|
هل يطالب الكرد في سوريا بدولة !
اكرم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 6359 - 2019 / 9 / 23 - 11:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعكس مقولة وزير الزراعة والاصلاح الزراعي " مصطفى حمدون" في عهد الوحدة حقيقة موقف القومية العربية من الحقوق الكردية. فعندما كان يراجعه الفلاحون الكرد بمناسبة توزيع الاراضي على الفلاحين اثناء زيارته لمنطقة الجزيرة كان يواجههم بالقول " الكردي ما الو شي عندي" . لقد تحركت وانتشرت موجة الشوفينية العنصرية في سوريا منذ اواخر الخمسينات وازدادت في عهدي الوحدة والانفصال ، ووصلت الى حد الفاجعة في عهد حزب البعث ، الذي طبق العديد من المشاريع التمييزية والاستيطانية بحق الكرد. فالبعض حاول ان يخلق اشكالية عربي- كردي ويضعها بقوة في جواراشكالية اكثري- اقلوي وتناقض رئيسي ، مصدره ، نبذ عالم ما بعد السلطنة وموقع الهيمنة السنية فيها . فبعد انهيار الامبراطورية العثمانية ، وتقسيم ممتلكاتها بين الدول الاوربية بموجب مقررات اتفاقية سايكس بيكو، الحق جزء من الشعب الكردي وارضه بالكيان السوري ، ووردت المسألة الكردية عبر نصوص قانونية صريحة على المستوى الدولي –معاهدة سيفر 1920- معاهدة لوزان 1923 - وتحولت الى مشكلة دولية واجهت عصبة الامم المتحدة خلال الاعوام 1922 وحتى 1925 ورغم ان تقسيمات سايكس بيكو قد رسمت الحدود بين سوريا وتركيا لمرات عديدة ، الا ان الكرد بقوا في مناطقهم التاريخية رغم تقطيع اوصالها ، وذلك في الشريط الحدودي السوري التركي العراقي ، والمسمى تاريخيا ببلاد ما بين النهرين ( ميزوبوتاميا) حيث كانت مهدا للحضارات القديمة منذ الاف السنين ، ومنطقة حيوية في كل الاتجاهات . بعد الانتداب الفرنسي اعلن المندوب السامي في تشرين الثاني 1920 تقسيم سوريا الى اربع دويلات ، وهي حلب في الشمال ودمشق في الجنوب – جبال العلويين -وجبال الدروز - وابتداء من عام 1925 توحدت دولتا حلب ودمشق ، وتكونت منهما دولة واحدة ، سميت بالدولة السورية ، تحت اشراف فرنسا. خاض الكرد في سوريا نضالا وطنيا ديمقراطيا من اجل رفع الغبن القومي عن كاهلهم ، ونتيجة لذلك ، زج العديد منهم في السجون والمعتقلات ، وطردوا من الوظائف والدوائر الرسمية ، وعملوا جنبا الى جنب مع المعارضة وفي اطارها – اعلان دمشق للتغيير الديمقراطي- الا ان النخب السياسية العربية كانت مهيأة لرفض الكرد كشعب وحقوق – وليس كأفراد- ولا زالت تختزن في ذاكرتها القومية موقفا سلبيا تجاه القضية الكردية – تصريحات الزعبي واحمد كامل وعطا الله وبعض جماعات المعارضة الاخرى – ويعود ذلك الى ثورة البارزاني الخالد في العراق وما يجري الان في الاقليم الفدرالي الكردي وفي روج افاي كردستان ، حيث يرون في كل ذلك تهديدا حقيقيا لوحدة العراق وسوريا . فقد كان زكي الارسوزي يشبّه الكرد " بالجرذان" في حين كان ميشيل عفلق يعتبر كل من سكن الوطن العربي هو "عربي" في الوقت الذي كان الكرد دائما مع استقلال سوريا وسيادتها ووحدتها ، ووقفوا في وجه الانتداب الفرنسي وابان التحالفات ( ابراهيم هنانو – يوسف العظمة ) ورغم كل الممارسات الشوفينية والعنصرية تجاه الكرد ، الا ان شعارهم كان دوما الاخوة العربية الكردية ، وتامين الحقوق الثقافية والسياسية والاجتماعية في اطار وحدة البلاد ، الا ان الذهنية العربية لم تستطع ان ترى ابعد من انفها ، ولم تستفد من دعوات الكرد بالاعتراف والاندماج في الهوية الوطنية السورية ، وكانت تتشدد تجاه الكرد ، وتصدر بحقهم المزيد من القوانين والاجراءات ، وتتهمهم باقتطاع جزء من الاراضي السورية والحاقها بدولة اجنبية (الانفصال ). ومنذ اليوم الاول للثورة تموضع الكرد الى جانب الحركة السياسية التغييرية ، لا بل كانوا جزءا اساسيا