|
العملية الانتخابية والسلوك الديمقراطي
زهير الخويلدي
الحوار المتمدن-العدد: 6359 - 2019 / 9 / 23 - 11:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" يجب أن توفر الديمقراطية للأضعف نفس الفرصة التي توفرها للأقوى" - الماهاتما غاندي- لعل الحدث الاستثنائي في العالم العربي هو العملية الانتخابية التي تنظم في خريف 2019 بتونس على ثلاثة دورات ويتعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في دورتين والانتخابات التشريعية للبرلمان في دورة واحدة. ولقد وقع إثارة مشكلة التقيد بالقيم المدنية والمنظومة الديمقراطية عند إعداد القائمات والحملات الانتخابية وتم اثارة إشكالية مدى احترام السلوك الانتخابي للمبادئ الديمقراطية. من المفروض أن تندرج الانتخابات ضمن التداول السلمي للسلطة وأن تخضع لعدد من الشروط والصفات الموضوعية وأن تتم في كنف التنافس النزيه والمبارزة المعقولة والنقاش العمومي والحوار المدني المتفق مع المعايير الدولية وأن تستمد مصداقيتها من توفر عدد من العناصر التكوينية والأبعاد الذاتية وأن ترتبط نزاهتها باحترام الأحزاب المتنافسة والقوى المساندة لها والشخصيات المتقدمة لمجموعة من المبادئ الديمقراطية مثل التنسيب في المواقف والتسامح في التعامل مع الغير والنزعة السلمية واحترام رأي الآخرين والتعهد بالمحافظة على المكاسب الدستورية وامتلاك ثقافة الحكم وقبول النتيجة بروح رياضية والاستعداد للتنازل لفائدة الصالح العام ونبذ التعصب والأحكام المسبقة الاستبدادية والتواضع والاستعداد لتقاسم السلطة مع الشركاء والابتعاد عن التباغض والكف عن إعادة إنتاج الأحقاد والصراعات الدفينة والمضي نحو المشاركة المواطنية للمكونات المتنوعة للملأ الديمقراطي دون تمييز أو إقصاء. فماهي مواصفات المرشح المثالي؟ وعن أي سلوك حضاري يجب أن يتقيد به الناشطون؟ وماهو دور الناخبين في إنجاح العرس الديمقراطي؟ وهل يساعد الزيادة في المرقابين والملاحظين في تنقية الأجواء؟ من المعلوم أن العملية الانتخابية تتكون من الناخبين والمرشحين والمؤسسات التي تنظم التجربة والوسائط الإعلامية التي تتدخل في ترتيب العلاقة بين الأطراف الثلاثة والمضامين الدعائية التي يتم تداولها بينها. المرشحون: من المفروض أن يتقيد كل مرشح باللوائح التنظيمية للعملية الانتخابية وأن يحترم الصمت الانتخابية وأن يلتزم بالدعاية لنفسه ولقائمته في الزمن المخصص له وفي المكان المخصص له أيضا وألا يتخطى اللياقة الديمقراطية وأن يكون خطابه وأسلوبه وبرنامجه متفقا مع القيم المدنية والثوابت الدستورية. الناخبون: من البديهي أن يلتزم المقترعون يوم الانتخاب بالمبادئ الديمقراطية وأن يتصفوا برح التحضر والمدنية وأن يمارسوا مهامهم في كنف حرية الاختيار والاقتناع وأن يعبروا بصدق عن الضمير الشعبي وألا يؤثروا في سلوك غيرهم وألا يتدخلوا في نواياهم في التصويت وأن يتركوا لهم فرصة ممارسة حقهم بكل شفافية واستقلالية وأن يدعوا الى مرشحين ضمن الأطر التي تم التنصيص عليها من الجهة المنظمة. المؤسسات: تتكون من مختلف الهيئات التابعة للمرفق العمومي والخاص والتي عهد إليها تنظيم وتأطير ومراقبة العملية الانتخابية والإشراف على سيرها العادي وإرشاد كل من المرشحين والناخبين إلى ضرورة الالتزام بالقوانين واللوائح واحترام المبادئ الديمقراطية وتلتزم هي نفسها بالحياد والاستقلالية. الوسائط الاعلامية: تتمثل في القنوات التلفزية والإذاعات والصحف ووسائل الاتصال الحديثة التي تنشط في الفضاء الافتراضي وفي الأماكن المخصصة من جملة المؤسسات لتنظيم الحملات الانتخابية والإشهار والدعاية وتكون مطالبة بالتقيد بالضوابط المهنية والابتعاد عن التحريض والثلب للمرشحين والمنظمين. فهل عملت مختلف العناصر المكونة للمشهد الانتخابي على احترام القيم الديمقراطية والمبادئ المدنية؟ والحق أن جميع الملاحظين سجلوا نقاط ايجابية مشجعة في سلوك المرشحين والناخبين والهيئات والوسائط وخاصة في مجال احترام القوانين والالتزام بالسلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي ونبذ العنف والتحلي بالمسؤولية والواجب في علاقة بالمكاسب الوطنية والحرص على إنجاح العملية في كنف الهدوء. ولكن تم تسجيل بعض الاخلالات الطفيفة في مستوى تجاوز السقف الأعلى من الإنفاق على الحملة الانتخابية وبقاء مصدر الأموال المعدة للغرض في كنف المجهول والتوجه نحو شراء بعض الأصوات. في الواقع أبدت النخبة السياسية الكثير من النضج والوعي والذكاء على مستوى تسويق البرامج واستمالة الناس وبان بالكاشف أن الجمهور على قدر محترم من الذكاء والنباهة بحيث يستطيع الفرز والانتقاء واختيار الأجدر واتصفت الهيئات الراعية بالنجاعة والعقلية المؤسساتية والمهنية ومارست وسائل الإعلام دورها باقتدار ووظيفية وحاولت إنصاف كل المرشحين على قدر المساواة وإشراك الكثير من الناخبين. بيد أن شريحة من الجمهور الانتخابي وقع التلاعب بإرادته ومازال ينتخب تحت الضغط والتوجيه وبرزت العاطفة والمال والجهوية والمصلحة المباشرة كأهم محدد في اختيار المرشحين وحاول بعض المشاركين استغلال مؤسسات الدولة واستدراج منظمات المجتمع المدني وبعض النقابات لصالحه على حساب غيره. في نهاية المطاف يظل احترام المشارك في العملية الانتخابية للسلوك الديمقراطي هو المعيار الذي يمكن الحكم من خلاله على مصداقية المسار ونزاهة التجربة المدنية وسلامة المنظومة السياسية وصحة النتائج ومطابقتها للواقع الموضوعي واحترام إرادة الناخبين واعتراف المرشحين بالنتائج المعلنة بروح رياضية. لكن أليست " أي فئة تطمح إلى الهيمنة يجب عليها أولا التمكن من السلطة السياسية لتمثل بدورها مصالحها الخاصة كأنها مصالح عامة" كما يقول كارل ماركس في حديثه عن صلة الاقتصاد بالسياسة؟ وهل يمكن حصر التجربة الديمقراطية في العملية الانتخابية؟ وماذا يمنع بقية المجتمعات العربية من ممارستها بكل حرية؟ ومتى ينتهي زمن التسلط والاستبداد ويهل زمن التعدد والتداول السلمي على الحكم؟ كاتب فلسفي
#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة الشعبية بين المد والجزر
-
النظرة الحسية والرؤية الوجودية والإبصار المعرفي
-
أدب المناظرة والتأسيس الديمقراطي للحياة السياسية
-
السباق نحو الرئاسة في الانتخابات التونسية
-
أسبقية الوجود على الماهية عند صدر الدين الشيرازي
-
نور الدين البطروجي وميلاد علم الفلك الحديث
-
الميزان الطبيعي عند أبي بكر الرازي
-
مجمع الأنا وفرضية الرجل المعلق عند ابن سينا
-
معنى حضور الإنسان في العالَم
-
صدور كتاب تطبيقات فلسفية
-
نظرية الأعداد وعلم الهندسة عند ثابت ابن قرة
-
كيف يتحقق الاستقرار الاجتماعي في ظل التفاوت بين الطبقات؟
-
تطور علم الميكانيكا عند ابن ملكا البغدادي
-
عمر الخيام واستخدام العدد المجهول
-
أدب السلاطين وحكمة المشرقيين عند ابن المقفع
-
رحيل الرئيس الباجي والانتقال السلمي للسلطة
-
خصائص علم الكيمياء عند جابر ابن حيان
-
الشك التجريبي وعلم المناظر عند ابن الهيثم
-
علم الجبر والحساب عند أبي جعفر الخوارزمي
-
فكرة النشوء والارتقاء عند أبي علي مسكويه
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|