أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في ظل الدولة














المزيد.....

في ظل الدولة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6364 - 2019 / 9 / 29 - 23:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في سلوك الفئات السورية الموالية التي تقطن المناطق "غير المحررة" توجد مفارقة صريحة. فمن جهة يسكت هذا القطاع من المجتمع عن القصف اللاتمييزي على مناطق تشهد مواجهات، وعن مجازر طائفية رهيبة ذات غرض ردعي، تقوم بها تشكيلات تابعة بشكل رسمي أو بشكل غير رسمي للنظام، ومن جهة ثانية يقبل هؤلاء الناس أعداداً كبيرة من النازحين السنّة من المناطق الساخنة والمدمرة، وعدم التعرض لهم بالأذى لا بل والتعامل معهم، في حالات غير قليلة، بمستوى عال من الإنسانية.
في هذه المناطق لا تزال الدولة تتوسط بين الناس وبين الشأن العام، أي لا يزال الموالون يتخلون للدولة عن الحق العام ويقبلون سلطتها. ولا تزال الدولة، بثقلها التاريخي الراسخ في الثقافة الشرقية كمؤسسة عليا تتمتع بقيمة أبوية و"ماورائية"، تسيطر على العلاقة بين الناس وشؤونهم العامة. والأهم أن الجمهور العام لا يحتفظ في وعيه بتمييز واضح بين الدولة والسلطة. وليس مرد ذلك إلى علة في وعي العامة بل إلى ما تكرس من علاقة بين السلطة والدولة في هذه المنطقة من العالم. والحقيقة أن غياب هذا التمييز ترك آثاره على المعسكر المعارض للنظام أيضاً في ظهور اعتداءات على مؤسسات دولتية غير قتالية، في دلالة مؤداها إن إضعاف الدولة طريق إلى إضعاف السلطة.
وفي المخيلة العامة هناك ما يبرر للدولة كل ما تقدم عليه. فالدولة في الوعي العام عندنا لا تحتكر الحق في استخدام القوة فقط، بل وتحتكر المعرفة وبالتالي تحتكر الحق في التصرف. تجد في الثقافة الشعبية المكرسة منذ قرون قيمة عالية (لابن الحكومة)، وتجد فيها أيضاً حكم شعبية متداولة تنصح بعدم التصادم مع الدولة فلا أحد قادر على الدولة ولا الدولة تسكت عن حق لها مهما طال الزمن. مثلاً، حين تعتقل الدولة شخصاً وتحتفظ به، يصعب أن يقتنع أحد بأن هذا الشخص بريء، فللدولة دائماً حكمة في ما تفعل. لماذا لم تعتقل شخصاً آخر؟ هكذا تصبح الحال حين يتخلى الناس لقرون طويلة عن حقهم في المعرفة وبالتالي يتحولون إلى كتلة بشرية تشتغل فيها آلة "حكيمة" اسمها دولة، هي في وعيهم أشبه ما تكون بإله دنيوي مؤقت. وهذا ما يفسر جزئياً تفكك الدولة السوفياتية حين تحولت من دولة "ما ورائية" إلى دولة أكثر دنيوية وأقل معصومية، بفعل بيريسترويكا غورباتشوف التي فكت احتكار المعرفة وتبنت سياسة الشفافية (الغلاسنوست).
كان الطريق الذي انتهجته الثورة السورية بقلب النظام (المتماهي بالدولة) عسكريا من الداخل، طريقاً شاقاً لأنه مضاد للثقافة الشعبية المترسخة حيال الدولة. ولأنه يتطلب مواجهة أجهزة الدولة "المقدسة" ولاسيما منها الجيش. ولكن الجمهور الذي لم يقطع مع النظام والذي شعر بغربة عن الحراك أو بعداء له، لم ينفك عن نظرته المستلبة للدولة. وفي هذا تفسير للمفارقة المذكورة أعلاه.
