|
نيتشه . فرعون أوربا أم شيطان ما بعد الحداثة ؟
زهير دارداني
الحوار المتمدن-العدد: 6385 - 2019 / 10 / 20 - 09:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لكل زمن رجالاته ، ولكل "فرعون" موسى، وكثيرا ما تتردد على مسامعنا عبارة التاريخ مزيف ، ولا مرة طرحنا سؤالا ، من قام بتزويره ؟ أين زور؟ ولماذا تم تزويره ؟ أتبدوأ سئلة لامبالاة ؟ ألا يجب أن نكون أكثر شراسة أمام السؤال عن نتائج البحث والجرأة في طرح الأسئلة؟ وشجاعة على امتطاء فرس الممنوع، مستعدين منذ البدء لتصنيفنا ضمن المتاهة الجنونية بل وعينان جديدتان للأشياء الأكثر بعدا. شراسة السؤال المنضوية تحت لواء مظلة "إرادة القوة" التي أسيئ فهمها إيديولوجيا هي ما طالب به أحد أكبر الفلاسفة المثيرين للجدل، يتعلق الأمر "بفريدريك نيتشه" الذي يرجع له الفضل في اكتشاف اللاوعي قبل " فرويد" واعتمد على التحليل النفسي الذي جرَّ عليه سخطا عارما من خلال كتاباته الأكثر قسوة على "المسيحية" سواء مؤلفه "مولد التراجيديا" 1872 هكذا تكلم زرادشت 1883 "إرادة القوة" ، جينيالوجيا الأخلاق 1887 ، خاصة كتابه نقيض المسيح الذي اعتبره حصاد أعماله. من هو إذن نيتشه ؟ ما هو المتن النيتشوي؟ كيف يمكن أن نبتعد عن التحليل الذاتي اللاهوتي ومناقشة نيتشه فكريا ؟ كيف يمكن التخلي عن التحليل النمطي ومناظرة نيتشه توليفيا ؟ هذا ما سنحاول الوقوف عليه في هذا العمل متسلحين بسلاح تراكم المعرفة الذي طالب به نيتشه نفسه ، وهذا لن يتأتى إلا عن طريق الانصهار وسط الفكر النيتشوي عبر رفع ذلك اللواء عاليا ، أي لواء ؟ إنه لواء "الفيلولوجيا" . الجزء الأول : نقيض المسيح: الكتاب الذي هز عرش التاريخ ليس مهما أن نحترم التوزيع " الكرونولوجي" لأعمال نيتشه ، باعتبارها تصب جميعا في بحيرة إرادة القوة والابتعاد عن الثنائيات "الإكليريكية" بل سنتعامل معها وفق منطق جنيالوجي احتراما لمنطقه ، فكتاب نقيض المسيح الذي أثار ضجة هو توأم كتاب "غسق الأوتان" والكتابان ظهرا على سحابة "إرادة القوة" الذي عرف تحولا دراماتيكيا غير متوقع تم استبداله بكتاب آخر سمي " قلب كل القيم " كان سيضم 4 أجزاء من بينها الجزء الأول نقيض المسيح الذي استطاع أن يستوعب فحوى كتاب قلب كل القيم ، ويقول عنه هو فصل الحصاد في حياتي . بتحليل "جنيالوجي" للكتاب يقول في نهايته : > . "استفزاز" نيتشوي يخص به القراء، خاصة مسألة الزمان أو الرزنامة المزيفة كما يرى بذلك ، يجعلها نناقش مقولة التاريخ المزيف ، ذلك التاريخ الذي طالب بمحوه عبر قانون ضد المسيحية ، وتمت صياغته في يوم أطلق عليه يوم الخلاص30 شتنبر1888 وأعلن فيه حرب بلا هوادة على الرذيلة ، الرذيلة هي المسيحية . يبدأ نيتشه بانتقاده للجيل الذي تبعه ويتوق إلى السلام المتعفن ، تنازلات جبانة، فالمسيحي إنسان هش ، وعندما ربَّت الكنيسة هذه القيم فيه ربَّت سموما في الحياة ... والنتيجة من كل هذا هي سعادة الضعفاء والقذراة الفاضلة ل (نعم) و (لا) الحديثة (ص25) وبتحليل فيلولوجي فنيتشه اقصائي لأنه يعلم أن السلام يديره رب السلام، لذلك فهو يرفض السلام كونه يرفض رب السلام. لكن ما مفهوم السعادة حسب نيتشه ؟ يحيل هذا المفهوم حسبه إلى الخير والشر فالأول كل ما ينمي إرادة القوة (سوبرمان) أما السيئ فهو إرادة الضعف ، فالسعادة حسبه اضمحلال وموت لكل ما هو ضعيف ورذيلة مثل المسيحية لأنها تعطي مساحة لهؤلاء الضعفاء (ص28) ، أما المسيحية فترى في السعادة اللحظة التي من خلالها يدرك المرء قيمته الجوهرية . و السعادة من نصيب العبيد أما السادة فيستحقون السيادة والتي هي النظام الأصلي للأخلاق، ترجع جذوره إلى "هوميروس" اليوناني، فأن تكون جيدا ، يعني أن تكون سعيدا وتحظى بكل ما يجلب السعادة، الثروة/الصحة/الجاه/السلطة وأن تكون سيئا يعني أن تكون مثل العبيد الذين يحكمهم الارستقراطيين: فقراء/ضعفاء/مرضى مثيرون للشفقة والاشمئزاز.
