|
الابعاد الفنية للشخصية السياسية عند شارلي شابلن
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 1554 - 2006 / 5 / 18 - 10:01
المحور:
الادب والفن
الفن الأصيل هو الفن الذي لا يطرح لفئة محدودة من الناس، بل يتوجه إلى الأكثرية وإلى الإنسانية جمعاء. وبذلك تختفي هويته القومية ليكون لمختلف القوميات والأجناس، وعندما يصل الفنان إلى هذا الحد، يصبح فيه خارج عن حدود المكان والزمان، بل يصبح مدرسة للأجيال القادمة. فإذا كان الفن الأصيل هو الذي يحمل ألآم الإنسان وصورة أكثر أناقة للإنسان المتحضر، فان شارلي شابلن واحد من هؤلاء الذين بصموا على صفحة التاريخ الإنساني والفني ، فقد أضحكنا وأبكانا وخلف في أنفسنا مشاعر وأحاسيس لا يمكن لها أن تنسى. - نشأته ومؤثرتها على فنه : ولد شابلن في عام 1889 في لندن وبنفس السنة التي ولد فيها أدلف هتلر في حي عمالي فقير. وهذا مما أثر على فنه، وعندما واتته الفرصة للمجيء إلى الولايات المتحدة لم يتردد وكان هذا عام 1913. ثم بدأ العمل مع شركة سينمائية أمريكية، وقد اختار اللباس والهندام الذي سيكون جزءاّ من أدواره وشخصيته كممثل. فكان المتشرد وكان العاطل عن العمل والملاحق من الدرك والمجرم القانوني. فقد كان ناقدا اجتماعيا وحتى سياسيا مرهفا، مما ساق السلطة الأمريكية في ملاحقته في الخفاء. - أعماله الفنية : بالإضافة إلى أن شابلن ممثل عالمي رائع ، فهو موسيقي وشاعر ومخرج ومنتج. فقد كانت أعمال شابلن كثيفة، ففي عام 1914 مثل وأخرج 35 فلما، حيث ظهر فلم المهاجر في تلك الفترة ليعبر عن الغرباء المهاجرين ومعاناتهم في الوطن الجديد، ثم فلم الشارع الذي صّوره عن الفوضى والفقر عن تلك الفترة ، وبعده أتى فلم (الطفل) المفعم بالحب الإنساني لطفل لقيط لم تستطع أمه تربيته لفقرها، ومن ثم أتى الفلم الرائع ( الأزمنة الحديثة) والذي كان نقدا واضحا للنظام الرأسمالي الذي استعبد الناس، بالإضافة إلى أن الفترة الزمنية التي كانت تحياها الولايات المتحدة هي فترة كساد اقتصادي وهي إحدى الدورات التي تتكرر في هذا النظام. وحتى أن هذا الفلم منع عرضه في كل من إيطاليا وألمانيا. القصة بأن صاحب الشركة يبحث عن الطرق والأساليب لزيادة الإنتاج غير ناظر إلى العوامل الإنسانية بل هو يعامل العمال كجزء من آلات المصنع. وأتى فلم (الدكتاتور) عن أدولف هتلر) حيث جعل منه على الشاشة مسخا ساخرا. وعرضه عندما كان هتلر يحتل أوروبا ويفرض منطقه على العالم. والفلم الذي ترك ضجة في الصحف الأمريكية كان (مسيو فيردو) والتي بدأت مضايقته بشكل علني من المخابرات الأمريكية. والتي انتهت به فيما بعد إلى اختيار المنفى في سويسره بعد إدراكه أن الحكومة الأمريكية لا تبيت له خيرا. والفلم يروي قصة عامل فقير في البنك يحتاج إلى دواء لزوجته وأخيرا ينتقل من عائلة غنية إلى أخرى ليتزوج من الأرامل ويقتلهن ثم يجمع التأمين. وفلم (ملك في نيويورك) والذي يتحدث عن فترة مكارثي في محاكمة الشيوعيين والذي تعرض إلى المحاكمة باتهامه كونه شيوعي. - الرموز الاجتماعية في أفلامه: تركزت معظم أفلام شابلن على مشاكل الإنسان بشكل عام والفقراء بشكل خاص تحت وطأة النظام الرأسمالي الصناعي، فقد اختار لنفسه أن يكون رمزا للإنسان المتشرد الفقير الباحث عن لقمته اليومية. وكان دائما يفعل ما يتمناه الإنسان الفقير المضطهد بأخذ الثأر سوءا من الشرطي أو من ممثلي الطبقة الراقية، فقد ظهرت أوائل هذه الظاهرة في فلمه (المهاجر) الذي رفس لأول مرة شرطي الهجرة عندما خرج من الباخرة أتيا من وطنه الأصلي، ثم تبع أفلامه ظواهر أخرى مثل شد لحية رجل أعمال أنيق أو السخرية منه، فقد صرح في إحدى المقالات الصحفية قائلا: أتعلم لماذا يضحك الناس إذا ما رأوا شرطيا يسير على الرصيف وينزلق ويقع أو رأسمالي أنيق يشد من لحيته، لأن 90% منهم يود فعل ذلك بطريقة لاشعورية. وتكمن نظرته هنا