستعارة، فإنّه أحبّ إلى قلبي أن أستعيرَ كلامك، وأسترشد بنور تجربتك، وأغترف من معين معرفتك، وأستلهم شهامتك، وأستحضر نبالة قيّمك، ولا أستعِيرُ منك أبدا كما يفعل متعلّمينا ومثقّفينا، خرّيجي التّعليم المخزني المغربي المُخزيّ، أحفاد خونة الأمس، وأبناء أعيان دار المخزن اليوم، حماة عرش الإستعمار، شركاء في الاستبداد والاستعباد، يوزّعون صكوك النّضال، يمارسون الإرهاب النّضالي كما يمارس المتأسلمون الإرهاب الدّيني، يطوفون على أبواب خزائن السّلطان، يمارسون السّعاية باسم المساعدات والدّعم العمومي المرصود لحاملي أعلام المخزن الغاصب المحتلّ، يسارعون إلى الموائد المنصوبة بدماء إخوانهم وأهليهم، يغمسون اللّقمة في صحن الخيّانة والغدر، منتشين خانعين مطأطئي الرأس ساجدين عند الأعتاب المخزنيّة، ضربت عليهم الذّلة والمسكنة، وهم عند أطراف أقدام سيّدهم لا يساوون حشرة يدوس عليها بجزمته سهوا، أو عمدا متعمّدا، وبكثير من عدم الإكتراث يسحقهم تشفّيا وانتشاء بما آل إليه أبناء الرّيف، إمّا عميل مخلص للقمته، أو متمرّد ثائر يُورّى الثّرى، أو هارب جثّته ينتفها الحوت قبل أن تستقرّ في قاع الأبيض المتوسط، وآخر عظامه ومفاصله يتسلّل إليها الروماتيزم، أو بقدرة قادر يصاب بشلل نصفي أو كامل، في سجون الجلاّد..

لست مغربيّا البتّة، وإن صدح صوت مثقّفينا ومتعلّمينا بمغربيّة مصطنعة ومتصنّعة، وهم في قرارات أنفسهم، ومع بعضهم البعض، يعترفون في همس وحيطة وحذر مشوب بالكثير من الخوف، أنّهم ليسوا مغاربة البتّة، ليس خوفا منهم، بل حرصا على مصالح معيشية صرفة، ومكانة اجتماعية يرونها رفعة وسموّا على إخوانهم، ونراها خيّانة ونذالة متأصلة في الذات الجينية العائلية لهؤلاء المتعلّمين العديمي الضمير والإنسانية المنحدرين من نقلة فاسدة، متعاونين مع الاستعمار وخدام الأعتاب المخزنيّة، فهم لا يجدون في أنفسهم غضاضة في المتاجرة بالملفّات الإنسانيّة للرّيفين، وقّعوا على تبييض جميع الجرائم الإنسانية في حقّ الرّيفيين في مؤسّسة أنشأها الإستعمار المغربي، سمّاها بهيئة الإنصاف والمصالحة، غضّوا فيها الطّرف عن جرائم الغازات السّامة في عشرينيات القرن الماضي بمباركة ومشاركة مغربية في تحالف إجرامي دولي مع كل من إسبانيا وفرنسا وأسلحة كيماوية ألمانية، وصمتوا عن جرائم ملك الدولة المغربية الاستعماريّة، الحسن الثّاني، في استعماله لقنابل النابالم المحرّمة دوليّا سنتي 59/58، قاد خلالها صرب الطّائرات بنفسه في عزمه الأكيد على إبادة كلّ الرّيفيين، وتطرّقوا باحتشام شديد بما سمّوه بسنوات الجمر والرّصاص في حدود جدّ ضيّقة كما هو مرسوم لهم سلفا من الدّولة المغربيّة الاستعماريّة، ومن أجل هذا فهم قبضوا الثّمن كاملا غير منقوص في ما أسموه بالتّعويض عن سنوات الجمر والرّصاص..