لكن ، هل فعلا نيتشه قاس إلى هذه الدرجة ؟ كيف يعتبره البعض حاملا لأفكار الرومانسية والعدمية بل وحتى النازية والفاشية (موسوليني) ؟ هل كان وحشا جسديا ؟ أم وحشا فكريا ؟ نيتشه في سن السادسة من عمره فقد والده، وعاش طوال حياته وسط النساء : الأم، الجدة و الأخت "إلزابيت" العائدة إلى أحضان الأسرة بعد انتحار زوجها ، وكان نيتشه يلقب بالقديس " الصغير" نظرا لقدرته على قراءة "الإنجيل" بخشوع ، ورث عن أباه القس البروتستانتي الشفقة ، لكن سرعان ما اجتهد للتخلص منها واعتبرها أكبر خطر يحدق به ، أباه ذو المذهب "اللوثري" أطلق عليه اسم "فريدريك" احتفالا باليوم الذي ولد فيه الملك فريدريك الكبير ملك "بروسيا "عمره العاقل44 سنة ، كان فاشلا معظم أيام حياته ، حتى أنه فكر في العزوف عن الفلسفة وممارسة البستنة ، ولكنه كان فاشلا حتى فيها ، في سن18 أخذ قرارا خطيرا في حياته ، لن أعيش مع هذا الإله لكن قبل سن 15 اعتبر نفسه ضمنيا ما يسميه "السوبرمان" الذي لا يعيش في وطن واحد (سويسرا ، إيطاليا ، ألمانيا) مفضلا إقامة مجتمع عالمي مثل "نابليون" و "بتهوفن" وشوبنهاور فكتب لأخته آنداك ، : "لا يحق لأحد أن يتجاسر فيسألني عن وطني ، فلست مرتبطا بالمكان ولا بالزمان الذي يمر ، إني طليق كالهواء ثم كتب لأمه : " لن يؤثر علي أحد ، لأنني لم أر حتى الآن ما هو فوقي ، لقيت إنسانا في مرتبتي ". التحق بالجيش الألماني تحت نظام "السنة الواحدة" ، لكن سقوطه من فوق الفرس جعله يبتعد عن الحرب رغم إصراره ، فالرجل متعطش للقوة ، رغم قصر قامته وضعف بصره الذي لم يكن يستطيع رؤية ضوء الشمس لأكثر من ساعة ونصف في اليوم. من هو "السوبرمان "يا نيتشه الذي يجب علينا أن نربيه ، أو ذلك النموذج الإنساني الراقي؟ حسب نيتشه، يجب علينا نحن الإنسان الواعي أن نساعد بكل ما أوتينا من قوة عقلية أن ننتج هذا النموذج كي نرتقي في الحياة ، فالمسيحية ساهمت في إنتاج إنسان - حيوان مدجن مريض محطم ، غير قادر على تغيير واقعه (ص27). وهنا يظهر "البراديغم" الفيلولوجي كمفاهيم مثل الارتقاء تشير إلى تأثره بنظرية "داروين" الذي بنى على أنقاضها نظرية أخرى تعتبر أن في الإنسان غزوا طبيعيا تجعله يعتقد أنه آخر مرحلة من مراحل الحياة العضوية ، ولكن تاريخ تطور الإنسان يدلنا على أن عملية التطور لن تقف عند مستوى الإنسان الحالي ، بل ستستمر بطريقة تكرارية وسينشأ نموذج من البشر أرقى من الحالي، ويختلف عنه في الإرادة والقوة الجبارة (السوبرمان) (ص 27 ص28) فالمسيحية خاضت حربا شرسة على ذلك النوع الراقي من الإنسان ونبذت تلك الغرائز القوية واعتبرتها شرّا وانحازت إلى الفاشلين والضعفاء والمهمشين. لكن ، إن ناقشنا المسيحية من منظور انطولوجي ، ألا نستطيع أن نجدها وفي سياق معين تقدم الإنسان حرّا عاقلا أخلاقيا، منطقيا ، والارتقاء ليس داروينيا بل هو ارتقاء روحاني فوق الهموم والنكبات. يتحدث كذلك عن الفساد وربطه بالانحطاط ، تلك التهم الأخلاقية الموجهة ضد الإنسان خالية من المورالين (ص28) لذلك وجب قلب القيم "جينيالوجيا" فكل إنسان أو حيوان يفتقد غرائزه فهو منحط والمسيحية تحارب تراكم الطاقات . لكن هل يستطيع الإنسان أن يرتقي دون أن يتحكم في غرائزه ؟ وكيف لنيتشه يطالب بإرادة القوة العقلية ويقوم بإقصاء العقل والحيلولة دون هيمنته على الغرائز؟ ألا تنادي المسيحية بتحكيم العقل ؟ في هذا الصدد يرى نيتشه أن المسيحية دين شفقة ومشروعها يجعل الإنسان يفقد طاقاته الحيوية وهي ضد التطور البيولوجي، فهمّها الوحيد هو الحفاظ على نوعية من النساء الجبناء ، المسلوبي الإرادة، والمشكل الخطير أن الشفقة عند المسيحيين فضيلة ، لاهوتية ، روحية، إنها بكل بساطة حسب نيتشه عدمية (ص30) و هنا قد تأثر نيتشه بشوبنهاور الذي اعتبر الشفقة تنفي الحياة وهي العدمية على أرض الممارسة. وبالحديث عن "شوبنهاور" فنيتشه يعتبر نفسه مدينا له من خلال كتاب " العالم كإرادة وتجلي" وصرح بأن شوبنهاور الوحيد من القليلين الذين يحترمهم ، وخصّص له مقالا بعنوان "شوبنهاور كمعلم " في كتاب "تأملات قبل الأوان "وقد أحس بأن شوبنهاور يخاطبه مباشرة . يتحدث نيتشه بعد ذلك عن الدم اللاهوتي وغريزة الغرور ، والغرور اللاهوتي (ص32) الذي يعترضه ومن هنا ، فالمسألة ستزداد شراسة على المسيحية وسيقوم بقفزة نوعية من السلوكيات إلى المفاهيم ، وهو عالم "فيلولوجي" يرسم الكلمات بل وينتحتها ويلعب على وترها كموسيقى "فاغنر" حيث يقول : (... ) «لدي من الحروف ما يجعل العميان أيضا مبصرين»(ص149) ويطالب بشن الحرب على كل اضطراب ذهني في إشارته إلى الإيمان(ص34). نيتشه الذي فضل الذريين على أولئك الذين ظهروا فيما بعد كسقراط و أفلاطون الذي رفض مثاليته، كما تأثر بالفيلسوف الكانطي "فردرك ألبرت لانج "وكتاب تاريخ المادية 1866 ، وكرّس أعماله لقراءة الهيجليين الشباب ( فيورباخ ، كتاب الوضعية المسيحية ) الذي يعتبر أن البشر هم من صنعوا الآلهة، كل هذا لم يمنعه من الازدراء على كانط واعتبره ساهم في نشر عقيدة التثليت واختراع عالم من الكذب وجعله عالم الحقيقة، ويعتبر أن اختلاط الواجب الخاص بالواجب العام ينهار المجتمع، فكل فعل ينتج عنه متعة فهو عمل صائب . لكن الزنى عمل خاطئ وممتع في نفس الوقت ، فكيف يصبح صادقا ؟ هنا أيضا يتساءل نيتشه ، فكيف يمكنني أن أعيش المتعة وأنا مقيد الأحاسيس؟ مع التفسير البسيكولوجي هذه المرة الذي اعتمد عليه نيتشه فإن الأمر لا يغذو سوى لا عقلانية إنسانية جبانة ، فالمسيحية تحرِّض ضد الزواج فقط لامتلاك ثروة الضعفاء وقطع طريق الميراث مستغلة بذلك "أسطورة "مريم ، فالفلسفة داهمها الفساد بسبب الدم اللاهوتي ، الخوري البروستانتي هو جد الفلسفة الألمانية والبروستانتية هي الشلل النصفي للمسيحية ، هي تيولوجيا منتشرة والشوابيون (الهجليين ) هم أفضل الكذابين في ألمانيا (ص35) ويضيف ضد كانط : الخير الذي يحمل طابع اللاشخصانية يعبر عن الانحطاط وهراء "كونيغسبيرغي" سخيف (ص36) فقد أصبح كانط غبيا والحال أنه عاصر "غوتة" (الكارثة العنكبوتية ) فمن الأحسن أن أمسك لساني للتعبير عن رأيي في الألمان (ص37) ، لقد حاول كانط أن يعلمنا ذلك الشكل من الفساد وقد ابتكر عقلا خاصا (خداع الذات ) (ص38). في هذه الفقرة وبالذات فإن نيتشه يشير إلى بعض المفاهيم "السبينوزية" مثل "العنكبوت "الذي ينسج خيوط ، حيث كتب لأخته : عندما أتكلم عن اسبينوزا أشعر أن دمه يجرى في عروقي (بولس سلامة، الصراع في الوجود ) (ص184). لكن ألا يحق لنا أن نتساءل مع نيتشه عن الأخلاق فهي موجودة قبل الكتاب المقدس (الناموس) ، ولكن الإنسان كان يتعامل معها بموضوعية ، أما الكتاب المقدس فقد نظم الأخلاق، فلا وجود لملحدين بدون أخلاق، هاته الأخيرة هي جزء أساسي من التكوين الأنطولوجي للإنسان بشكل يتناسب مع الوعي والإدراك. أعاد الإنسان إلى موقع الحيوانات وليس الروح ، لأنه الأكثر مكرا بسبب العقل المنغمس في الروح الإلهية، والإنسان حسب نيتشه هو الحيوان الأقوى والأكثر هشاشة ، فالإرادة الحرة تم سلبها بموجب قانون سماوي... وديكارت هو أول من اعتبر أن الإنسان آلة (ص42) ، وهو ما يجعلنا نختلف مع نيتشه حوله خاصة على المستوى الأنطولوجي، فإن كان المرء لا يملك إرادة حرة ، فكيف يستطيع أن يأخذ قرارات مستقلة وشجاعة ؟ فتمة فرق بين الداروينية والنظرية التطورية الداروينية . لتأكيد فكرته ،يقدم نيتشه مضمونا خطيرا ويقول أن المسيحية تقدم عالم وهمي : الله ، نفس ، روح ، وبناء على كل العلل الوهمية يقدم علاقات وهمية ونتائج وهمية يسميها : عقاب، ثواب ويضيف أيضا أنه تمة سيكولوجية وهمية تتمثل في تأنيب الضمير ، بالمقابل يقدم تيولوجيا وهمية : فردوس ، جحيم ، وعليه حسب نيتشه فالمسيحية خلقت علوم وهمية وأطروحات وهمية (ص43). وبالعودة إلى النسق البيوغرافي لنيتشه خاصة في كتابه الحكمة الماتعة1882 ظهرت لأول مرة فكرة "موت الله" ، كيف كان ؟ يجيب نيتشه أن الله مات شفقة على الأشرار، ونحن لا نريد ملكوت السموات لأننا نحن بشر ، إنما نريد ملكوتا أرضيا (زرادشت)، لقد قتلنا الله وهو عمل جد عظيم فيجب أن نكون نحن الآلهة بعد هذا العمل الذي ليس أعظم منه (... ) وحتى يكون إله ، ينبغي أن يكون قادرا على فعل الخير والشر كي يبرر وجوده للآخر وقادر على تقديم نفسه كإرادة قوة ومادام إله يصنع الخير فقط فحتما سيكون شعبه من المهمشين والضعفاء (ص45 ص46) والباحثين عن السعادة ، إله يشفي من نزلة برد في الوقت المناسب ... حتى وإن كان موجودا إله كخادم، ساعي البريد ، بائع رزنامات وهي حجج ضد الله ... ضد ألمانيا(ص119). أي سعادة يتحدث عنها نيتشه وهو عدمي لم يقدم سوى "سوبرمان"الذي سوف ينتهي إلى اللاشئ ؟ عندما نتحدث عن العدمية، فنحن نتحدث عن سقوط كل الحقائق العليا والغايات والقيمة الجوهرية في الحياة وأخلاقيا نجد أنفسنا نتحدث عن الوجودية في سياقاتها المختلفة عبر التاريخ ، سواء الوجودية التوليفية مع المسيحية التاريخية (الدنماركي: سورين كيركيغارد ) أو الوجودية التشاؤمية pessimistic etistentialism كما قدمها نيتشه في حوار عدمي والتي كانت مصدر إلهام لوجودية "سارتر" كما أثرت في فلاسفة مثل "مارتن هايدغر"و"ديريدا" و " فوكو"، "فر ويد"، " ألبير كامو" الذي اعتبر عدمية نيتشه نبوية ومعه تصير أول مرة واعية. بتحليل بسيكولوجي الذي ما فتئ يركز عليه في هذا الكتاب فإننا نختلف مع نيتشه فالخلاص هو الآخر قضية وجودية حيث أن صفات الله لا تنبع من قدرته ولكنها تنبع من طبيعتها وهذا فرق جوهري ، القدرة تتساوى مع باقي الصفات ولا تعلو عليها وكل صفاته تعمل بانسجام منذ الأزل ، فالله لا يصنع من منطق القدرة ، لأن ذلك سيحيل على القوة الهمجية ، وإنما هو صفات نابعة من طبيعة وليست نابعة من قدرات. لكن نيتشه يبحث عن ديانة بدون إله، وهو ما يتضح بجلاء عند استحضاره