الإيمان بالدولة وإيكال الأمر لها، كما اعتاد الناس دائماً، هو ما يفسر لنا مثلاً ما شهدناه مؤخراً من استسلام قرويي ريف شمال اللاذقية للهرب حين هوجمت قراهم من جانب مسلحين معارضين. فعلى سبيل المثال، في المناطق الكردية حيث انسحبت الدولة وتركت الناس هناك لشؤونهم، واجه الأكراد هجوم جبهة النصرة والكتائب الإسلامية الأخرى وردوها عن مناطقهم، لأنهم تولوا أمرهم بيدهم ولم يكن ثمة دولة يتركون على عاتقها أمر حمايتهم، كما حدث مع قرى ريف اللاذقية الشمالي حيث الأهالي على قناعة بأن "دولتهم" موجودة وهي تعرف وتتصرف، ويفترضون أنها تقوم بواجبها تجاههم. والواقع أن ما حدث في ريف اللاذقية الشمالي هو تكرار لما حدث قبل حوالي السنة في منطقة الحفة أيضاً. فالأهالي الذين أوكلوا أمرهم إلى الدولة ظلوا ينظرون إلى أنفسهم كقاصرين ترعاهم وتوجههم الدولة، وظلت الدولة وسيطاً بين هؤلاء وبين ما يجري من أحداث عامة.
حين تضرب الدولة مناطق سكنية بالصواريخ البالستية فإن ثمة خانة جاهزة وسهلة في مخيلتهم تستوعب هذا الأمر على أن الدولة تمارس حقها في مواجهة عنف يستهدف مؤسساتها أو يستهدف مواطنيها. هذه الخانة تستدعي تلقائياً وجود خانة مجاورة تستوعب من يستهدف مؤسسات الدولة ومواطنيها على أنهم "مخربون أو إرهابيون". وفق هذا الوعي الذي لم تمسه فكرة الثورة، يصبح قتل المدنيين مجرد آثار جانبية "لا بد منها" لمعالجة التخريب والإرهاب.
ووفق هذا الوعي يصبح احتضان النازحين من هول المواجهات تأكيد على "إنسانية" حامليه وشهادة على "وطنيتهم"، واصطفاف إلى جانب الدولة في ممارستها وظيفتها "الطبيعية". وعلى هذا الضوء تنفك عقدة المفارقة التي ذكرناها لتغدو انسجاماً وتكاملاً.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نعمة -العدو-
- تونس، لا خلاص بالأفراد
- تشبيح معكوس لهدف واحد
- لغة الثورة، ثورة اللغة
- الأسد ومخلوف، اهتراء النظام
- خراب الاجتماع الوطني في سورية ولبنان
- ما وراء الطعوم
- قصتنا العسيرة
- في قصة نزاهة الرئيس وفساد الحاشية
- علمانية على هدي الرسول محمد
- نافذة في النافذة
- جبهة النصرة في تحولها أخيرا
- مقطع من المعارضة في ظل حافظ الأسد
- ماتريوشكا الممانعة
- مأزق لحاق الأقليات بالثورة السورية
- معركة الساحل الثالثة، خيار خاطئ
- لون جديد
- عن الانتفاضات العربية ومآلاتها
- من الرئيس إلى البلد.. والمعنى واحد
- منطقان في الثورة السورية


المزيد.....




- زيارة مفاجئة فجرا للرئيس التونسي إلى المزونة والهدوء يعود إل ...
- البنتاغون يعلن تخفيض وجوده العسكري بسوريا إلى ألف جندي
- قاضية تمنع إدارة ترامب من إجراء تغييرات على جوازات سفر -الأم ...
- إعلام: المسودة الأمريكية لصفقة أوكرانيا لا تتضمن ضمانات أمني ...
- خبير عسكري: الجيش الروسي يقطع شريان حياة المقاتلين الأوكراني ...
- الرئيس الكونغولي السابق كابيلا يعود من منفاه إلى غوما الواقع ...
- -تبت إلى الله-.. تفاصيل التحقيق مع مدرس استدرج طالبة إلى منز ...
- رئيس أركان البنتاغون يغادر منصبه قريبا بعد فضيحة تسريب معلوم ...
- ماكرون يدعو الباحثين من جميع أنحاء العالم إلى اختيار فرنسا و ...
- مجلس الشورى الإيراني: يجب أن يعود الاتفاق مع الولايات المتحد ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في ظل الدولة