لست مغربيّا البتّة، ولينشأوا لهم ما شاؤوا من هيآت للمصالحة، أو المناظرات الوطنية حول الوضع في الحسيمة، وليترافعوا ما شاؤوا عن الضحايا، ضحايا الغارات السّامة وقنابل النابالم، ضحايا احتجاجات الحركة التّلاميذيّة في ثمانينيات القرن الماضي، ضحايا الإغتيّالات والتّصفيّات السّياسيّة، ضحايا التّهجير الممنهج في حق الرّيفيين، ضحايا الأحكام السّجنيّة للقضاء المغربي الفاسد، ولكلّ الضحايا القابعين في المقابر الجماعيّة، فإنّه لَم يبقى من المصالحة التّي قادها هؤلاء المتعلّمين إلاّ السّرطان، يحصد في صمت وهمجيّة الشّعب الرّيفي، ومن الملفّات التي راحوا وراءها بعيدا ولَم يعودوا، إلاّ دموع أهالي الضّحايا لم تجفّ بعد، ومنهم من تعرّض للتّهديد إن هم تحدّثوا عن فواجعهم ولو في صمت، ونفر منهم يستعملونهم لإضفاء شرعيّتهم على جرائمهم، يحرصون بجهلهم المتأصل فيهم كلّ الأعطاب الإجتماعيّة بالرّيف، يتاجرون في كلّ الأحداث الإجتماعيّة والإنسانيّة اللاّحقة في ظلّ ما سميّ بالعهد الجديد بعد أن بيّضوا كل الجرائم الإنسانيّة في حق الشّعب الرّيفي، أغلبهم ساهم في سرقة المساعدات الإنسانية المقدّمة للرّيفيين على خلفيّة زلزال الحسيمة الكارثة الإنسانية سنة 2004، بل منهم من اغتنى من الفاجعة الإنسانيّة باسم الفريق المدني لمتابعة آثار زلزال الحسيمة، لم يتوقّفوا عند هذا وحسب، بل منهم من ساهم في إصدار أحكام سجنيّة نيّابة عن النّيابة العامّة في مبنى العدالة، ستقرّرها هذه الأخيرة بعدها مباشرة كأحكام ضد الشّباب العشريني إبّان حركة عشرين فبراير سنة 2011 بالحسيمة لمّا كان الحراك العشريني في أوجه، حجّتهم في ذلك أن يردعوا الشّباب الغاضب والثّائر في كل أرجاء أحياء المدينة وأمام مبنى العدالة، وهؤلاء للأسف محسوبون على الخطّ الدّيمقراطي والحداثي، وهم إذ فعلوا ويفعلون فباسم هيآت حقوقيّة عندها سجلّ تجاري للمتاجرة في آلام وفواجع الشّعب الرّيفي.

لست مغربيّا البتّة.. عذرا مولاي موحند، ليس في غايتي أن أقلق راحتك في قبرك، ولا أن أعكّر صفوك بعد أن أدّيت واجبك ووفّيت، ولا أن أجادلك في قراراتك المصيريّة في حقّ شعب الرّيف.. لكنّ، أخبرك بما يخفيه عنك الجميع.. أخبرك بأسف شديد، أنّ تضحيّتك واستسلامك ليحيى شعب الرّيف كي تعطيه فرصة ثانيّة للحياة، ربّما لم يكن قرارا سليما إذا قسْنا سلامة القرارات بنتائجها وليس بنيّاتها، كان عليك ألاّ تستسلم، بل تحارب وتقود الشّعب الرّيفي إلى مصيره الحتميّ النّهائي، نصرًا كان أم انتحارا، فلإن انتصرت لانتصر معك كلّ الشّعب الرّيفي، ولبقيّت راية الرّيف رفرافة في سمائه بدل راية الاستعمار، ولإن خسرت لكنت قاتلت ببسالة حتى آخر قطرة في عروق الشّعب الرّيفي، ولكان التّاريخ قد انتصر، ولكانت الإنسانيّة جمعاء تحتفل وتستذكر الشّعب الرّيفي باستماتته القتاليّة في سبيل الحرّيّة، ولمّا كان الرّيف الآن نسيّا منسيّا، ولما كان أبناء الخونة يتحكّمون في رقاب أبناء الرّيف المقاومين الشّرفاء الأحرار، ولما كان قد راحت كل تضحيّاتهم في سبيل ريف حرّ يحكمه أبناؤه بدل من ولاّهم الإستعمار الفرنسي نيّابة عنه بعدما قدّمت إسبانيا الرّيفيّين عبيدا للمستعمر الجديد في صفقة مشبوهة، ولما كنّا قد شهدنا أقدام العدوّ تطأ أرض الرّيف في جرأة مستحكمة بقيّادة المتعلّمين المحسوبين على الرّيفيّين زورًا وبهتانًا، ولما كنّا عشنا كلّ هذا الذّل والعار الذي جلبه خونة الرّيف وأحفادهم المستمسكين بعُرى الخزي والعار.

