أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - غسيل زيزفون














المزيد.....


غسيل زيزفون


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6379 - 2019 / 10 / 14 - 23:41
المحور: الادب والفن
    


كما في كل مكانٍ من العالم كانت تجلس جوقة صغيرة من نساء القرية لشرب القهوة والثرثرة. بدافع الفضول والضجر وضيق المكان تناهى إلى سمعه في الطفولة مجتزآت متناثرة من ثرثراتهن، من بينها كما يذكر الصغير أحمد ثمة كلمات ذم ولوم وتوبيخ لجارتهن زيزفون. كان بعض ما سمعه أحمد آنذاك وبقي عالقاً في ذهنه هو تلميحاتهن الساخرة عن كسل زيزفون وإهمالها لأولادها وعن كيفية توضيبها غير المرتب لغسيلها النظيف.

وزيزفون - لمن لا يعرفها - كانت امرأة قوية تزوجت من يوسف عن حب، بعد أن هجم على بيت أهلها حاملاً بيده عصا الخيزران ومهدِّداً إياهم بخطفها إن امتنعوا عن مصاهرته. أنجبت زيزفون له ومنه تسعة صبيان وأربع بنات، بالإضافة إلى ثلاثة إجهاضات غير مُرادة وطفلين ماتا بعد الولادة مباشرة.

وكانت زيزفون على الدوام عاملة في إحدى مؤسسات الدولة. تذهب صباحاً وتعود من عملها ظهراً متعبة. وكان زوجها يوسف صاحب بقالية مواد غذائية، يفتح بابها الساعة السادسة صباحاً ويغلقه الساعة الواحدة ليلاً.

آن تصل زيزفون إلى بيتها حتى تبدأ بالاهتمام بزوجها وشريك حياتها في السراء والضراء، تجلس إلى جانبه في الدكان ثم تحل محله لفترة قصيرة ليأخذ قسطاً من الراحة وليستمتع بقيلولة الظهيرة، لاحقاً تلج زيزفون إلى مطبخ البيت وتأخذ بتحضير لقمة العشاء لزوجها قبل أولادها.

ولن ننسى أن المُكافِحة زيزفون ستهتم أيضاً بتحضير مَؤونة الشتاء من مصمودات الخيار والباذنجان والفليفة ومن مكابيس الزيتون الأخضر والأسود والمجرَّح والمكدوس بالإضافة إلى دبس الفليفة والبندورة والرمان عدا عن الحبوب بأنواعها من برغل وعدس وحمص. وستساعد زوجها في استصلاح أرضهما وزراعتها بالبصل الأخضر والفول والذرة والعصفر وشتائل البندورة، وستركش معه شجرات الزيتون والتين وتسمّدها، وستقوم زيزفون بالمشاركة في أفراح وأتراح القرية على أكمل وجه، وستحاول زيزفون الاعتناء بأولادها الثلاثة عشر قدر طاقتها، ناهيكم عن واجباتها تجاه حبيب قلبها يوسف، ستحمّمه وتقصّ له أظافره وتعد له مازواته وتصب له كأس العرق، ستسامره وتمازحه وتغنجه وتسعده.

في نهاية كل أسبوع تغسل زيزفون مع ابنتها الكبرى غسيل عائلتها من قمصان وبلوز وبنطلونات وفساتين وجرابات وغيارات داخلية، ثم تنشر الغسيل على الحبال المشدودة إلى أعمدة موجودة على سطح البيت لهذا الغرض، وبعد أن يكون الغسيل قد جفّ ونشف تجمعه زيزفون في سلال لتقلبها في النهاية على أحد أسرة النوم، وهكذا يبقى الغسيل مفلوشاً منكوشاً لعدة أيام، كل من يحتاج إلى قطعة ملابس يأتي إلى السرير ويفتش عنها حتى يجدها وإذا لم يعثر عليها يعرف أن أحد أخوته قد سبقه إليها فيبحث عن بديل لها.

بعد أن كبر أحمد وصار يتأمل ويراقب ما يدور من حوله في أجواء عائلات أصدقائه وأقربائه ومعارفه ممن تزوجوا حديثاً واكتفوا بإنجاب ولدين أو ثلاثة على الأكثر ورأى بأم عينه كيف ساهم التطور العلمي والتقني - بدءاً بتوفير آلات الغسيل الأوتوماتيكية مروراً بأدوات المطبخ الحديثة وليس انتهاءاً بحفاضات بامبرز - مساهمة جذرية في تقليل الأعباء المنزلية اليومية وتسهيل أمور العناية بالأطفال ... بعد أن كبر أحمد ضحك في سره على كل ما تفوّهت به ألسنة النسوة الثرثارات عن كسل جارتهن زيزفون وإهمالها الأسبوعي لتوضيب تلال غسيل أولادها الثلاثة عشر، لم يكتف أحمد بذلك بل جعل يفكر بصياغة قانون لمنع إسقاط العبارات والأشعار القديمة التي كانت تمجّد عمل أمهات القرن العشرين من أمثال زيزفون على أمهات القرن الحادي والعشرين.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتقال الفصول
- عن الرأسمالية الشريفة
- قصيدة أبراهام
- قصيدة إِنْزيغْتن
- المِلزَمة
- صلولين
- نشرة أخبار
- كيف صار المُهَنْدِس كاتباً -2-
- كيف صار المُهَنْدِس كاتباً -1-
- ملعب مقبرة الشهداء
- كيف لا ترون؟
- من شبَّ على شيءٍ شاب عليه
- كيف تتكلم؟
- يوسف وفهيمة
- سجائر غارغويل
- قانون الكُنَافَة
- لماذا تركض؟
- السَفَّاك
- شمعة ديوجين
- وكنا ندخن الرَّوْث


المزيد.....




- من دون زي مدرسي ولا كتب.. طلاب غزة يعودون لمدارسهم المدمرة
- فنان مصري يتصدر الترند ببرنامج مميز في رمضان
- مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم ...
- هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير ...
- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - غسيل زيزفون