أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 5














المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6364 - 2019 / 9 / 29 - 00:18
المحور: الادب والفن
    


واقعة الفتنة، مثلما أسلفنا، جرت قبل ولادة ليلى بنحو عشرة أعوام. واقعة أخرى، تمتُّ للملهاة لا للمأساة، جدّت بعد تلك الولادة الميمونة بقليل: أحد أولاد العمومة، وصل على حين فجأة إلى الشام ثم انطلقَ نحوَ الحي الكرديّ كي يسأل عن عنوان الأقارب.
" أوسمان "، كان قد حملَ عدة صناديق فوق عربة تجرها الخيل، مصطحباً امرأته.. امرأة قرمزية الشعر، مثل خصلات الأشجار في أوان الخريف؛ مع أنها بالكاد تجاوزت ربيعَ طفولتها. حينَ استغربَ مَن ودّعوه من كثرة الصناديق، وما لو كانت تفيده في رحلة الحج ( كما زعم )، فإنه أجابهم ببساطة: " الأقارب كثر في الشام الشريف، وقد حملتُ لكل منهم بعضاً من غلال بلدتنا كيلا يصيبهم داء النسيان "
" يظهر أنك المصابُ بالداء، ويمكن أن تنقل عدواه لأقاربنا. وإلا فأيّ حجٍ هذا، ولم يمض سوى أشهر قليلة على انقضاء عيد الأضحى؟ "
" ياو، ألا تجوز الصلاة سوى في المسجد! "، ردّ رجلُ العربة وهوَ يفتل طرف شاربه معتقداً أنه فنَّدَ دعوى مُخاطبِهِ.

***
لم يكن أوسمان ساذجاً، بل ويمكن القول أنه كان يتصف بخصلة المكر كأغلب القرويين. برغم ذلك، بكى كثيراً فوق هامة حصانه النافق من التعب، وكان عندئذٍ قد وصل لمدينة حلب. قال له أجيرُ الخان، وكان كردياً من ريف المدينة: " وهل كنتَ تظن فعلاً، أن حصانك سيبلغ بك الشامَ الشريف؟ يا له من تفكير أخرق! ". ثم أكّد الخادمُ، أن السفرَ من ماردين إلى الشام يحتاج لتبديل عدة خيول في خلال الطريق، " وذلك كي تضمن الوصول مع صناديقك الثقيلة إلى دمشق ". علّق المسافرُ مرتاعاً: " هل عليّ شراء الحصان تلوَ الآخر، لينفقوا على درب السفر؟ "
" لا، أيها الصناديقجي اللبيب..! "، رد الآخر بتعبيرٍ تركيّ؛ معتقداً أن الرجلَ معلّمٌ بصنعة الصناديق. ثم تابعَ موضحاً، " ستستأجر خيلاً في كل مرة تنزل فيها بأحد الخانات، وهيَ عديدة على الطريق. أي أنك ستسلم الحصان المتعب، لتأخذ غيره.. وهكذا حتى تصلون إلى الشام بالسلامة إن شاء الله "
" لعلمك، أنا لستُ معلمَ صناديق. وبما أنك تبدو لبيباً ذا خبرة، أود لو تعمل معروفاً وتجيبني على سؤال أخير؟ "
" على الرحب والسعة، تفضل.. "
" أنا ذاهب إلى الشام كي أنضم لأبناء عمومة يعيشون فيها منذ بضعة أعوام، ولكنني لا أعرف عنوانهم هناك. يقال أنها مدينة كبيرة، مثل حلب أو ربما الآستانة؛ فكيف يمكنني الاهتداء لأولئك الأقارب؟ ". عقّبَ الخادمُ بضحكةٍ أولاً، ثم عاد واتخذ مظهرَ الجاد العارف: " أعطِ وجهك لناحية الجبل، وستعثر على أقاربك.. "
" آه، فهمت عليك! شيخ بلدتنا، قال ذات مرة أنّ يوم الحشر سيكون في الشام الشريف؛ ثمة حيث أقام آدم عليه السلام في أحد كهوف الجبل "
" إذاً ستهتدي إلى أقاربك هناك "
" ولكن هنا في حلب، هل تقيمون في ذلك التل؛ أين تتربع القلعة ذات الأسوار المنيعة؟ "
" لا، القلعة مخصصة للوالي وجماعته. نحن الكرد لدينا قرى عديدة، تغطي جبلاً يمكن الوصول إليه في نهار واحد "، قالها ثم أضاف، "إذا عدتَ ثانيةً للخان، لسببٍ ما، فاسأل عن حنّان الكرداغي ". أخذ المسافرُ اليدَ الممتدة إليه، فشد عليها بقوة صادقة: " وأنا أسمي أوسمان المازيداغي. لو أتيتَ بدَورك إلى الشام، ستسأل عني أليسَ كذلك؟ "
" إن شاء الله، إن شاء الله..! "، ردد الخادم ثم مضى إلى مشاغله وهوَ يهز رأساً تكلله عمامة بلون أسود على شكلٍ شبيه بالمخروط.

