|
خرافة الاستعمار الجيد
ثائر دوري
الحوار المتمدن-العدد: 1555 - 2006 / 5 / 19 - 11:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" أريد أن أحذركم من أكذوبة الاستعمار الجديدة. فهي تقول بأنه يوجد مستعمر طيب ومستعمر شرير وأن سبب انتفاضة الجزائريين عائدة إلى المستعمر الشرير فقط" جان بول سارتر كل يوم تسمع من أركان الإدارة الأمريكية و من معارضيها في البيت الأبيض عن الأخطاء التي ارتكبوها في العراق . بعضهم يتحدث عن قلة عدد الجنود ، و آخرون عن حل الجيش العراق ، و طرف ثالث عن النهب و السلب و قمع الحريات و ................الخ . و هذا ما اختصرته كوندليزا رايس بقولها إنهم ارتكبوا مئات الأخطاء التكتيكية . و يجاري الأمريكان بحديث الأخطاء هذا بعض الكتاب العرب فتراهم يتخذون موقف الناصح للأمريكي . فيتحدثون بحسرة عن أخطائه سابقة الذكر ، التي لو لم يفعلها لحل السلام و الوئام و استقرت جيوش الاحتلال في العراق و نام العراقي آمناً مطمئناً تحت ظل الدبابات الأمريكية جذر هذه النقاشات هو الخرافة الجوهرية ، التي أدركها جان بول سارتر أثناء حرب التحرير الجزائرية ، و هي خرافة وجود استعمار جيد و استعمار شرير . و أن الجزائريين انتفضوا على المستعمر الشرير . و كوندليزا رايس و أتباعها من العرب يفترضون اليوم نفس الافتراض و هي أنه كان يمكن للاحتلال الأمريكي أن يكون احتلالاً جيداً ، طيباً ، خيراً . و بالتالي كان من المؤكد أن العراقيين لن يثوروا عليه ، لذلك تقول هي و أتباعها بالأخطاء التكتيكية التي حولت الاحتلال من احتلال جيد إلى احتلال شرير ............... يقول سارتر :
(( هذا كلام خاطئ من أساسه. لماذا؟ لأن المسألة لا تتعلق بالأفراد أو الأشخاص المعزولين وإنما تتعلق بالنظام الاستعماري ذاته. فهناك نظام للاستعمار، نظام متكامل وهو المسؤول عن كل ما يحصل اليوم من مشاكل وصدامات)) و يقترح أنصار خرافة الاستعمار الجيد أن يقوم المستعمر بتحسين أحوال أهل البلد ، و في الحالة العراقية يعني هذا أن يوفر الكهرباء و الطعام و الشراب و الأمن و الوظائف و يعبد الطرقات و يفتح الجامعات و عندها سيقبل العراقيون بالاحتلال ، كما يتوهمون بخيالاتهم المهزومة و المريضة . يقول سارتر : (( ينتج عن ذلك أن الشعب الجزائري ليس بحاجة إلى تحسين أوضاعه المعيشية فقط وإنما بحاجة إلى شيء واحد بالدرجة الأولى:التخلص كليا ونهائيا من هذا النظام الاستعماري البغيض الذي يخنقه خنقا. إنه بحاجة إلى استرجاع سيادته على أرضه ووطنه. فاحتلال الجزائر عام 1830 كان مناقضا لكل مبادئ حقوق الإنسان التي طالما تبجحت بها فرنسا! )) إن الاستعمار لا يمكن إلا أن يكون سيئاً ....... إن الخطيئة الأصلية التي تحكم كل ما يجري و كل ما سيجري لاحقاً هو فعل الاحتلال و الغزو و لا خروج من هذا الوضع إلا بزوال الاحتلال و بدون أي قيد أو شرط . فالعراقي لا يحتاج من المحتل إلى أمن أو كهرباء أو ماء لأنه كان يمتلكها جميعاً ، و كان يمتلك جامعات ذات مستوى علمي راق و يمتلك برنامجاً من أفضل برامج الرعاية الصحية في العالم قبل أن يدمر الغزو و الحصار كل ذلك . العراقي يحتاج إلى استرداد كرامته الوطنية و القومية التي امتهنها فعل الاحتلال . و لا يتم ذلك إلا بجلاء المحتل و تحمله تبعات غزوه المادية و الأخلاقية و القانونية وزوال كل ما ترتب على جريمة الغزو فما بني على باطل هو باطل . تبقى حكاية التحضير التي نذر المستعمر نفسه لها ، أو التي انتدبه الله للقيام . فالرئيس بوش يقول إن الله قد أمره بتحرير العراق . في البداية قال إنه غزا العراق من أجل التخلص من أسلحة الدمار الشامل و علاقة النظام العراقي مع القاعدة . ثم استقر رأيه على انه فعل ذلك ليحضر الشعب العراقي بإدخاله جنة الديمقراطية . و قد شاهدنا أية ديمقراطية طبقها الأمريكان في أبو غريب و جرائم التعذيب و فرق الموت التي نشرتها الإدارة الأمريكية في العراق لتطبيق برامج من طراز فينيكس سيء الصيت الذي طبقوه في فيتنام ، و هو اغتيال كل من يشك بانتمائه للمقاومة و قد نتج عن ذلك اغتيال أربعين ألف إنسان في فيتنام ، ثم تبين لاحقاً أن أغلبهم لا علاقة لهم بالمقاومة.