لست مغربيّا البتّة.. ولو أجمع كلّ متعلّمينا، ممّن يسمّونهم تجاوزا مثقّفين، أنّهم مغاربة، مغاربة أكثر من المغاربة ذاتهم.. متعلّمين بالكاد حاربوا أميتهم.. متعلّمين بشواهد جامعيّة عليا حازوا عليها بالرّيع، بالمحسوبيّة والزّبونيّة.. متعلّمين ليس لهم من الثّقافة إلاّ أعقاب السّجائر ونميمة مقاهي.. متعلّمين ركبتهم العجرفة وخُتم على قلوبهم بالجهل المدنّس، يعلنون مغربيّة مدفوعة الثّمن في حفل البلاء، يقدّمون فروض الولاء والطّاعة في عبوديّة قلّ نظيرها بيّن الدّول والأمم تحت مسمّى بيعة، باعوا فيها الرّيف بكلّ فخر واعتزاز كناية بالأحرار، وبأشراف الرّيف، باعوا تاريخه، هويّته، عاداته وكل تضحيّاته المقدّمة بالنفس والدّماء الزّكيّة الطّاهرة.. متعلّمين يُلْوُونَ عنق التّاريخ ليّا كي يقنعوا الرّيفيّين بقبول مغربيّة المحتلّ الغازي، يقبلوا على أنفسهم بيعة الجاهليّة.. وهم إذ يفعلون، متأكّدون تمام التّأكّد بأنّهم لا يمثّلون الرّيف ولا الرّيفيّين، واعون تمام الوعي بطبقتهم الإجتماعيّة الدّنيّة داخل المجتمع الرّيفي، تاريخًا وآنا، طبقة محقّرة ومنبوذة، انضاف إليهم المغرّر بهم من السّذّج والسفهاء والأغبيّاء الجاهلين بتاريخهم وبهويّتهم، يستعملونهم وقودًا في مخططاتهم المدفوعة سلفًا لبثّ الشّقاق في الصّف الرّيفي بعد أن استحكم فيهم اللّؤم والغدر والخديعة فصاروا على دينهم وديدنهم..

لست مغربيّا البتّة، لم يكن هذا شعور لحظة اغتراب، أو ابتعاد عن الوطن، ولَم يكن هذا وليد انسداد الأفق، وفرص عمل محجوزة لأبناء الاستعمار المحتل الغاصب، وأخرى أقل شأنا يتسابقوا إليها أبناء الخونة.. بل لم تنشأ، من الأساس، تلك الرابطة بيني وبين دولة محتلّة إسمها المغرب.. كان هذا شعور وإحساس يتربّى ويكبر فيّ، في الشّارع، في المدرسة، في البيت من داخل ذاك الصندوق الصغير، يسمّونه مجازا تلفاز وشاشة مغربيّة، أضف إليها مؤسّسة تعليمية تقليديّة، يطلقون عليها مؤسسة للتربيّة والتعليم، كلّها تشعرك باغتراب داخلي.. اغتراب وطن.. اغتراب هويّة.. اغتراب لغة.. اغتراب ثقافة.. اغتراب تاريخ.. اغتراب حضارة.. تشعرك بأنّك محتلّ بالنّار والحديد.. الكلّ قبل أن يتكلّم ينظر حوله، ويخفض صوته، مخافة أن تسمعه الحيطان.. الكلّ يتحدّث عن سفّاح المغرب بكره، بحقد وبالكثير من الاحتقار، يتحدّثون عن احتمائه بفرنسا ضد إرادة كل القبائل الأموراكشية لمّا أجمعت على طرده ونفيه عن أراضيها، عن الحرب الكيماوية ضد الريف، عن خيّانة إيكس ليبان، وعن حرب وليّ العهد السفّاح ضد الريف، وعن قنابل النابالم التي قاد طائراتها بنفسه، وعن العلامة التّجاريّة التي تركها الريفيون على أنفه تذكّره بأهل الريف لمّا كاد أن يفقد حياته بإحدى الغارات التي قادها، عن كل المجازر في حق الشّعب، ويتحدّثون عن كل الاغتيالات لجميع قيّادات التحرير، ولكلّ الجنرالات والضبّاط الأحرار. يتحدّثون ببساطة عن تاريخ معاش، تاريخ مرويّ أباً عن جدّ، وهو تاريخ مغاير لتاريخ رؤية السّلطان على سطح القمر، ومغاير تماما لتاريخ مصنوع بالكامل من الكذب والافتراء والزّور..



#منير_الكرودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -كفى من الصّمت..-
- ماذا حقّقت خيمة باريس في حفل الإنسانيّة..
- -الإصطفاف..-
- رسالة إلى -حكماء وعقلاء الريف-
- -العمل التطوّعي بين الإلتزام والتملّص..-
- -سجين وسجان..-
- -سجن بحجم الوطن..-
- محمد الساسي ومشروع القومية العربية
- جهوية سياسية ديمقراطية تستمد سلطتها وسيادتها من الشعب
- الإستثناء المغربي يتهوى أمام ضربات احتجاجات حركة 20 فبراير ب ...
- الحركة الأمازيغية ، القناع ... ، أو الوجه الآخر للمخزن ...


المزيد.....




- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...
- إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق ...
- مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو ...
- وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
- شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
- فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - منير الكرودي - -لست مغربيّا البتّة..!-