|
الانتخابات التونسية : هزائم وانتصارات .
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 6376 - 2019 / 10 / 11 - 23:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعمق مأزق الديمقراطية التونسية هذه الأيام أكثر فأكثر ، فنسبة المقاطعة في التشريعية كانت عالية ( 60% ، ولو احتسبنا غير المسجلين لكانت أكبر ) حتى أن مركزا انتخابيا في القيروان لم يدخله غير ناخب واحد من جملة ما يقرب من ثلاثمائة ، ونقلت صحف واذاعات خبرا عن حادثة جدت في ولاية سوسة ، فقد انتبهت مُمثلة قائمة انتخابية الى مُمثل قائمة منافسة وهو يوزع المال لنيل الأصوات فحدث اشتباك بينهما ، وفي الأثناء سقطت حقيبة بها 2000 دينار ، فما كان من المواطنين الحاضرين الا الاستيلاء عليها وتوزيع ما فيها بينهم ، فقد أستعمل المال الانتخابي بكثافة ، وراج الحديث عن صناديق اقتراع مسروقة وشراء الأصوات وعقود " لوبيينغ " بملايين الدولارات مع شركة كندية يديرها ضابط صهيوني سابق ، و تحولت جمعيات خيرية الى منصات انتخابية، وتم تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي في عدد من الحالات الخ .. وكان من بين الفائزين بالسباق التشريعي متهمون بالإرهاب ، ومدافعون عنه ، ومهربون وفاسدون يبحثون عن الأمان تحت قبة البرلمان ، وأئمة و رجال دين ، وأصحاب إذاعات دينية مستعملين المقدس في خلط فاضح بين الدين والسياسة ، مما دفع الى التساؤل عن الشرعية الشعبية للبرلمان القادم ، أي ما إن كان سيمُثل الشعب ويكون مصدرا لسلطته ، أم سيفا مُسلطا على رقبته ؟ و تحدثت هيئة الانتخابات عن " خروقات " ، بل حتى عن " جرائم انتخابية " قبل استدراكها أنها لا ترتقى الى مستوى التأثير علي النتائج ، وهو ما رددته دوما في مثل هذه الحالات ، مكتفية بنصح المتضررين بتوجيه الشكاوى للقضاء العدلي ، وهي التي تعلم أنه لن يكون لها من غد الا بعد انقضاء سنوات ، بينما كان بإمكانها اسقاط أصحابها ودفعهم هم الى التقاضي لا العكس، وبدا مرة أخرى أن ما تشهده تونس ليس الديمقراطية وإنما نقيضها ، أو على الأقل نسخة مغشوشة عنها . وعوضا عن استخلاص ذلك الدرس ، سجد شيخ حركة النهضة شكرا لله، وسرعان ما سجد وراءه مريدوه ، وهو في المقر الرسمي لحملتها فور تلقيه نتائج سبر الآراء الخاص بنتائج تلك الانتخابات ، فقد كان متوجسا خيفة من الهزيمة ، ولكن الذي حصل هو ما قال عنه أنه نصر مبين لا غبار عليه . واذا كان صحيحا أن الحركة تحصلت على المرتبة الأولى فإنه صحيح أيضا أن النسبة التي فازت بها ضئيلة ، كما أن مخزونها الانتخابي قد تدحرج الى الثلث قياسا الى انتخابات التأسيسي (561088 سنة 2019 مقابل 1501320 سنة 2011 ) والمفارقة أنها كانت تحتفل بنصر هو في جوهره هزيمة ، وهي التي تجد اليوم نفسها في ورطة لعدم قدرتها على جمع الأصوات الكافية لتشكيل حكومة تمثلها وحدها ، ويبدو كــــما لو أن الشعب قدم لها هدية مسمومة ، مما سيدفعها مرة أخرى الى عقد الصفقات . وبسبب ضعف المشاركة في الاقتراع ، راج اتهام الشعب بالجهل واللامبالاة والسذاجة ، غير أنه من المُرجح أن الهبوط في مؤشر مشاركته في العملية الانتخابية ، منذ التأسيسي حتى اليوم دليل على توجه عقابي إزاء منظومة سياسية تمارس التضليل لفرض سيطرتها ، وليست حركة النهضة الإسلامية غير ركيزتها الأساسية ، فالناس يتساءلون ما الفائدة من التصويت لمترشحين لا ينفذون ما يعدون به ؟ خاصة أنهم جربوا ذلك مرارا وكانت النتيجة واحدة ، وهذا دليل استفاقة ونباهة لا العكس . واذا كان بعض المحسوبين على الإسلام السياسي التكفيري قد فازوا بعدد من المقاعد فذلك ليس دليلا على سذاجة شعبية عامة والا لجاز اتهام شعوب العالم كافة تقريبا بذلك ، ففي أوربا وأمريكا على سبيل المثال نجد الفاشيين الجدد في البرلمان، والسبب أن عصر الأزمة الشاملة بانكساراتها واحباطاتها يفرز مثل تلك الظاهرة ، حيث يُقبل قسم من الناس على خطاب الأمجاد الغابرة والبطولات المستحيلة ، مُصدقا ديماغوجية أصحابها . واليوم يتحدث كثيرون عن الكارثة المحدقة بتونس ، وهو ما لا يمكن نفيه ، فالانهيارات بارزة للعيان في شتى الميادين ، و التناقضات التي تفرزها الأزمة الشاملة ستحتد مع مرور الأيام ، ونسبة المقاطعة غير المسبوقة تعني أن الشعب في واد والأحزاب البرلمانية في واد آخر ، وما يُستنتج من ذلك أن النواب سيمثلون أقلية ، بينما الأكثرية ستكون من الغاضبين في الشوارع ، وقد يحتد التناقض بين الشعب والبرلمان والحكومات المنبثقة عنه ، وصولا الى الصدام العنيف ، ولكن ستنفجر أيضا التناقضات بين الحكام أنفسهم ، ووقتها فإن سيناريوهات مختلفة يمكن أن توضع موضع التطبيق ، ومنها المصري والتركي وغيرهما ، وقد يدفع الشعب المزيد من دمه ثمنا لها. ومن هنا أهمية الالتفات ناحية الخزان الشعبي المقاطع للانتخابات ، الذي يجري تجاهل غضبه ، بينما تنام تونس العميقة بأحزانها ومعاناتها واحلامها وانتصاراتها القادمة فيه بالذات ، ومتى تم تحويل تلك المشاعر الى أفكار وسياسات وممارسات أمكن لتونس المتوثبة نحو حريتها الانبعاث من رماد السنين العجاف .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة قيس سعيد .
-
مُؤامرات تونسية .
-
السياسة والعدل.
-
تونس : فضيحة التزكيات .
-
فوضى انتخابية .
-
صديقي الفلسطيني وطريق جهنم .
-
تونس والرئيس القادم .
-
تونس : في عيدها الجمهورية تفقد رئيسها.
-
تونس : تصدعات حركة النهضة .
-
الديمقراطية التونسية.
-
عرس نقابي .
-
خميس أسود في تونس .
-
الاستقطاب والانتخاب.
-
وفاة مرسي في تونس .
-
مذبحة الديمقراطية .
-
الدين والمال .
-
مأزق الجبهة الشعبية وآفاق اليسار .
-
- إسرائيل - والانتخابات التونسية.
-
استطلاعات الرأي بين العلم والسياسة .
-
الأزمة الليبية واستراتيجيا السلطة التونسية .
المزيد.....
-
الخارجية الروسية: روسيا تعمل على إبرام معاهدة ثنائية واسعة ا
...
-
كيف أصبح الاعتراف بإسرائيل شرطاً للحصول على الجنسية الألماني
...
-
شاهد: السلطات السويسرية تتفقد الأضرار إثر عواصف رعدية وفيضان
...
-
الفلسطيني مجاهد العبادي يروي تقييده فوق غطاء سيارة عسكرية إس
...
-
منظمة أممية: ارتفاع حصيلة غرق قارب مهاجرين باليمن
-
-حفر نفق وتجهيز ألغام وتفجيرها-..-القسام- تبث لقطات من استهد
...
-
ما هي السيناريوهات الأربع المحتملة للانتخابات التشريعية الفر
...
-
ماذا قالت؟.. تسريبات باجتماع مغلق لزوجة نتنياهو تثير عضبا في
...
-
احتجاجات الكينيين على فرض ضرائب إضافية عليهم يثير تفاعل نشطا
...
-
السودان.. ماذا وراء انفجار الأوضاع العسكرية في سنار؟
المزيد.....
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
المزيد.....
|