أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عصام الياسري - خاتمة فنان بعيدٍ عن وطن إنكفأ إزدهاره!















المزيد.....


خاتمة فنان بعيدٍ عن وطن إنكفأ إزدهاره!


عصام الياسري

الحوار المتمدن-العدد: 6381 - 2019 / 10 / 16 - 16:14
المحور: الادب والفن
    


في مقبرة تحيطها أشجار السدر والسنديان الباسقة في العاصمة الألمانية برلين، ووسط جمع من الاقارب والاصدقاء والمعارف العراقيين والعرب والالمان، انتقل جثمان الفنان العراقي المصور السينمائي ماجد كامل يوم الجمعة الموافق 30 آب ـ اغسطس 2019 في تمام الساعة الحادية عشر صباحاً الى مثواه الاخير، وبذلك إنطفأ داخل حفرة دكناء يُستوحش سلوك الطريق اليها، شعاع عراقي آخر كان يحلم بوطن يحتضنه قبل أن تأتيه المنية في الغربة.

وعلى الرغم من تعدد العناصر القيمية والمعنوية التي تجمع بين الفضاء الافتراضي للحدث ومفهوم الزمان والمكان الذي جعل الفقيد ماجد كامل يتكيّف مع ما كان ينتظره في قادم الايام. إلا ان خبر رحيله "المفاجئ" على قدر كلمة "موت" واثره البالغ، لم يكن للجميع مفاجئة بالمعنى العام لفاجعة نهاية الحياة، بقدر ما كان خبراً مؤلما وحزيناً بلا حدود!.. وعلى ما يبدو ان ماجد كان أسير أحاسيس واوهام دفينة لم يتمكن من اختزالها او تجنبها. يقاوم وحيدا للعيش ومواجهة النهاية بانضباط وهدوء. بفضل إرادته وعناده وهو كان يصارع المرض، تمكن من إعطاء الأمل لنفسه للبقاء على قيد الحياة بأقصى قدر ممكن. لكن كم كان صعبا عليه ان يواجه تراتيل هواجس وآلام دون المقدرة لوضع حدٍ لها؟. بيد أن نجله بنيامين الذي حرص على الاهتمام بأبيه لسنوات، صور المشهد الدرامي لحياة أبيه ماجد في كلمة وداع مؤثرة ألقاها باللغة الالمانية، منذ بدء أعراض الأزمة والى ما قبل مرتبة مغادرته الحياة الى عالم آخر ومن ثم الوداع الاخير وقداسته.

المفارقة؛ جاء في رسالة الاشهار التي كنت قد كتبت عن رحيل ماجد كامل ما يلي: عن عمر ناهز الـ 85 عاما فارق الحياة ابن مدينة الحلة الأثرية الشهيرة "بابل" الفنان المصور السينمائي العراقي ماجد كامل..الخ" والمعلوم ان كل ما قيل أو نشر على لسان أصدقاء وزملاء الفقيد أو العديد من الصحفيين حول حقيقة مكان ولادته، نسبوا الى انه ولد في مدينة الحلة. إلا ان نجله بنيامين كتب في كلمة الوداع، بأنه ولد في مدينة الناصرية. وعند التحري بعد تعاقب التساؤلات، في الوثائق الموجودة لديّ اكتشفت كما جاء في "شهادة الجنسية العراقية" الصادرة عن مديرية الشرطة العامة في بغداد في 13 حزيران لعام 1959، بأنه كان قد ولد حقا عام 1934 في مدينة الناصرية في جنوب العراق على نهر الفرات دون ذكر يوم ولادته. وهو ابن لأم كردية، زينب عبد الخالق، وأب عربي كامل حميد. وأنه قضى طفولته في مدينة الحلة وترعرع بالقرب من أنقاض بابل القديمة. وبعد الذهاب إلى المدرسة في بغداد، سرعان ما تمكن من الوصول إلى طريق العمل في مجال الفيلم الوثائقي بسبب براعته في التصوير الفوتوغرافي.
في يوم السبت 27 تموز ـ يوليو 2019، احيا منتدى بغداد للثقافة والفنون في برلين أمسية تأبينية بمناسبة مرور أربعينية رحيل ماجد كامل الفنان المصور السينمائي المرموق. حيث استعرض بشاركة بعض اصدقائه حياة الفقيد من زوايا مختلفة، تشمل اهم أعماله ومسيرته الفنية، أو ما يتميّز به اسلوبه في فن التصوير من تجليات وظواهر إبداعية. ايضا كيف كان له ان يكون طرفا في سرد الاحداث ليجسد في الغالب في اعماله مكانة الوطن وحياة المجتمع. وقدم رئيس المنتدى وسط جمع من المثقفين والضيوف العرب والالمان، باسم لجنة التكريم ومنتسبي المنتدى واصدقائه، شهادة تقدير للفنان الريادي الراحل. وتجدر الاشارة الى ان لجنة التكريم بشخص الفنان القدير السينمائي قيس الزبيدي والكاتب الاستاذ يحيى علوان، قد تقدما بمقترح لتكريم الفقيد في الفصل الاول من هذا العام، وعندما سمع بالخبر، كان في غاية السعادة والسرور للقاء لحظة الحدث في فضاء كهذا، وافر الاصدقاء اللذين جلهم من عشاق الثقافة والفنون والإبداع. لكن القدر أسدل الستار على تراجيديا خاتمة فنان كان بعيداً عن وطن إنكفأ إزدهاره قبل إنتهاء الفصل الاخير من العرض بمشوار.