للبوذية، فالمسيحية والبوذية حسبه ديانتان منحطتان لكنهما تختلفان ، حيث أن المسيحية تحارب الطهارة و أول الإجراءات المسيحية التي اتخذت على إثر طرد "المورسكيين" كان غلق الحمامات العمومية التي كانت لقرطبة وحدها 270 منها أما البوذية فتحارب الألم ولا تحارب الخطيئة وهي لا تسعى للوصول إلى الكمال ، فالكمال عندها هو الحالة الطبيعية (ص52) ، ويضيف أن الأوروبي لا يصلح له أن يكون بوذيا لأنها تمجد الرقي وتقف ما وراء الخير والشر(ص 49 ص50) ، عكس المسيحية التي يعتقد أن اتجاهها نحو الشعوب الهمجية فرض عليها نسج مجموعة من الأفكار والمعتقدات لاحتواء الضعفاء، فكانت البواكير وشرب الدم في العشاء السرّي كاحتقار للعقل وتعذيب للحواس والتباهي بالطقوس ، لذلك اعتبر نيتشه أن أخطر المخدرات الأوروبية هي الكحول والمسيحية ، لكن المسيحيين لهم رأي آخر، فالمسيحية ترفض التهميش، وتستخدم العقل للتحقق من الأفكار اللاهوتية وتقدم نفسها كمنظومة فكرية متناسقة وليس مجرد طقوس شرب الدماء فالعشاء السري (ص53) هو ذكرى ( يسوع مع تلاميذه قدم الخمر كذكرى لسفك الدماء وقال : اصنعوا هذا لذكري ). أما نيتشه حسبهم فيرفض أن يجلس القوي والضعيف على مائدة واحدة . ما الذي جعل نيتشه يفضل البوذية على المسيحية إن فعلا وجدت هناك ديانة؟ الألم ! نعم إنه الألم ! الذي ركز عليه نيتشه وهو ركيزة البوذيين ودعا إلى مواجهة الأمل ما ورائي (جر ة باندورا ) (ص55) ، لذلك فالمسيحية حسب نيتشه لها إرادة سيادية على الأرض وبطقوس "افرودية ، وأدونسية فالدين شأنه شأن الحب وهذا الأخير هو الحالة التي يرى الإنسان فيها أكثر من أي حالة أخرى الأشياء على غير ما هي عليه ، وتلك إذن هي الفضائل الثلاث للمسيحية : الإيمان، المحبة والأمل... ولكي يكون الحب أمرا ممكنا ، لابد أن يكون الرب شخصا وشابا ، وكان لابد أن يكون قديس وسيم يتصدر المشهد من أجل صبوة النساء (ص56). فالألم حسب نيتشه هو "مصدر العظمة "و يجب على الإنسان أن يتألم ويكون بذلك قد تأثر بديونيسوس إله الحضارة اليونانية ، الذي تعرض لمأساة جعلت منه فريسة الآلام العنيفة ، فالروح اليونانية كلها تشاؤم وصراع مع قوى الطبيعة ، وليس غريبا أن يعتبر أعز أصدقاءه "فاجنر "هو ابن الإله "ديونيسوس". اعتبر نيتشه أن المرض يخلص الروح ويقول "لا أريد أن أودع هذه الفترة من المرض والألم دون أن أعترف بالجميل الذي طوّق عنقي به ". فالألم هو شرط لبلوغ السرور ويجعل العقل يسمو والإنسان يزداد في الروحانية، وبواسطة الألم تُطهّر النفس ، والخطر مدرسة الأبطال، أما الشكوى والأنين وانتظار الرحمان فمن سجايا العبيد ، والعبيد لا يستحقون إلا السعادة أما الأقوياء فيستحقون السيادة ، ولا يوجد رجل يسعى إلى السعادة لكن الإنجليزي فقط من يفعل ذلك ، وعلى المرء في مجلسه بعد انصراف الإنجليزي أن يسارع إلى الاستحمام (غسق الأوتان). طرح لم يتقبله "برتراند راسل" واعتبر نيتشه إنسانا ضعيفا وسقيما الذي تراوده أحلام اليقظة ليتحول إلى مقاتل سوبرماني. حتى الموت لم يُخف نيتشه ، وطالب من الإنسان أن يجعل من موته عيدا ، فهو يشعر بحاجته للموت كونه لا يستطيع أن يعلو أكثر مما هو عليه ، ولا يُفضل الموت الطبيعي ويقول عنه موت لا دخل لإرادة المرء فيه، وهو موت في وقت غير مناسب ، وهو موت الجبناء . (عبد الرحمان بدوي - نيتشه طبعة 1939 ص22). ينتقل بنا نيتشه في كتابه نقيض المسيح إلى تحليل بسيكولوجي "شرس"يبدأ بالحفر في نشأة المسيحية وانتقادها من عمق الأرض التي نشأت منها (ص57)، وهي ليست سوى نقيضا لليهودية بل هي نتاج أبشع لليهودية، فاليهود باعتقاده عند مواجهتهم للشعب الذي يريد الحياة بمعنى آخر عندما وجدت اليهودية نفسها في مواجهة بين الوجود والموجود خلقت من نفسها نقيضا لها وهي المسيحية حصاد اليهودية . هذا الطرح لم يستسغه المسيحيون واعتبروا أن الإله قام بتجميع التكرارات كي يصل بالإنسان إلى مستوى من الوعي الإدراكي ، يقول يسوع : لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل (متى17:5 (، فإله المسيحية حسبهم هو اليهودية واليسوع جاء ليصلح تلك الصورة المشوهة عن الله والديانات ما هي إلا امتداد للعمل الإلهي الذي بدأ منذ فجر التاريخ. يرسم صورة للمشهد الذي عاشه الحواريون عندما وجدوا أنفسهم أمام السؤالان الغامضان : ترى من كان؟ ترى ماذا كان ؟ ويواصل سرد الأسئلة : من قتله؟ من كان عدوه الطبيعي؟ فكان الجواب : إنها اليهودية السائدة وطبقتها المهيمنة ليكون الأتباع على موعد مع التمرد على النظام القائم . حسب المسيحيين، يسوع قدم نفسه قربانا ليضع نفسه موضع التجربة(ص90 ص91)، بمعنى آخر فالله قدّم ابنه قربانا للتكفير عن ذنوبنا ( لغو سخيف ) . التضحية بالبريئ، من أجل خطايا الخاطئين ! أية وثنية مفزعة هي هذه ! (ص92). لكن نيتشه يرفض بشكل هستيري كل هذا ، ويعتبر أن ذلك المبشِّر مات كما عاش ، ليس من أجل تخليص الإنسانية، بل من أجل أن يعلم كيف على المرء أن يعيش (ص81)، فلا وجود لشاهد واحد له الحجة والحقيقة ، وهاته الأخيرة ليست ملكا لأحد، ليس هناك في أقصى الحالات سوى فلاحين من نوع " لوثر "ويبدأ هجومه على الكنيسة : " (... ) أتعتقدون أيها السادة أننا سنمنحكم مجالا كي تلعبوا دور الشهداء من أجل أكاذيبكم ؟ فأفضل شيء هو تجاهلها بكل احترام ... فهل الصليب حجة ؟ فتمة شخص واحد جاء ليقول تلك الكلمة التي ظلّت منتظرة منذ آلاف السنين؛ إنه "زرادشت" فالدم هو الدليل القاطع على الحقيقة ( قطرات الدم لحظة المشي )، لكن الدم أسوء شاهد على الحقيقة (ص121) فكيف يبرهن من ألقى بنفسه في النار على الحقيقة؟ . يبدو أن نيتشه كان يحاجج باللغة وهو عالم لغويات فالمسيحية قامت بتأويل آلية الخلاص القائم على الشعور بالذنب ، والفلسفة ساندت المسيحية في فسادها عندما أدخلت النظام الأخلاقي من خلال الثنائيات "الإكليركية" (غسق الأوتان ) فهي حجج متأتية عن الضعف في إشارته منه إلى التعصب القناعاتي " لسافونارولا"، لوثر ، روسو ، سان سيمون، النموذج النقيض للعقل المتحرر والمتين... فالإنسانية تُفضل الحركات الاستعراضية على الاستماع إلى براهين (ص124). هذا ما جعل نيتشه يتطرق إلى الكذب ويتهكم على أصحابه ويعتبر أن لكل قناعة تاريخها ، أشكالها البدائية ، وهي لا تتحول إلى قناعة إلا بعد أن تكون قد مرّت بمرحلة لم تكن فيها كذلك بعد ، فمع الابن يغذو قناعة ما كان كذبا مع الأب والكذب حسب نيتشه هو ما لا يرغب المرء في رؤيته ، أما الكذب الشفوي فذلك ليس مهما (يقصد كانط ) وأكثر الكذب نوعا هو من يكذب على نفسه ، أما من يكذب على الآخرين فذلك استثناء ( تاريخ ألمانيا ) (ص125). يعود نيتشه للوراء لكي يروي القصة الحقيقية للمسيحية، فهي سوء فهم في اعتقاده، ففي الحقيقة لم يكن هناك سوى مسيح واحد وقد مات فوق الصليب ، والمسيحية مجسّدة في الإله الذي ابتكره "بولس" ومن هنا فُرِض عليه أن يحاجج باللغة ، فالمرء لا يمكن أن يكون طبيبا أو فيلولوجيا إلا أن يكون نقيض المسيح، واستعمل التحليل البسيكولوجي في هجومه على المسيحية واليهودية بشراسة لا متناهية ضمن قانون سماه بقانون ضد المسيحية تمت صياغته يوم الخلاص ، في اليوم الأول من السنة الأولى للتاريخ الجديد ( يوم30 شتنبر1888 بحسب الرزنامة المزيفة) وهي حرب بلا هوادة على الرذيلة والرذيلة حسب نيتشه هي المسيحية. فلنتمعن وبإمعان كيف استخدم تحليله البسيكولوجي و الفيلولوجي في حربه ضد المسيحية .أملك من الحروف ما يجعل العميان أيضا مبصرين ( ص149) ما يهمني هو سيكولوجية المخلص والجملة الأكثر رسوخا في الأناجيل "لا تنهض لمقاومة الشر " (ص68) و المسيحي لا يفرق بين اليهودي وغير اليهودي، وهو شريكه في العقيدة ، لا يسخط على أحد ، لا يحتقر أحد ، ولا يحضر في المحاكم ، ولا يقبل أن يدعى في شهادة لديها (لا تحلف)/متى 5/33-37. فالمسيحي ما هو إلا سوء فهم بسيكولوجي للذات، فإذا أمعنا النظر فإن غرائزه هي من تحكمه وليس إيمانه، فالإيمان عند لوثر ليس سوى عباءة وستارة وهو مكر مسيحي، وهي ديانته ليست محددة بالأخطاء فقط وإنما على درجة عالية من الابتكار والعبقرية في ابتداع الأخطاء(ص88) الأكثر تسميما للقلب، مشهد فرجوي للآلهة والفلاسفة في نفس الوقت(ص89). يطلب نيتشه من قرائه بالامتنان له في دراسته للمسيحية و يعتبرها متعة من درجة أولى للخبير السيكولوجي ، فالقداسة حسب نيتشه هي فساد بسيكولوحي (ص87) والمسألة مرتبطة بالعرق ، فاليهودية هي الفن الكاذب للمسيحية، والمسيحي هو الملاذ الكبير للكذب (إرث)، وكإرث فإن مفعوله يأتي على شكل طبيعة . كائنات حقيرة وكذّابة تحتكر لنفسها مفاهيم الله ... صغراء يهود مصابين بالتضخم ، صالحون لكل أنواع مصحات المجانين (ص100). يبرهن عن عبقرية فيلولوجية ويعتبر أن المسيحية تستعمل عبارات متبوعة (ب لأن ) ، فهي ميزة مسيحية لأن عللها تدحض (ص102) ويقتبس عبارات من الإنجيل ويستعمل مصطلح الأسد الحيوان الرمزي الذي يقترن بشخصية الإنجيلي متّى ( إن اعترتك عينك فاقلعها، خير لك أن تدخل ملكوت الله أعور، من أن تكون لك عينان وتطرح في نار جهنم ، حيث دودهم لا يموت والنار لا تنطفئ ) (مرقس) 47/9(ص101) يا للحثالة الوقحة ! يا لها من إنجيلية ! وتقارن نفسها بالأنبياء أيضا لوقا ( 6/32) (ص102). وفي نفس السياق يتطرق إلى سيكولوجية أخلاق "الشاندالا" ويحيلنا على الجزء 1 من كتابه جينيالوجيا الأخلاق وحديثه عن الإنتقام العاجز (ص103). دائما مع التحليل السيكولوجي وهاته المرة بسيكولوجية المؤمنين والإيمان ، ويناقش تحت ما يسميه الحجة الدامغة ( حجة القوة ) ويطعن في مقولة الإيمان يجلب السعادة، فالسعادة حسب نيتشه غير مثبتة بل هي وعد ليس إلا (كذب ) (ص113)، فالإيمان حسبه لا يحوّل جبالا ، ولكن يضع جبالا حيث لا وجود لجبال وجولة واحدة في مصحة عقلية تثبت لنا ذلك ، ولكنها لن توضح ذلك