|
مسودة دستور أم تناقضات بلا حلول ؟
محمد مشير
الحوار المتمدن-العدد: 1554 - 2006 / 5 / 18 - 10:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في سياق مناقشة مسودة مشروع كبير و جديد من حيث الشكل و المحتوى ، كمشروع مسودة دستور العراق الدائم ، قد تتعارض الاراء و المواقف و وجهات النظر و هذا من بديهيات الامور و اولوياتها،و لا اظن بأن أحدا يتعارض مع هذا من حيث المبدأ، سيّما اذا كان مؤمنا بمباديء الديمقراطية و الحوار الحر البناء في سبيل اغناء المشروع بما هو تقدمي و انساني يضمن التوازن لجميع التيارات الفكرية و السياسية المتصارعة داخل اطار عراق موحد متفق على نظام حكمه المستقبلي ، و تحديد آليات الدولة و مؤسساتها بما يخدم المواطن و بما يصون و يعزز اسس الوحدة الاختيارية ، ولكن لا يمكن ان نسمي هذه الوحدة اختيارية و لا هذه المسودة دستورا اذا غصبت جهة على حساب الجهات الاخرى حقوقا تدل على هيمنتها الواضحة سيّما و ان الاكثرية – رغم تحفظ بعض الجهات التي تسعى العودة الى القديم و الى النظام المركزي الشمولي – تتحدث عن عراق جديد بعيد عن الدكتاتورية و القمع و الارهاب، عراق يضمن للجميع الحقوق التي يستحقها و يصون كرامة الانسان العراقي و يعيد بناءه بغض النظر الى انتمائه القومي أو الديني أو الفكري... و ان دلت مثل هذه الهيمنة على شيء في المسودة المطروحة للأستفتاء العام ،فأنما تدل على ان على ارض الواقع العراقي الراهن ثمة تناقضات جديدة لا يمكن غض النظر عنها كالنعامة ، و انما يجب التعامل معها كحقيقة ملموسة لمعالجتها بموضوعية و في ضوء معطيات واقع العراق التنوعي و التعددي الذي يفرض بطبيعته حلولا وسطا لا غير. فلا يمكن لطرف ان يستغني عن الانفصال على الرغم من ان الاكثرية الساحقة التي يمثلها هذا الطرف تؤيد الانفصال ، بينما يصر طرف آخر على اظهار المسودة بطابع ديني ضاربا عرض الحائط تطلعات و آمال شرائح و فئات كبيرة من المجتمع العراقي في الحرية وبناء مجتمع يفصل الدين عن الدولة . و لو امعنا النظر في المسودة (1) لرأينا بأن هذه الهيمنة جلية و واضحة ناهيك عن انها جعلت المسودة (و امام ناظري العقول العراقية المعروفة بتقدميتها وباعها الطويل في صياغة مسودة دستور يضمن للعراق الموحد اختياريا – ما لم تكن الاختيارية و الاتحادية مفتعلة لمجرد كسب الوقت في اللعبة السياسية- الدوام و مستقبل افضل بكثير ) فارغة المحتوى ، بحيث تصبح جميع البنود التي وردت فيها، و التي تتحدث عن الحريات و حقوق العامة من الشعب ، و على وجه الخصوص الطبقات التي ترزح تحت وطأة عدم توفير الامن و الاستقرار و فرص العمل والارتفاع المتزايد للاسعار و الغلاء الفاحش....،لاغية ضمنا اذ لايمكن تصور تحقيق هذه الوعود المزركشة في ظل مسودة دستور تحمل في طياتها تناقضا كبيرا لا يمكن لسليم العقل تجاهله أو عدم الانتباه اليه . ففي الباب الاول/ المباديء الاساسية / وفي المادة (2 ) اولا ، ورد مايلي – ( الاسلام دين الدولة الرسمي و هو مصدر اساس للتشريع ): أ- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام. ب- لا يجوز سن قانون يتعارض مع مباديء الديمقراطية. نتساءل هنا کیف یتم التعامل، و في ظل مثل هذه المادة ، بموضوعية وبناءا على مباديء الديمقراطية مع حقوق المرأة ؟ الا تتعارض مباديء الديمقراطية مع ثوابت احكام الدين في هذا الباب ؟ فثوابت الاسلام هي ان للذكر مثل حظ الانثيين . بينما مباديء الديمقراطية توجب مساواة الذكر و الانثى في الحقوق فلا يمكن حرمان الانثى من حقوقها الطبيعية المشروعة لمجرد كونها انثى، افلا تنتقص اهلية المرأة القانونية عندما نعتبر مرأتين بمثابة شاهد واحد في المحاكم ؟! هذه المادة من الباب الاول تكفي لمصداقية ما ذهبنا اليه ، و هي بحد ذاتها تكفي لعدم بحث و دراسة بقية الابواب التي ولدت و هي ميتة لا حول لها و لا قوة ، و هي ليست الا مواد لتزيين نعش الدستور. لذا يمكن الجزم بان المسودة بصورتها العامة ، بعيدا عن التغازل النفعي مع هذه الجهة أو تلك ( هذا الطرف أو ذاك ) تطغي عليها طابعها الاسلامي ، و لا يمكن لافكار( القروسطية ) ان تقدم حلولا جذرية لمشاكل العراق المزمنة من اضطهادات قومية و مذهبية وسياسية و جنسية ، بل تصلح لتكون افكارا شخصية تحترم وفق الدستور لا دستورا تبنى عليه الامال . و كفانا ذر الرماد في اعين تغفو و هي مثقلة بهموم و اوصاب الماضي الدموي القريب الذي ما زال متجسما على صدور العراقيين ككابوس مرعب مخيف .
1 – تم التصويت على مسودة دستور العراق الدائم في 15 /10 /2005 و لم يطرأ اي تغيير يذكر على المسودة بصورتها العامة ، بل نتيجة لاختلاف الاراء و وجهات النظر ما زالت هناك اكثرمن 50 مادة معلقة ليتم معالجتها فيما بعد بقانون .
#محمد_مشير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|