كانت ظروف ماجد المادية والفنية كما يقول المفكر والفنان السينمائي قيس الزبيدي، مثالية للغاية. ويمكن القول حقا إن لا شيء كان ينقصه سوى ذلك الحنين الجارف الى الوطن والذي دفعه اخيرا ألى العودة لبغداد في العام 1971 للمساهمة في إعادة إحياء السينما في ذلك الوقت واعتقادا منه بأن هذه الفترة التي يسمّيها «مرحلة الجبهة» ستكون الأكثر إشراقاً في تاريخ العراق الحديث.

ويقول الفنان القدير فيصل الياسري: لم يكن ماجد كامل في لقائنا في برلين نادما على الهجرة من العراق فباعتقاده انها كانت الحل "المناسب" آنذاك للهروب من الأوضاع المرتبكة سياسيا واقتصاديا ومهنيا التي كانت مهيمنة في عراق التسعينات من القرن الماضي .. وكان إيجابيا في الحديث عن صداقتنا الطويلة ولكنه كان متذمرا من علاقتنا الفنية في فيلم الرأس، اذ كانت تمر بيننا مواقف متوترة لعل سببها طبيعة ماجد كامل العصبية وطبيعتي القيادية، ومن المنغصات ان ماجد كامل كان دائما عنده "رأي اخر" واعتراضات شكلية على خطط الإنتاج، وكثيرا ما كان يوتر جو العمل ولكن سرعان ما تعود الأمور الى الانسيابية الضرورية في فرق العمل المهنية !!

أما الفنان ضياء البياتي الذي زامل ماجد كامل طيلة فترة ادارته لمديرية السينما وإدارة المؤسسة كمعاون مدير عام والتي استمرت 19عاماً فيقول: كان فناناً مبدعاً ومجداً في عمله لا يجامل احد على حساب العمل حتى مع المخرجين الذين عملوا معه بأفلام روائية طويلة. صريحاً يضع النقاط على الحروف حتى معي (صديق وابن مدينته الحلة) كان ينتقدني في بعضاً من قراراتي في العمل السينمائي، إذ له وجهة نظر اخرى مغايرة لما انا اراها دون ان يتنازل عن رأيه مع اقرب المقربين من اصدقائه .