لقس لأنه ينكر غريزيا أن المرض مرض والمسيحية بحاجة إلى المرض والكنيسة نفسها هي مأوى المجانين الكاثوليكي والإنسان المتدين كما تبتغيه الكنيسة هو نموذج المنحط (الجنون الدوري folie circulaire ) (ص115). في اعتقاده أن المسيحية قامت بجمع مختلف الضعفاء والمشردين والمحرومين وسمّاهم بعناصر الحثالة والنفايات وشنّت حربها على سمو العقل فكل ذي كبرياء يؤلم عينها وأذنها ويكرّر جملته لبولس "لقد اختار الله ضعفاء العالم وفضلهم ، واختار الجهّال وأدنياء العالم والمزدرى بهم وفضلهم وغير الموجود ليبطل الموجود" (ص117). من سيكولوجية الإيمان إلى سيكولوجية القس حسب نيتشه فهو يعاني من غياب النقاوة السيكولوجية، والمراقب للنساء الهستيريات والأطفال المصابين بالشلل يلاحظ بجلاء متعة الكذب من أجل الكذب وعدم القدرة على المشي السليم دليل واضح على الانحطاط و يتساءل مع العالم : هل قدم يسوع للعالم خطاب فكري علمي ؟ فهو ليس ببطل بل ما قدمه سوى هروب للواقع وهروب من الإرادة القوية الحرة ، فالحق موجود في الحياة الأبدية التي هي العدم ، أما يسوع فهو ليس سوى قديس فوضوي جاء لتحريض الفئات الهشة وشاندالا اليهودية على مناهضة النظام ، وإذا ما أولينا أهمية للأناجيل فمن شأنها أن تؤدي في عصرنا الحاضر بصاحبها إلى سبيريا(ص66). فذلك القديس هو مجرم سياسي يستغل أكذوبة النظام الأخلاقي للحياة (ص62) فالقس يحتاج إلى خطايا ليطهّرها كما يقول هو أو يلوثها تحت ذريعة :"إن الله يغفر لمن تاب " أي بعبارة أوضح " لمن يخضع ويخفض جناح الذل للقس(ص64). من االمسؤول يا "نيتشه"؟ "بولس" هو المسؤول بوقاحته الحاخامية أعطى صياغة منطقية لهذا المفهوم الكاذب - الفاجر " إن لم يُبعث المسيح فسيكون إيمانا فاجرا "(ص92) مفتقرا بذلك غريزة الكاهن اليهودي ، وشطّب أمس المسيحية وأوّل أمسها ، وابتدع للمسيحية تاريخا للمسيحية الأولى و الأكثر من ذلك هو تزوير تاريخ إسرائيل (ص93) وذلك ما يطلق عليه بالتوعك الفيزيولوجي مسمّما بدودة الضمير(ص61). لقد اتخذ له موطنا في مركز العقلانية الرواقية البليدة وبتحليل بسيكولوجي فهو يريد الغاية والوسيلة معا. إن أكبر احتقارا للبشرية هو الإقرار بالخلود "لبطرس"و"بولس"وقد تم اجتثات استقراطية الرأي عن طريق أكذوبة تساوي الأنفس مما يعجل بأنهار من الدماء والجرائم، فالمسيحية هي انتفاضة كل زاحف على الأرض، هي الإنجيل الوضيع الضعيف يجعل كل شيئ ضعيفا (ص97). إن فكرة تساوي الأنفس لا تحترم المسافة الفاصلة بين الإنسان والإنسان وهي الشرط الأساسي لكل ارتقاء وهذه القذارة لا يمكن قراءتها إلا بوضع قفازين كي نستطيع أن نعدل بين المسيحيين الأوائل واليهود البولنديين ، فكلاهما ذو رائحة كريهة (ص104) عكس "بلاطس" حاكم المدينة الروماني الذي أحرج يسوع بسؤال ما هو الحق (ص107) . أما "بولس" فقد سمى الله التوراة ، أعداؤه هم أعداء وفيلولوجيا مدرسة الإسكندرية الذين يقرأون ما وراء الكتب المقدسة وأطباء الانحلال الفيلولوجي للمسيحي، فالطبيب يقول لا أمل في شفاءه، الفيلولوجي يقول دجل (ص108) ، وبداية التوراة تتوفر على مجمل بسيكولوجيا القس الذي يخشى خطرا واحد الذي هو العلم... فالإنسان يجب عليه أن يتألم لكي يحتاج دائما إلى القس وليذهب الأطباء إلى الجحيم، إنهم القساوسة مصاصات دماء ديماسية شاحبة (ص111). عالم الأناجيل هو عالم الأعمال الروائية الروسية (دوستويفسكي : المسممون والأبله (ص71)) مجسدة في (بوذا) فوق أرض غير هندية(ص73)، وذلك العدو اللذوذ للاهوتيين والقساوسة (رينيان) فلو كان الإله من الهنود لاستعمل مفاهيم "سانخيا" ولو كان من الصينيين لاستعمل مفاهيم "لاوستي"ومع شيء من التسامح اللغوي يسمي المرء ذلك عقلا حرا (ص75) (يحاجج باللغة ) . المسيحي المزيف ببراءة أرقى بكثير من القرد(ص89) وأمير شاب على رأس جيوشه يعلن عن مسيحيته دون أدنى شعور بالحياء (يقصد بسمارك ) . المسيحي والفوضوي كلاهما منحطّان وعاجزان ومصاصي دماء وهي غرائز عدوانية قاتلة هدمت كل ما تم بناؤه من حضارة (قضية روما ) في مهدها، لم تكن متينة لمقاومة أشد أنواع الفساد فسادا... زمرة من النسويين الجبناء ذي الرقة الزائفة ، تسللوا عبر جنح الظلام و الاتحاد الروحاني عبر شرب الدم ، نار الإنتقام ، انتقام شاندالا أصبحت سيدة على روما ، الديانة نفسها الذي كان أبيقور قد حاربها(ص136) في شكلها الجنيني، فقد حارب العبادات السردابية، والعقول الرومانية المحترمة آنذاك هي أبيقورية مع فارق الشحنة الحيوية اليونانية ؛ أبيقور منحط ، والمسيحية مصاص دماء الإمبراطورية الرومانية (ص71). تشريعات مانو /المسيحية / الإسلام . لا يمكن بأي حال من الأحوال حسب نيتشه مقارنة تشريعات "مانو" مع الإنجيل الذي يُترك بيد الأطفال وبعبارات بدائية (وليس العهر، ليكن لكل واحد امرأته ولكل واحد رجلها ، فالتزوج أفضل من التحرق ) عكس كتاب مانو فهو استجابة اثباتية للحياة ، ولم يُقدم المساواة بل قسّم المجتمع إلى 4 طبقات ، البراهمة (4 نساء ) المحاربين (3 نساء ) ، الزراع والتجار ( امرأتين ) ، العمال (امرأة واحدة ) وأيضا المنبوذون الذين يُحرم ملامستهم أو إقامة الصلاة معهم (ص129)، فنظام الطبقات هو نظام طبيعي ونظام تراتب المنزلات وهو القانون الأعلى، فالمشكل ليس في عدم تساوي الحقوق ، بل في المطالبة بمساواة الحقوق (ص134) (يحاجج باللغة ) وهم يجدون سعادتهم في هلاك الآخرين ولا يسيطرون من أجل السيطرة ، بل لكونهم يرفضون المرتبة الثانية ، فهاته الأخيرة من نصيب حراس القانون ونبلاء المحاربين (ص132). ماذا حصل ؟ راهب ألماني يأتي إلى روما "مارتن لوثر"الانتقامي الفاشل، انتشل مرة أخرى الكنيسة ... إنهم الكانطيون أعداؤه الشخصيون، يحتقرهم وهم الصنف الأكثر نقاوة من المسيحية ، المستعصين على كل دواء : البروستانتية جعلوا من كل قيمة لا قيمة ، ينتجون البؤس ، ويتنفسون عبره (ص147) وهم جرثومة الخطيئة أما مسألة تساوي الأنفس فما هي إلا عبوة ديناميت مسيحية وإذلال ذاتي وإرادة الكذب بدل إرادة القوة . لا تجيد سوى الطفيلية ، متعطشة للدماء وكل أمل في الحياة تمتصه والآخرة هي الأخرى إرادة نفي بدل إرادة القوة ، والصليب ما هو إلا علامة عن المؤامرة الأكثر سردابية. لقد حرمتنا السيوف الألمانية والدم الألماني والشجاعة الألمانية من أرقى الحضارات ، وهو ما يعني غياب النبل الألماني(ص143)، فتم الازدراء بالمورسكيين في اسبانيا الذين يقولون نعم للحياة واستفزوا حنق الشاندالا المسيحية ومساعديها من جنس الخصيان وهم الجرمان (الحروب الصليبية ) ، ولا يحتاج المرء إلى الاختيار بين المسيحية والإسلام وبين العربي واليهودي ... إما أن تكون شاندالا أو لا شيء (ص146) ولنقلها فيما بيننا : ليسوا حتى برجال... عكس الإسلام فحول رجال شرطا لوجوده ، لا أشباه خصيان وجبناء (ص142)، حرب بلا هوادة ضد روما (يقصدالبابوية وليس الرومانية ) وصداقة مع الإسلام(ص146). سأظل أخطها على كل حائط ، وفي كل مكان يوجد به حائط ،ولدي من الحروف ما يجعل العميان أيضا مبصرين أسمي المسيحية اللعنة الكبرى ... ووصمة العار الخالدة على صفحة الإنسانية، فبدلا أن نؤرخ التاريخ بيوم ميلادها أو لحظة الشؤم التي بدأت معها الكارثة ، لم لا نؤرخ بالأحرى انطلاقا من يومها الأخير،30 شتنبر1888 (ص149) فهل من أحد يتجاسر علي ويحدثني عن عظمة المسيحية؟ (عبد الرحمان بدوي -نيتشه طبعة 1939 .). عذرا نيتشه ، فقد أشرنا في بداية هذه الورقة أننا مستعدون لامتطاء فرس الممنوع وتصنيفنا ضمن "المتاهة الجنونية "بل وعينان جديدتان للأشياء الأكثر بعدا ، سَنُخَاطِبُكَ مباشرة كما خاطَبتَنَا مباشرة من خلال كتابكَ هكذا تكلم زرادشت والذي استعملتَ فيه نفس التكتيك الشوبنهاوري الذي أحسستَ أنه خاطبكَ من خلال كتابه "العالم كإرادة وتجلي " . فمدحكَ للإسلام جاء بطريقة تناقضية سردابية ، من خلال صداقتِكَ مع الإسلام، أولستَ القائل بأن "الكتاب المقدس" يمثل ظاهرة مشتركة بين "كونفوشيوس "وتشريعات مانو، محمد ، والكنيسة المسيحية ولا يختلف عنهم أفلاطون؛ حيث يُرفع شعار هنا الحق بصوت مرتفع ، يكذب القس(ص127) . أولستَ أنتَ من تحدّثَ عن نظرية الحساب كرعب للجماهير الشعبية التي تُكَوِّن قطعانا واعتبرتها نفس الشئ الذي استعمله محمد مع المسيحية فيما بعد ألا وهو الاستبداد الكهنوتي والإيمان بالخلود (ص194)، وأنتَ عالم الفيلولوجيا دخلتَ التاريخ من بابه الواسع كأصغر أستاذ جامعي (24 سنة جامعة بال) ، قرأتَ الكتب بلغتها الأصلية، كنت عبقريا عندما تحدتثَ عن الإنجيل بصيغة الجمع (أناجيل ) ، وهي الرسالة التي التقطها المسيحيون وطرحوا أسئلة معها ، من قام بتحريف الإنجيل؟ متى تم التحريف ؟ كيف ؟ لمن ؟ وعِشت في القرن19 ، قرن لواء العقلانية والذات الإنكارية، فإلى غاية 1993 كان المسلمون لا يشكلون سوى 18.2% نسبة سكان العالم من الديانات (انظر غيدنز علم الاجتماع ص576 ) فهل قرأت كتاب الإسلام بلغته الأصلية أم اكتفيت فقط بمؤلفات "يوليوس فيلهاوزن" وكتاب "اوغست ميللر" ( الإسلام في بلاد المشرق والمغرب ) وأنتَ من تتحدث عن المؤهلات الفيلولوجية وتقصد بها فن القراءة الجيدة والقدرة على قراءة الأشياء دون تزويرها، هل قرأتَ كتب جميع الديانات بلغتها الأصلية ؟ أم فقط أردتَ استخدام الإسلام كعبوة ديناميت في حربك ضد المسيحية، أي وثنية هي هذه !! عفوا نيتشه أي فيلولوجية هي هذه !! ماذا نفعل مع هذا التناقض ؟ فهل نضحك كما ضحكتَ على القديس أغسطين الذي وصفته بالبلاغي العجوز ، ضحكتَ عندما تحدث عن موت صديقه المفضل ، وفضل الاستمرار في العيش كي لا يموت صديقه كليا ، وفي نفس الوقت يعترف في كتابه "مدينة الله "أنه كان زير نساء . هل نخبط رأسنا مع الحائط كما فعلتَ أنت لعدم قدرتك على تحمل قزازة اللاهوتيين من برلين وروما وقصة انتصار الجيش الألماني بسبب بركة داوود .