أو من طراز خيار سلفاردور ، المشتق من تجربة القتلة الذين دربتهم الإدارة الأمريكية في السلفادور لقمع الثورة اليسارية في السبعينيات . هذه هي الديمقراطية الموعودة و هذا هو التحضير الموعود . و مثل ذلك في الجزائر التي نذرت فرنسا نفسها لتحضيره خلال مائة و اثنين و ثلاثين عاماً . يقول سارتر : " هل تعلمون بأن البنى التحتية من طرق ومواصلات ومشاف ومدارس هي من حظ المستوطنين الأوروبيين في معظمها لا من حظ الجزائريين؟ وعندما حصلت هزة أرضية هناك مات من الجزائريين ألف وخمسمئة شخص أو أكثر، في حين لم يمت من الأوروبيين إلا أربعين شخصا! لماذا؟ لأن الأوروبيين حظوا بالعناية وفرق الإنقاذ فورا على عكس الجزائريين الأصليين. هؤلاء يعيشون في مناطق غير مخدومة، مناطق لا تصل إليها المواصلات ولا تحتوي على أي مستشفى أو مستوصف صغير. ومع ذلك فإن دعاة الاستعمار زعموا بأنهم ذهبوا إلى هناك لإدخال الشعب الجزائري في الحضارة وإخراجه من التخلف والبربرية الهمجية! هذا هو النظام الاستعماري البغيض الذي أسسناه هناك والذي يفتخر به بعضنا بكل وقاحة. ولو كنا آدميين نحترم الحقيقة لخجلنا من أنفسنا ولاعتذرنا للشعب الجزائري عما فعلنا به طيلة كل تلك السنين. فنحن قمنا باستغلاله لا بتحضيره، ولم نفكر إلا بأنفسنا وأنانيتنا ومصالحنا ومع ذلك فإنهم يصرون على الكذب ويزعمون بأننا ذهبنا إلى هناك لتحضيره كما يقول المنظّرون للحملات الاستعمارية! ولكننا زدنا شقاءه وعذابه وفقره وجهله وجوعه وحرمانه... هذا ما فعلناه بالشعب الجزائري أيها السادة هل تعلمون أنه بعد مئة وعشرين سنة على استعمار الجزائر لا يزال 80 بالمئة من هذا الشعب أميا لا يعرف القراءة والكتابة لقد حرمناه من تعلم لغته وفرضنا عليه فقط لغتنا ولكن حتى في لغتنا لا يزال أميا في أغلبيته الساحقة. ولم نكن حريصين أصلا على أن يتعلم ويخرج من حالة الجهل والتبعية لأنه لو خرج فسوف يثور علينا ويطالب بحريته فأين هو التحضير إذن؟ أين هي الحضارة التي حملناها معنا إلى هذا الشعب؟ كل هذا هراء وأكاذيب. فالنظام الاستعماري البغيض لا يهدف إلا إلى الاستغلال وإبقاء الشعب تحت نير الاحتلال. ولكي يظل خاضعا مطيعا ينبغي أن يبقى جاهلا أميا لا يعرف مصلحته ولا يتجرأ على التمرد على أسياده. هذه هي حقيقة النظام الاستعماري أيها السادة وكل ما يقال عكس ذلك أضاليل"
#ثائر_دوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العدوان الإمبريالي على العرب بين -القوة الناعمة -و -القوة ال
...
-
مصر على مفترق طرق التغيير
-
التدمير المنهجي للزراعة في العالم من العراق إلى الهند
-
حكاية الذئب الأمريكي الذي يجب أن يغير طبعه
-
قديم بملابس جديدة . جديد بملابس قديمة
-
العطب الأخلاقي للحضارة المعاصرة
-
صورة بالأشعة السينية للنظام العالمي القائم
-
معادلة حلبجة الجديدة
-
الحروب الإبادية كطريقة حياة في االعصور الحديثة
-
مضيق هرمز
-
شرارة واحدة كافية لتشعل السهل
-
عرض لكتاب - التنصير الأمريكي في بلاد الشام -1834 – 1914 -
-
الوجوه المتعددة للمثقف الكولونيالي في رواية (( موسم الهجرة إ
...
-
الفقراء فئران تجارب أغنياء الحضارة المعاصرة !!
-
في العالم المعاصر الصحة تعني المرض
-
جحيم بغداد اليومي
-
الإعلام بين السل و انفلونزا الطيور
-
صدام الهويات المصطنع
-
العالم يتمرد
-
لشو الحكي خلص الكلام
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|