منها ، ورفضوا دعوة راس النظام للقاء بهم ، وكان شعارهم واحد واحد واحد الشعب السوري واحد ، وامتلات بهم الساحات والشوارع كما شاركوا في مؤتمرات المعارضة ومكوناتها – المجلس الوطني السوري، الائتلاف الوطني لقوى الثورة و المعارضة – ولم يكن همهم سوى رحيل الاستبداد واقامة دولة ديمقراطية علمانية تعترف وتصون حقوق جميع مكوناتها ، وخلت كل وثائق الاحزاب الكردية من اية اشارة الى الانفصال او أي شكل من اشكال الكيان القومي رغم تمايزهم عن العرب والاثنيات الاخرى تاريخيا وسياسيا وثقافيا وموضوعياً . كما ابلوا بلاء قل نظيره في مواجهة الارهاب الداعشي ، وانتصروا بدماء عشرات الالاف من الشهداء والجرحى ، وبالرغم من كل ما تم ذكره وهناك الكثير ايضا ، لا زال البعض يشكك بنوايا الكرد ، ويتهمهم بابشع الصفات والنعوت الى درجة نزع صفة الوطنية والانسانية والاتهام بالتطهير العرقي . من حق الكرد ان يقرروا مصيرهم ، ويكون لهم شكل من اشكال الادارة او الحكم الذاتي او ينفصلوا عن الدولة السورية . فالأوطان حين تنشأ كما يقول حازم صاغية تستدعي ما أُسمي " اساطير مؤسسة " والاساطير تطل على الخرافات وتشركها في الهبة التاسيسية ، هكذا يخترع جدود واسلاف مشتركون كما تخترع انتصارات وشهداء " لنا جميعا" حسب صاغية ، وكما لاحظ المؤرخ وعالم السياسة البريطاني بنديكيت اندرسون ، يحتل الموت موقفا مركزيا في هذا المشروع ، فيناط بالجندي المجهول وباضرحة العظماء والابطال ان يكونوا الانصاب الدالة الى امة واحدة، هذه الامة حسب بنديكيت هي "جماعة متخيلة" جماعة يتغلب تخيلها على استحالة التعارف الشخصي بين ابنائها الكثيرين ، ورغم توفر هذه العناصر ، فان الكرد يعرفون اليوم تمام المعرفة بان توازنات القوى الاقليمية والدولية لا تسمح لهم بقيام دولة كردية في المدى المنظور. اذاً التحدي الاكبر أمام الكرد اليوم هو في مدى إمكانية أن ينظر الكرد إلى قضيتهم ، في اطار الوطنية السورية ، للوصول إلى أفضل تصور للمستقبل ، و بناء "دولة وطنية " قائمة على “عقد اجتماعي” جديد يفتح صيرورة التشكل ، ويفسح المجال لقيام "شعب سوري" وهوية" وطنية جامعة". بدءاً من الاعتراف بالحقوق المتساوية للمواطنين بغض النظر عن العرق اوالدين اوالجنس، ولا ينتهي عندها. فالحقوق يجب أن تشمل الحقوق القومية والثقافية واللغوية والعادات والتقاليد لجميع السوريين من مختلف الأعراق والقوميات بلا استثناء. يضاف إلى تلك الحقوق ، الحقوق السياسية الخاصة بالكرد بما في ذلك حقهم في تقرير مصيرهم والى ان يتحقق ذلك ، فانهم يرغبون بالعمل في اطار الدولة السورية بصفتهم كرد سوريون على ان تراعى خصوصيتهم وتحفظ حقوقهم عبر الدستور والتمثيل العادل في مختلف وزارات واجهزة الدولة وخاصة في المناطق التي يشكلون اكثرية عددية فيها .
#اكرم_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رهانات الواقع الكردي والخيارات الصعبة ..!
-
وجهة نظر اولية في الراهن الكردي والسوري (للنقاش)
-
في ««اوهام وحدة الصف الكردي»»
-
مرة أخرى حول المجلس الوطني الكردي.؟!
-
سنتان على رحيل الشاعر الكردي فرهاد عجمو ماذا تغير ..!
-
الاحزاب الكردية واعادة «ضبط» المصنع
-
تحديّات في مواجهة المجلس الوطني الكردي
-
عبد الباقي صالح اليوسف في « مرآة الحدث »
-
في نقد السياسة الكردية وهشاشتها ..!
-
هل من حاجة لإطلاق حوار جديد حول الحقوق القومية الكردية في سو
...
-
قراءة نقدية في واقع -الادارة -..!
-
صك «الاستسلام» في ادلب؟
-
في الذكرى السابعة لاغتيال سنديانة الثورة السورية مشعل التمو
-
في الذكرى الاولى....انا اؤيد الاستفتاء..!
-
الهروب!
-
تراتيل الدم
-
يابني.....
-
دعوة.....
-
وصايا ...
-
صرخة
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|