في العلاقة مابين الشرطي والمواطن كون الشرطي يمثل النظام بصورة ما. وربما كان رمز فلم (مسيو فردو) هو الفرد الضائع في المجتمع والذي يصبو إلى الغنى بطرق ملتوية حيث احدث قنبلة ضجت لها الصحف الأمريكية، وربما خلاصة الفلم في نهايته عند المحاكمة عندما يعترف بأنه سفاح لكنه يسأل كيف تشن الحروب ضد الدول الضعيفة لذات الهدف. - الملاحقة الخفية من قبل السلطات الأمريكية: ما إن عرض فلم مسيو فيردو حتى تلقى شارلي شابلن وابلا من الأسئلة العدائية من الصحافة وبدأت السلطات الأمريكية حملتها عليه ومحاولة سجنه. فقد اتفقوا مع فتاة تحت السن القانوني بأن تدعي بأنه اغتصبها، وعندما وضعت الفتاة وليدها أثبت الطبيب الشرعي بأن الوليد لم يكن أبن شابلن . وفي تلك الآونة صرح شابلن للصحافة بأن الحكومة الأمريكية تلجأ إلى هذه الطريقة من البلطجة القانونية لتشويه خصومها السياسيين، ولم تكتفي السلطة لهذا الحد بل ظلت تلاحقه بتلفيق قصة جديدة بأنه خالف أحد القوانين والتي كانت تطبق في الحروب الأهلية. فكتب حول ذلك بأنه كان يستيقظ يوميا صباحا ثم يخرج بعد الإفطار للمحكمة. وأيضا أثبتت براءته في هذه المرة إلا أن ذلك قد وضعه في قوقعة الكآبة والحزن الشديد الذي شعر من خلاله بأنه مجوف من الداخل وجريح وعاري من الكرامة. واستدعي من قبل لجنة مكافحة النشاطات الغير أمريكية إلى واشنطن فاخبرهم إذا كانوا يلاحقونه كونه شيوعيا ، فهو ليس كذلك ولم يحدث بأنه انضم إلى منظمة أو حزب من قبل. ومن جملة الأسئلة التي تقصد التجريح بالفنان العبقري بأن الصحافة وجهت له سؤالا مرة : لماذا لم يتجنس كأمريكي بعد، فأجاب بأنه لا داعي لتغير جنسيته ، فهو مواطن عالمي ، ثم كان السؤال الثاني بأنه يكسب ثروته من أمريكا فقال حسنا. إذا كنت تنظر من المسألة على أساس نفعي فلنجعل الأمور واضحة. إن تجارتي عالمية و70% من دخلي اكسبه من الخارج بينما تحصل الولايات المتحدة على ضرائبها كاملة وهكذا ترى بأني ضيف سخي فيما يدفع. وتدور أسئلة كثيرة وملاحقة المخابرات متواصلة حيث سئل شابلن عن صديق عزيز وموسيقار أمريكي كبير هو (هانز ايزلر) هل تعرف ذلك الشخص؟ فأجاب بأنه صديق عزيز . وهل تعرف بأنه شيوعي ، لا يخصني ماذا يكون فصداقتي لا تقم على أسس سياسية، وقد علق في كتابته على ذلك الموقف قائلا : أحسست بعد الاجتماع بمرارة شديدة في داخلي، فقد أدركت أني أوجه عداءّ مسعورا . وكتب جيم إيجي الروائي الأمريكي الكبير في مجلة التايمز : " ما شعور الإنسان حين يكون فنانا وقد أثرى العالم بكل هذه السعادة وكل هذا الفهم للناس البسطاء، ثم يهان ويتلقى الكراهية من جانب ممثلي الصحافة الأمريكية. - الخاتمة : لم يكن شابلن من المرغوب فيهم من السلطة الأمريكية. وليس هو الوحيد بل هكذا فعلت السلطة مع الروائي العالمي (أرنست همنغواي) الذي كان ملفه بالأطنان عند المخابرات الأمريكية. وعندما شبع شابلن كراهية من السلطة اختار منفى لنفسه في سويسرة حيث مات هناك تاركا أعدادا هائلة من الأفلام الرائعة التي تندرج تحت رداء الفن الإنساني الأصيل. وهكذا خلد شارلي شابلن في تاريخ الفن الأصيل.
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمع والثورة
-
الانسان والتاريخ
-
السيطرة الاقتصادية في المجتمع الامريكي
-
العنصرية ضد الزنوج في الولايات المتحدة
-
الفكر الثوري
-
معانات الطابة العرب في امريكا
-
أنور رجا والصافرات
-
سقوط المثقف في هوة التطبيع
-
سياسة العصا الغليظة
-
من طرزان إلى رامبو
-
كبف تصرفت هيئة الأمم مع أزمةالخليخ الأولى
-
الفارق بين الانتخابات العربية والامريكية
-
سكير ومجرم
-
إنتزاع البراءة
-
الثقافة العربية
-
الثقافة العربية والتحديات
-
عبدالرحمن منيف روائي ملحمي
-
لماذا سقطت بغداد
-
العرقية وحقوق الانسان
-
الأم والزوجة
المزيد.....
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|