ويقول المفكر والكاتب كاظم حبيب؛ لقد كانت معانات ماجد كامل كبيرة عما يحصل في العراق وما يعاني منه المجتمع والقوى الديمقراطية وعن الضحايا الكبيرة التي كانت تسقط يومياً في مختلف أنحاء العراق. وعن الفساد الذي تمارسه النخبة الحاكمة وأحزابها السياسية، لاسيما قوى واحزاب الإسلام السياسي. لقد توقع ماجد بأن إسقاط الدكتاتورية عبر حرب خارجية تقودها الولايات المتحدة لن تجلب للشعب الحرية والديمقراطية والرفاهية، بل ستعيد إنتاج التخلف والبؤس والفاقة والاستبداد. ولم يكن ماجد بعيدا عن الواقع في تقديراته، فما جرى ويجري في العراق يؤكد صوابها، إذ كانت تشخيصاته ناتجة عن قربه الروحي والعقلي من الشعب والعراق وغنى تجربته المديدة، إذ أدرك بحسه المرهف تماما ما سيحصل وما حصل فعلاً.

أما الاعلامي والصحفي المتخصص في شؤون السينما والمسرح عبد العليم البناء فيقول: جاءت خسارة مدير التصوير السينمائي الفنان القدير ماجد كامل لتؤكد هذه الحقيقة المرة والمؤلمة، الذي لم يكن رحيله خسارة للسينما بقدر ما كان خسارة للوطن ولزملائه السينمائيين ولكل مبدعي العراق، الذين لمسوا فيه انسانا خلوقا وطيبا ولا يتوانى عن مساعدة الاخرين لاسيما لمن هم من صعيد الجيل الشاب من المصورين الذين مازالوا يتذكرون تعليماته الذين استمدوا منها التواصل والنجاح والتمييز في فترة كانت تعد من الفترات الذهبية لمسيرة الثقافة والفنون في العراق.

ولعلي أختم بقول الصديق الفنان قيس الزبيدي: اصبحت الحياة بالنسبة لماجد، وهو المحب للحياة، بمثابة سجن انفرادي، تضيق جدرانه الاربعة عليه الخناق وهو لا يخرج من هذا السجن الا نادرا ليعود اليه من جديد. وكان يردد لي ولأصدقائه امنيته بالقول علّ الله أن يأخذ أمانته أخيرا !
أراد ماجد أخيرا أن يرقد براحة وسلام.



#عصام_الياسري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أماس أدبية غمرتها قصائد الحب والإنتماء للوطن
- ما بين الثقافة و مفهوم الثقافة...!
- دعابة سردية ذات أثر ساحر وأسرار لا تنسى
- اللحظات الحاسمة لجوهر نضال المرأة للمطالبة بالمساواة
- عرب المهجر بين صراع الايديولوجيا وفك الانتهازية
- ماذا يختبىء وراء الأكمة في مؤتمرات حول الشأن العراقي في الخا ...
- العراق بين دائرة الاستئثار بالسلطة ومفهوم القيّم والشعور بال ...
- حوارات حميمية بين أدوات موسيقية من عوالم مختلفة
- أدب المرأة بين حساسية العاطفة وروح الدعابة والتأمل..
- منتدى بغداد للثقافة يحقق هدفاً نبيلاً ويكرم المبدعين والمبدع ...
- الانتخابات العراقية ومستقبل المواطن والوطن؟
- هل تضمن المشاركة في الانتخابات مصير ومستقبل المواطن والوطن؟
- الثقافة والمثقف.. فضاءات تجسد قيّم المجتمع ورقيّه!
- العراقيون يباركون المرأة العراقية في يومها العالمي
- الفنان التشكيلي منصور البكري يحاكي وطناً أسمه العراق
- عاصفة الإستفتاء أمام ديمقراطية الأكراد والصراعات الطائفية!
- المرئي في أعمال منصور البكري
- في معرض الكاركاتير الدولي الأول في المغرب. الفنان العراقي ال ...
- فضاءات سردية في أعمال فنانَيْن عراقييَّن
- هل يستطيع أصحاب السلطة في العراق ان يتحملوا مسؤولياتهم الأخل ...


المزيد.....




- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...
- رحيل أنتونين ماييه.. الروائية الكندية التي رفعت صوت الأكادية ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عصام الياسري - خاتمة فنان بعيدٍ عن وطن إنكفأ إزدهاره!