أنظر إلى حالك ، فأنت تختنق وتحترق (ص85)، أصبحت غير مرغوبا فيك في ألمانيا لدرجة أن كتابك ما وراء الخير والشر طبعته على نفقتك الخاصة ، بل حتى صديقك القوي "فاغنر" الذي دامت صداقته 8 سنوات واعتبرته تجسيدا للعبقرية قاطعته بعد مسرحيته الهزلية في مسىرح بيروت 1876، وكانت مقاطعته بمثابة الشرارة التي أطلقت عاطفتك (رينيه جيرار) ، لكنك عنيد يا نيتشه ، قررت البحث عن أصدقاء جدد والآخرون أصبحوا قدماء ، فمن يستطيع التطور هو وحده القريب منك (بولس سلامة الصراع في الوجود ص211) وطالبت بمستمعين جدد من أجل موسيقى جديدة ، اعتبرت نفسك "شكسبير" أو قيصر إيطاليا، فاغنر ، يسوع، نابليون، الإسكندر المقدوني وانتقدت حتى الثورة الفرنسية لأنها تمجد المساواة مما جعل "أندريه سواريس "يعتبرك مجنونا بائسا يصرخ ويستهل بين أيدي الممرضين. عذرا أيها النيتشويين ، فالسوبرمان تعثر في نهايته ليس بسبب قصة الحصان في شوارع "طورينو" ولا حتى بسبب "سالوميه "التي قبّل رجليها ، ولكنها رحلت مع شاب آخر يدعى "تشارلز اندريامز" فهادم الاوتان فيلولوجي بالدرجة الأولى، اقتفى خطى"اسبينوزا" الفيلسوف المارق عن دين أجداده الذي كان يقول نصف الكلام ويترك النصف الآخر القارئ ، واقتفى كذلك خطى أستاذه شوبنهاور الذي كان يرد على معجبيه بكلمة المنافقين ، فنيتشه أيضا قسم قرائه إلى صنفين : صنف فيلولوجي ، وصنف معجب به ولا يفهمه وهؤلاء سماهم بالخنازير وطالب بتسييج أفكاره. أما اسبينوزا فقد نزع عنه ثوب الكوجيطو الديكارتي . وهي القفزة التي قام بها نيتشه بخلعه للثوب الدارويني بل طالب بجينيالوجيا داروينية ، وهي قفزة مميتة بالانتقال من الحق في المنطق إلى المنطق في الحق. أيها النيتشويين ، فالسوبرمان برؤية كرونولوجية قد يبدو وحشا، ذو وجدان عنيف، تكاد عيناه تنطقان حقا لكن برؤية جينيالوجية فهو طفل وديع ، هادئ في سماه ذو نظرة حادة تعكس الثورة الداخلية التي يعيش فيها ، فحتى أصحابه لا يتفوهون بكلمات نابية أمامه، بل الأكثر من ذلك رفض أن يكون قديسا واختار أن يكون شيطانا، شيطانا بالفكر . أيها النيتشويين ، فهدم الأوتان ليس بحاجة إلى من يهدمه ، فقد هدم نفسه بنفسه، ورفض أن يكون عدو المسيح بل نقيضه ، فحتى اللعنة فهو لا يلعن بل يأخذها بالقوة وينتزعها من أيدي المسيحية ليلعنها، إنها ببساطة : انتزاع حق اللعنة من اللاعن ولعنته بنفس اللعنة. والفكرة الجوهرية لنيتشه ، حيثما عاد المسيح فحتما سيعود نقيضه وهو السوبرمان ، زرادشت ، ديونيسوس وهي الرسالة المشفرة التي تركها لقرائه حيث يقول هذا الكتاب لقلة من الناس فقط ، ربما لم يولد أحد من هؤلاء القلة بعد ... بعد غد فقط هو زمني . فمن الناس من لا يولد إلا بعد الممات. أيها النيتشويين ، فنيتشه راح ضحية اخلاصه ووفاءه لمنطقه الجينيالوجي تحت مظلة إرادة القوة تلك القوة التي أسيئ فهمها خاصة بعد زيارة "هتلر"لمنزل أخته "إليزابيت" بعد وفاته وهي إرادة قوة تحيل على ما هو سيكولوجي وليس بيولوجي كما ذهب إليه البعض ، أو أولئك الذين لم يفهموا كتاباته وسماهم بالخنازير وما أكثرهم في عصرنا المتخوفون من كتاباته ، فما عليهم إلا أن يراجعوا إيمانهم . فحقا نيتشه هو فيلسوف ملحد لكنه ملحد بالأخلاق واهتم بالأخلاق ولم يهتم بالماهيات ، وبدل أن يمارس الشك المنهجي ، مارس النفي المنهجي والتدمير النظامي واعتبر أن كل شيء نتاج للمادة والمادة هي الحقيقة المطلقة لكنه أخطأ حين فكر بطريقة كهروميكانيكية خارج المادة المحكومة بماديتها . والملحد مثل المتدين ، كلاهما لا يملك أدلة قاطعة وإنما بنى أفكاره من خلال تراكم الاستدلالات ، فكل الحقائق الكبرى في العالم لا تملك أدلة قاطعة ولكن تملك استدلالات ناتجة عن تراكم الأدلة. لذلك يجب أن نقرأ لنيتشه ولا نقرأ عنه ،عكس النظرة الأحادية الشوفينية لبعض المتطفلين ذو العقيدة المتزعزعة بدون وعيهم ، فإن كان البروتستانتيون يكذبون ببراءة فإن بعض المعاصرين يكذبون ببراعة ويستغلون عامل الزمن(dardani2019) لتعبيد المسالك السردابية لأولئك الأبيقوريين والأبيقوريات ، مصاصات دماء شاحبة ، كذابون بالغريزة (نيتشه ، نقيض المسيح ، ترجمة علي مصباح ، منشورات الجمل ، ط1، بيروت-بغداد 2011).
الجزء الثاني: هكذا تكلم زرادشت ، حين يتكلم نيتشه مباشرة مع قرائه ،وسنقتحم عليه عزلته في الجبال ، لنشاركه الحديث مع ساعته الزجاجية الرملية التي سماها بسيدته المخيفة ، وكيف سيتحول السوبرمان الذي كان يتحدث لطلبته عن موت الإله-كيف سيتملكه الرعب والفزع من خلال ما سماه العجز النائم ،مقتفيا مرة أخرى طريق إسبينوزا في النائم الماشي ، لكن نيتشه عنيد وسيعود بقوة من خلال نظرية اللاشيء، الذي يتفاعل مع اللاشيء ،ويتكون اللاشيء ، وينفجر ليتكون كل شيء ،وماذا بعد الشيء؟ إنه العدم . نظرية لا تؤدي حتما إلى الجنون ،بل هي الجنون بحد ذاته . يتبع ...
#زهير_دارداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقف- الفولكلوري-
-
المجتمع الافتراضي وطقوس الجماعة
المزيد.....
-
الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس
...
-
الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو
...
-
غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني
...
-
انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
-
خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
-
عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ
...
-
روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا
...
-
عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
-
مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات
...
-
السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية!
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|