***
أعتقد أن بالوسع استهلال الرواية بتلك المحاورة، المتخيّلة والواقعية في آنٍ معاً. بالطبع، ستكون ثمة محطات فيما يلي من المتن، نضطر فيها إلى عرض ما لدينا من شهادات وربما وثائق أيضاً. في حقيقة الحال، أننا كنا سنحظى بسيرة رائعة لو أنّ كاتبها كان جدّي لأبي؛ كونه أقرب زمناً لشخصياتها، عدا عن أنه أحدها بالطبع. إلا أنّ الأدبَ في زمنه كان خاضعاً لمعيار متشدد، وهوَ التعبير عن التقرب لله حتى لو كان طيَّ قصيدةٍ تتغنى بجمال المعشوقة. أحياناً، كنتُ أخاطب الجدّ بغير قليل من الموجدة: " لو أنك، على الأقل، سجلتَ يومياتك كمدوّن عامّي للأحداث؛ ألم يكن هذا أكثر فائدة من رجزك البليغ ونثرك المسجوع؟ ".
لندَع الجدَّ الأول بين يديّ خالقه، ولنؤوب إلى سيرة ابن عمه، أوسمان، الذي سيؤسس بدوره فرعاً خاصاً في شجرة عائلتنا. سنقول إذاً أنه وصل إلى الشام، وانبهر بما رآه من عجائبها مثل كل الغرباء؛ كلهم، بما فيهم الرحالة الأوروبيين.. بله هو بالأحرى، القادم من أحد أرياف ماردين. ولو أنه كان يجيد الكتابة، لما وصلت رسالته إلى الأقارب في بلدته؛ اللهم إلا أن يحمّلها لحمامة من النوع الزاجل.. وكان سيُسكرهم حتماً بخمر كلماته عن مشاهد " الشام الشريف "، والتي كانوا قد سمعوا بها قبلاً، نقلاً عمن مر بها في طريقه للحج.
غير أن الشيء المؤكد ـ بعيداً عن أيّ تدخل من المخيّلة ـ هو أنني أتكلم عن رجلٍ سيقترن ابنهُ الوحيدُ بصغرى بنات بطلة سيرتنا. بلى، أتكلم عن والد جَدَيّ لأمي؛ " صالح " و" ريما ". لكن قرانهما سيحصل في مبتدأ عشرينات القرن التالي. فيما أننا الآنَ ( أعني في زمن سيرتنا بمستهل سبعينيات القرن التاسع عشر ) كنا نتابع ذلك الرجل، أوسمان، الداخل حديثاً إلى دمشق برفقة امرأته.. امرأة طفلة، تحملُ علاوة على حُسْنَها، اسماً كردياً جميلاً، " شَمْلَكان "، يبدو وكأنه مشتقٌ من اسم الشام نفسه..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1
- عاشوريات
- عصير الحصرم 76
- عصير الحصرم 75
- عصير الحصرم 74
- عصير الحصرم 73
- غرائب اللغات 2
- عصير الحصرم 72
- واقع، حلم ثم كابوس
- الصعلوك
- مدوّنات: إخباريون وقناصل/ القسم الثاني
- الحطّاب العجوز
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 7
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 6
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 5
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 4
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 3


المزيد.....




- “استقبلها وخلي ولادك يفرحوا” .. تردد قناة Mbc3 الجديد لمتابع ...
- توقعات تنسيق الجامعات للثانوية العامة 2024 لكل من الشعبة الأ ...
- “نزلها حالًا” .. تردد قناة ماجد الجديد على النايل سات لمشاهد ...
- الفنان المصري محمد هنيدي يروي تفاصيل معاناته لـ15 عاما قبل ش ...
- بعد اعتدائه على سائق شاحنة بصخرة.. محكمة بلجيكية تخفف عقوبة ...
- نقيب الفنانين بمصر: واقعة وفاة الفنان تامر ضيائي قيد التحقيق ...
- خالد زهراو: ورش صناعة الصورة والأفلام تهدف لتطوير مهارات الش ...
- «ثبتها الان» استمتع الآن بمشاهدة الأفلام الحصرية تردد روتانا ...
- القصة الكاملة لوفاة الفنان تامر ضيائي بعد صفعة من فرد أمن.. ...
- من يوبا الأول إلى السلطان إسماعيل العلوي.. عاطفة الأمس تثري ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 5